مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
في شأن الأحزاب السياسية والطعون الانتخابية (في الفترة من 1/ 1/ 2010 إلى 30/ 6/ 2011) - صـ 31

(2)
جلسة 19 من فبراير سنة 2011م

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد عبد الغني محمد حسن رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ مجدي حسين محمد العجاتي, وحسين محمد عبد المجيد بركات, وأحمد عبد التواب محمد مرسى, ومنير عبد القدوس عبد الله. نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السادة الأساتذة الشخصيات العامة: د. فوزي على السيد تركي, ود. أحمد عوض بلال متولي, ود. حورية توفيق مجاهد, ود. نازلي معوض أحمد يوسف, ود. إبراهيم يسري صابر عبد العزيز.

الطعن رقم 37967 لسنة 55 القضائية عليا.

أحزاب سياسية - الحق في تكوينه - معيار قبول برامج الحزب - دور لجنة شئون الأحزاب السياسية.
المادتان (1) و(5) من دستور 1971 - المواد (1) و (2) و (3) و (4) و (7) و (8) و (9) من القانون رقم 40 لسنة 1977 بنظام الأحزاب السياسية, معدلا بالقانون رقم (177) لسنة 2005.
تكوين الأحزاب السياسية من قبل المواطنين حق دستوري ينظمه القانون - اشترط القانون المنظم للأحزاب السياسية عدة شروط يلزم توافرها لتأسيس أي حزب سياسي وكذا لاستمراره, ومنها: أن تكون للحزب برامجُ تتسم بأنها تمثل إضافة للحياة السياسية على وفق أهداف وأساليب محددة - استبدل المشرع هذا الشرط بشرط تميز برنامج الحزب وسياساته أو أساليبه في تحقيقها تميزا ظاهرا عن الأحزاب الأخرى, الذي كان منصوصا عليه قبل تعديل القانون المذكور - جسد المشرع بهذا التعديل معنى التكامل سياسيا بين الأحزاب بعضها والبعض, وبينها وبين النظام الحاكم, بديلا عن المعيار القديم الذي كان يقوم على أساس من انفرادية الحزب فيما يأتي به من برامج؛ وذلك استهدافا لعدم فرض حدود عازلة بين الأحزاب بعضها والبعض, وبين كل منها والدولة, وإلا تفرد حزب - متى تبنت الدولة برامجه - بترسيم الحياة السياسية, دون إنصاتٍ أو استماع لما تنطق به برامج الأحزاب الأخرى من مبادئ وحلولٍ للمشكلات - مؤدى هذا: أنه ليس متطلبا وجود اختلاف كلي فيما يقدمه الحزب من رؤى ببرنامجه عن غيره من الأحزاب, بل يكفي الاختلاف الجزئي الذي يمثل إضافة للحياة السياسية - يتعين النظر إلى برنامج الحزب باعتباره محتوى متكاملا دون فصم عُراه, ودون عقد مقارنات بين جزئيات من محتواه وأخرى من محتوى برامج أحزابٍ أخرى؛ إذ لا يؤدي ذلك إلا إلى الاعتراض على تأسيس الأحزاب, لاستحالة وجود برنامج خالٍ من أوجه شبهٍ بينه وبين برامجَ أخرى.
مؤدى هذا وما تضمنه القانون من أحكام أن نظام تأسيس الأحزاب السياسية في مصر يقوم على عدة أسس موضوعية, منها: مبدأ التعددية الحزبية, ومبدأ وحدة المقومات, ومبدأ ديمقراطية الأحزاب, ومبدأ شعبية الأحزاب, ومبدأ وطنية الأحزاب, ومبدأ علانية المبادئ والأهداف, ومبدأ تكاملية الأحزاب والدولة, ومبدأ فعالية الأحزاب, ومبدأ حاكمية الدستور.
يتعين على لجنة شئون الأحزاب السياسية, إزاء ما أولاها المشرع من اختصاص بالاعتراض على تأسيس الحزب عند عدم توافر الشروط المتطلبة قانونا لتأسيسه, أن تترسم هذه المبادئ عند ممارسة هذا الاختصاص, وأن تتسم بالحياد التام إبان ممارسته, وإن قَصُر نص المادة (8) من القانون عن تجسيد هذا الحياد المتطلب, بعدم اشتراطه عدم انتماء رئيس اللجنة والوزيرين الممثلين فيها لأي حزب سياسي.
يتعين أن يكون تقييم الحزب في مرحلة الميلاد والتكوين قائما على أساس التيسير لا التعسير - أساس ذلك: أن مقتضى مبدأ تعددية الأحزاب وحرية تكوينها أن يكون من المتعين تفسير القيود التي تضمنها التشريع المنظم لها باعتبارها تنظيما للأصل المقرر دستورياً - مؤدى ذلك: أن الفهم الصحيح لأحكام الدستور ومراد نصوص القانون المذكور يقتضي العمل على تشجيع أكبر عدد ممكن من المواطنين على المشاركة الإيجابية في الشئون العامة, ومنها الشأن السياسي, وعدم التشدد على غير أساس من الدستور أو القانون في فرض قيود على حرية تكوين الأحزاب - ترتيبا على ذلك: تتسم سلطة لجنة شئون الأحزاب السياسية بأنها سلطة مقيدة ومنحصرة في بحث أوراق الحزب تحت التأسيس, والتأكد من توافر الشروط التي تطلبها المشرع, وما لها إلا الاعتراض إذا ما تخلف أحد هذه الشروط, ولا يجوز لها بحالٍ أن تكون حائلاً دون ولوج أي حزب في ميدان السياسة - تطبيق.


الإجراءات

بتاريخ 16/ 9/ 2009 أودع الأستاذ الدكتور/ محمد سليم العوا - المحامي - بصفته وكيلا عن الطاعن, قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرا بالطعن, قيد برقم 37967 لسنة 55 القضائية عليا, في القرار الصادر من لجنة شئون الأحزاب السياسية بجلسة 16/ 8/ 2009 بالاعتراض على تأسيس حزب الوسط الجديد.
وطلب الطاعن - للأسباب المبينة بتقرير الطعن - الحكم بإلغاء القرار المطعون فيه, وما يترتب على ذلك من آثار, أهمها اكتساب حزب الوسط الجديد الشخصية المعنوية اعتبارًا من تاريخ صدور الحكم, مع إلزام المطعون ضده المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وقد جرى إعلان الطعن إلى المطعون ضده على النحو المبين بمحضر الإعلان, وقامت هيئة مفوضي الدولة بتحضير الطعن, وأودعت تقريراً مسبباً بالرأي القانوني, ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً, ورفضه موضوعاً, وإلزام الطاعن المصروفات.
وعُين لنظر الطعن أمام هذه المحكمة جلسة 21/ 11/ 2009, وتدوول نظره بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرها, وبجلسة 18/ 12/ 2010 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم, وفيها صدر الحكم, وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق, وسماع الإيضاحات, وبعد المداولة.
وحيث إن قرار لجنة شئون الأحزاب السياسية المطعون فيه صدر بتاريخ 16/ 8/2009, وأُخطر به الطاعن في 19/ 8/ 2009, فأقام طعنه عليه بتاريخ 16/ 9/ 2009, خلال الميعاد المنصوص عليه في المادة (8) من قانون نظام الأحزاب السياسية رقم 40 لسنة 1977, وإذ استوفى الطعن سائر أوضاعه الشكلية, فمن ثم يكون مقبولاً شكلاً.
وحيث إن عناصر الطعن تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أن الطاعن, بصفته وكيلاً عن مؤسسي حزب الوسط الجديد, قدم إخطاراً كتابياً إلى رئيس لجنة شئون الأحزاب السياسية عن تأسيس الحزب المذكور, وذلك بتاريخ 20/ 5/ 2009, مرفقاً به برنامج الحزب ولائحة نظامه الداخلي, وكشفا بأسماء المؤسسين الذين بلغ عددهم (1180) عضواً, تتوزع أماكنُ إقامتهم على (25) محافظة, من بينها (11) محافظة يتجاوز عدد المؤسسين من كل منها (50) مؤسسًا. وقد نظرت لجنة شئون الأحزاب الإخطار, وحضر وكيل المؤسسين أمامها بجلسة 10/ 8/ 2009, وأبدى ما طُلب منه من إيضاحات, وقدم إليها ما رأى تقديمه من أوراق ومستندات. وبجلسة 16/ 8/ 2009 أصدرت اللجنة قرارها بالاعتراض على تأسيس الحزب, لأسباب مُجملُها أن برنامج الحزب هو مجرد عبارات إنشائية مرسلة وغير محددة, ولم ينطو على إضافة للحياة السياسية, وإنما هو تجميع لما هو مردد في الساحة السياسية مما تقوم الدولة على تنفيذه وما تردده بعض الأحزاب القائمة, وأن ما أورده الحزب مجردُ عبارةٍ بليغةٍ مرسلةٍ لا تنطوي على محتوى أو أساليب محددة لتنفيذها, بما يفقده أية إضافة للحياة السياسية, وفق أهدافٍ وأساليب محددةٍ, يمكن أن تكون علامة عليه, ودالة على كينونة ذاتية ينفرد بها عن سائر الأحزاب, ولم يُعبر عن توجيهٍ محددِ الملامح في مواجهة المشاكل, واختيار الحلول والبدائل الممكنة للتغلب عليها أو مواجهتها, بحيث يُعرف بها الحزبُ وتدل عليه, وبالتالي يكون الحزب فاقداً للشرط الذي عنته المادة الرابعة فقرة (3) من قانون نظام الأحزاب السياسية.
