مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية والخمسون - من أول أكتوبر سنة 2006 إلى آخر سبتمبر سنة 2007 - صـ 727

(110)
جلسة 29 من مايو سنة 2007م

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ كمال زكى عبد الرحمن اللمعى نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ يحيى عبد الرحمن يوسف، ود. محمد ماجد محمود أحمد، وعبد المجيد أحمد حسن المقنن، وعمر ضاحى عمر ضاحى نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار/ محمد مصطفى عنان مفوض الدولة
وسكرتارية السيد / محمد عويس عوض الله سكرتير المحكمة

الطعن رقم 10663 لسنة 47 قضائية. عليا:

عقد إدارى - تنفيذه - حالات إلغاء المزايدة - مفهوم المصلحة العامة.
متى كانت المصلحة العامة تقتضى إلغاء المزايدة بعد النشر عنها أو الدعوة إليها وقبل البت فيها تدخل السلطة المختصة بالجهة الإدارية، باتخاذ قرار الإلغاء يكون أمراً واجباً عليها بحيث لا تترخص فى الأقدام عليه، أو تملك غض الطرف عن القيام به، وسواء قررت إلغاء المزايدة فى هذه الحالة، أو أحجمت عن إصدار قرار بذلك فإن موقفها فى الحالين يكون خاضعاً لرقابة القضاء الإدارى متى طرح عليه فى منازعة من صاحب الشأن فيقوم برده إلى حكم القانون للتأكد من مشروعيته ومن الوجود المادى للوقائع المكونة لركن السبب فيه وأن لها أصلاً ثابتاً بالأوراق، وأن من شأنها أن تؤدى إلى النتيجة التى خلص إليها تصرف الإدارة، والتأكيد من أنها استهدفت به وجه المصلحة العامة دون غيرها - تطبيق.


