مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية والخمسون - من أول أكتوبر سنة 2006 إلى آخر سبتمبر سنة 2007 – صــ 146

(22)
جلسة 7 من ديسمبر سنة 2006م

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ إدوارد غالب سيفين نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ عبد الله عامر إبراهيم، ومحمد الأدهم محمد نجيب، ومحمد لطفي عبد الباقي جودة، وعبد العزيز أحمد حسن نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار/ محمد ماهر عافية مفوض الدولة
وسكرتارية السيد/ جمال عبد الحميد عبد الجواد سكرتير المحكمة

الطعن رقم 4701 لسنة 44 قضائية. عليا:

إثبات - الإثبات في مجال القضاء التأديبي - نكول جهة الإدارة عن تقديم الأوراق - أثره.
الأصل في قواعد الإثبات أن تكون البينة على من ادعى، إلا أنه فى مجال القضاء التأديبي يكون واجبًا على جهة الإدارة أن تبادر إلي تقديم ما بحوزتها من أوراق فور طلب المحكمة إيداعها، حتى يتسنى للقاضى التأديبى أن يبسط رقابته على مدى مشروعية القرار التأديبي - تقاعس جهة الإدارة عن تقديم هذه الأوراق - أثر ذلك: لا تثريب على المحكمة إن هي اقتنعت بأن نكول الإدارة عن تقديم الأوراق دليل على صحة ادعاء الطاعن وسلامة موقفه في الطعن المقدم منه - تطبيق.


الإجراءات

في يوم الأحد الموافق 26/ 4/ 1998 أودعت هيئة قضايا الدولة - نيابة عن الطاعنين - قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرًا بالطعن قيد بجدولها برقم 4701 لسنة 44 ق. عليا في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية بالإسماعيلية بجلسة 25/ 2/ 1998 فى الطعن رقم 205 لسنة 1 ق الذى قضى بقبول الطعن شكلاً، وفى الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه رقم (152) بتاريخ 17/ 3/ 1993 فيما تضمنه من مجازاة الطاعن بخصم شهر من راتبه، مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وطلب الطاعنان - للأسباب الواردة بتقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا بتأييد القرار رقم 52 لسنة 1993 فيما تضمنه من مجازاة المطعون ضده بخصم شهر من راتبه، وبرفض دعوى طلب الحكم بإلغاء ذلك القرار.
وأعلنت عريضة الطعن على النحو الثابت بالأوراق.
وأودعت هيئة مفوضى الدولة تقريرًا بالرأي القانوني، ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعًا.
ونظر الطعن أمام الدائرة السابعة (فحصًا وموضوعًا) ثم أحيل إلى هذه المحكمة وتدوول أمامها وذلك على النحو الثابت بمحاضر الجلسات.
وبجلسة 19/ 10/ 2006 قررت المحكمة إصدار الحكم في الطعن بجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.


