مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية والخمسون - من أول أكتوبر سنة 2006 إلى آخر سبتمبر سنة 2007 - صـ 280

(41)
جلسة 17 من يناير سنة 2007م

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد منير السيد أحمد جويفل نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ محمد محمود حسام الدين، ومحمد البهنساوى محمد، والسيد أحمد محمد الحسينى، وحسن عبد الحميد البرعى نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار/ سعيد عبد الستار محمد مفوض الدولة
وسكرتارية السيد/ عصام سعد ياسين أمين السر

الطعن رقم 4494 لسنة 45 قضائية. عليا:

دعوى - حجية الحكم الجنائى أمام القاضى الإدارى.
الحكم الجنائى يحوز حجيته فيما قضى به، وبصفه خاصة فى مجال الطعون الموجهة للقرارات الإدارية بطلب إلغائها أو وقف تنفيذها بما لا يجوز معه معاودة الفصل فى النزاع على خلاف الحجية التى أثبتها الحكم الجنائى فى ذات الموضوع الذى صدر بشأنه القرار المطعون فيه متى كان سبب القرار الإدارى هو ذاته موضوع الاتهام الجنائى - تطبيق.


الإجراءات

فى يوم الاثنين الموافق 26/ 4/ 1999 أودعت هيئة قضايا الدولة نيابة عن الطاعنين بصفاتهم قلم كتاب المحكمة تقرير الطعن الماثل فى الحكم المشار إليه، الذى قضى بإلغاء القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وبإلزام جهة الإدارة المصروفات.
وطلب الطاعنون - للأسباب الواردة بتقرير الطعن - قبوله شكلاً، وبإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجدداً برفض الدعوى المطعون على حكمها مع إلزام المطعون ضده المصروفات والأتعاب.
وقد أعلن تقرير الطعن طبقاً للثابت بالأوراق، وأودعت هيئة مفوضى الدولة تقريراً ارتأت فيه قبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعاً، وإلزام الطاعنين المصروفات.
ونُظر الطعن أمام الدائرة السادسة فحص بالمحكمة حسب محاضر الجلسات، التى قررت إحالته إلى هذه الدائرة، وتدوول أمامها على النحو الثابت بالمحاضر، ثم تقرر حجز الطعن للحكم فيه بجلسة اليوم، وفيها قررت المحكمة إعادة الطعن للمرافعة لتغيير تشكيل المحكمة، ثم تقرر النطق بالحكم آخر الجلسة وفيها صدر وأودعت مسودته.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية فهو مقبول شكلاً.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص فى أن المدعى (المطعون ضده) أقام دعواه ابتداءً فى 3/ 5/ 1988 أمام محكمة القضاء الإدارى بالمنصورة طالباً الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء القرار رقم 187 لسنة 1988 مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام جهة الإدارة المصروفات.
وقال المدعى - المطعون ضده - شرحاً لدعواه - إن الجهة الإدارية أصدرت القرار المطعون فيه بتاريخ 15/ 2/ 1988 متضمناً إزالة منزله الكائن بناحية دميرة مركز طلخا رغم أنه لم يتعد على الشارع العمومى ولا على مركز الشباب لأنه مقام على غرار الجيران، وقد تحرر عنه المحضر رقم 6201 لسنة 1985 عن ذات المخالفة وحفظ إدارياً، ثم حررت الجنحة رقم 111928 لسنة 1987 جنح طلخا، وبجلسة 27/ 2/ 1999 أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه، وشيدت قضاءها تأسيساً على ما نُسب للمدعي- المطعون ضده - فى 6/ 7/ 1987 بالتعدى بالبناء فى الشارع العمومى، وحرر ضده محضر الجنحة رقم 111928 لسنة 1987 جنح طلخا، وقضت محكمة طلخا الجزئية ببراءته مما هو منسوب إليه وقد صار هذا الحكم نهائياً لعدم وجود دليل على الطعن عليه، وأنه إعمالاً لحجية الحكم الجنائى فى المجال الإدارى، فإنه ينتفى فى حقه التعدى على الشارع العمومى، ويصبح قرار الإزالة المطعون فيه غير قائم على سبب جديراً بالإلغاء، وخلصت المحكمة لقضائها المشار إليها.