الإجراءات

فى يوم الأربعاء الموافق 15/ 8/ 2001 أودعت هيئة قضايا الدولة بصفتها نائبة عن محافظ البحيرة بصفته قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير الطعن الماثل، حيث قيد بجدولها برقم 10663 لسنة 47 ق.عليا طعناً على الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية بجلسة 18/ 6/ 2001 فى الدعوى رقم 2438 لسنة 49ق القاضى بعدم قبول الطلب الأصلى لزوال شرط المصلحة وبإلزام الجهة الإدارية المدعى عليها بأن تؤدى للمدعين تعويضاً جزافياً مقداره خمسون ألف جنيه على النحو الموضح بالأسباب وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وطلب الطاعن (بصفته) - للأسباب المبينة تفصيلاً بتقرير الطعن - الحكم بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، ثم إحالة الطعن إلى المحكمة لتقضى بقبوله شكلاً، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المذكور، والقضاء مجدداً برفض الدعوى.
وقد أعلن الطعن على النحو المبين بالأوراق، ثم أعدت هيئة مفوضى الدولة تقريراً بالرأى القانونى ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعاً.
ثم نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا؛ حيث قررت بجلسة 19/ 4/ 2006 إحالته إلى الدائرة الثالثة - موضوع - بالمحكمة لنظره بجلسة 18/ 7/ 2006 وفيها حضر الطرفان كل بوكيل عنه وتأجل نظر الطعن للاطلاع وتقديم مذكرات ثم تدوول الطعن لأكثر من جلسة ولم يقدم الحاضر عن الجهة الإدارية الطاعنة شيئاً، ولم يحضر المطعون ضدهم أو من يمثلهم، وبجلسة 10/ 4/ 2007 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم، وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، والمداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر النزاع فى الطعن تخلص - حسبما يبين من الأوراق - فى أن المطعون ضدهم أقاموا الدعوى المطعون فى الحكم الصادر فيها بصحيفة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية بتاريخ 19/ 3/ 1995، وطلبوا فى ختامها أصلياً: الحكم بعدم الاعتداد بعقد الصلح المبرم بين محافظة البحيرة وشركة النصر للملاحات وبطلان هذا الصلح، واحتياطياً: الحكم لهم بتعويض مقداره مليون جنيه عما أصابهم من أضرار وما فاتهم من كسب.
وذكروا - شرحاً للدعوى - أن محافظة البحيرة أعلنت عن مزاد لتأجير ملاحتين بالروزانية وأم ريشة بوادى النطرون لاستخراج ملح كلوريد الصوديوم لمدة ثلاث سنوات تبدأ من 13/ 5/ 1993 وأنهم تقدموا لهذا المزاد بصفتهم أصحاب مؤسسته اللواء للتجارة والمقاولات وتقدمت معهم شركة أخرى وتم إجراء المزاد بينهما حيث وصل سعر الشركة الأخرى إلى 33500 جنيه وكفت يدها، بينما كان سعرهم أعلى منها؛ حيث وصل إلى 36000 جنيه ومن ثم رسا المزاد عليهم على أن تستكمل الإجراءات فى اليوم التالى وهو 5/ 1/ 1994 إلا أن المسئولين بالمحافظة لم يستكملوا معهم هذه الإجراءات.
وأضاف المدعون أن شركة النصر للملاحات كانت تستغل هاتين الملاحتين بإيجار سنوى مقداره 2500 جنيه، ثم أعادت المحافظة بحث الطاقة الإنتاجية لهما وانتهت اللجنة المشكلة لهذا الغرض إلى تقدير إيجارها بمبلغ 33000 جنيه إلا أن الشركة رفضت الالتزام بهذا المبلغ مما أدى إلى فسخ العقد المبرم معها لاستغلال الملاحتين وهذا ما أدى إلى طرحها فى المزاد المشار إليه، إلا أن أحد المسئولين بالمحافظة تدخل لإلغاء هذا المزاد بحجة أن السعر الأساسى له لم يعتمد من المحافظ رغم أن هذا الاعتماد مجرد إجراء شكلى لا يترتب على إغفاله البطلان، كما أن حالات إلغاء المزاد محددة بالقانون رقم 9 لسنة 1983 وليس من بينها عدم اعتماد السعر الأساسي.