ونعى الطاعن على هذا القرار من الناحية الموضوعية - بعد أن أفضى بما لديه من مآخذ على مسلك اللجنة وما انتوته مسبقا تجاه الحزب - أنه مشوب بعيب مخالفة القانون, وبعيب افتقاده ركن السبب, حيث ذهب فيما يتعلق بالعيب الأول إلى أن اللجنة خرجت عن دورها الدستوري والقانوني, ذلك أن المقرر في قضاء المحكمة الإدارية العليا أن لجنة شئون الأحزاب السياسية تباشر سلطة مقيدة, لا تسمح لها أن تقف حائلا في سبيل ولوج أي حزب في ميدان السياسة, إلا إذا كان لديها من الأسباب الحقيقية والجوهرية ما يدعو إلى عدم السماح لمؤسسي الحزب بإقامته, وأن اللجنة ليست ذات وصاية على العمل السياسي, وليست جهة تقويم وتعقيب على ما تتضمنه برامج الأحزاب التي تتقدم بإخطار التأسيس, وأن اعتراضها على تأسيس حزب, يرد على أمرٍ, هو في الأصل في حكم الإباحة, وأن هذا الاعتراض يقوم على خلاف أصل مقرر دستورياً ومؤكد قانوناً, ولذلك لا يكون الاعتراض صحيحا في الواقع والقانون, إلا إذا كان مستقيما حتما مع وقائع وأمور تُفيده على وجه القطع, وتكشف عنه على وجه اليقين. وإنه إذا كان هذا هو دور اللجنة, فإنها بخروجها عن هذا الدور إلى إجراء تقويم لتفاصيل البرنامج المقدم من حزب الوسط الجديد, وبلوغها في هذا مبلغ المقارنة بين البرنامج والدستور والقوانين القائمة ومشروعات القوانين وأفكار الحكومة التي لم توضع في صورة مشروع قانون بعدُ, تكون قد تجاوزت حدود سلطاتها, خاصة أن ما استظهره القضاء من استقراء نصوص الدستور والقانون أن الحزب في مرحلة الميلاد والتكوين هو أحرى بأن يكون تقييمُه معيارا لُحمَتُه التيسير وليس التعسير.
وذهب الطاعن, فيما يخص العيب الآخر الذي نعى به على القرار الطعين, إلى أن السبب الوحيد الذي ساقه القرار الطعين هو عدم تميز برنامجه عن برامج الأحزاب الأخرى, أو أنه لا ينطوي على إضافة للحياة السياسية, أو أنه ينطلق من ذات البرامج السابق التقدم بها لتأسيس الحزب مع خلاف في الصياغة, أو أنه أمر مكرر معاد على الساحة السياسية, ويتبناه عديد من الأحزاب القائمة, أو أنه لا ينتظم جديدا يمكن معه استجلاء شخصية متميزة للحزب, أو أنه هو ذاته المردد في الساحة العامة داخل الوطن, أو أن الدستور قد أفاض في المبادئ التي تضمنها البرنامج, أو أن التنظيم السياسي القائم يعمل على تحقيق الغايات الواردة في برنامج الحزب, وفي الدستور ما يغطي ويزيد على ما ورد ببرنامج الحزب, أو أنها أفكار طليقة يرددها الجميع, وخصص لها الدستور الكثير من المواد, أو أنها مبادئ مسلمة حرص الدستور على النص عليها, وهي مرددة في أفواه الناس جميعا, لما لها من أهمية عظمى في تقدم المجتمع, وكذا أن برنامج الحزب لم يتضمن أساليب تنفيذ ما يقول به من مبادئ وأفكار, ولا اختيار الحلول والبدائل الممكنة للتغلب على المشاكل ومواجهتها.
وهذا الذي ذهبت إليه اللجنة يجعلها قد أقامت من نفسها, بلا سند من القانون, جهة تقويم وتعقيب على البرنامج المقدم إليها, واتخذت لنفسها سبيل التشديد والتعسير, بدلا من التخفيف والتيسير, كما أنها لم تستظهر معنى التميز الواجب في برنامج الحزب على النحو الذي استقر فهمُه وتفسيره في أحكام القضاء, بل اخترعت معيارا للتميز جديداً, هو ما أسمته: "استجلاء شخصية الحزب", وأنها أضافت قيودا لم يأت بها قانون الأحزاب, عندما اشترطت أن يتضمن البرنامج أساليب تنفيذِ ما يقدمه الحزب من مبادئ وأفكار, إلى آخر ما ذهبت إليه في هذا الشأن, زاعمة أن هذا هو معنى التميز الذي يُعرف به الحزب ويدل عليه. وقد جاء قرار اللجنة في كل إشاراته إلى الأحزاب الأخرى مُجهَّلا؛ حيث لم تذكر اللجنة اسم حزب, ولا موضع ما يشير إليه من برنامجه من استشهاد, ولا وجه الشبه, كما أنها اعتبرت اتفاق برنامج الحزب مع الدستور أمرا إدَّا, في الوقت الذي توجب فيه المادة الرابعة من قانون الأحزاب عدم جواز تعارض مبادئ الحزب أو أهدافه أو برامجه أو سياساته أو أساليبه في ممارسة نشاطه مع الدستور. وقد خلطت اللجنة بين البرنامج السياسي والخطط التنفيذية عندما نعت على البرنامج بأنه لا يحدد وسائل تنفيذه أو تفاصيل خططه, إذ إن البرنامج السياسي أفكار وتصورات وآمال وطموحات, يعبر أصحابها عن موقفهم من القضايا السياسية بعضها أو كلها, ثم هم لا يمكنهم تجريب هذه الآراء والتصورات والآمال والطموحات إلا إذا كانت بيدهم سلطة تنفيذية, تتمثل في تولي الحكم بعد فوزهم في الانتخابات, وعندئذ يحاكم عملهم لا فكرهم, ووسائلهم لا قيمُهم, وتفصيلات أعمالهم لا مجمل أفكارهم. وأضاف الطاعن أن ما ذهب إليه القرار الطعين مردود عليه بأحكام المحكمة الإدارية العليا, التي ذكر العديد منها بتقرير طعنه, منتهيا إلى أنه بإنزال ما تضمنته هذه الأحكام من قواعد قضائية مستقرة على القرار الطعين يتبين أنه جاء في الواقع عاريا عن التسبيب, لتجهيل أسباب الاعتراض, أو عموميتها, أو غموضها, أو عدم وجودها في الواقع والحقيقة.
وقد عقبت هيئة قضايا الدولة على أسباب الطعن بمذكرة قدمت بجلسة 13/ 2/ 2010 (تحضير) أمام هيئة مفوضي الدولة, فصَّلت فيها أوجه التشابه بين برنامج الحزب والأحزاب الأخرى في المجالات التي تضمنتها هذه المذكرة, وخلصت إلى طلب الحكم برفض الطعن, وإلزام الطاعن المصروفات, وبتاريخ 27/ 3/ 2010 أودع الحاضر عن الطاعن, خلال فترة التصريح بتقديم مذكرات, وفق قرار مفوض الدولة بجلسة التحضير بتاريخ 13/ 3/ 2010 - مذكرة عقب فيها على ما جاء بمذكرة دفاع الدولة المشار إليها, ثم قدم الحاضر عن الدولة مذكرة دفاع بجلسة 19/ 6/ 2010 (مرافعة), معقبا بها على ما قدمه الطاعن من دفاع.
ومن حيث إن المادة (1) من دستور جمهورية مصر العربية تنص على أن: "جمهورية مصر العربية دولة نظامها ديمقراطي, يقوم على أساس المواطنة ".
وتنص المادة (5) منه على أن: " يقوم النظام السياسي في جمهورية مصر العربية على أساس تعدد الأحزاب, وذلك في إطار المقومات الأساسية للمجتمع المصري المنصوص عليها في الدستور. وينظم القانون الأحزاب السياسية. وللمواطنين حق تكوين الأحزاب السياسية وفقا للقانون ".
