مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى تضمنتها فتاوى الجمعية العمومية للقسم الاستشارى للفتوى والتشريع
السنة الثامنة عشرة - (من أكتوبر سنة 1963 الى سبتمبر سنة 1964) - صـ 93

(جلسة 4 من ديسمبر سنة 1963 - فتوى رقم 303 فى 2 من أبريل سنة 1964)
(39)

( أ ) عقود ادارية - التأمين المؤقت والتأمين النهائى - المقصود بهما - كيفية أدائهما.
(ب) خطاب ضمان - تكييفه القانونى - ليس عقد كفالة بل هو من قبيل الانابة القاصرة المشار اليها فى المادتين 359 و 360 من التقنين المدنى - أساس ذلك وأثره - مثال.
1 - من المعلوم أن على كل من يتقدم بعطاء لتوريد منقولات معينة الى احدى الوزارات أو المصالح العامة أن يقدم الى الجهة طالبة التوريد، مع عطائه تأمينا نقديا يوازى 2% من مجموع قيمة العطاء. ويؤدى هذا التأمين الى احدى خزائن الحكومة أو تسحب به حوالة بريدية أو شيك. ويجوز أن يكون هذا التأمين كتاب ضمان، يصدر من أحد البنوك غير مقترن بأى قيد أو شرط، ويقر فيه أنه يضع تحت أمر الجهة المشار اليها مبلغا يوازى التأمين المؤقت، وأنه مستعد لأدائه بأكمله عند أول طلب منها دون الالتفات الى أية معارضة من جانب مقدم العطاء. واذا قبل العطاء، فان على صاحبه أن يكمل خلال مدة معينة تبدأ غالبا من تاريخ اليوم التالى لاخطاره بقبول عطائه التأمين المشار اليه الى ما يوازى 10% من مجموع قيمة العطاء، وذلك ضمانا لتنفيذه. ويسمى ذلك بالتأمين النهائى. وتسرى فى شأنه الأحكام المتقدمة من حيث وجوب أدائه نقدا بايداع قيمته احدى خزائن الحكومة أو تقديم شيك أو حوالة بريدية، أو الاستعاضة عن ذلك بكتاب من أحد البنوك يقر فيه بأنه يضع تحت أمر الجهة المتعاقد معها مبلغا يساوى قيمة التأمين المؤقت، وأنه يتعهد بأدائه اليها عند أول طلب منها دون الالتفات الى أية معارضة من جانب المتعاقد معها.
2 - تفرقت وجوه الرأى فى شأن كتاب البنك الذى تقبله جهة الادارة كتأمين نهائى فذهب رأى الى أن هذا الكتاب يتضمن عقد كفالة بمقتضاه يكفل البنك المتعاقد مع الادارة فى تنفيذ التزامه بالتوريد المتفق عليه فى العقد المبرم بينها وبين المتعاقد معها على ذلك، اذا أخل هذا الأخير بالوفاء بهذا الالتزام، وأنه بهذه المثابة يكون التزام البنك وهو على ما سلف، كفيل، التزاما تابعا لالتزام المتعاقد المشار اليه، فيكون له من ثم أن - يدفع فى مواجهة جهة الادارة، بكل الدفوع التى يمكن أن يدفع بها المتعاقد معها، ولكن هذا الرأى غير صحيح، اذ الكفالة قانونا هى عقد بمقتضاه يكفل شخص تنفيذ التزام بأن يتعهد للدائن بأن يفى بهذا الالتزام اذا لم يف به المدين ( م772 من القانون المدنى). وهذا غير الحاصل فى الحالة محل البحث، اذ البنك فيها لا يضمن المتعاقد مع الادارة فى تنفيذ التزامه بتوريد الأصناف المتفق على توريدها، ويتعهد بأن يقوم بذلك اذا لم يقم به هذا المتعاقد، وهو - كذلك - لا يضمنه فى تنفيذ التزامه بتقديم التأمين النقدى النهائى المتفق عليه الى جهة الادارة، ليكون تحت يدها، بأن من السالف الاشارة اليها، وانما هو يقدم الى جهة الادارة، بدلا من ذلك، هذا الخطاب كتنفيذ منه لالتزام المتعاقد معها بتقديم التأمين المشار اليه. وهو بذلك يحل محل المتعاقد مع الادارة فى التزامه يتقديم قيمة هذا التأمين، على أن يكون ذلك عند طلبها منه. وبذلك يكون هو الملتزم بهذه القيمة تطالبه بها الادارة ابتداء أن شاءت ذلك، اذ هو