المحكمة

بعد الإطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة قانونًا.
ومن حيث إن الطعن قد استوفي أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص - حسبما يبين من الأوراق - في أنه بتاريخ 30/ 6/ 1993 أقام المطعون ضده الطعن التأديبي رقم 335 لسنة 21 ق بإيداع عريضته قلم كتاب المحكمة التأديبية بالمنصورة طالبًا الحكم بقبوله شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه رقم 152 لسنة 1993 الصادر بتاريخ 10/ 3/ 1993 مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وقال - شرحًا لطعنه – إنه كان يشغل وظيفة مدرس أول لغة إنجليزية بمدرسة النجاح الإعدادية بمحافظة الشرقية، وبتاريخ 17/ 3/ 1993 صدر قرار محافظ الشرقية رقم 152 لسنة 1993 بمجازاته بخصم شهر من راتبه لما نسب إليه وآخرين من أنهم قد سمحوا لتلاميذ الصف الأول الإعدادى بالمدرسة بالغش الجماعي في مادة الجبر خلال امتحانات الدور الأول عام 1991.
ونعى الطاعن على القرار المطعون فيه صدوره مخالفًا للواقع والقانون ومشوبًا بالتعسف وإساءة استعمال السلطة، حيث لم تحدث واقعة الغش الجماعي وأنه يعمل مدرس أول لغة إنجليزية وليس له مصلحة في السماح للتلاميذ بالغش في مادة الجبر، فضلاً عن أن التحقيق كان قاصرًا حيث لم يحقق دفاعه.
وقد أحيل الطعن إلى المحكمة التأديبية بالإسماعيلية وقيد بجدولها برقم 205 لسنة 1. ق، وتدوول أمامها على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، وبجلسة 25/ 2/ 1998 حكمت هذه المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه رقم 152 بتاريخ 17/ 3/ 1993 فيما تضمنه من مجازاة الطاعن بخصم شهر من راتبه مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وأقامت قضاءها على أن الطاعن قد ضمن طعنه أن القرار المطعون فيه قد خالف الواقع والقانون، وقد تقاعست الجهة الإدارية بما تملكه وحدها من أوراق عن الرد على الطعن وإيداع المستندات والأوراق رغم تأجيل نظر الطعن لأكثر من جلسة لهذا السبب، ومن ثم يكون ادعاء الطاعن واردًا دون وجود رد جدي على طعنه مما يكون معه القرار المطعون فيه غير قائم على أساس سليم من القانون خليقًا بالإلغاء.
ومن حيث إن أسباب الطعن الماثل تتحصل في أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون وفي تأويله، إذ الثابت اتصال علم المحكمة التأديبية بقيام جهة الإدارة بإجراء تحقيق في شأن الواقعة المنسوبة للمطعون ضده وعليه فلا يسوغ لها إعمال قرينة الإثبات السلبية المقررة لصالح المطعون ضده، إذ كان يتعين عليها منح جهة الإدارة الفرصة الكافية لتقديم ملف التحقيق إلا أنها تعجلت وفصلت في موضوع النزاع بحالته قبل أن يهيأ للفصل فيه، ولما كانت جهة الإدارة بصدد تقديم ملف التحقيق وكافة المستندات والبيانات في مرحلة الطعن، الأمر الذى تنهار معه قرينة الإثبات السلبية المفترضة لصالح المطعون ضده ويكون الطعن مهيأ للفصل فيه.
ومن حيث إن الثابت بالأوراق أن الحكم المطعون فيه قد استخلص من تقاعس جهة الإدارة عن تقديم الأوراق والمستندات والتحقيقات التي انبني عليها قرار الجزاء المطعون فيه واللازمة للفصل في الطعن التأديبي قرينة على صحة ما ادعاه الطاعن فى أسباب طعنه من أن القرار المطعون فيه قد صدر بالمخالفة لصحيح حكم القانون، ومن ثم انتهى إلى إلغاء هذا القرار.