مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى تضمنتها فتاوى الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع
السنة السادسة والعشرون (من أول اكتوبر سنة 1971 الى آخر سبتمبر سنة 1972) - صـ 167

(فتوى رقم 161 بتاريخ 26 من فبراير سنة 1972 ملف رقم 37/ 2/ 181)
(53)
جلسة 9 من فبراير سنة 1972

تقادم - عدم جواز الدفع بالتقادم بين المصالح العامة فيما يثور بينها من خلاف حول حقوق بعضها قبل البعض - حكم المادة 50 من القسم الثانى من اللائحة المالية للميزانية والحسابات لا يغير من هذا النظر - سريان أحكام التقادم الواردة بالقانون المدنى فى العلاقة بين الجهات الحكومية وشركات القطاع العام - أساس ذلك.
طالبت بعض الجهات الحكومية والهيئات العامة مصلحة الضرائب برد بعض الضرائب الجمركية والرسوم الاخرى المدفوعة منها الى المصلحة دون وجه حق وذلك بعد انقضاء مدة التقادم الثلاثى. وقد سبق استطلاع رأى ادارة الفتوى للمصالح العامة بالاسكندرية عن مدى انطباق القواعد الخاصة بالتقادم فى علاقات المديونية بين الجهات الحكومية فيما بينها وكذلك فيما بين هذه الجهات والهيئات العامة وذلك بمناسبة مطالبة الجهات المذكورة باسترداد ما دفعته دون وجه حق بعد مضى مدة التقادم وما اثارته تلك المطالبة من خلاف فى هذا الصدد، وقد ذهبت الادارة المذكورة الى ان الدعوى كوسيلة للمطالبة بالحق مستبعدة فى نطاق القانون العام فى صدد العلاقة بين المصالح العامة وذلك بالتطبيق لنص المادة 47 من القانون رقم 55 لسنة 1959 فى شأن تنظيم مجلس الدولة المعدل بالقانون رقم 86 لسنة 1969 والتى تقضى باختصاص الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع بابداء الرأى فى المنازعات التى تنشأ بين الوزارات وبين المصالح العامة او بين الهيئات العامة او بين المؤسسات العامة او بين الهيئات المحلية او بين هذه الجهات وبعضها البعض، ويكون راى الجمعية فى هذه المنازعات ملزما للجانبين.
وانه لما كان التقادم لا يلحق الا الدعوى باعتبارها وسيلة صاحب الحق فى اقتضاء حقه عن طريق القضاء ومتى تمت الدعوى سقطت الدعوى ولا يكون للدائن بعد ذلك ان يلجأ الى طلب الحماية القانونية ولكن الحق يبقى دون دعوى تحميه ومقتضى ذلك فى خصوص حقوق المصالح العامة قبل بعضها - تلك الحقوق التى لا تحميها دعوى على نحو ما سلف - عدم جواز الدفع بالتقادم بين هذه المصالح فيما يكون بينها من خلاف حول حقوق بعضها قبل البعض، فمن ثم رأت ادارة الفتوى المذكورة انه يمتنع على مصلحة الجمارك التمسك بالتقادم فيما يتعلق بالمطالبات الموجهة اليها من الجهات الحكومية والهيئات العامة لاسترداد ما دفعته دون وجه حق. وتبدى مصلحة الجمارك أن أحكام التقادم تسرى على القطاع العام واستشهدت فى ذلك بفتوى الجمعية العمومية الصادرة بجلسة 9/ 10/ 1968 وانه بالنسبة الى التقادم فيما بين الجهات الحكومية بعضها البعض او بينها وبين الهيئات العامة فان احالة المنازعات التى تنشأ بين هذه الجهات الى الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع بمجلس الدولة يقصد به نقل الاختصاص بهذه المنازعات من القضاء الى الجمعية، وبذلك فان النزاع ينتقل بما قرر له القانون من دفوع ومنها التقادم، وان الاخذ بالرأى المنتهى الى عدم سريان احكام التقادم بين الجهات الحكومية بعضها البعض واطلاق حق المصالح فى استرداد ما دفعته الى مصلحة الجمارك بغير حق من شأنه ارتباك العمليات الحسابية ويؤدى الى صعوبة مراجعة وتتبع المبالغ المطالب بها بالاضافة الى ان مصلحة الجمارك تحصل بعض الرسوم لحساب جهات أخرى كرسم البلدية وتتم تسوية هذا الرسم لحساب البلدية، ومن ثم ترى المصلحة عدم الاخذ بهذا الرأى والتمسك باحكام التقادم المنصوص عليها فى القانون المدنى فيما بين الجهات الحكومية.
