مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية والخمسون - من أول أكتوبر سنة 2006 إلى آخر سبتمبر سنة 2007 - صـ 819

(124)
جلسة 3 من يوليو سنة 2007م

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد منير السيد أحمد جويفل نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين /سامى أحمد محمد الصباغ، ومحمد محمود حسام الدين، ومحمد البهنساوى محمد، والسيد أحمد محمد الحسينى، نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار/ سعيد عبد الستار محمد مفوض الدولة
وحضور السيد/ عصام سعد ياسين سكرتير المحكمة

الطعن رقم 11696 لسنة 50 ق. عليا:

قرار إدارى - أركانه - الاختصاص - حدود التفويض فى القرارات الإدارية.
المستقر فقهاً وقضاء أن التفويض الجائز وفقاً للقواعد العامة إنما ينصرف إلى الاختصاصات الأصيلة التي يستمدها المفوض من القوانين واللوائح مباشرة، أما الاختصاصات التى يستمدها الرئيس الإدارى من سلطة عليا بناء على قواعد التفويض، فإنه لا يجوز له أن يفوض فيها بل يتعين عليه أن يمارس هذه الاختصاصات المفوض فيها بنفسه عملاً بقاعدة أنه لا تفويض على التفويض - تطبيق.


الإجراءات

فى يوم الأربعاء الموافق 9/ 6/ 2004 أودع الطاعن تقرير الطعن الماثل قلم كتاب هذه المحكمة على الحكم المشار إليه القاضى بقبول الدعوى شكلاً، وبإلغاء القرار المطعون فيه، وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام جهة الإدارة المصروفات.
وطلب فى ختام تقرير الطعن وقف تنفيذ الحكم المطعون عليه بصفة مستعجلة، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون عليه مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام المطعون ضدهما المصروفات والأتعاب.
بعد إعلان الطعن قانوناً أودعت هيئة مفوضى الدولة تقريراً بالرأى القانونى ارتأت فيه بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعاً ، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
نُظر الطعن أمام الدائرة السادسة ( فحص طعون) التى قررت إحالته إلى هذه المحكمة، ونظر أمامها بالجلسات على النحو الثابت فى المحاضر، ثم قررت حجز الطعن للحكم فيه بجلسة اليوم وصرحت لمن يشاء بالاطلاع وتقديم مذكرات ومستندات خلال أربعة أسابيع انقضت دون تقديم شئ، وفى هذه الجلسة صدر الحكم بعد إيداع مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة قانونًا
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية المقررة لذا فهو مقبول شكلاً.
ومن حيث إن وقائع هذا النزاع تخلص فى أن المطعون ضدهما أقاما دعواهما ابتداء أمام محكمة أول درجة بتاريخ 16/ 6/ 1998 ضد الطاعن ورئيس مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية، طالبين الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء القرار رقم 10 لسنة 1998 فيما تضمنه من إزالة التعديات والإشغالات الواقعة غرب الحى السكنى الخامس قبلى وبحرى الطريق الدولي - بمحافظة دمياط داخل حدود قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 546 لسنة 1980 الواقعة من بعض المواطنين طبقاً للكشف الملحق بالقرار، ومنهم المدعيان (المطعون ضدهما) وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام الإدارة المصروفات.
وينعى المدعيان (المطعون ضدهما) على القرار المطعون فيه صدوره من غير مختص به، لأن الأرض ملك هيئة الأوقاف المصرية باعتبارها تدخل ضمن وقف الأمير مصطفى عبد المنان الخيري. بجلسة 18/ 4/ 2004 أصدرت محكمة أول درجة حكمها المطعون عليه وأقامت قضاءها على أن الثابت من الأوراق أن الأرض موضوع المنازعة تدخل ضمن أراضى هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، فقد صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 546 لسنة 1980 بتخصيص المساحة المبينة فيه لإقامة ميناء ومدينة دمياط الجديدة، ومنها الأرض موضوع القرار الطعين ولما كان الاختصاص بإزالة أى تعدٍ على هذه الأرض يدخل فى اختصاص مجلس إدارة هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة طبقا لحكم المادة العاشرة من القانون رقم 59 لسنة 1979 فى شأن المجتمعات العمرانية الجديدة، وإذ صدر القرار المطعون فيه من رئيس الجهاز التنفيذى لتعمير وتنمية مدينة دمياط، ولم يثبت صدور تفويض له من مجلس إدارة الهيئة، فمن ثم يكون القرار المطعون فيه صادراً من غير مختص مما يعيبه بعيب عدم الاختصاص وانتهت المحكمة لحكمها المطعون عليه.