بتقديمه خطاب الضمان المشار اليه قد أصبح مدينها بالالتزام بأداء القيمة المبينة فى الخطاب، عند الطلب ولا يخل ذلك بالتزام المتعاقد مع الادارة نفسه بهذا الالتزام، اذ هو لا يبرأ منه، الا اذا وفى البنك بالتزامه هذا. بذلك يكون لجهة الادارة فى هذه الحالة مدينان، هما المتعاقد مع الادارة، والبنك يلتزم كل منهما بأداء قيمة التأمين النهائى نقدا عند طلبه. ويقوم التزام الثانى الى جانب التزام الأول. ومصدر التزام الأول معروف، وهو العقد المبرم مع الادارة، وهو مصدر التزاماته قبلها - أما مصدر التزام البنك، فليس العقد المشار اليه، - وانما هو عقد آخر بمقتضاه وقع الاتفاق بين جهة الادارة والمتعاقد معها والبنك، على أن - يعتبر هذا الأخير مدينا بقيمة التأمين النقدى، يلتزم بوفاء هذه القيمة مكان المتعاقد معها. وبهذا يكون التزام البنك قبل جهة الادارة التزاما أصليا مباشرا ومستقلا عن التزام المتعاقد معها. ويتضمن الأمر فى هذه الحالة، انابة للبنك فى الوفاء بالدين الذى لجهة الادارة، قبل المتعاقد معها، قيمة التأمين، مكان المتعاقد المشار اليه، مع استمرار قيام التزام هذا المتعاقد بالدين المذكور الى جانب التزام البنك به. وهذه هى الانابة القاصرة التى أشار اليها القانون المدنى فى المادتين 359 و360 (فقرة ثانية) حين نص على أنه "تتم الانابة اذا حصل المدين على رضاء الدائن بشخص أجنبى يلتزم برفاء الدين مكان المدين. ولا تقتضى الانابة أن تكون هناك مديونيه سابقة ما بين هذا المدين والأجنبى (م 359). - ولا يفترض التجديد (تجديد الدين بتغيير المدين)، فى الانابة. فاذا لم يكن هناك اتفاق على التجديد قام الالتزام الجديد الى جانب الالتزام الأول.
ولذلك - يكون الرأى الصحيح فى شأن تكييف خطاب الضمان فى مثل هذه الأحوال انه لا يعتبر كفالة، وانما هو من قبيل الانابة القاصرة، المعروفة فى القانون المدنى، وبه ينشأ فى ذمة البنك التزام مجرد بأداء قيمة التأمين عند طلب جهة الادارة ذلك منه.
وعلى مقتضى التكييف القانونى المتقدم ايضاحه، للتعهد الذى يشتمل عليه خطاب - الضمان الذى تقدمه البنك بدلا من التأمين النقدى الذى تلزم العقود التى تبرمها جهة الادارة المتعاقدين معها بأدائه متى قبلت عطاءاتهم - فان هذا التعهد تحكمه الشروط، المنصوص عليها فيه، والتى تقضى بالتزام البنك بأداء القيمة المبينة فى خطاب الضمان عند طلب جهة الادارة ذلك منه، ودون التفات الى أية معارضة فى ذلك، تصدر من المتعاقد مع جهة الادارة. وهذا لا يعدو أن يكون أيضا نتيجة تترتب على ما سلف تقريره من أن تعهد البنك بأداء القيمة المشار اليها الى جهة الادارة هو تعهد مجرد، اذ يستتبع ذلك - بحسب الرأى الذى تراه الجمعية العمومية أولى بالترجيح فى هذا الخصوص - عدم جواز احتجاج البنك على جهة الادارة بأيه، نوع مما يمكن أن يحتج بها المتعاقد قبلها، فيما يتصل بحق الجهة المذكورة فى اقتضاء قيمة التأمين المشار اليه . ومن ثم فلا يقبل من البنوك عند مطالبتها بدفع قيمة التأمين المبينة فى خطاب الضمان التى تصدر منها، التحدى بأن ثمت منازعة من جانب المتعاقد مع جهة الادارة فى شأن استحقاق هذه الجهة لاقتضاء قيمة التأمين، وانما يتعين عليها أن تؤدى هذه القيمة وفاء لالتزامها الناشئ عن خطاب الضمان أصلا ومباشرة، - والذى بمقتضاه تعهدت بدفع القيمة المشار اليها عند الطلب ودون التفات الى أية معارضة ترد من المتعاقد مع جهة الادارة.