وأضاف المدعون أنهم أخطروا المحافظة بزيادة القيمة التى رسا بها المزاد لتكون ستة وأربعين ألف جنيه بدلاً من ستة وثلاثين ألف جنيه ثم أخطروها بزيادتها إلى ثمانية وأربعين ألفاً ومع ذلك قامت المحافظة بالتصالح مع شركة النصر للملاحات بتاريخ 22/ 3/ 1994 وتعاقدت معها على استغلال الملاحتين محل النزاع، وتم إلغاء المزاد المشار إليه، الأمر الذى تكون معه المحافظة قد خالفت حكم القانون وجاءت تصرفاتها باطلة، ومن ثم أقاموا الدعوى المذكورة.
وبجلسة 18/ 6/ 2001 أصدرت محكمة القضاء الإدارى الحكم المطعون فيه وشيدته على أسباب حاصلها أنه لما كانت المدة المحددة بالمزاد لاستغلال الملاحتين فيما لو رسا على المدعين هى ثلاث سنوات وقد انتهت وصار مستحيلاً استغلالهما نظراً لتعاقد المحافظة مع شركة النصر، فمن ثم تكون مصلحة المدعيين فى طلب إلغاء قرار المحافظ بإلغاء المزاد قد زالت أثناء نظر الدعوى مما يتعين الحكم بعدم قبول هذا الطلب لزوال شرط المصلحة.
أما بالنسبة لطلب التعويض فإن الخطأ ثابت فى حق المحافظة بإلغاء المزاد الذى رسا على المدعيين بحجة عدم اعتماد السعر الأساسى للتأجير من المحافظ، رغم أن هذه الحالة ليست من حالات إلغاء المزاد المنصوص عليها بالمادة (34) من القانون رقم 9 لسنة 1983، ورغم أن السعر الذى انتهى إليه المزاد وهو ستة وثلاثون ألف جنيه كان أعلى من السعر الأساسى الذى وجد بالمظروف المغلق حيث كان 35 ألف جنيه، وإذ ترتب على هذا الخطأ إلحاق ضرر بالمدعين تمثل فقط فيما فاتهم من كسب وهو ما تقدره المحكمة جزافياً بمبلغ خمسين ألف جنيه.
ومن حيث إن محافظة البحيرة لم ترتض ذلك الحكم فأقامت ضده الطعن الماثل استناداً إلى أسباب تخلص فى أن الحكم خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه وتأويله، ذلك أن إلغاء المزاد كان بسبب مخالفة القانون بعدم اعتماد السعر الأساسى من السلطة المختصة وهو المحافظ كما كان للمصلحة العامة، لأن اعتماد هذا السعر من الشروط الجوهرية اللازمة لصحة الإجراءات ويمثل ضمانة للمحافظة على المال العام، ولا يمكن أن يكون تطبيق القانون سبباً لمساءلة الإدارة.
ومن حيث إن هذا النعى سديد ذلك أن المادة (34) من قانون تنظيم المناقصات والمزايدات الصادر بالقانون رقم 9 لسنة 1983 تنص على أن "تلغى المزايدة بعد النشر عنها أو الدعوة إليها وقبل البت فيها إذا استغنى عن البيع أو التأجير نهائياً أو إذا اقتضت المصلحة العامة ذلك، ويجوز إلغاء المزايدة أيضاً فى الحالتين الآتيتين:
1- إذا لم يتقدم فى المزايدة سوى عرض وحيد مستوفٍ للشروط.
2 - إذا لم تصل نتيجة المزايدة إلى الثمن الأساسى. ويجب فى جميع الحالات أن يصدر قرار إلغاء المزايدة مسبباً من السلطة المختصة وتنظم اللائحة التنفيذية ما يتبع من إجراءات فى حالة إلغاء المزايدة".
ومؤدى هذا النص أنه متى كانت المصلحة العامة تقتضى إلغاء المزايدة بعد النشر عنها أو الدعوة إليها وقبل البت فيها فإن تدخل السلطة المختصة بالجهة الإدارية باتخاذ قرار الإلغاء يكون أمراً واجباً عليها، بحيث لا تترخص فى الأقدم عليه أو تملك غض الطرف عن القيام به - وسواء قررت إلغاء المزايدة - فى هذه الحالة - أو أحجمت عن إصدار قرار بذلك فإن موقفها فى الحالين يكون خاضعاً لرقابة القضاء الإدارى متى طرح عليه فى منازعة من صاحب الشأن فيقوم برده إلى حكم القانون للتأكد من مشروعيته ومن الوجود المادى للوقائع المكونة لركن السبب فيه وأن لها أصلاً ثابتاً بالأوراق وأن من شأنها أن تؤدى إلى النتيجة التى خلص إليها تصرف الإدارة، والتأكد من أنها استهدفت به وجه المصلحة العامة دون غيرها.