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أنه ولئن كان الأصل في قواعد الإثبات أن تكون البينة على من ادعى، إلا أنه فى مجال القضاء التأديبي يكون واجبًا على جهة الإدارة أن تبادر إلى تقديم ما بحوزتها من أوراق فور طلب المحكمة إيداعها، إذ لا يتسنى للقاضى التأديبي أن يبسط رقابته على مدى مشروعية القرار التأديبي ما لم تكن تحت نظره القرار المطعون فيه وأوراق التحقيق الذي بني عليه ذلك القرار وسائر الأوراق التي يكون التحقيق قد تعرض لها، وكذلك ما يكون التحقيق قد أشار إليه من لوائح خاصة أو تعليمات أو منشورات إدارية تنظم العمل في مجال ما نسب إلى العامل المتهم من مخالفات أو تحدد الاختصاصات الوظيفية لهذا العامل، وبصفة عامة كل ما يلزم لبيان وجه الحق في خصوص المنازعة التأديبية وما يتعرض له طرفاها في مجال الإثبات والنفي من مناقشات حول الوقائع وما يحكمها من قواعد تنظيمية واجبة الإعمال، وأن تقديم هذه الأوراق جميعها هو واجب على جهة الإدارة في مجال الطعن التأديبي، وأن من شأن تقاعسها عن تقديم هذه الأوراق بناءً على طلب المحكمة أن تعتبر جهة الإدارة عاجزة عن أداء واجب عليها على طريق إحقاق الحق وإرساء العدل وإعطاء كل ذي حق حقه، الأمر الذى يكون معه للقاضى التأديبي أن يستخلص سلامة ما ذهب إليه الطاعن في طعنه التأديبي، ولا تثريب على المحكمة التأديبية حينئذٍ إن هي اقتضت بأن نكول جهة الإدارة عن تقديم الأوراق المطلوبة دليل على صحة ادعاء الطاعن وسلامة موقفه في الطعن المقدم منه.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن تلك القرينة لا تعدو أن تكون بديلاً عن الأصل، وقد أخذ بها قضاء مجلس الدولة لاحتمالات الصحة فيما يدعيه الأفراد في مواجهة جهة الإدارة الحائزة وحدها لكل الأوراق والمستندات الرسمية المتعلقة بأعمالها وتصرفاتها طبقًا للتنظيم الإداري وحتى لا يتعطل الفصل في الدعوى الإدارية أو التأديبية بفعل سلبي هو نكول الإدارة - وهى الخصم الذي يحوز مصادر الحقيقة الإدارية - وتعويقها الخاطئ والمخالف للقانون - إعلاءً لكلمة الحق وسيادة القانون.
ومن حيث إن الثابت بالأوراق أن المطعون ضده قد ضمن طعنه التأديبي أن القرار الصادر بمجازاته بخصم شهر من راتبه قد خالف الواقع والقانون وهو ما يعني منازعته في صحة الأساس الواقعي والقانوني الذي انبني عليه هذا القرار، مما يستوجب إلزام جهة الإدارة أن تثبت أمام القضاء قيام السند القانوني المبرر للقرار الذي أصدرته في هذا الشأن، فإذا تقاعست عن تقديم أسانيد هذا القرار تكون قد فشلت في إثبات صحته، ومن ثم يكون ادعاء المطعون ضده واردًا دون وجود رد جدى على طعنه، الأمر الذي يكون معه القرار المطعون فيه - والحال كذلك - غير قائم على أساس سليم من القانون متعين الإلغاء.
ومن حيث إنه على هدى ما تقدم وكان الثابت بالأوراق أن جهة الإدارة قد نكلت عن تقديم المستندات اللازمة للفصل في الطعن أمام المحكمة التأديبية على مدى الجلسات التي تدوول فيها الطعن أمامها، واستمرت جهة الإدارة على مسلكها السلبي بعد إقامة طعنها الماثل، حيث تقاعست عن تقديم ما تحت يدها من مستندات لدى تحضير الطعن بهيئة مفوضي الدولة رغم تكليفها بذلك وأثناء تداوله أمام الدائرة السابعة (فحصًا وموضوعًا) وكذا أمام هذه المحكمة، الأمر الذي يقطع بأن جهة الإدارة قد عجزت عن تقديم الأوراق اللازمة لبيان وجه الحق في خصوص المنازعة التأديبية محل الطعن الماثل وتنصلت عن أداء واجبها وآثرت الاستمرار على مسلكها السلبي بما يدعم القرينة التي تحققت لصالح المطعون ضده بصحة ما يدعيه من مخالفة القرار المطعون فيه للواقع وصحيح حكم القانون على النحو الذي يستوجب القضاء بإلغاء هذا القرار.
وإذ ذهب الحكم المطعون فيه هذا المذهب، فإنه يكون قد صادف صحيح حكم القانون، ويغدو الطعن فيه غير قائم على سند صحيح من القانون خليقًا بالرفض.

فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة

بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعًا.