مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى تضمنتها فتاوى الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع
السنة السادسة والعشرون (من أول اكتوبر سنة 1971 الى آخر سبتمبر سنة 1972) - صـ 147

(فتوى رقم 95 بتاريخ 31 من يناير سنة 1972 ملف رقم 32/ 2/ 282)
(47)
جلسة 12 يناير سنة 1972

مسئولية - مسئولية الهيئة العامة لنقل الركاب بالاسكندرية عن تعويض الأضرار التى أحدثتها السيارات المملوكة لها ببعض الأموال المملوكة لمحافظة الاسكندرية نتيجة لفعل تابعيها سائقى هذه السيارات - عدم سريان احكام عقد التأمين المبرم بين الهيئة وشركة الشرق للتأمين فى مواجهة المحافظة - لا يجوز للهيئة ان تدفع مسئوليتها عن تعويض الأضرار استنادا الى التقادم المنصوص عليه فى المادة 172 من القانون المدنى لعدم سريانه فى مواجهة المحافظة - أساس ذلك.
أحدثت بعض سيارات الاتوبيس المملوكة للهيئة العامة لنقل الركاب بالاسكندرية أضرارا ببعض الأموال العامة المملوكة لمحافظة الاسكندرية نتيجة لفعل تابعيها سائقى هذه السيارات. وقد قدم بعض مرتكبى هذه الحوادث الى المحاكمة الجنائية حيث قضى بادانتهم فى بعضها وذلك على النحو التالى... (الحوادث من 1 - 11).
وكانت محافظة الاسكندرية تقوم باخطار الهيئة العامة لنقل الركاب بوقوع الحادث وتطالبها بموجب خطابات عادية باداء قيمة الأضرار التى أحدثتها سيارات النقل العام التابعة لها وذلك خلال المواعيد القانونية، الا ان الهيئة كانت تحيل هذه الطلبات الى شركة الشرق للتأمين التى كانت تنتهى دائما الى عدم سداد قيمة هذه الأضرار وذلك عن طريق منازعتها فى قيمة التعويضات المطلوبة ثم تتعمد عدم الرد على مطالبات المحافظة المتكررة فى هذا الشأن الى أن تمضى ثلاث سنوات أو تتقاعس عن الرد على مكاتبات المحافظة ثم تدفع بالتقادم وكانت توهم المحافظة بأنها (أى الشركة) بصدد بحث المطالبة وذلك بطلب موافاتها بالمستندات الخاصة بهذه الحوادث ثم تخطر المحافظة بانها ستحفظ المطالبة لحين الفصل فى الدعوى الجنائية وغير ذلك من الوسائل التى تفيد فى مجموعها ان الشركة المذكورة لم يكن لديها نية الوفاء بالتزاماتها على الرغم من مطالبة المحافظة لها فى المواعيد المقررة، وعندما كانت المحافظة ترجع على الهيئة العامة لنقل الركاب بصفتها المسئولة أمامها كانت الهيئة تتبنى وجهة نظر شركة التأمين وتزيد عليها بانها لا تستطيع الصلح مع المضرور طبقا لشروط عقد التأمين.
ومن حيث ان الهيئة العامة لنقل الركاب ترفض اداء التعويض المستحق عن الأضرار التى أصابت بعض ممتلكات المحافظة بفعل سائقى سياراتها وذلك على أساس ان عقد التأمين المبرم بين الهيئة وشركة الشرق للتأمين لا يجيز لها أن تتصالح مع الغير المضرور من جراء الحوادث الناجمة عن مصادمات سيارات الاوتوبيس المملوكة للهيئة.