وتنص المادة (1) من القانون رقم 40 لسنة 1977 بشأن نظام الأحزاب السياسية على أن : "للمصريين حق تكوين الأحزاب السياسية, ولكل مصري الحق في الانتماء لأي حزب سياسي, وذلك طبقا لأحكام هذا القانون".
وتنص المادة (2) على أنه: " يقصد بالحزب السياسي كل جماعة منظمة تؤسس طبقا لأحكام هذا القانون, وتقوم على مبادئ وأهداف مشتركة, وتعمل بالوسائل السياسية الديمقراطية لتحقيق برامج محددةٍ تتعلق بالشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة, وذلك عن طريق المشاركة في مسئوليات الحكم".
وتنص المادة (3) على أن : "تسهم الأحزاب السياسية التي تؤسس طبقا لأحكام هذا القانون في تحقيق التقدم السياسي والاجتماعي والاقتصادي للوطن على أساس الوحدة الوطنية, وتحالف قوى الشعب العاملة, والسلام الاجتماعي, والاشتراكية الديمقراطية, والحفاظ على مكاسب العمال والفلاحين, وذلك كله على الوجه المبين بالدستور. وتعمل هذه الأحزاب باعتبارها تنظيمات وطنية شعبية وديمقراطية على تجميع المواطنين وتمثيلهم سياسيا".
وتنص المادة (4) المعدلة بالقانون رقم 177 لسنة 2005 على أن: "يشترط لتأسيس أو استمرار أي حزب سياسي ما يأتي: أولا - ...... ثانيا - عدم تعارض مبادئ الحزب أو أهدافه أو برامجه أو سياساته أو أساليبه في ممارسة نشاطه مع الدستور, أو مع مقتضيات الحفاظ على الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي والنظام الديمقراطي. ثالثا - أن تكون للحزب برامج تمثل إضافة للحياة السياسية وفق أهداف وأساليب محددة. رابع - ..... خامس - ..... سادس - عدم قيام الحزب كفرع لحزب أو تنظيم سياسي أجنبي. سابع - علانيةُ مبادئ الحزب وأهدافه وأساليبه وتنظيماته ووسائل ومصادر تمويله".
وتنص المادة (7) المعدلة بالقانون المشار إليه على أن: " يجب تقديم إخطار كتابي إلى رئيس لجنة شئون الأحزاب السياسية المنصوص عليها في المادة (8) من هذا القانون عن تأسيس الحزب, موقعا عليه من ألف عضو على الأقل من أعضائه المؤسسين, مصدقا رسميا على توقيعاتهم, على أن يكونوا من عشر محافظات على الأقل, وبما لا يقل عن خمسين عضوا من كل محافظة. وترفق بهذا الإخطار جميع المستندات المتعلقة بالحزب, وبصفة خاصة: نظامه الأساسي, ولائحته الداخلية, وأسماء أعضائه المؤسسين, وبيان الأموال التي تم تدبيرها لتأسيس الحزب, ومصادرها, واسم من ينوب عن الأعضاء في إجراءات تأسيس الحزب. ويٌعرض الإخطار عن تأسيس الحزب والمستندات المرفقة به على اللجنة المشار إليها في الفقرة السابقة خلال خمسة عشر يوما من تاريخ تقديم الإخطار".
وتنص المادة (8) المعدلة بالقانون المشار إليه على أن: "تشكل لجنة شئون الأحزاب السياسية على النحو التالي: 1 - رئيس مجلس الشورى..... رئيسا 2 - وزير الداخلية ....... عضوا 3 - وزير شئون مجلس الشعب ....عضوا 4 - ثلاثة من بين الرؤساء السابقين للهيئات القضائية أو نوابهم من غير المنتمين إلى أي حزب سياسي..... أعضاءً 5 - ثلاثة من الشخصيات العامة غير المنتمين إلى أي حزب سياسي ..... أعضاءً...... وتختص اللجنة بفحص ودراسة إخطارات تأسيس الأحزاب السياسية طبقا لأحكام هذا القانون..... وللجنة في سبيل مباشرة اختصاصاتها طلبُ المستندات والأوراق والبيانات والإيضاحات التي ترى لزومها من ذوي الشأن في المواعيد التي تحددها لذلك, ولها أن تطلب أي مستندات أو بيانات أو معلومات من أية جهة رسميةٍ أو عامة, وأن تُجري ما تراه من بحوث بنفسها أو بلجنة فرعية منها, وأن تكلف من تراه من الجهات الرسمية بإجراء أي تحقيق أو بحث أو دراسة لازمة للتوصل إلى الحقيقة فيما هو معروض عليها. ويتولى مؤسسو الحزب, أو من ينوب عنهم في إجراءات تأسيسه, نشر أسماء مؤسسيه الذين تضمنهم إخطار التأسيس على نفقتهم في صحيفتين يوميتين واسعتي الانتشار خلال ثلاثين يوما من تاريخ الإخطار .... وعلى اللجنة أن تصدر قرارها في شأن تأسيس الحزب خلال التسعين يوما التالية لتاريخ تقديم إخطار التأسيس. ويجب أن يصدر قرار اللجنة بالاعتراض على تأسيس الحزب مسببا, بعد سماع الإيضاحات اللازمة من ذوي الشأن. ويعتبر انقضاء المدة المشار إليها, دون صدور قرار من اللجنة في شأن تأسيس الحزب, بمثابة قرار بعدم الاعتراض على تأسيسه. وتنشر القرارات التي تصدرها اللجنة بعدم الاعتراض على تأسيس الحزب أو بالاعتراض على تأسيسه في الجريدة الرسمية..... ويجوز لطالبي تأسيس الحزب خلال الثلاثين يوما التالية لنشر قرار الاعتراض في الجريدة الرسمية أن يطعنوا في هذا القرار بالإلغاء أمام الدائرة الأولى للمحكمة الإدارية العليا...".
وتنص المادة (9) المعدلة بالقانون المشار إليه على أن: "يتمتع الحزب بالشخصية الاعتبارية الخاصة, ويمارس نشاطه السياسي اعتبارا من اليوم التالي لنشر قرار لجنة شئون الأحزاب السياسية بعدم الاعتراض على تأسيسه, أو من اليوم التالي لمضي التسعين يوما المنصوص عليها في المادة (8) من هذا القانون, أو من تاريخ صدور حكم المحكمة الإدارية العليا بإلغاء القرار الصادر بالاعتراض على تأسيس الحزب, وفيما عدا الإجراءات الإدارية التي تنتهي بتقديم الإخطار المنصوص عليه في المادة (7) من هذا القانون, لا يجوز ممارسة أي نشاط حزبي أو إجراء أي تصرف باسم الحزب قبل اكتسابه الشخصية الاعتبارية".
ومفاد النصوص السالفة الذكر: أن النظام السياسي في جمهورية مصر العربية نظام ديمقراطي, يقوم على أساس تعدد الأحزاب في إطار المقومات الأساسية للمجتمع, المتمثلة في المقومات الاجتماعية والخُلُقية والمقومات الاقتصادية, المنصوص عليها في فصلي الباب الثاني من الدستور, وأن تكوين الأحزاب من قبل المواطنين حق دستوري ينظمه القانون. وقد بين قانون نظام الأحزاب السياسية المقصود بالحزب السياسي بأنه كل جماعة منظمة يتم تأسيسها طبقا لأحكامه, تجمعها مبادئ وأهداف مشتركة, يكون لها برامج محددة تتعلق بالشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة, تعمل على تحقيقها بالوسائل السياسية الديمقراطية, وطريقها في ذلك المشاركة في مسئوليات الحكم, إسهاما في تحقيق التقدم السياسي والاجتماعي والاقتصادي للوطن, بحيث تكون الوحدة الوطنية, وتحالف قوى الشعب العاملة, والسلام الاجتماعي, والديمقراطية, والحفاظ على مكاسب العمال والفلاحين, أساسا لتحقيق هذا التقدم, وعلى أن تعمل الأحزاب على تجميع المواطنين وتمثيلهم سياسيا, باعتبارها في ضوء تحديد المقصود بها تنظيماتٍ شعبيةً ديمقراطيةً, وبحسبان أن الانتماء إليها حق دستوري ثابت لكل مواطن.
وقد اشترط القانون المشار إليه عدة شروطٍ يلزم توافرها لتأسيس أي حزب سياسي, وكذا لاستمراره, منها: عدمُ وجود أي تعارض بين مبادئ أو أهداف أو برامج أو سياسات الحزب أو أساليبه في ممارسة نشاطه, وبين الدستور من ناحية, ومقتضيات الحفاظ على الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي والنظام الديمقراطي من ناحية أخرى. ومنها: أن تكون للحزب برامج تتسم بأنها تمثل إضافة للحياة السياسية وفق أهداف وأساليب محددةٍ. ومنها: ألا يكون الحزب فرعا لحزب أو تنظيم سياسي أجنبي. ومنها: علانية مبادئ الحزب وأهدافه وأساليبه وتنظيماته ووسائل ومصادر تمويله.
وقد استلزم القانون لإمكان ممارسة النشاط الحزبي أو إجراء أي تصرف باسم الحزب أن يكون قد اكتسب الشخصية المعنوية, التي لا تثبت له إلا بعد نشر القرار الذي يصدر من لجنة شئون الأحزاب المشكلة وفقا للمادة (8) من ذلك القانون بعدم الاعتراض على تأسيس الحزب, أو بعد انقضاء المدة المنصوص عليها في هذه المادة دون صدور قرار منها في شأن تأسيسه, أو بصدور حكم المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى) بتشكيلها المبين في المادة المشار إليها.
وقد أوجب القانون حتى يتمكن الحزب تحت التأسيس من الوصول إلى منتهى إجراءات تأسيسه, أن تبدأ هذه الإجراءات بتقديم إخطار عن تأسيس الحزب إلى رئيس لجنة شئون الأحزاب السياسية, على أن يكون مكتوبا وموقعا من ألف مواطن على الأقل, مصدقا رسميا على توقيعاتهم, وبحيث يكونون من عشر محافظات على الأقل, وبما لا يقل عن خمسين من كل محافظة, وعلى أن يُرفق بالإخطار جميع المستندات المتعلقة بالحزب. وأوجب المشرع عرض الإخطار على اللجنة خلال خمسة عشر يوما من تاريخ الإخطار, على أن تُصدر قرارها في شأن تأسيس الحزب خلال تسعين يوما من تاريخ هذا الإخطار, وإلا اعتُبر انقضاءُ هذه المدة دون صدور قرار منها في هذا الشأن بمثابة قرار بعدم الاعتراض على التأسيس. كما أوجب المشرع نشر القرارات التي تصدر عن اللجنة بعدم الاعتراض على تأسيس الحزب أو بالاعتراض على تأسيسه في الجريدة الرسمية, وفي الحالة الأولى تثبت للحزب شخصيته الاعتبارية من اليوم التالي لنشر القرار, وفي الحالة الثانية يكون لطالبي التأسيس الطعن في قرار اللجنة أمام الدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا بتشكيلها المنصوص عليه في المادة (8), فإذا صدر الحكم بإلغاء القرار الصادر بالاعتراض على تأسيس الحزب, تمتع الحزب بالشخصية الاعتبارية من تاريخ صدور هذا الحكم.
ومن حيث إن المشرع قد استعاض بشرط تميز برنامج الحزب وسياساته أو أساليبه في تحقيق هذا البرنامج تميزا ظاهرا عن الأحزاب الأخرى, الذي كان منصوصا عليه في البند (ثانيا) من بنود المادة (4) المحددة لشروط تأسيس أو استمرار أي حزب سياسي, شرطاً آخر في البند (ثالثا) من هذه المادة, بعد تعديلها بالقانون رقم 177 لسنة 2005, بأن تكون للحزب برامجُ تمثل إضافةً للحياة السياسية وفق أهدافٍ وأساليب محددةٍ, الأمر الذي جسد معنى التكامل سياسيا بين الأحزاب بعضها والبعض, وبينها وبين النظام الحاكم للدولة, بحيث أصبح معيار قبول برامج الحزب هو ما تمثله هذه البرامج من إضافة للحياة السياسية وفق أهداف وأساليب محددة, منظورا في ذلك إلى مبدأ من أهم المبادئ التي يقوم عليها تأسيس الأحزاب, وهو مبدأ فعالية الأحزاب, بمشاركتها في مسئوليات الحكم, وإسهامها في تحقيق التقدم السياسي والاقتصادي والاجتماعي للوطن, وبذلك صار هذا المعيار في قبول برامج الحزب بديلا عن ذلك المعيار الذي كان قِوامهُ تميزَ برنامج الحزب - في الأساس - وكذا سياساته في تحقيقه, تميزا ظاهرا عن الأحزاب الأخرى, والذي كان يقوم على أساس من انفرادية الحزب فيما يأتي به من برامج, وإن لم يكن الانفصال التام قواما لهذه الانفرادية.
وحيث إن من مقتضيات ما سبق ذكره من نصوص قانونية أن ثمة مبادئ موضوعية تُمثل أسسا لتأسيس الأحزاب السياسية, منها ما يلي:
أولا - مبدأ التعددية الحزبية, ويعني قيام النظام السياسي للدولة على أساس تعدد الأحزاب وليس على أساس تكرارها, إذ المشرع لم يقصد تكرار النموذج الحزبي بأن تتطابق برامجه, وإنما قصد إلى تعدد التوجه الفكري لمواجهة المشاكل العامة واختيار الحلول لكل منها.
ثاني - مبدأ وحدة المقومات, ويعني قيام الأحزاب وتعددها في إطار المقومات الأساسية للمجتمع المصري, التي تضمنها الدستور في الباب الثاني منه, والمتمثلة في المقومات الاجتماعية والخُلقية المبينة في الفصل الأول من هذا الباب, والمقومات الاقتصادية المبينة في الفصل الثاني منه, وكذلك في إطار الوحدة الوطنية, والسلام الاجتماعي, وتحالفِ قوى الشعب العاملةِ, والديمقراطية, والحفاظ على مكاسب الوطن.
ثالثا - مبدأ ديمقراطية الأحزاب, ويعني تكوينها على أساس ديمقراطي من منطلق حرية اختيار التوجه الفكري والانتماء إلى الحزب الذي يتبناه. وكذلك قيامُ تشكيلاتها المكونة لها إدارياً على ذات الأساس, دون تسلط أو انفراد بالسلطة داخل كل حزب من الأحزاب. وكذا ممارسة النشاط الحزبي مساهمةً في الحياة السياسية وفق نظام ديمقراطي, بحسبان أن هذه المساهمة تمثل وجه المشاركة في مسئوليات الحكم في الدولة.
رابعا - مبدأ شعبية الأحزاب, ويعني قيام كل منها على أساس من قاعدة شعبية, تقتنع بفكر معين, تتجمع على تحقيقه في نطاق القانون, وبحيث لا تقل هذه القاعدة الشعبية وفق نص المادة (7) من قانون نظام الأحزاب عن ألف عضو من محافظات مختلفة, بحيث يكون هذا الفكر ذا قبول لدى هذه القاعدة, تحقيقا لمشاركة فاعلة في النظام السياسي للدولة, وبما يحقق النفع لجمهور المواطنين.
خامس - مبدأ وطنية الأحزاب, ويعني مصرية الحزب بدءا واستمرارا, دون أن يكون امتدادا لحزب سياسي أو تنظيم أجنبي أو فرعا لأي منهما, فضلا عن قيام الحزب على أساس المواطنة, الذي هو قوام البناء السياسي الديمقراطي بالدولة.
سادسا - مبدأ علانية المبادئ والأهداف, ويعني كشف الفكر الذي تقوم عليه الجماعة المنظمة, الذي تجسده مبادئ الحزب وأهدافه المشتركة التي يبتغون تحقيقها, وكذا وسائل وأساليب تحقيق البرامج التي تنطلق من تلك المبادئ وتصبو إلى تحقيق هذه الأهداف, مشاركة في مسئوليات الحكم, وإسهاما في تحقيق التقدم المرجو للوطن سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
سابعا - مبدأ تكاملية الأحزاب والدولة, ويعني قيام الأحزاب السياسية على أساس من التكامل فيما بينها دون تضاد أو تنافر, والتكامل فيما بينها وبين النظام الحاكم للدولة دون انفراد بمسئوليات الحكم, وفق ما يعنيه مصطلح "النظام الديمقراطي" الذي يتصف به نظام الحكم في الدولة طبقا لنصوص الدستور, وبما يستلزمه جميع ذلك من أن تكون كل إضافة تأتي بها برامج كل حزب في شتى نواحي المشاركة والمساهمة في الحياة السياسية, ممثلة لبنة في بناء هذه الحياة, أو طابقا من طبقات إعلانه والارتقاء به, دون النظر إلى أي من تلك الإضافات على أنها فكر خامل, ولا يتضافر حياة مع غيره لتحقيق تقدم في مجالات هذه الإضافات, وإلا لما كان هناك مشاركة حقا أو مساهمة فعلا في مسئوليات الحكم وفي الحياة السياسية في الدولة, ولكان كل حزب من الأحزاب أقرب إلى الجماعات الفئوية التي لم يهدف قانون نظام الأحزاب السياسية بحال إلى تكوينها أو خروجها إلى الحياة السياسية في شكل معين, إسهاما في حركة الحياة السياسية نموا وتقدما.