ولما كان الثابت من الأوراق - حافظة الجهة الإدارية أمام محكمة القضاء الإدارى بجلسة 30/ 10/ 1995 أن لجنة البت فى المزايدة محل النزاع بعد أن أجرت المزايدة بين المطعون ضدهم وشركة أخرى حتى وصل السعر الأعلى من المطعون ضدهم إلى مبلغ 36000 جنيه قامت بفتح المظروف الخاص بالسعر الأساسى المحدد للمزاد فوجدته غير معتمد من المحافظ ومن ثم أعدت مذكرة بذلك أوصت فيها بإلغاء المزايدة وبعرض الأمر على المحافظ وافق على إلغائها، وهو ما يبين منه أن قرار الإلغاء جاء مطابقاً لحكم القانون ذلك أن عين المصلحة العامة تكون فى التزام جهة الإدارة حكم القانون وحرصها على تنفيذه، ولا شك أن وضع سعر أساسى لبيع الأشياء أو تأجير الأماكن وغيرها من ممتلكات الإدارة إذا كان بطريق المزاد يمثل مظهراً من مظاهر الحرص على تحقيق المصلحة العامة، لأن هذا السعر يمثل الحد الأدنى للأسعار التى يمكن الترسية بها بحيث لا يجوز النزول عنه أو كف المزاد قبل الوصول إليه - دون سند قانونى - وذلك حتى لا يترك السعر الذى تتم الترسية عنده لمجرد الاجتهادات الشخصية أو المعايير غير الموضوعية أو لتحكم الأهواء واختلاف المصالح والأشخاص، ومن ثم فإن هذا السعر الأساسى يمثل ضمانة جوهرية من ناحية لتحقيق الصالح العام، ومن ناحية أخرى لضمان المصلحة الشخصية للمتزايد نفسه حتى تتم الترسية عليه إن توافرت فيه بقية شروط المزاد على نحو يتفق وحكم القانون، ولا تكون الترسية عرضة للبطلان الذى هو جزاء إغفال هذه الضمانة الجوهرية سواء إذا لم يوضع هذا السعر أصلاًَ أو إذا لم تستكمل إجراءات تحديده طبقاً للقواعد القانونية المنظمة له، وغنى عن البيان أن عدم اعتماد هذا السعر من السلطة المختصة يفقده صفته فلا يجوز التعويل عليه أو إتمام المزايدة استناداً إليه؛ حيث لا يكتمل وجوده قانوناً إلا إذا كان صادراً من تلك السلطة فإن لم يكن كذلك كان واجباً على الجهة الإدارية أن تقرر إلغاء المزايدة قبل البت فيها، ويكون قرار الإلغاء فى هذه الحالة سليماً موافقاً لحكم القانون.
ومن حيث إنه من المقرر أن القرار الإدارى السليم لا يجوز إلزام الإدارة بالتعويض عن الأضرار التى تترتب عليه أياً كانت لانتفاء ركن الخطأ فى جانبها، وكان الثابت فى النزاع الماثل أن إلغاء محافظة البحيرة للمزايدة الخاصة باستغلال الملاحتين المشار إليهما بعد طرحها وقبل البت فيها يتفق وصحيح حكم القانون، وقام على أصول ثابتة بالأوراق تؤدى إليه، وقد استهدفت يه وجهة المصلحة العامة؛ حيث خلت الأوراق من دليل على غير ذلك خاصة وأنه يتفق ونص المادة (107) من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 9 لسنة 1983 سالف الذكر التى أوجبت اعتماد السلطة المختصة للثمن الأساسى الذى تقدره لجنة التثمين حتى يمكن الاعتداد به واعتباره ثمناً أساسياً كما أنه يتفق وحكم المادة الأولى من قرار محافظ البحيرة رقم 1101 لسنة 1993 بتشكيل لجنة وضع كراسة الشروط الخاصة بتأجير هاتين الملاحتين؛ حيث أناط باللجنة تحديد السعر الأساسى للقيمة الايجارية على أن يعتمد منه، ومتى كان قرار إلغاء المزايدة صحيحاً ومشرعاً ولم تخطئ المحافظة أو تخالف حكم القانون بإصدارها له، بل إنها أصدرته إعمالاً لصحيح حكم القانون فإن مطالبة المطعون ضدهم بالتعويض عما يزعمون من ضرر أصابهم بفوات الكسب الذى كانوا سيحصلون عليه من تأجير الملاحتين لا تقوم على سند قانونى يبررها وتكون جديرة بالرفض، وإذ أخذ الحكم المطعون فيه بغير ذلك فإنه يكون مخالفاً للقانون ويتعين إلغاؤه فيما قضى به من الحكم بتعويض مقداره خمسون ألف جنيه للمطعون ضدهم، والقضاء مجدداً برفض طلب التعويض، وتعديل منطوق الحكم كله ليتفق مع ما تقدم.
ومن حيث إنه عن المصروفات فإن المطعون ضدهم يلتزمون بها عن درجتى التقاضى عملاً بنص المادة (184) مرافعات.

فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة

بقبول الطعن شكلاً، وفى الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه ليكون بعدم قبول الطلب الأصلى للمدعين - المطعون ضدهم - لزوال شرط المصلحة وبرفض طلب التعويض وألزمت المطعون ضدهم المصروفات عن درجتى التقاضي.