مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى تضمنتها فتاوى الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع
السنة الخامسة والعشرون - (من أول أكتوبر سنة 1970 إلى آخر سبتمبر سنة 1971) - صـ 450

"فتوى رقم 754 فى تاريخ 13 من يولية سنة 1971 - ملف رقم 78/ 1/ 46"
(144)
جلسة 11 من يولية سنة 1971

عقد ادارى - عقد المقاولة - نظرية فعل الأمير - نظرية الظروف الطارئة - تعاقد وزارة الرى مع عدد من المقاولين على تنفيذ بعض الأعمال بالمصالح والتفاتيش التابعة لها خلال السنة المالية 1969/ 1970 - زيادة التسعيرة الجبرية للحديد المحلى، والأسمنت بعد التعاقد وأثناء التنفيذ - عدم أحقية المقاولين فى مطالبة الوزارة بفروق الأسعار الناجمة عن زيادة التسعيرة الجبرية للحديد والأسمنت أو تسليمهم كميات من الحديد المستورد بدلا من الحديد المحلى - انتفاء شرط جوهرى من شروط تطبيق نظرية فعل الأمير - عدم توفر شروط تطبيق نظرية الظروف الطارئة - أساس ذلك.
تعاقدت وزارة الرى مع عدد من المقاولين على تنفيذ بعض الأعمال بالمصالح والتفاتيش التابعة لها خلال السنة المالية 1969/ 1970.
وبعد التعاقد وأثناء التنفيذ صدر بتاريخ 7/ 12/ 1969 قرار السيد وزير الصناعة والبترول والثروة المعدنية رقما 773، 774 لسنة 1969 بزيادة التسعيرة الجبرية للحديد المحلى بمقدار عشرة جنيهات للطن، فأصبح ثمن الطن 68 جنيها بدلا من 58 جنيها، وبزيادة التسعيرة الجبرية للأسمنت بمقدار جنيه واحد للطن.
وقد تقدم هؤلاء المقاولون بشكاوى الى الوزارة مطالبين فيها بسداد فروق هذه الزيادة اليهم، كما أوضح بعضهم فى شكواه أن الجهات القائمة على توزيع الحديد قامت بتسليمه كميات من الحديد المستورد بسعر الطن 110 جنيها، وطالب بتحمل الوزارة بقيمة الفرق بين ثمن هذا الحديد وثمن الحديد المحلى.
ومن حيث أن المادة 8 من الشروط التى تم التعاقد مع المقاولين المذكورين على أساسها نصت على أنه "ويجب على مقدم العطاء أن يلاحظ أن فئاته الواردة بالعطاء هى التى ستكون عليها المحاسبة النهائية بقطع النظر عن تقلبات العملة أو الرسوم الجمركية أو رسوم الانتاج والرسوم الأخرى أو ارتفاع الأسعار لأى ظروف من الظروف".
وواضح من هذا النص أن الطرفين المتعاقدين اتفقا صراحة على تثبيت الفئات الواردة بالعطاء بحيث لا يجوز زيادتها فى حالة ارتفاع الأسعار لأى سبب من الأسباب. واذ كان الأصل انه يجب تنفيذ العقود - بما فيها العقود الادارية - وفقا لما اشتملت عليه باعتبار أن العقد شريعة المتعاقدين، فمن ثم لا يجوز للمقاول أن يطلب منحه تعويضا اضافيا نتيجة لزيادة أسعار المواد التى تستخدم فى تنفيذ العملية حتى ولو كانت هذه الزيادة ناشئة عن تغير التسعيرة الجبرية لتلك المواد بعد أن ارتضى مقدما أن تكون القيمة المتفق عليها لتنفيذ العملية هى أساس المحاسبة دون نظر الى ما قد يطرأ من زيادة فى أسعار بعض المواد والسلع الداخلة فى تنفيذها.
ومن حيث أنه ولئن كانت مطالبة المقاولين المذكورين بتحمل الوزارة للمبالغ المشار اليها تفتقد الأساس القانونى السليم المستمد من نصوص العقد المبرم بينهم وبين جهة الادارة نظرا للنص فيه صراحة على تثبيت الأسعار - الا أن ذلك لا يخل بحقهم فى مطالبة الوزارة بالتعويض عما أصابهم من ضرر من جراء زيادة أسعار الحديد والأسمنت أو تسليمهم كميات من الحديد المستورد بدلا من الحديد المحلى استنادا الى النظريات السائدة فى نطاق العقود الادارية، القائمة على فكرة التوازن المالى للعقد، ومن هذه النظريات فى خصوصية الحالة المعروضة - نظرية فعل الأمير ونظرية الظروف الطارئة، اذا ما توافرت شروط تطبيق أى منها.
ومن حيث أنه بالنسبة الى نظرية فعل الأمير فانه يمكن تعريف هذا الفعل بأنه كل اجراء تتخذه السلطات العامة ويكون من شأنه زيادة الأعباء المالية للمتعاقد مع الادارة أو الالتزامات التى ينص عليها العقد.
ويشترط لأعمال هذه النظرية عدة شروط من بينها أن يكون الفعل الذى أدى الى زيادة أعباء المتعاقد والتزاماته صادرا من جهة الادارة المتعاقدة، فاذا ما صدر هذا الفعل عن جهة أخرى غير التى أبرمت العقد تخلف أحد شروط نظرية فعل الامير وامتنع بذلك تطبيقها.
أما نظرية الظروف الطارئة فان تطبيقها رهين بأن تطرأ خلال تنفيذ العقد الادارى حوادث أو ظروف طبيعية كانت أو اقتصادية أو من عمل جهة ادارية غير الجهة المتعاقدة أو من عمل انسان آخر لم تكن فى حسبان المتعاقد عند ابرام العقد ولا يملك لها دفعا، ومن شأنها أن تنزل به خسائر فادحة تختل معها اقتصاديات العقد اختلالا جسيما. ومؤدى تطبيق تلك النظرية، بعد توافر شروطها، الزام جهة الادارة المتعاقدة، بمشاركة المتعاقد معها فى تحمل نصيب من الخسارة التى حاقت به.
وعلى ذلك فان أعمال هذه النظرية يتطلب أن تكون الخسارة التى تلحق بالمتعاقد مع الادارة خسارة فادحة جسيمة تجاوز فى فداحتها الخسارة العادية المألوفة فى التعامل بحيث يترتب عليها قلب اقتصاديات العقد رأسا على عقب. فاذا لم يترتب على الظرف الطارئ أية خسارة، أو كانت هذه الخسارة طفيفة بالنسبة الى مجموع عناصر العقد أو كانت فى حدود الخسارة العادية المألوفة فى التعامل، أن انحصر أثر الظرف الطارئ فى تفويت فرصة الربح على المتعاقد بانقاص أرباحه كلها أو بعضها، فانه لا يكون ثمة مجال لأعمال نظرية الظروف الطارئة لتخلف أحد شروطها وأهمها.
ومن حيث أنه بتطبيق المبادئ المتقدمة على الحالات محل البحث فان الواضح أن زيادة الاعباء المالية للمقاولين نجمت عن رفع التسعيرة الجبرية للحديد والاسمنت وتسليمهم كميات من الحديد المستورد - الذى لم تستلزم شروط التعاقد استخدامه - بدلا من الحديد المحلى، وقد تم كل ذلك باجراءات صادرة من غير الجهة المتعاقدة - وزارة الرى - فمن ثم ينتفى شرط جوهرى من شروط تطبيق نظرية فعل الأمير.
وبالمثل فانه مع اعتبار الاجراءات المشار اليها من قبيل الظروف الطارئة غير المتوقعة فان البادى من الأوراق أنها لم تؤد الى الحاق خسائر فادحة بهؤلاء المقاولين، وانما قد يكون من شأن فروق الاسعار انقاص أرباحهم كلها أو بعضها بالنظر الى مجموع العناصر التى يتألف منها العقد بحيث تفوت عليهم فرصة الربح. وقد يكون من شأنها الحاق بعض الخسائر بهم، الا أنه حتى فى الفرض الأخير فان الثابت من مقارنة فروق الاسعار بقيمة مجموع عناصر العقد أنه لا يمكن اعتبار الخسارة فى هذه الحالة خسارة فادحة واستثنائية يترتب عليها قلب اقتصاديات العقد حيث بلغت أعلى نسبة للزيادة فى الاسعار منسوبة الى اجمالى قيمة العملية المتعاقد عليها 15%، ولم تجاوز فى بعض العمليات 061ر%. وبالتالى فلا محل لأعمال نظرية الظروف الطارئة.
ومن حيث أنه يخلص مما تقدم عدم أحقية المقاولين المعروضة حالاتهم فى مطالبة الوزارة بتحمل فروق الزيادة فى أسعار الحديد والاسمنت.
ومن حيث أنه لا محاجة فى القول بأحقية هؤلاء المقاولين فى المطالبة بتلك الفروق استنادا الى ما قضت به المادة 8 من قانون التسعير الجبرى وتحديد الأرباح رقم 163 لسنة 1950 من أن "تسرى جداول الأسعار وقرارات تعيين الارباح على السلع التى يتم تسليمها بعد تاريخ العمل بهذه الجداول أو القرارات تنفيذا لتعهدات أبرمت قبل ذلك التاريخ" اذ لا يسوغ الاستناد الى هذا النص للقول بأن الأسعار الجديدة للحديد والاسمنت تسرى فى مواجهة الوزارة بالنسبة الى الكميات التى تستخدم بعد العمل بقرارى وزير الصناعة آنفى الذكر بحيث تتحمل بالتكاليف الاضافية الناجمة عن ارتفاع الأسعار - لا يسوغ ذلك لأن حكم هذا النص، وحسبما يبين من صريح عباراته، مقصور على حالة التعاقد على شراء أو توريد سلع مسعرة، بمعنى أنه يحكم حالة سلعة مسعرة تسعيرا جبريا تم التعاقد على توريدها وتراخى تسليمها الى ما بعد صدور التسعيرة الجديدة اذ فى هذه الحالة يسرى عليها السعر الجديد، ولا ينطبق حكم النص على عقود مقاولات الأعمال باعتبار أن محل التزام المقاول ليس تسليم سلع مسعرة الى رب العمل وانما محل التزامه هو تنفيذ المقاولة، واذا كان المقاول يقوم بشراء بعض السلع والمواد اللازمة للعملية، الا أنه لا يعيد بيعها الى رب العمل أو تسليمها اليه بالثمن حتى يكون ثمة محل للقول بسريان التسعيرة الجديدة على ما يتراخى تسليمه حتى صدورها طالما أن التزام المقاول ينحصر فى تنفيذ العملية وتسليمها ككل بعد أن تكون المواد المشار اليها قد فقدت ذاتيتها.
لهذا انتهى رأى الجمعية العمومية إلى عدم أحقية المقاولين المعروضة حالاتهم فى مطالبة الوزارة بفروق الأسعار الناجمة عن زيادة التسعيرة الجبرية للحديد والاسمنت أو تسليمهم كميات من الحديد المستورد بدلا من الحديد المحلى.