ثامنا - مبدأ فعالية الأحزاب, ويعني أن تكون للحزب حياة سياسية حقيقية, دون أن يقتصر على حياة قانونية بتأسيسه, بحسبان أن التأسيس يجب ألا يكون بعثا لكيان ليس له في واقع الحياة السياسية شأن, وإنما يتعين أن يكون دوما حيا بالمشاركة الفعالة في الحياة السياسية, ذا أثر في ضخ دماء الديمقراطية باستمرار فيها, وذا وجود مستمر في ساحة الحكم, تحقيقا للتقدم المنشود سياسيا واقتصاديا واجتماعيا, وذلك باتخاذ ما من شأنه تفعيل فكره, وجني الوطن لثمار هذا الفكر, الذي هو لا ريب فكر بناء, دون خروج في سبيل تحقيق ذلك على الأساس الديمقراطي الذي هو قوام الحكم, وفي ذات الوقت قوام كل حزب.
تاسع - مبدأ حاكمية الدستور, ويعني وجوب التزام الأحزاب أحكام الدستور باعتباره الإطار الحاكم لها, بدءا من تكوينها, ومرورا بتأسيسها, واستمرارا بممارسة أنشطتها, وبحيث لا يكون ثمة تعارض بين مبادئ الحزب وأهدافه وبرامجه وسياساته أو أساليبه في ممارسة نشاطه مع أي حكم من أحكام الدستور, وكذا بألا يكون ثمة تعارض بين ما يعد من الأحكام مكملا للدستور, وعلى وجه الخصوص قانون نظام الأحزاب السياسية, الذي جاء تنظيما للأصل الدستوري المتمثل في حرية تكوين الأحزاب وحرية الانتماء إلى أي منها.
ومن حيث إنه إزاء ما أولاه المشرع للجنة الأحزاب السياسية من اختصاص بالاعتراض على تأسيس الحزب عند عدم توافر الشروط المتطلبة قانونا لتأسيسه, فإنه يتعين عليها ترسم المبادئ المذكورة آنفا عند ممارسة اختصاصها, الذي يلزمها أن تتسم بالحياد التام إبان ممارسته, إذ هو سلوك محتم عملا, وإن قصرت المادة (8) من قانون الأحزاب السياسية عن تجسيده نصا, خاصة أن ما تضمنه نص هذه المادة من ضرورة توافر هذا السلوك - بطريق الدلالة - جاء منقوصا, حيث اشترط عدم انتماء أي من الأعضاء الستة الذين يختارون من بين الرؤساء السابقين للهيئات القضائية أو نوابهم ومن بين الشخصيات العامة لأي حزب سياسي, دون اشتراط ذلك بالنسبة لرئيس اللجنة وعضويها الآخرين, الأمر الذي تجد معه المحكمة أنه لزام على المشرع التدخل بتعديل يتضمن تشكيل اللجنة عند استبقائها من أشخاص من غير المنتمين إلى أي حزب من الأحزاب السياسية, حتى يتحقق حيادها ويتوارى انحيازها.
ومن حيث إن مما بات مستقرا وفقا لقضاء دستوري ولقضاء الشرعية الصادر عن المحكمة الإدارية العليا أن الدستور وضع أصلا عاما, هو قيام النظام السياسي في جمهورية مصر العربية على أساس تعدد الأحزاب, وأن حرية تكوينها هي أصل كفله الدستور في الإطار الذي رسمه لها, وأن القيود التي تضمنها التشريع المنظم للأحزاب السياسية يتعين تفسيرها باعتبارها تنظيما للأصل الذي قرره الدستور, وأنه لما كانت الأحزاب السياسية كيانات اجتماعية حية تولد باجتماع إراداتٍ, وتنمو في رحاب المجتمع, تصهرها التجارب, وتزدهر في التفاعل مع ظروف العمل السياسي والأوضاع الاجتماعية والسياسية, حتى يمكن أن تتكامل في شأنها عوامل النضج السياسي, الذي هو محصلة وعي وإدراك, لا يتوافر إلا نتيجة تفاعل سياسي والتحام واقعي في معايشة لأوضاع المجتمع. ويكون لازم ذلك أن الحزب في مرحلة الميلاد والتكوين هو أحرى بأن يكون تقييمه, إعمالا لصحيح أحكام الدستور على نحو ما كشفت عنه أحكام المحكمة الدستورية العليا وأيضا لما جرى عليه قضاء هذه المحكمة, بمعيار التيسير وليس التعسير, وذلك ما يتعين أن تنزل عليه دوما لجنة الأحزاب السياسية؛ حتى يتفق ما تصدره من قرارات مع صحيح أحكام الدستور, وحقيق مقتضيات القانون, وحتى تتلاقى صدقا وحقا مع اعتبارات الواقع السياسي والاجتماعي.
وإنه لما كان الفهم الصحيح لأحكام الدستور, والإدراك الواعي للمراد من نصوص قانون الأحزاب السياسية مؤداه العمل على تشجيع أكبر عدد ممكن من المواطنين على المشاركة الإيجابية في الشئون العامة, ومنها الشأن السياسي, فإن أحد العوامل التي تشجع على ذلك هو عدم التشدد, على غير أساس من الدستور أو القانون, في فرض قيود على حرية تكوين الأحزاب السياسية, لإمكان استيعاب كافة التيارات الموجودة في المجتمع المصري, والتي لا تجد في الأحزاب السياسية القائمة مكانها الطبيعي أو انتماءها الفكري. (المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 11834 لسنة 46 القضائية عليا بجلسة 9/ 2/ 2002).
ومن حيث إن قرار لجنة شئون الأحزاب السياسية بالاعتراض على تأسيس حزب الوسط الجديد قد صدر مسببًا, منتهيا بما خلص إليه من أن الحزب فاقد للشرط الوارد في المادة (4) فقرة (ثالثا) إلى أنه تبين - على نحو ما ورد بالقرار - أن برنامج الحزب هو مجرد عباراتٍ إنشائيةٍ مرسلة وغير محددة, وأنه لم ينطوِ على إضافة للحياة السياسية في الوطن, وإنما هو تجميع لما هو مردد في الساحة السياسية, وهو ما تقوم الدولة على تنفيذه, وهو كذلك ما تردده بعض الأحزاب القائمة, وأن ما أورده مجرد عبارة بليغة مرسلة, لا تنطوي على محتوى محددٍ وأساليبَ محددة ٍلتنفيذها, أو ليقوم الحزب على تنفيذها, وبذلك فإن هذا البرنامج لا ينطوي على إضافة للحياة السياسية وفق أهدافٍ وأساليبَ محددةٍ, يمكن أن تكون علامة عليه ودالة على كينونة ذاتية ينفرد بها عن سائر الأحزاب, ولم يُعبر عن توجهٍ محدد الملامح في مواجهة المشاكل واختيار الحلول والبدائل الممكنة للتغلب عليها ومواجهتها, بحيث يُعرف بها الحزب وتدل عليه.
ومن حيث إن رقابة هذه المحكمة بتشكيلها المنصوص عليه في المادة (8) من قانون نظام الأحزاب السياسية هي ذات رقابة المشروعية التي يتولاها القاضي الإداري, التي يسلطها على القرارات الإدارية لتبيان ما إذا كانت ملتزمة حدود الشرعية القانونية بتوافرها على أركان مشروعيتها, ومنها ركن السبب, فتكون متفقة مع صحيح حكم القانون, أم غير مترسمة هذه الحدود, مشوبة بعيب من عيوب القرارات الإدارية, فتمسي مباينةً لصحيح حكم القانون, ومن ثم واجبةَ الإلغاء, وترتيب الآثار القانونية على الحكم به, وبناءً على ذلك فإن المحكمة تسلط رقابتها تلك على ما استندت إليه لجنة شئون الأحزاب السياسية من أسباب, وصولا إلى قرارها الطعين, لتستبين وجه شرعيته من عدمه.
ومن حيث إنه باستقراء برنامج الحزب تبين أن ثمة رؤية لمؤسسيه دفعتهم إلى الالتفات حولها, بلورة لمبادئ وأهدافٍ مشتركةٍ, بغية بناءِ نهضةٍ مصرية حقيقية, حيث تمثلت هذه الرؤية في انحيازهم إلى تحدي الطغيان بشتى صوره, والانتصار لقيم العدل والحرية, والتأكيد على المشترك الإنساني العام في مواجهة الاتجاه العالمي المتنامي نحو الهيمنة والاستبداد والتعصب. وإزاء هذا الانحياز ارتأوا أن مصر في حاجة لبناء الذات أولا, حتى تتمكن من الإسهام الفعال في الكفاح العالمي من أجل نظام دولي أكثرَ عدلا وإنسانية, ولذا آمن المؤسسون بضرورة بلورةِ رؤيةٍ وطنية واضحة تستوعب متغيرات الواقع المحلي والعالمي, وتكون قادرةً على بناء النهضة المصرية الحقيقية, كما آمنوا بأن مصر لديها ما تقدمه للعالم, حيث أضفت من روحها وشخصيتها كمركب حضاري ثري بعناصره المتعددة طابعا مميزا على الحضارة العربية الإسلامية, الأمر الذي جعلها صاحبة ثقافة ثرية, أسهم في صقلها أبناؤها, مسلمين وأقباطا, عبر العصور المختلفة, فتلك الحضارة الإسلامية ذات النكهة المصرية المتميزة التي تتسم باعتدالها ووسطيتها هي جوهر الإسهام المصري.