2 – أن بنك مصر كان قد أصدر فى 24 من يولية سنة 1958 خطاب ضمان بمبلغ 28000 جنيه ينتهى مفعوله فى 31 من اكتوبر سنة 1958 لصالح وزارة الاقتصاد والتجارة ضمانا لشركة توتشيرى بلوزان عن توريد 1500 طن بن برازيلى، كما أصدر فى 20 من يولية سنة 1958 خطاب ضمان آخر برقم 116 لسنة 1958 بمبلغ 800 جنيه ينتهى أيضا فى 21 من أكتوبر سنة 1958 ضمانا للشركة ذاتها من نفس الصفقة وهى الصفقة التى كانت موضوع المناقصة التى أجرتها الادارة العامة لاستيراد المواد التموينية والتى كانت تتبع فى ذلك الوقت وزارة الاقتصاد.
وبتاريخ 12 من أكتوبر سنة 1958 قامت مراقبة الحسابات بالوزارة بمطالبة البنك المذكور بتجديد أو سداد قيمة خطابى الضمان قبل انتهاء مفعولهما، الا أن البنك لم يقم بالتجديد أو السداد، كما طالبت البنك فى 18 من مايو سنة 1960 بتعديل اسم المستفيد من خطابى الضمان المشار اليهما بجملة "الادارة العامة لاستيراد المواد التموينية بدلا من وزارة الاقتصاد نظرا للتتبع تلك الادارة لوزارة التموين طبقا لقرار رئيس الجمهورية رقم 2185 لسنة 1959". غير أن البنك لم يقم باجابة المراقبة الى طلبها هذا وذاك. واستند فى ذلك الى أن شركة توشيرى نازعت فى حق وزارتى التموين والاقتصاد فى المطالبة بقيمة خطابى الضمان اذ أن التعاقد المبرم معها يقضى بأن التسليم يكون نهائيا فى ميناء الشحن وأنها قد وفت بهذا الالتزام كاملا. ولهذا رفعت ضد وزارتى التموين والاقتصاد والبنك دعاوى أمام القضاء الادارى بمجلس الدولة تطلب الحكم بعدم أحقية الوزارتين فى صرف قيمة خطابى الضمان.
ولما كانت وزارة الاقتصاد ترى أنه لاحق للبنك المذكور فى أن يستند الى مثل هذه الحجة، ليمتنع عن تنفيذ تعهده الذى تضمنه خطابا الضمان الصادران منه - فقد أعادت مطالبته بأداء قيمة التأمين المشار اليه، ولكنه أصر على موقفه.
وأخذا بالاصول المتقدم بيانها - يكون الحكم أن من حق وزارة الاقتصاد أن تقتضى من بنك مصر، قيمة خطابى الضمان الصادرين منه، كتأمين نهائى عن عملية توريد البن البرازيلى المشار اليه، وقدر هذه القيمة 28800 جنيها. ولا يقبل من البنك ما دفع به من أن ثمت منازعة قائمة بين المتعاقد من الادارة لتوريد البن المشار اليه، وبين جهة الادارة، حول استحقاق هذه الجهة لاقتضاء أية مبالغ منه، اذ أن ذلك مما لا أثر له فى خصوص استحقاق جهة الادارة لاقتضاء المبالغ المبينة فى خطابى الضمان الصادرين من البنك، اذ أن التزام البنك بأداء هذه المبالغ هو على ما سلف البيان التزام مجرد، فلا يجوز للبنك أن يدفع قبل جهة الادارة، بما يكون متعلقا بمصدر التزام المتعاقد معها من دفوع، تدور حول تنفيذ هذا الأخير للعقد المبرم بينه وبين جهة الادارة
لهذا انتهى رأى الجمعية الى التزام بنك مصر بأداء المبلغ المبين فى خطابى الضمان الصادرين منه، لصالح وزارة الاقتصاد والمشار اليهما فيما تقدم، حالا، ما دامت الوزارة قد طلبت منه أداء هذه المبالغ.