ومن حيث ان المحافظة كانت تكتفى بمطالبة شركة التأمين المشار اليها وديا بقيمة الاضرار التى أحدثتها السيارات التابعة للهيئة، وهو أمر طبيعى لانه لم يكن لها أن تقيم دعوى مباشرة على هذه الشركة ذلك أن المادة الخامسة من القانون رقم 652 لسنة 1955 فى شأن التأمين الاجبارى عن المسئولية المدنية الناشئة عن حوادث السيارات قد نصت على أن "يلتزم المؤمن بتغطية المسئولية المدنية الناشئة عن الوفاة أو اصابة مدنيه تلحق أى شخص من حوادث السيارات اذا وقعت فى جمهورية مصر، وذلك فى الأحوال المنصوص عليها فى المادة 6 من القانون رقم 449 لسنة 1955.. والملاحظ هنا ان مسئولية المؤمن لديه قاصرة على تعويض الاضرار التى تنتج عن الوفاة أو أية اصابة بدنية تلحق المضرور، فلا تتعداها الى الأضرار التى تصيب الممتلكات.
ومن ثم فان المحافظة لم يكن لها أن تقيم دعوى التعويض على هذه الشركة وانما يقتصر حقها فى مطالبة هيئة النقل العام.
ومن حيث ان المادة 178 من القانون المدنى تنص على أن "كل من تولى حراسة أشياء تتطلب حراستها عناية خاصة أو حراسة آلات ميكانيكية يكون مسئولا عما تحدثه هذه الاشياء من ضرر ما لم يثبت ان وقوع الضرر كان بسبب أجنبى لا يد له فيه هذا مع عدم الاخلال بما يرد فى ذلك من أحكام خاصة." وتنص المادة 165 على انه "اذا أثبت الشخص ان الضرر قد نشأ عن سبب أجنبى لا يد له فيه، كحادث فجائى أو قوة قاهرة أو خطأ من المضرور أو خطأ من الغير، كان غير ملزم بتعويض هذا الضرر، ما لم يوجد نص أو اتفاق على غير ذلك". والمستفاد من هذين النصين ان مسئولية حارس الأشياء التى تتطلب حراستها عناية خاصة أو حارس الأشياء الميكانيكية - ومنها سيارات الاتوبيس - تقوم على أساس الخطأ المفترض والضرر وانه اذا لم يكن بمكنه الحارس أن ينفى ركن للخطأ باعتباره مفترضا لدفع مسئوليته عن الضرر الواقع الا أنه يستطيع أن ينفى رابطة السببية اذا ما أسعفه وجود السبب الأجنبى كالحادث المفاجئ أو القوة القاهرة أو خطأ المضرور، أو خطأ الغير.
ومن حيث انه بانزال الاحكام المتقدمة على الحوادث المشار اليها، يبين انه بالنسبة الى الحوادث من رقم 1 الى رقم 11 لا يمكن نفى رابطة السببية بين خطأ السائقين المفترض والضرر الناتج عن مصادماتهم بممتلكات محافظة الاسكندرية، ذلك ان المحاكمة الجنائية فى هذه الحوادث قد انتهت الى ادانتهم سواء بالحكم بالغرامة أو بالحبس او بهما معا، ومن ثم يتعين الالتزام بهذه الاحكام وتقرير مسئولية هؤلاء السائقين تأسيسا على ما تقضى به القاعدة الاصولية من انه اذا أصدر حكم نهائى فى الجريمة من محكمة جنائية فان هذا الحكم يقيد القاضى المدنى بالنسبة الى الدعوى المدنية ومن ثم تقوم مسئولية سائقى الهيئة عن تعويض التلفيات التى اصابت المحافظة بمقتضى هذه الاحكام.
أما بالنسبة الى الحوادث من رقم 12 الى رقم 14 فانه وان كان لم يتم التحقيق فى هذه الحوادث الثلاث سواء بمعرفة الشرطة او النيابة العامة الا انه يبين من مذكرات الأحوال المحررة فى شأنها ان الذين ابلغوا بوقوع هذه الحوادث من الموظفين العموميين الذين يعتبر من صميم عملهم التبليغ والارشاد عن مرتكبى الحوادث التى من شأنها الاضرار باموال الدولة، والذين يتعين اعتبار شهادتهم صحيحة الى ان يثبت عكسها، الأمر الذى لم يتحقق من واقع أوراق النزاع، ويبين من شهادة هؤلاء الموظفين أن مرتكبى هذه الحوادث الثلاث هم سائقى الهيئة وذلك كما يبين مما يلى: -
الحادث رقم 12: ورد بالمذكرة 56 أحوال المنشية المؤرخة 10/ 9/ 1961 ان الخفير المنوط به حراسة ميدان التحرير ابلغ شرطة المنشية انه شاهد سيارة الاتوبيس رقم 291 عند قدومها من شارع النصر متجهة الى محطة الاتوبيس بالمنشية تصعد فوق احد الأرصفة وكسرت اربع قطع حديد من الحاجز الحديدى الموجود على الرصيف.