وقد أوضح المؤسسون أن الوسطية من منظور وطني حضاري تعني عندهم: أن مصر لن تنهض إلا بالعدل والحرية معا, وأن طريق البناء الذاتي يؤسس على الثقة بالذات الوطنية والحضارية التعددية, وينبع من قيم الحضارة العربية الإسلامية, ذات الطابع المصري المتميز, بخصوصيتها الثقافية, المستمدة من المرجعيات التي ارتضاها المجتمع ونص عليها الدستور المصري.
وقد تمثلت المعالم الرئيسة لبرنامج الحزب في عدة محاور, هي:
1 - المحور السياسي. 2 - المحور الاقتصادي. 3 - المحور الاجتماعي. 4 - الثقافة والفنون. 5 - إدماج الأخلاق في سياسة الإصلاح. 6 - السياسة الخارجية.
وأوضح المؤسسون أن ما صاغوه يمثل المعالم الرئيسة لبرنامجهم, الذي لا يتناول بالضرورة كل القضايا المهمة, وإنما صيغ على أساس من شرح رؤيتهم وتوضيح منهجهم وأولوياتهم, وخياراتهم الفكرية والسياسية, مقرونا بالقدر العملي المناسب من القضايا.
ومن حيث إنه في ضوء ما سلف ذكره من أن المشرع استعاض بشرط تميز برنامج الحزب وسياساته في تحقيق هذا البرنامج تميزا ظاهرا عن الأحزاب الأخرى, شرطا آخر تمثل في أن تكون للحزب برامج تمثل إضافةً للحياة السياسية وفق أهداف وأساليب محددةٍ, الأمر الذي جسد معنى التكامل السياسي - على النحو الذي أوضحته المحكمة آنفا - وبحيث أصبح معيار قبول برامج الحزب هو ما تمثله هذه البرامج من إضافة للحياة السياسية, بما يستلزمه ذلك من تجسيد لمبدأ من أهم المبادئ التي يقوم عليها تأسيس الأحزاب, وهو مبدأ (فعالية الأحزاب) السالف ذكره معنى وتحديدا, ومن ثم كان لازم ذلك - في شأن وزن قرار لجنة شئون الأحزاب السياسية المطعون فيه - أن تقف المحكمة على ما إذا كان ما أورده مؤسسو الحزب في محاور برنامجهم يمثل إضافة للحياة السياسية, بحيث تكون له فعالية ومشاركة في مسئوليات الحكم في الدولة, وبما يحقق تقدما في النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية, دون خوض فيما إذا كان ثمة تميز لبرنامج الحزب وسياساته في تحقيق هذا البرنامج تميزا ظاهرا عن الأحزاب الأخرى, بحسبان أن استظهار هذا التميز ومداه قد صار أمرا ملتفتا عنه منذ العمل بالقانون رقم 177 لسنة 2005.
وحيث إنه فيما يتعلق بالمحور السياسي, فقد تمثلت رؤية المؤسسين في أن إطلاق الحريات العامة وتحقيق الإصلاح السياسي والدستوري من شأنه أن يزيد المجتمع قوة في مواجهة التحديات الخارجية التي تأتي في مقدمتها الهيمنة الأجنبية على مقدرات الشعوب والأوطان, كما أن إطلاق الحريات يؤدي إلى دعم الاستقرار ويحمي المجتمع من التعرض لهزاتٍ وقلاقل نتيجة استمرار الأوضاع الراهنة.
وأكد المؤسسون التزامهم بمبادئ وأسس اعتبروها السبيل نحو النهضة المنشودة, تمثلت في ثلاثة عشر مبدأ, مثلت خمسة منها إضافة تُسهم في الحياة السياسية, بمحتوى كلي تارةً, وجزئي تارة أخرى, وهذه المبادئ هي: المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة في الأهلية السياسية والقانونية؛ فالمعيار الوحيد لتولي المناصب والولايات العامة هو الكفاية والأهلية, والقدرة على القيام بمسئوليات المنصب. واحترام الكرامة الإنسانية وجميع حقوق الإنسان المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية, التي نصت عليها الشرائع السماوية والمواثيق الدولية. واحترام حق التداول السلمي للسلطة عبر الانتخاب الحر المباشر, ووجوب تحديد حد زمني أقصى لشغل المواقع الأساسية في قمة السلطة السياسية. وإلغاء القوانين المقيدة لحرية الصحافة والإعلام, واعتبارُ حرية تدفق المعلومات, بما في ذلك تلك التي تأتي عبر الشبكة الدولية للمعلومات, ضرورة لتحقيق تأكيد حرية الرأي والتعبير عنه والدعوة إليه. والحق في تشكيل الأحزاب السياسية والجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني كافة, على أن تكون الجهات الإدارية عونا في أداء مهامها, وبحيث لا تكون لأية جهة إدارية سلطة التدخل بالحرمان من هذا الحق أو تقليصه, وبحيث تكون السلطة القضائية المستقلة هي المرجع لتقرير ما هو مخالف للنظام العام والمقومات الأساسية للمجتمع والسلم والأمن الداخلي. وتفعيل مؤسسات الأمة من اتحادات ونقابات وجمعيات ونوادٍ وغيرها, بما يعيد التوازن إلى علاقة الدولة بالمجتمع.
وحدد المؤسسون أهم الإجراءات التي يجب تطبيقها لتهيئة الأوضاع لتحقيق المبادئ التي ذهبوا إليها في نطاق المحور السياسي, وتمثلت هذه الإجراءات في عشرة, تتضافر جميعها - دون فصل بين عُراها - للوصول إلى تحويل ما أكدوا عليه من مبادئ واقعا في الحياة السياسية, بيد أن ما مثل إضافة منها كأساس لتحقيق ما يصبون إليه من نهضة تجسد في تجريم الاعتقال السياسي والممارسات التي تنتهك حقوق الإنسان, ومعاقبة من يثبت اعتداؤه على الحريات. وتوفير الضمانات لنزاهة الانتخابات العامة, بإنشاء هيئة مستقلة تختص بالإشراف على جميع مراحل العملية الانتخابية, والنص على تجريم التزوير بشتى صوره, واعتباره جناية مضرة بأمن الوطن, وإطلاق حرية العمل الطلابي, وتوفير الضمانات اللازمة لإجراء انتخابات حرة ونزيهة للنقابات المهنية والعمالية, وتحقيق استقلال القضاء استقلالا تاما عن السلطة التنفيذية على النحو الذي أكدته مؤتمرات القضاة وبياناتهم العديدة, وإنهاء سلطات وزارة العدل في الشئون القضائية وشئون القضاة, وبحيث لا يكون لأية جهة, سوى مجلس القضاء الأعلى, أي اختصاص يتعلق بالعمل القضائي أو تعيين القضاة أو ندبهم أو إعارتِهم أو توليهم مناصب إشرافية.
وحيث إنه فيما يتعلق بالمحور الاقتصادي, فقد أوضح المؤسسون رؤية للنهضة الاقتصادية الحقيقية من خلال إيمانهم بأن أهم ما تمتلكه مصر من ثروات هو أبناؤها, وأن هذه الثروة البشرية عماد أية نهضة اقتصادية حقيقية, وهي هدفها النهائي, وبذلك فإن النهضة المنشودة مشروطة بالاستثمار الجاد في البشر عبر محورين: أولهما - ضمان الحياة الكريمة لهم, وثانيهم - تنمية ملكاتهم وصقل مهاراتهم وإطلاق مواهبهم. ورأوا أن المبادئ والسياسات المقترحة لحل الأزمة الاقتصادية ترتبط بطبيعة الأزمات التي تعاني منها مصر, وترتكز على علم الاقتصاد والتجارب, وأن المبادئ تمثل رؤية المؤسسين السياسية لإدارة الاقتصاد, وهي ثابتة من ناحية تعبيرها عن الأولويات, أما السياسات فهي متغيرة بتغير الظروف الاقتصادية.