ولما كان هذا الحكم لم يلق قبولاً من الطاعنين، فقد أقاموا طعنهم تأسيساً على مخالفة الحكم الطعين للقانون والخطأ فى تطبيقه وتأويله، فالتعدى ثابت فى حق المدعى - المطعون ضده - وقد صدر القرار المطعون فيه من رئيس مركز ومدينة طلخا، لذا فإن القرار صدر متفقاً مع حكم القانون، أما بخصوص حجية الحكم الجنائى بالبراءة أمام القضاء الإدارى فهذه الحجية مقصورة على الأحكام الجنائية النهائية، والحكم الجنائى الذى استندت إليه محكمة أول درجة لم يثبت أنه نهائي، ولم يقدم المدعى - المطعون ضده - ما يفيد نهائيته، مما يكون معه الحكم الطعين مشوباً بالقصور فى التسبيب جديراً بالإلغاء.
واختتم الطاعنون - بصفاتهم - طلباتهم بما ورد فى ختام عريضة الطعن.
ومن حيث إن القانون المدني، والقوانين المعدلة له، تنص المادة (87) منه على أن:
1 - تعتبر أموالاً عامة، العقارات والمنقولات التى للدولة أو للأشخاص الاعتبارية العامة، والتى تكون مخصصة لمنفعة عامة بالفعل أو بمقتضى قانون أو مرسوم أو قرار من الوزير المختص.
2 - وهذه الأموال لا يجوز التصرف فيها أو الحجز عليها أو تملكها بالتقادم.
وتنص المادة (88) على أن : (تفقد الأموال العامة صفتها العامة بانتهاء تخصيصها للمنفعة العامة وينتهى التخصيص بمقتضى قانون أو مرسوم أو قرار من الوزير المختص أو بالفعل، أو بانتهاء الغرض الذى من أجله خصصت تلك الأموال للمنفعة العامة).
وتنص المادة (970) على أنه : ( ....... لا يجوز تملك الأموال الخاصة المملوكة للدولة أو للأشخاص الاعتبارية العامة وكذلك أموال الوحدات الاقتصادية التابعة للمؤسسات العامة أو الهيئات العامة وشركات القطاع العام غير التابعة لأيهما والأوقاف الخيرية أو كسب أى حقٍ عينى على هذه الأموال بالتقادم.
ولا يجوز التعدى على الأموال المشار إليها بالفقرة السابقة وفى حالة حصول التعدى يكون للوزير المختص إزالته إدارياً).
من ناحية أخرى فإن القانون رقم 43 لسنة 1979 بشأن نظام الإدارة المحلية، والقوانين المعدلة له، تنص المادة (26) منه على أن: (يعتبر المحافظ ممثلاً للسلطة التنفيذية بالمحافظة.......
وللمحافظ أن يتخذ جميع الإجراءات الكفيلة بحماية أملاك الدولة العامة والخاصة وإزالة ما يقع عليها من تعديات بالطريق الإدارى)، وتنص المادة (31) على أن (للمحافظ أن يفوض بعض سلطاته واختصاصاته إلى نوابه أو إلى سكرتير عام المحافظة أو السكرتير العام المساعد أو إلى رؤساء المصالح أو رؤساء الوحدات الأخرى).
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن سلطة الجهة الإدارية فى إزالة التعدى على أملاكها بالطريق الإدارى المخولة لها بمقتضى القانون مناط مشروعيتها وقوع اعتداء ظاهر على أملاكها أو محاولة غصبها، ولا يتأتى ذلك إلا إذا تجرد واضع اليد من أى سند قانونى لوضع يده، أما إذا استند فى وضع اليد إلى ادعاء ظاهر بحق ما على العقار، وكان له ما يبرره من مستندات تؤيد فى ظاهرها ما يدعى من حق على هذا العقار، أو كانت الحالة الظاهر تدل على جدية ما يدعيه لنفسه من مركز قانونى بالنسبة لهذا العقار انتفت حالة الغصب أو الاعتداء الموجب لاستعمال جهة الإدارة لسلطتها فى إزالته بالطريق الإدارى فلا يحق أن تلجأ إليها، إذ إنها فى هذه الحالة لا تكون بصدد دفع اعتداء أو إزالة غصب من أملاك الدولة وإنما تكون فى معرض انتزاع ما تدعيه من حق تنفرد به عن طريق التنفيذ المباشر وهو أمر غير جائز قانوناً . ومن حيث إن هذه المحكمة وهى تبسط رقابتها على مشروعية القرار الصادر بإزالة التعدى على أملاك الدولة لا تفصل فى النزاع حول ملكية هذه الأملاك، ولا تتغلغل بالتالى فى فحص المستندات للترجيح فيما بينها، وهو الأمر الذى يختص به القضاء المدنى الذى يفصل - دون غيره - فى الملكية، ويقتصر دور القضاء الإدارى على التحقق من أن سند الجهة الإدارية هو سند جدى ظاهر ومشروع وله شواهده وأدلته المبررة لإصدار القرار بإزالة التعدى إدارياً بالسلطة المباشرة لجهة الإدارة.