الحادث رقم 13: يبين من الأطلاع على مذكرة الأحوال رقم 81 احوال شرطة المرافق المؤرخة 7/ 7/ 1962 ان الخفير المنوط به حراسة حديقتى سعد زغلول والخالدين، ابلغ الشرطة بانه اثناء مروره شاهد سيارة الاتوبيس رقم 62 خط 2 تصدم سور الحديقة الكائنة امام القنصلية مما ادى الى كسر السور، وانه حرر ايضا المذكرة رقم 129 احوال شرطة المسلة فى ذات اليوم.
الحادث رقم 14: الثابت من الاطلاع على المذكرة رقم 36 أحوال شرطة المنشية المؤرخة فى 27/ 9/ 1964 بان الشرطى المعين بتقاطع شركة البلاستيك وميدان التحرير أبلغ بأنه شاهد سيارة الاوتوبيس رقم 253 تصدم سياج الحديقة الكائنة بدائرة عمله وتكسر منه حوالى 50 سم اثناء قدومها من المحطة.
أما الحادثتين رقم 15، 16 فالمستفاد من التحقيقات التى اجريت فى شأنهما ان اقوال الشهود تنحصر فى ان السبب فى وقوع الحادث رقم 15 هو انفجار العجلة الخلفية اليسرى للسيارة، وان السبب فى وقوع الحادث رقم 16 هو (تفويت) عجلة القيادة فجأة، والواقع ان هذه الأقوال لا تكفى لدفع مسئولية سائقى هاتين السيارتين لقيام الخطأ المفترض فى حقهما لعدم وجود السبب الاجنبى الذى ينفيه كالحادث المفاجئ او القوة القاهرة أو خطأ الغير أو خطأ المضرور. اذ يشترط فى الحادث المفاجئ وهو العنصر الذى قد يثار بسبب هاتين الحادثتين ان يكون غير منتظر الحدوث ومستحيل مفاداته، فانفجار احدى عجلات السيارة او حدوث عطل بعجلة القيادة يعتبر من الأموال اللصيقة باستعمال السيارات والتى يتعين على سائقيها حساب حدوثها اثناء قيادتهم، خاصة فى المدن، اذ يتعين ان يضعوا سياراتهم فى مركز من السرعة والمكان يؤدى الى تلافى الحوادث التى قد تترتب على حدوث مثل هذه الامور كانفجار احد الاطارات او تفويت عجلة القيادة اثناء السير.
أما بالنسبة الى الحوادث الاخيرة الواردة انفا تحت أرقام 17، 18، 19 فالثابت من التحقيقات التى اجريت فى شأنها ان مرجعها الى عنصرين من عناصر السبب الاجنبى وهما خطأ الغير بالنسبة الى الحالتين رقمى 17، 19 وخطأ المضرور بالنسبة الى الحادث رقم 18.
خلاصة ما تقدم اذن ان سائقى الهيئة العامة لنقل الركاب بالاسكندرية يعتبرون مسئولين عن الاضرار التى لحقت بأموال محافظة الاسكندرية نتيجة الحوادث الواردة تحت أرقام من 1 الى 16 المشار اليها انفا وغير مسئولين عن الاضرار الناجمة عن الحوادث ارقام 17، 18، 19.
ومن حيث انه عن مسئولية هيئة النقل عن الاضرار التى ثبتت مسئولية سائقيها عنها فان المادة 174 من القانون المدنى تنص على ان:
1 - يكون المتبوع مسئولا عن الضرر الذى يحدثه تابعه بعمله غير المشروع متى كان واقعا منه فى حالة تأدية وظيفته او بسببها.
2 - وتقوم رابطة التبعية ولو لم يكن المتبوع حرا فى اختيار تابعه متى كانت له عليه سلطة فعلية فى رقابته وفى توجيهه.
ومن حيث ان الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع سبق ان رأت انه اذا ما ثبتت مسئولية المتبوع عن الحوادث التى تقع منه وتؤدى الى اضرار بالغير فيكون المتبوع مسئولا أيضا عن اعمال تابعه تأسيسا على ان حارس الاشياء الذى يفترض الخطأ فى جانبه على مقتضى نص المادة 178 من القانون المدنى هو ذلك الشخص الطبيعى او المعنوى الذى تكون له السلطة الفعلية على الشئ قصدا واستقلالا ولا تنتقل الحراسة منه الى تابعه المنوط به استعمال الشئ، لانه وان كان للتابع السيطرة المادية على الشئ وقت استعماله، الا انه يعمل لحساب متبوعه ولمصلحته ويأتمر بأوامره ويتلقى تعليماته منه، فانه يكون خاضعا للمتبوع مما يفقده العنصر المعنوى للحراسة ويجعل المتبوع وحده هو الحارس على الشئ كما لو كان هو الذى يستعمله. وذلك أن العبرة فى قيام الحراسة الموجبة للمسئولية على اساس الخطأ المفترض هى بسيطرة الشخص على الشئ سيطرة فعلية لحساب نفسه ومن ثم فقد انتهت الجمعية العمومية الى ان المتبوع يكون مسئولا عن الاضرار التى يحدثها تابعة بصفة اصلية طبقا لما نصت عليه المادة 178 من القانون المدنى فضلا عن مسئوليته عن خطأ تابعة طبقا لنص المادة 174 من هذا القانون.
ومن حيث انه - تأسيسا على ما تقدم - فان الهيئة العامة لنقل الركاب بالاسكندرية باعتبارها حارسة على سيارات الاوتوبيس التى احدثت اضرارا بممتلكات المحافظة فى الحوادث المشار اليها (من رقم 1 الى رقم 26) تكون مسئولة عن تعويض هذه الاضرار بصفتها مسئولة عنها بصفة أصلية وبصفتها مسئولة عن خطأ تابعيها.
ومن حيث انه ولئن كانت المادة 172 من القانون المدنى تنص على ان "تسقط بالتقادم دعوى التعويض الناشئة عن العمل غير المشروع بانقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذى علم فيه المضرور بحدوث الضرر وبالشخص المسئول عنه وتسقط هذه الدعوى فى كل حال بانقضاء خمس عشرة سنه من يوم وقوع العمل غير المشروع"، الا ان الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع سبق ان انتهت الى ان هذا التقادم لا يسرى بين الجهات الحكومية والهيئات العامة التى لا تكون المطالبات بينها عن طريق الدعاوى امام جهات القضاء. ومن ثم فانه لا يجوز لهيئة النقل العام ان تدفع مسئوليتها عن تعويض الاضرار التى لحقت بممتلكات المحافظة على النحو سالف الذكر استنادا الى التقادم المنصوص عليه فى المادة 172 من القانون المدنى، لعدم سريانه فى مواجهة المحافظة.
لهذا انتهى رأى الجمعية العمومية الى الآتى:
أولا: عدم سريان احكام عقد التأمين المبرم بين الهيئة العامة لنقل الركاب بالاسكندرية وشركة الشرق للتأمين فى مواجهة محافظة الاسكندرية.
ثانيا: التزام الهيئة المذكورة بتعويض المحافظة عن الاضرار التى اصابت ممتلكاتها بفعل سائقى سيارات الهيئة فى الحوادث المشار اليها آنفا والواردة تحت ارقام من 1 الى 16 وعدم التزامها بتعويض الاضرار الناجمة عن الحوادث ارقام 17، 18، 19.
ثالثا: عدم سريان التقادم المنصوص عليه فى المادة 172 من القانون المدنى فى مواجهة المحافظة.