وتناول المؤسسون هذه المبادئ, محددين إياها في تسعة مبادئ, مثلت في جلها ومعظم ما تضمنته من تفاصيل إضافة معتبرةً, تسهم في التقدم الاقتصادي, حيث تمثلت أهم هذه المبادئ في النهوض بأبناء الطبقتين الوسطى والفقيرة, دون تعارض مع حرية السوق ولا مصالح الرأسمالية الوطنية, إذ الهدف هو سد الفجوة بين الأغنياء والفقراء عبر رفع مستوى معيشة هؤلاء, ودعم الخدمات المقدمة لهم, وإعادة الاعتبار للطبقة الوسطى واستعادتها إلى قلب النظام العام, ولذا فإن المؤسسين يرون أن الدولة مسئولة عن حماية الثروات الخاصة التي تكونت في إطار مشروع, ومطالبة بتقديم الحوافز المناسبة لأصحاب رؤوس الأموال لاستثمارها في مشروعات تنموية, كما أنها مسئولة بذات الدرجة عن تحقيق العدالة الاجتماعية وحماية الفئات الأضعف في المجتمع من العوز والفاقة.
ومن أهم المبادئ: دور الدولة فيما يخص اقتصاد السوق, حيث رأى المؤسسون أن الحرية الاقتصادية هي أحد مفاتيح بناء النهضة, مع رفضهم التعامل مع السوق الحرة دون مراعاة ظروف الدولة, الأمر الذي يحتم اختلاف الآليات والسياسات حسب ظروف الدولة. ويرفضون كذلك تقليص دور الدولة إلى حد انسحابها شبه الكامل وتخليها عن أغلب مهامها, ويرون أن الدولة منوط بها القيام بالمهام التي لا يمكن للسوق القيام بها, وتتمثل في أربعة أمور, مثل اثنان منها تفردا للحزب في رؤيته, وهما: وضع الأسس التي تحدد الإطار القيمي والأولويات السياسية التي تحكم السوق, إذ بغير هذه الرؤية تصبح كل الغايات مباحة, بغض النظر عن أخلاقياتها, أو إضرارها بالمصلحة العامة, أو تأثيرها في نسيج المجتمع وقيمه, أو تأثيرها السلبي في شرائح بعينها في المجتمع. وإقامة البنية الأساسية وصيانتُها المستمرة, والمقصود بالبنية ليس فقط البنية التحتية, وإنما البنية اللازمة لأي تطور اقتصادي عموما, وهو ما يتضمن البنية التعليمية والتكنولوجية وكذا البحث العلمي. هذا فضلا عن دور الدولة الاستثنائي في لحظات الأزمات الكبرى.
ومن هذه المبادئ: ضرورة ترشيد السياسة النقدية عبر دعم العملة الوطنية, والتحكم في مستوى الأسعار عند حدود مناسبة من خلال معالجة التضخم, ويمثل هذا مسئولية البنك المركزي. ويرى المؤسسون أنه لا يمكن تحقيق سياسة نقدية سليمة وناجحة إلا إذا تمتع البنك المركزي باستقلالية تامة وحقيقية, تحميه من تدخل الحكومة وتأثيرها في قراراته.
ومنها كذلك: التوازن القطاعي, حيث يرى المؤسسون أن تحقيق النمو الاقتصادي الحقيقي الذي يقف بمصر على أرضية صلبة يقوم على تحقيق توازن في النمو بين قطاعات الاقتصاد القومي المختلفة, كالزراعة والصناعة والتشييد والخدمات؛ لأن مثل هذا التوازن هو الذي يحقق قوة الاقتصاد الوطني, ومن ثم يجب لعلاج الخلل الراهن إعطاء الأولوية الكبرى لقطاعي الصناعة والزراعة.
ومنها محورية الزراعة, خاصة أن قطاع الزراعة يحتاج إلى علاج سريع بسبب المشكلات التي عانى منها, وذلك من خلال النهوض بالمزارعين, والمحافظة على الرقعة الزراعية, وإضافة مساحات جديدة للأرض الزراعية, وعلى رأسها المنطقة المحيطة ببحيرة ناصر, والاكتفاء الذاتي من الغذاء, خاصة الثروة السمكية التي لا يمكن تنميتها دون تفعيل قوانين البيئة بشكل صارم, وكذا الثروة الحيوانية وتنميتها بفتح المجال لمراع جديدة, خصوصا في العوينات والمنطقة المحيطة ببحيرة ناصر, ومنها إعادة الاعتبار لزراعة القطن وذلك بتغيير السياسات التي دفعت المزارعين بعيدا عن زراعة القطن رغم خبرتهم الطويلة في زراعته, ومن المهم تشجيعهم عن طريق رفع ربحيتهم وتوفير ما يحتاجونه من أسمدة وكيماويات بأسعار مناسبة.
ومنها: دور المجتمع في دعم الاقتصاد القومي, حيث يعتبر المجتمع المولد الرئيس للأفكار, ومن ثم يرى المؤسسون أن على الدولة الانفتاح على كل مؤسسات المجتمع الأهلي وتشجيعها والتعامل بجدية مع الأفكار والاقتراحات التي يقدمها المواطنون بشأن الاقتصاد وتطويره, وعليها إطلاق حرية إنشاء الجمعيات الأهلية بشتى أنواعها, لما يؤدي إليه ذلك من تفجير طاقات المجتمع وإسهامه في إنشاء المشروعات التي توفر فرص العمل, وتدعم المشاركة الشعبية في المجال العام وتسهم في تطوير الثقافة المدنية, وعليها كذلك تشجيع المؤسسات الأهلية التي تجمع الزكاة على توجيهها لمشروعات تنموية.
وأخيرا يرى المؤسسون أن المبادئ التي يقوم عليها المحور الاقتصادي تحسن من الشروط التي تتفاعل فيها مصر مع الاقتصاد العالمي, وأن العولمة الاقتصادية الجاري صنعها من جانب القوى الكبرى عولمة غير عادلة, فهي تنحاز للمشروعات العملاقة والنخب على حساب صغار المنتجين والشعوب في الشمال والجنوب, وهذا نوع من العولمة يزيد الفجوة بين الأغنياء والفقراء, ولذا فإن المؤسسين, ولئن كانوا مع العولمة الاقتصادية من حيث المبدأ, إلا أنهم مع الاتجاه الذي يعمل على فرض قيود تتعلق بضمانات حقوق العمال وصغار التجار والمنتجين, فضلا عن حماية البيئة.
وأما فيما يتعلق بسياسات الحزب لتحقيق ما سبق آنفا من مبادئ, فقد بينها المؤسسون في عشر نقاط, تمثل ما يعد منها رؤية خاصة بهم في دور التعليم وعلاقته بالاقتصاد, حيث ارتأوا أن الاهتمام بتطوير التعليم يقع في قلب رؤيتهم الاقتصادية, لأنه دون اهتمام جدي بالتعليم لا يمكن حدوث أية نهضة, كما أن الارتباط الوثيق بين النهضة الاقتصادية والتعليم يأتي من الدور المهم الذي يلعبه التعليم في زرع قيم بعينها, هي التي تجعل الشباب فاعلا في عملية التنمية, بل قادرا على المنافسة, بغض النظر عن تقلبات السوق. وأهم القيم المشار إليها: استقلالية الفكر, والقدرة على التفكير النقدي, والعمل بروح الفريق, واحترام الوقت, وإتقان العمل ويرون أن الأهم في تطوير التعليم خلق جيل معتز بهويته, وعلى وعي بقدرات مصر وإمكاناتها. ويرفضون أن توجه متطلبات السوق عملية تطوير مضمون التعليم, لأن متطلبات السوق متغيرة.
كما أن من السياسات التي بينها المؤسسون: محاربة الفساد, ولمحاربته الأولوية القصوى عبر وسيلتين: الأولى - التفعيل الصارم لمبدأ سيادة القانون, والثانية - إعطاء كل صاحب جهد ما يستحقه من أجر يحفظ كرامته ويغنيه عن غض الطرف عن انتهاك القانون. ومنها أيضا: ما يتعلق بالتأمينات والمعاشات برفض ضم الأموال الخاصة بهما لموازنة الدول. ومنها منع الاحتكار, وإنه في سبيل الكشف عن ظواهره المدمرة للاقتصاد والتوازن الاجتماعي ينبغي أن يكون جهاز مراقبة الاحتكار جهازا قويا وتابعا لأحد أجهزة الدولة المستقلة مثل الجهاز المركزي للمحاسبات. ومنها ما يتعلق بالضرائب. بجعلها تصاعدية للأفراد, ومتساوية بالنسبة للمشروعات الخاصة, وكذا خلق نظام ضريبي يختلف باختلاف المنطقة جغرافيا, ومنها ما يتعلق بمواجهة البطالة في الأجل القصير, بدعم المشروعات المتوسطة والصغيرة. والإسهام في المشروعات متناهية الصغر, وأما في الأجل المتوسط والطويل فيتحتم على الدولة توسيع الطاقة الاستيعابية للاقتصاد الوطني عبر مناخ سياسي واقتصادي وتعليمي وتشريعي يشجع على نمو الاستثمارات الحقيقية العينية, المحلية والأجنبية.