وإذ لم يرتض الطاعن الحكم المطعون عليه، لذا فقد أقام طعنه الماثل ناعياً عليه الخطأ فى تطبيق القانون، فمجلس إدارة هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة قرر بتاريخ 8/ 3/ 1982 تفويض رئيس الهيئة فى إصدار قرارات الإزالة لأى تعد على أملاك الهيئة، وهذا التفويض عام فى جميع أنحاء الجمهورية، وقد نصت المادة (40) من القانون رقم 59 لسنة 1979 المشار إليه على تحديد اختصاصات رئيس الهيئة، ومنها تنفيذ قرارات مجلس الإدارة، ويجوز لرئيس مجلس الإدارة أن يفوض نوابه أو رؤساء الأجهزة أو مديرًا أو أكثر فى أحد اختصاصاته، أى أن القانون خول رئيس مجلس إدارة هيئة المجتمعات العمرانية حق تفويض غيره فيما فوضه فيه مجلس إدارة الهيئة.
كما ينعى الطاعن على هذا الحكم الفساد فى الاستدلال؛ لأنه استند إلى القرار رقم 49 لسنة 1982 بتفويض المهندس المقيم بميناء دمياط الجديدة بإزالة التعديات التى تقع على الأراضى المخصصة لإقامة ميناء ومدينة دمياط الجديدة، ومن ثم يكون القرار المطعون فيه قد صدر من غير مختص، ويرى الطاعن أن هذا الاستدلال فاسد؛ لأن قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 546 لسنة 1980 اعتبر مشروع ميناء دمياط الجديدة وما تضمنه من منطقة سكنية وأعمال أخرى مرتبطة به ومكملة له مجتمعاً عمرانياً جديداً وإن كان العمل قد بدأ فى الميناء الجديد أولا، وصدر قرار التفويض للمهندس المقيم وقتها بإزالة التعديات على الأراضى المخصصة لهذا الميناء ويرى الطاعن أن هذا تفويض عام لا يجوز تقييده، كما يرى أن المهندس المقيم هو نفسه رئيس جهاز تعمير مدينة دمياط الجديدة والتمس الطاعن الحكم بطلباته.
ومن حيث إن القانون رقم 59 لسنة 1979 فى شأن إنشاء المجتمعات العمرانية الجديدة تنص المادة الأولى منه على أنه: "فى تطبيق أحكام هذا القانون يقصد بالمجتمعات العمرانية الجديدة كل تجمع بشرى متكامل يستهدف خلق مراكز حضارية جديدة تحقق الاستقرار الاجتماعى والرخاء الاقتصادى (الصناعى والزراعى والتجارى وغير ذلك من الأغراض) بقصد إعادة توزيع السكان عن طريق إعداد مناطق جذب مستحدثة خارج نطاق المدن والقرى القائمة" وتنص المادة الثانية على أن: "يكون إنشاء المجتمعات العمرانية الجديدة وفقاً لأحكام هذا القانون والقرارات المنفذة له، وتنشأ هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة طبقاً لأحكام الباب الثانى من هذا القانون وتكون - دون غيرها - جهاز الدولة المسئول عن إنشاء هذه المجتمعات العمرانية ويعبر عنها فى هذا القانون بالهيئة".
وتنص المادة السادسة من هذا القانون على أن: "يكون تقرير المنفعة العامة ونزع ملكية العقارات اللازمة وفقاً لأحكام هذا القانون بقرار من مجلس الوزراء".
وتنص المادة التاسعة من هذا القانون على أن: "يصدر قرار من رئيس مجلس الوزراء بعد موافقة المجلس بتخصيص الأرض المملوكة للدولة التى يقع عليها الاختيار لإنشاء المجتمعات العمرانية الجديدة والطرق الموصلة إليها ...... ويكون هذا القرار ملزماً لجميع الوزارات والجهات والهيئات والأجهزة المعنية بأملاك الدولة على اختلاف أنواعها، وتعتبر هذه الأراضى من أراضى البناء وكذا الأغراض الأخرى التى يقوم عليها المجتمع العمرانى الجديد، ويحظر على أى شخص طبيعى أو معنوى بعد صدور هذا القرار أن يحوز أو يضع اليد أو يعتدى على أى جزء من أجزاء الأراضى التى تخصص لأغراض هذا القانون. كما يخظر إجراء أية أعمال أو إقامة أية منشآت أو أغراس أو أشغال بأى وجه من الوجوه إلا بإذن من الهيئة.
وتنص المادة العاشرة من هذا القانون على أن: "يقع باطلاً كل تصرف أو تقرير لأى حق عينى أصلى أو تبعى أو تأجير أو تمكين بأية صورة من الصور على الأراضى التى تخصص وفقاً لهذا القانون يتم بالمخالفة لأحكامه ولا يجوز شهره، ولكل ذى شأن التمسك بالبطلان أو طلب الحكم به وعلى المحكمة أن تقضى به من تلقاء نفسها، ويزال بالطريق الإدارى بقرار من مجلس إدارة الهيئة ما قد يوجد على هذه الأراضى من تعديات أو وضع يد أو إشغالات أيا كان سندها أو تاريخ وقوعها، وتكون الإزالة مقابل تعويض عادل فى حالة الإشغالات التى يثبت أن إقامتها بسند قانوني".
وتنص المادة (27) من هذا القانون على أن: "تنشأ هيئة تسمى "هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة" تكون لها شخصية اعتبارية مستقلة تسرى فى شأنها أحكام قانون الهيئات العامة فيما لم يرد فيه نص فى هذا القانون...".