كما أن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن الحكم الجنائى يحوز حجيته فيما قضى فيه، وبصفة خاصة فى مجال الطعون الموجهة للقرارات الإدارية بطلب إلغائها أو وقف تنفيذها بما لا يجوز معه معاودة الفصل فى النزاع على خلاف الحجية التى أثبتها الحكم الجنائى فى ذات الموضوع الذى صدر بشأنه القرار المطعون فيه متى كان سبب القرار الإدارى هو ذاته موضوع الاتهام الجنائى.
ومن حيث إنه بتطبيق المبادئ والأحكام السابقة على وقائع الطعن الماثل، يبين أن الجهة الإدارية نسبت للمطعون ضده أنه بتاريخ 6/ 10/ 1987 تعدى على أرض مملوكة للإصلاح الزارعي، وتمت إحالته متهماً أمام محكمة جنح طلخا فى القضية رقم 111928/ 1987 جنح طلخا، وتم ندب خبير فيها أودع تقريراً انتهى فيه إلى أن العقار ملك المتهم (المطعون ضده) يقع بقرية دميرة، وأن منزل المتهم (المطعون ضده) مقام على أرض التوسع السكني، وأن المنتفع الأصلى بالأرض هو ..... الذى باعها للمتهم (المطعون ضده)، كما اتضح أن عقار المتهم (المطعون ضده) يخرج من حد الطريق بمساحة 13.25م، وذلك كما تبين من المعاينة، وأن التهمة غير ثابتة فى حق المتهم (المطعون ضده)، وقضت المحكمة بجلسة 9/ 11/ 1989 ببراءة المتهم (المطعون ضده) مما هو منسوب إليه، وفى ذات الوقت كان الطاعن الثانى - مفوضًا من الطاعن الأول بالقرار رقم 36 لسنة 1980 - قد أصدر القرار المطعون فيه رقم 187 لسنة 1988 - متضمناً إزالة التعدى الواقع من المواطن/ ....... (المطعون ضده) من ناحية دميرة مركز طلخا المتعدى على الشارع العام على أرض مركز الشباب من الجهة القبلية من الشارع الفاصل بين الأرض المخصصة لمركز الشباب، وذلك ببناء منزل بالخراسانات المسلحة والطوب الأحمر والمونة القوية حتى منسوب السقف وقائم بالصب ومساحة التعدى 2.40م عرض × 10م طول.
ومؤدى ما سبق أن موضوع الاتهام المنسوب للمطعون ضده هو نفسه التعدى المنسوب له والصادر بناء عليه القرار المطعون فيه، وإذ قضت محكمة جنح طلخا فى القضية المشار إليها ببراءة المتهم (المطعون ضده) مما هو منسوب إليه، لذا فإعمالاً لقاعدة حجية الحكم الجنائى أمام القاضى الإداري، فقد انهار سبب القرار المطعون فيه مما يتعين إلغاؤه، وما يترتب على ذلك من آثار.
ولا ينال من ذلك ما ذهب إليه الطاعنون فى طعنهم من أن الحكم الجنائى المشار إليه لم يكن نهائياً، وأنه كان يجب على محكمة أول درجة أن تلزم المدعى أمامها - المطعون ضده - بتقديم شهادة بنهائية هذا الحكم الجنائى إذ إن الأصل فى الإنسان البراءة، والأصل أن الحكم الصادر بالبراءة أصبح نهائياً، وعلى من يدعى خلاف ذلك أن يقدم الدليل عليه، وكان على الإدارة تقديم الدليل على عدم نهائية هذا الحكم أمام محكمة أول درجة أو حتى أمام هذه المحكمة، وهو ما لم تقم به الجهة الإدارية الطاعنة.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه ذهب ذات المذهب وانتهى لإلغاء القرار المطعون فيه، مما يتعين تأييده ورفض الطعن عليه لعدم قيامه على أساس قانونى أو واقعي، مع إلزام الطاعنين المصروفات عملاً بحكم المادة (184) مرافعات.

فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة

بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعاً، وألزمت الطاعنين المصروفات.