ومن حيث انه يبين من الوقائع المساقة على النحو المتقدم ان مصلحة الجمارك تعترض على عدم اعمال احكام التقادم فيما بين المصالح العامة والهيئات العامة بعضها بعضا بمقوله ان ذلك من شأنه ان يؤدى الى ارتباك العمليات الحسابية ومستنده الى ان التقادم لا يقتصر على الدعوى بوصفها وسيلة حماية الحق بل يتناول الحق ذاته فى حين انها لم تنازع فى وجود التزام طبيعى فى ذمتها قبل المصالح العامة الاخرى بعد مضى مدة التقادم.
وحيث ان الدعوى - باعتبارها الوسيلة للمطالبة بالحق - مستبعده فى نطاق القانون العام فى صدد العلاقة بين المصالح العامة تطبيقا لنص المادة 47 من قانون تنظيم مجلس الدولة رقم 55 لسنة 1959 والتى تقضى باختصاص الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع بابداء الرأى فى المنازعات التى تنشأ بين الوزارات او بين المصالح العامة او بين الوزارات والمصالح العامة والهيئات العامة او بين هذه الجهات.
ومن حيث ان التقادم لا يلحق الا الدعوى باعتبارها وسيلة صاحب الحق فى اقتضاء حقه عن طريق القضاء ومتى تم التقادم سقطت الدعوى ولم يكن للدائن بعد ذلك ان يلجأ الى طلب الحماية القانونية ويبقى الحق دون دعوى تحميه ومقتضى ذلك فى خصوص المصالح العامة قبل بعضها البعض، تلك الحقوق التى لا تحميها دعوى كما سلف القول - مقتضى ذلك عدم جواز الدفع بالتقادم بين هذه المصالح فيما يثور بينها من خلاف حول حقوق بعضها قبل البعض، وعلى هذا استقر افتاء الجمعية العمومية.
ومن حيث انه بالنسبة الى مدى سريان احكام التقادم فى خصوص العلاقة بين الوزارات والمصالح العامة وبين شركات القطاع العام، فانه سبق للجمعية العمومية ان ذهبت الى ان مناط اعمال احكام التقادم هو قيام علاقة المديونية دون نظر الى اطراف هذه العلاقة فقد تقوم العلاقة بين الدولة من جهة والفرد من جهة أخرى وقد تقوم العلاقة بين الدولة من جهة وبين احد الاشخاص الاعتبارية الاخرى من جهة ثانية، واذا كانت شركات القطاع العام تسرى عليها فى مباشرة نشاطها احكام القانون الخاص، شأنها فى ذلك شأن شركات القطاع الخاص، فان احكام القانون الخاص فى شأن معاملاتها هى التى تحكم علاقتها بالغير او بالجهات الحكومية وذلك فيما عدا ما استثنى منها بنص صريح. وطالما نشأت علاقة المديونية فان انقضاء تلك العلاقة يخضع للقواعد المقررة فى انقضاء الالتزام ومن بين تلك القواعد قواعد التقادم.
ومن حيث ان شركات القطاع العام تخضع فى معاملاتها مع الدولة لكل القواعد القانونية المتعلقة باستحقاق الرسوم الجمركية وبطريق الوفاء بها، فمن ثم فان القواعد الخاصة بالتقادم تسرى على شركات القطاع العام فى علاقتها بالدولة.