وتنص المادة (36) على أن: "مجلس إدارة الهيئة هو السلطة العليا المهيمنة على شئونها ويباشر اختصاصاته على الوجه المبين فى هذا القانون، وله أن يتخذ ما يراه لازماً من قرارات لتحقيق الغرض الذى أنشئت من أجله....".
وتنص المادة (38) على أنه: "يجوز لمجلس إدارة الهيئة أن يشكل من بين أعضائه لجنة أو أكثر.... كما يجوز له أن يعهد ببعض اختصاصاته إلى رئيس الهيئة أو أن يفوضه بمهمة محددة".
وتنص المادة (40) من القانون ذاته على أن:" ..... ويجوز لرئيس مجلس إدارة الهيئة أن يفوض نوابه أو رؤساء الأجهزة أو مديرا أو أكثر فى أحد اختصاصاته".
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة يجرى على أن المستقر فقهاً وقضاءً أن التقويض الجائز وفقاً للقواعد العامة إنما ينصرف إلى الاختصاصات الأصيلة التى يستمدها المفوض من القوانين واللوائح مباشرة، أما الاختصاصات التى يستمدها الرئيس الإدارى من سلطة عليا بناء على قواعد التفويض، فإنه لا يجوز له أن يفوض فيها، بل يتعين عليه أن يمارس هذه الاختصاصات المفوض فيها بنفسه عملا بقاعدة أنه لا تفويض على التفويض.
ومن حيث إنه بتطبيق المبادئ والأحكام السابقة على وقائع الطعن الماثل يتبين أن رئيس مجلس الوزراء أصدر القرار رقم 546 لسنة 1980 الذى تضمن بالمادة الأولى منه أن: "يعتبر مشروع ميناء دمياط الجديد وما يتضمنه من منطقة سكنية وأعمال أخرى مرتبطة به ومكملة له مجتمعاً عمرانياً جديداً فى تطبيق أحكام القانون رقم 59 لسنة 79 وذلك فى المنطقة الموضحة على الخريطة المرفقة" وتضمنت المادة الثالثة من هذا القرار اعتبار المشروع المشار إليه من أعمال المنفعة العامة، وقد قرر مجلس إدارة هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة بجلسة 8/ 3/ 1982 تفويض رئيس الهيئة فى الاختصاص بإصدار قرارات الإزالة لما قد يوجد على أراضى الهيئة من تعديات أو وضع يد أو إشغال أيا كان سندها أو تاريخ وقوعها، وإذ أصدر رئيس الجهاز التنفيذى لتعمير وتنمية مدينة وميناء دمياط القرار المطعون فيه رقم 10 لسنة 1998 متضمنا بالمادة الأولى منه أن: "يزال بالطريق الإدارى جميع التعديات والإشغالات أيا كان سندها الواقعة غرب الحى السكنى الخامس، وفى بحرى وقبلى الطريق الدولى وداخل حدود قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 546 لسنة 1980... والواقعة من بعض المواطنين وفقاً للكشف والخريطة المرفقة أولهم:..... وآخرهم د/ .....).
ومفاد ذلك أن القرار المطعون فيه رقم 10 لسنة 1998 لم يصدر من مجلس إدارة هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، ولم يوافق مجلس الإدارة عليه، كما لم يصدر من رئيس هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة مفوضاً من مجلس الإدارة، وإنما صدر من رئيس جهاز مدينة وميناء دمياط دون تفويض من مجلس الإدارة له بذلك؛ لذا فقد صدر القرار المطعون فيه من غير مختص به مما يعيبه بعيب عدم الاختصاص ويتعين إلغاؤه.
ولما كان الحكم المطعون عليه قد ذهب المذهب ذاته وقضى بإلغاء القرار المطعون فيه لعيب عدم الاختصاص، لذا يتعين تأييده ورفض الطعن عليه لعدم قيامه على أى أساس قانونى أو واقعي.
ولا ينال من ذلك ما ذهب إليه الطاعن من أن مجلس إدارة هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة أصدر القرار رقم 49 لسنة 1982 بتفويض رئيس الجهاز التنفيذى لمدينة وميناء دمياط، إذ بالرجوع لحافظة المستندات المقدمة أمام محكمة أول درجة بجلسة 7/ 3/ 2004 يتبين أن القرار المشار إليه مودع ضمن الحافظة وهو صادر من رئيس هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة بتاريخ 26 12/ 1982 استناداً للتفويض الصادر له من مجلس إدارة الهيئة فى 8/ 3/ 1982 فى الاختصاص بإصدار قرارات إزالة التعدى على أملاك الهيئة، ولما كان التفويض لا يجوز على التفويض، لذا فإن قرار رئيس الهيئة رقم 49 لسنة 1982 بتفويض رئيس جهاز وميناء دمياط بإزالة التعديات لا يخول رئيس جهاز مدينة وميناء دمياط سلطة إصدار قرار إزالة هذه التعديات، وبالتالى فإن القرار المطعون فيه رقم 10 لسنة 1998 صدر من غير السلطة المختصة به.
ومن حيث إن الطاعن قد خسر الطعن؛ لذا يلزم بالمصروفات عملاً بحكم المادة (184) مرافعات.

فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة

بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعًا، وألزمت الطاعن المصروفات.