مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى تضمنتها فتاوى الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع
السنة الثامنة عشرة - (من أول أكتوبر سنة 1963 إلى آخر سبتمبر سنة 1964) - صـ 179

(جلسة 29 من يناير سنة 1964 - فتوى رقم 180 فى 3 من مارس سنة 1964)
(66)

رسوم - رسوم الدعاوى الادارية أمام مجلس الدولة - بيان الأحكام الخاصة بتحديدها، والاجراءات المتعلقة بها وأوجه الاعفاء منها وتحصيلها وفقا للتشريعات المطبقة في هذا الخصوص - النص على اعفاء الحكومة من أداء الرسوم - قاصر على الدعاوى التى ترقع منها لا تلك التى ترفع عليها - أثر ذلك - حق سكرتيرية المحكمة فى مطالبة الحكومة برسوم الدعاوى التى ترفع عليها ويحكم فيها لصالح المدعى ولو كان قد أعفى من أدائها - عدم جواز المحاجة فى هذا المجال بوحدة الميزانية وعموميتها.
ان القانون رقم 55 لسنة 1959 فى شأن تنظيم مجلس الدولة للجمهورية العربية المتحدة قضى فى المادة 2 منه بسريان القواعد المتعلقة بتحديد الرسوم المعمول بها فى مصر الى أن يصدر القانون الخاص بالمرسوم كما قضى قرار رئيس الجمهورية رقم 549 لسنة 1959 بشأن الرسوم أمام مجلس الدولة في المادة 2 منه بأن يفرض رسم ثابت قدره خمسة عشر جنيها على الدعاوى التى ترفع من ذوى الشأن أمام المحكمة الادارية العليا، وفى المادة 3 منه بأن تطبيق الأحكام المتعلقة بالرسوم القضائية فى المواد المدنية فى كل من أقليمى الجمهورية بالنسبة لما يرفع من دعاوى أو يتخذ من اجراءات فيما لم يرد بشأنه نص خاص فى لائحة الرسوم الصادر بها مرسوم فى 14 من أغسطس سنة 1946 أو فى ذلك القرار. ولما كانت الرسوم القضائية فى المواد المدنية ينظمها القانون رقم 90 لسنة 1944، فمن ثم يكون المرد فى تعيين الرسوم الخاصة بالدعاوى الادارية والاجراءات المتعلقة بها وأوجه الاعفاء منها الى مرسوم 14 من أغسطس سنة 1946 وقرار رئيس الجمهورية رقم 549 لسنة 1959 المشار اليها، وفيما عدا ذلك الى أحكام القانون رقم 90 لسنة 1944 المشار اليه.
وبالرجوع الى تلك التشريعات يتضح أن المشرع أخذ فى طريقة حساب الرسوم على الدعاوى التى ترفع أمام المحاكم الادارية ومحكمة القضاء الادارى بنظرية الرسم النسبى بالنسبة الى الدعاوى معلومة القيمة وبنظرية الرسم الثابت بالقياس الى الدعاوى - مجهولة القيمة والدعاوى التى ترفع أمام المحكمة الادارية العليا، وبهذا قضت المادة 1 من مرسوم 14 من أغسطس سنة 1946 سالف الذكر بقولها (يفوض فى الدعاوى معلومة القيمة رسم نسبى قدره ستة قروش عن كل مائة قرش من المائتى جنيه الأولى، وثلاثة قروش عن كل مائة قرش من المائتى جنيه الثانية وقرشان عن كل مائة قرش فيما زاد على أربعمائة جنيه - ويفوض فى الدعاوى مجهولة القيمة رسم ثابت قدره ستمائة قرش)، والمادة 2 من قرار رئيس الجمهورية رقم 549 لسنة 1959 سالف الذكر.
وفيما يتعلق بتحصيل الرسم، فقد قضت المادة 5 من المرسوم المشار اليه بألا تحصل الرسوم النسبية على أكثر من أربعمائة جنيه، فاذا حكم فى الدعوى بأكثر من ذلك سوى الرسم على أساس ما حكم به "وقضت المادة 6 منه بأنه (مع مراعاة أحكام المادة السابقة تحصل الرسوم المستحقة جميعها عند تقديم الدعوى)" ، كما قضت المادة 14 من القانون رقم 90 لسنة 1944 سالف الذكر "يلزم المدعى بأداء كامل الرسوم المستحقة كما يلزم بدفع الباقى منها عقب صدور الحكم ولو استؤنف - ومع ذلك اذا صار الحكم انتهائيا جاز لقلم الكتاب تحصيل الرسوم المستحقة من المحكوم عليه، ويستفاد من ذلك أن الأصل هو تحمل المدعى بالرسم المقرر على دعواه، ويجب أداء هذا الرسم عند تقديم الدعوى بالكامل اذا كان رسما ثابتا، وفيما لا يزيد على أكثر من أربعمائة جنيه اذا كان رسما نسبيا، وفى هذه الحالة الأخيرة يتعين على المدعى أداء الباقى من الرسم عقب صدور الحكم ولو استؤنف ، ومع ذلك أجاز المشرع استئداء هذا الباقى من المحكوم عليه اذا صار الحكم نهائيا، أى أنه جعل قلم الكتاب بالخيار بين تحصيل باقى الرسم من المدعى وبين تحصيله من المحكوم عليه.
هذه هى الأحكام العامة فى شأن أداء الرسوم وتحصيلها، ومع ذلك فان ثمة حالات أوردها المشرع أجاز فى بعضها أعفاء المدعى من الرسوم، وقضى فى البعض الآخر بعدم استحقاق رسوم على الدعاوى، وبيان ذلك أولا - أن مرسوم 14 أغسطس المشار اليه نص فى المادة 9 منه بأن يعفى من الرسوم كلها أو بعضها من يثبت عجزه عن دفعها بشرط أن تكون الدعوى محتملة الكسب، كما نص القانون رقم 90 لسنة 1944 سالف الذكر فى المادة 28 منه على أنه اذا حكم على خصم المعفى وجبت مطالبته بها أولا فان تعذر تحصيلها منه جاز الرجوع بها على المعفى اذا زالت حالة عجزه والحكمة من الاعفاء من الرسوم هى أن الانسان قد يكون ذا مال ولكنه لا يتوافر لديه ما يسمح له بالتقاضى أو يكون محبوسا عنده، فلم يشأ المشرع أن تحول هذه الحالة بين صاحب الحق وبين المطالبة به لعجزه عن أداء ما يطلب اليه من رسوم التقاضى ما دامت دعواه محتملة الكسب، وأرجأ تحصيل الرسوم - كلها أو بعضها حسب الحال - الى حين صدور حكم فى الدعوى، فاذا حكم لصالح المدعى المعفى وجبت مطالبة خصمه المحكوم ضده بالرسوم فان تعذر تحصيلها منه جاز الرجوع على المعفى اذا زالت حالة عجزه. ثانيا - أن القانون رقم 90 لسنة 1944 سالف الذكر نص فى المادة 50 منه على أنه "لا يستحق رسوم على الدعاوى التى ترفعها الحكومة - فاذا حكم فى الدعوى بالزام الخصم بالمصاريف استحقت الرسوم الواجبة - كذلك لا تستحق رسوم على ما يطلب من الكشف والصور والملخصات والشهادات والترجمة لمصالح الحكومة"، ويستفاد من هذا النص أن الحكومة لا تلتزم أداء الرسوم عن الدعاوى التى ترفعها ، على أنه اذا حكم لصالحها التزم خصمها بالرسوم الواجبة، واذا خسرت دعواها فلا يكون ثمة وجه لسريان الرسوم.
والواقع من الأمر أن عدم التزام الحكومية أداء الرسوم حالة وحيدة مقصورة على الدعاوى التى ترفعها، دون الدعاوى التى تقام عليها، ذلك ان النص على عدم سريان الرسم يتضمن بطبيعة الحال تحديدا لنطاق فرض الرسوم، ومن ثم لا يجوز الحد من نطاق فرض الرسم في غير الحدود التى رسمها المشرع، وفضلا عن ذلك فان الأصل بالنسبة الى الدعوى التى ترفع على الحكومة أن يتحمل المدعى بالرسم المقرر عن دعواه فاذا خسر دعواه امتنع عليه الرجوع بشىء مما أنفقه من المصروفات القضائية على الجهة المدعى عليها، أما اذا حكم لصالحه بالأصل أن يتضمن الحكم النص على الزام الجهة بالمصروفات القضائية نفاذا لحكم المادة 356 من قانون المرافعات المدنية والتجارية الذى يوجب على المحكمة عند اصدار الحكم الذى تنتهى به الخصومة أمامها أن تحكم من تلقاء نفسها فى مصروفات الدعوى، وفى هذه الحالة يكون للمدعى المحكوم لصالحه الرجوع بالمصروفات القضائية على الجهة الحكومية عليها، وهذه الأحكام من العمومية بحيث تنظم الدعاوى التى ترفع على الحكومة سواء أكان المدعى المحكمة لصالحه قد أدى الرسم المطلوب أو أعفى منه، ذلك أنه وأن كانت ليست ثمة شبهة فى حق المدعى الذى أدى الرسم فى الرجوع على الجهة الحكومية المحكوم عليها بما أنفقه من المصروفات القضائية، فانه لا وجه للتشكك فى حالة اعفاء المدعى من الرسم من حق سكرتارية المحكمة المختصة فى الرجوع على الجهة الحكومية المحكوم ضدها بالرسوم المطلوبة، ذلك أن الرسم وإن كان واجبا أصلا على المدعى فانه فى الوقت ذاته حق لسكرتارية المحكمة ولا يجوز الاعفاء منه الا بنص صريح، وفى عدم الرجوع على الجهة الحكومية المدعى عليها على الرغم من الزامها بالمصروفات فى حالة الحكم لصالح المدعى ، تعطيل دون مسوغ قانونى لحكم نهائى واجب تنفيذه، وفضلا عن ذلك فانه لا يجوز الاحتجاج فى هذا المجال بمبدأ وحدة الميزانية لتبرير عدم استئداء الرسوم المحكوم بها على احدى المصالح الحكومية، فالمقصود بمبدأ وحدة الميزانية هو وضع ميزانية واحدة تشمل جميع نفقات الدولة وايراداتها، أى انه توضع ميزانية واحدة تدرج بها جميع نفقات المصالح الحكومية وجميع إيراداتها، ويساند هذا المبدأ مبدأ عمومية الميزانية، ومؤاده أن تكون الميزانية متضمنة جميع النفقات وجميع الايرادات دون اجراء مقاصة بينها ، وأن تكون الايرادات الواردة بها غير مخصصة بنفقات معينة بالذات وانما تستخدم لتغطية النفقات الدولة بفصة عامة، وعلى مقتضى هذه الأحكام فان الايرادات تدرج في الميزانية العامة - ونعفى هنا ميزانية الخدمات فى جدول واحد مقسم الى أقسام موزعة على أبواب، ومن بين هذه الايرادات خدمات العدالة والأمن والتى يدخل فى ضمنها الرسوم القضائية أما النفقات فانها تقسم تقسيما اداريا بحسب الوزارات وهيئات الدولة المختلفة وتقسم الى ابواب فبنود، وقد جرى العمل على أن يختص الباب الثانى فى كل وحدة منها بالمصروفات العامة، ومن ضمن بنود هذا الباب باب خاص بالمصروفات ذات الطابع الخاص ومنها مصروفات تنفيذ الأحكام القضائية وتكاليف خدمات المصالح، وترتيبا على ذلك فانه لا يسوغ القول بعدم مطالبة سكرتيرية المحكمة المختصة المصلحة الحكومية المحكوم عليها بالرسوم المستحقة والا كان فى ذلك خروج على مبدأ عمومية الميزانية يتمثل فى إجراء مقاصة بين مبلغ يدخل فى الايرادات العامة وبين نفقة يجب أن تتحمل بها ميزانية المصلحة المحكوم عليها بالمصروفات مما ينافي المبادئ المكونة للاطار الفنى لتحضير الميزانية.
لهذا انتهى رأى الجمعية العمومية الى أنه يتعين على سكرتيرية المحكمة المختصة بمجلس الدولة مطالبة المصالح الحكومية المحكوم عليها بالمصروفات القضائية، بأداء الرسوم المقررة فى الحالات التى صدر فيها قرار باعفاء المدعى من أداء الرسوم، وكذلك استئداء باقى الرسوم منها فى الحالات التى يصير فيه الحكم عليها انتهائيا.