اما بالنسبة الى ما نصت عليه المادة 50 من القسم الثانى من اللائحة المالية للميزانية والحسابات من ان "الماهيات التى لم يطالب بها فى مدة خمس سنوات تصبح حقا مكتسبا للحكومة" فالظاهر انها اقتبست من نصوص القانون المدنى مدة التقادم الخمسى، الا انها قررت فى ذات الوقت انه بمجرد انقضاء المدة تصبح الماهيات حقا مكتسبا للحكومة، فنفت بذلك تخلف أى التزام طبيعى فى ذمة الدولة وافترقت بذلك عن الاحكام الواردة فى القانون المدنى والتى تقضى بانه وان كان يترتب على التقادم انقضاء الالتزام دون الوفاء به، الا انه يتخلف عنه فى ذمة المدين التزام طبيعى (مادة 386) وانه لا يجوز للمحكمة ان تقضى بالتقادم من تلقاء نفسها بل يجب ان يكون ذلك بناء على طلب المدين او بناء على طلب دائنيه او اى شخص له مصلحة فيه ولو لم يتمسك به المدين (م 387). ومرد ذلك بحسب النظرية المدنية الى ان التقادم ليس سببا حقيقيا من اسباب براءة الذمة بل مجرد وسيلة لقطع حق المطالبة به لوضع حد للمنازعات اذ يصعب اثبات العلاقات القانونية التى يطول امدها بغير مقتض وينبغى ان يبادر كل دائن الى استيفاء حقه ومن ثم يظل الالتزام بعد فوات مدة التقادم التزاما مدنيا الى ان يدفع بتقادمه، وينقضى اذا تم التمسك بالتقادم ولكن يتخلف عنه التزام طبيعى فى ذمة المدين، لذلك ينبغى ان يتمسك به ذوو الشأن ولا يجوز للمحكمة ان تقضى به من تلقاء نفسها، هذا بينما الاعتبارات التى يقوم عليها نص المادة 50 من اللائحة المالية للميزانية والحسابات هى اعتبارات تنظيمية تتعلق بالمصلحة العامة وتهدف الى استقرار الاوضاع الادارية وعدم تعرض الميزانية - وهى فى الاصل سنوية - للمفاجات والاضطراب ومن ثم فان القاعدة التى قررتها هى قاعدة تنظيمية عامه يتعين على وزارات الحكومة ومصالحها التزامها وتقضى بها المحاكم كقاعدة قانونية واجبه التطبيق فى علاقة الحكومة بموظفيها وهى علاقة تنظيمية تحكمها القوانين واللوائح، ومن بينها تلك اللائحة. ومن هذا يظهر الفرق واضحا بين الاحكام المدنية الخاصة بالتقادم وبين حكم المادة 50 من اللائحة المالية للميزانية والحسابات ومن ثم فانه لا يجوز التمسك بحكم هذه المادة للقول بجواز التمسك بالتقادم بين الحكومة والهيئات العامة وعدم تخلف أى التزام طبيعى فى خصوص حقوق المصالح والهيئات العامة قبل بعضها البعض.
لهذا انتهى رأى الجمعية العمومية الى الآتى:
أولا - عدم سريان التقادم بين الوزارات والمصالح والهيئات العامة فى خصوص حقوق كل منها قبل الاخرى.
ثانيا - سريان أحكام التقادم الواردة فى القانون المدنى فى العلاقة بين الجهات الحكومية وشركات القطاع العام.
ثالثا - بالنسبة الى الرسوم التى حصلتها مصلحة الجمارك لحساب مصالح حكومية اخرى دون وجه حق فانه يمكن للجهات الحكومية التى تطالب برد هذه الرسوم ان توجه مطالباتها المباشرة الى المصالح الاخرى دون مصلحة الجمارك التى اقتصرت مهمتها على الجباية لصالح غيرها.