وفيما يتعلق بالمحور الاجتماعي, فقد بين المؤسسون رؤيتهم في موضوعي هذا المحور: التعليم والصحة, حيث تناولوا ما يؤمنون به, ودونوا رؤاهم بخصوص هذين الموضوعين, ومثل ما يلي إضافة حقيقية تعتبر سبيلا للمشاركة في الحياة السياسية.
فبالنسبة للتعليم: يجب القيام بمراجعة شاملة لتوجهاته وإصلاح جذري لكافة مكوناته, وذلك بحشد إمكانات الدولة بكل وزاراتها وهيئاتها, وطاقات المجتمع بكل فئاته وعناصره, لأن أية خطة مقترحة لتطوير التعليم لابد أن يتم عرضها لنقاش مجتمعي واسع النطاق, في إطار يتسم بالشفافية, ويسعى لتعديل تلك الخطة, بناء على الرؤى المختلفة. ويرون أن ثمة محتوى قيميا يجب الاهتمام به في العملية التعليمية, إذ يجب التأكيد على قيم الانتماء والجمال والعمل والعلم والمصلحة العامة والمواطنة, وهذه القيم لابد من إعادة الاعتبار لها عبر العملية التعليمية بكل مراحلها, ليس فقط من خلال المناهج الدراسية, وإنما من خلال إعادة الاعتبار للنشاط المدرسي بكافة أنواعه, في إطار سياسة متكاملة للتربية المدنية. وينبغي للنظام التعليمي أن يؤكد على القيم التي اتسمت بها الحضارة العربية الإسلامية, وأضفت عليها الشخصية المصرية طابعا مميزا, ولعل أهم هذه القيم هي تلك المتعلقة بالتكافل الاجتماعي, والعلاقات الأسرية القوية, والاحتفاء بالتعددية, وأن هناك مجموعة من القيم السلبية تسربت إلى العقل الجمعي المصري في العقود الأخيرة, وأثرت تأثيرا بالغا في العملية التعليمية, يجب مواجهتها, كالاستهانة بقيمة العلم والعمل, والحط من شأن مهنة التدريس, والنظرة الدونية للتعليم الفني, فضلا عن تحول التعليم إلى سلعة تدر ربحا, وهذه المواجهة لا تتأتى إلا من خلال خطة توعية شاملة تعمل فيها أجهزة الدولة ومؤسساتها بالتنسيق, لتكمل بعضها بعضا, بدلا من أن تضر كل منها بما تسعى الأخرى لتحقيقه.
ويرى المؤسسون أن على الدولة مسئولية أساسية في مجال التعليم, لا يمكن التخلي عنها, وذلك بضرورة زيادة النسبة المخصصة للتعليم في الميزانية العامة للدولة زيادة معتبرة لتغطية كل البنود التي يحتاجها تطوير التعليم. ويرون أن مشكلة التعليم في مصر لا تتعلق بوجود أشكال مختلفة ومتوازية من التعليم كالتعليم العام والخاص والأجنبي والأزهري, وإنما المشكلة هي انسحاب الدولة وتجاهلها وضع المعايير العامة التي تحكم العملية أيا كان مقدم الخدمة, ومن ثم فإن إصلاح العملية التعليمية يبدأ بوضع الدولة لمعايير قيمية وفنية يلتزم الكل بها ويعاقب من يحيد عنها.
وفيما يتعلق بالتعليم قبل الجامعي فقد أوضح المؤسسون رؤيتهم فيما يتعلق بالمناهج, حيث تحتاج إلى إعادة نظر شاملة, هدفها ليس تلقين المعلومات وإنما تعليم النشء كيفية تحديد ما يحتاجه من المعلومات, ثم كيفية الحصول عليها, وتدريبه على اختبار مصداقية المصادر, ثم كيفية فرز المعلومات وتصنيفها بشكل نقدي خلاق, وبمنهج مقارن يسمح بالاستفادة منها, ويضمن تحويل التعليم إلى عملية حياتية مستمرة, وبحيث يصير معيار النجاح هو القدرة على إعمال العقل والتفكير النقدي, وبناء على ذلك يمكن لتحقيق هذه الأهداف تحديد منظومة من القيم والمهارات المطلوب تنميتها في كل مرحلة تعليمية, فضلا عن مجموعة من الموضوعات الواجب طرحها ومناقشتها من جانب الطلاب, ثم فتح الباب أمام مؤسسات المجتمع المدني للتنافس على تقديم مشروعات مختلفة للمناهج, يتم تقييمها والموافقة على المقبول منها من جانب الجهات المعنية. كما أن النشاط الطلابي هو أحد مفاتيح الوصول للنهضة التعليمية المنشودة, وبالتالي يجب التعامل بجدية مع الأنشطة الطلابية, ومن أهم هذه الأنشطة تلك التي تدرب الطلاب على التعبير عن الرأي بشجاعة ووضوح, وتلك التي تدربهم على المشاركة السياسية والعمل بروح الفريق.
كما أن إحدى القضايا الأكثر إلحاحا: مسألة إعادة الاعتبار لمهنة التدريس, وذلك بإعادة تشكيل الثقافة المصرية فيما يتعلق بهذه المهنة, وينبغي في هذا السبيل رصد ميزانية تسمح بإعادة نظر شاملة للمهنة من حيث الأجور والتدريب, فالتعليم يعاني أزمة تمس الأمن القومي المصري ذاته, وليس أقل من تخصيص ميزانية استثنائية لإنقاذ وتطوير مصر.
وفيما يتعلق بالتعليم الجامعي فإن المفتاح الأول لإصلاحه هو تحرير الجامعة من كل القيود المفروضة على حرية الفكر, والمفتاح الثاني هو إعادة الاعتبار لعضو هيئة التدريس على نحو يمكنه من العطاء.
وبالنسبة للصحة: فقد ذهب المؤسسون إلى عدم الفصل بين الممول (الهيئة العامة للتأمين الصحي) ومقدم الخدمة؛ لأن أحد عيوب الفصل بينهما هو السعي إلى خفض التكاليف بما يؤدي إلى انهيار الخدمة الصحية, لأن الممول حين يضع سقفا لما يمكن أن ينفقه مقدم الخدمة لعلاج المنتفع ويلزمه به فإنه يدفعه بذلك لأن يسعى إلى تقليل الخدمات التي يقدمها للمشترك إلى حدها الأدنى, حتى يحقق مقدم الخدمة لنفسه هامشا من الربح. كما ذهبوا إلى أن يكون التأمين إجباريا, بمعنى أن يشترك فيه كل المواطنين الأصحاء والمرضى على السواء, بحيث يجبر الأصحاء على الاشتراك في التأمين, وبذلك يكون ثمة استثمار في البشر له مردود إيجابي على عملية التنمية برمتها, ويكون ثمة خفض للإنفاق على الرعاية الصحية عموما. كما أنه يجب مد مظلة التأمين لتشمل كل مواطن في مصر, وذلك عبر إلزام صاحب العمل بتوفير التأمين الصحي لعامليه, ومد مظلة التأمين لتشمل العاملين بالأجر اليومي والعاطلين عن العمل الذين يدفعون اشتراكات رمزية عند طلب الخدمة. ويتحتم رفع النسبة المخصصة للرعاية الصحية في الموازنة العامة للدولة, على أن يوجه الإنفاق العام على قنوات حددها المؤسسون, مع مراعاة عدالة التوزيع الجغرافي, ومن هذه القنوات: دعم الرعاية الصحية الأولية الأساسية والوقائية, خصوصا في المناطق العشوائية والفقيرة, وإعادة الاعتبار للممارس العام استثمارا لجيوش شباب الأطباء الذين يعانون من البطالة, والاهتمام برفع كفاءة التقنيين وفنيي الأجهزة الطبية, وتشجيع البحث العلمي في مجال الدواء, والاهتمام بتطوير أداء قطاع الإسعاف بكافة عناصره وأقسام الطوارئ بالمستشفيات العامة.
وأما فيما يتعلق بمحور الثقافة والفنون, فقد مثلت بعض النقاط إضافة يمكن من خلالها تحقيق تقدم يسهم في الحياة السياسية, حيث ربط المؤسسون بين الثقافة والهوية, ورأوا أن غياب مفهوم الهوية الثقافية المصرية عن معظم المشروعات الإصلاحية والتنمية كان عاملا رئيسا من عوامل إخفاقها, ولذا فإن الانتماء للدائرة الحضارية العربية الإسلامية لا يعني استبعاد المكون القبطي من الثقافة المصرية, بل إن الوعاء الثقافي المصري نجح في صهر المكونات الثقافية المتعددة, وصنع منها نسيجا متماسكا, وهذا ما منح الثقافة المصرية خصوصيتها وفرادتها بين ثقافات العالم, وعليه فإن تنمية الهوية المصرية لا تتأتى إلا بتنمية كل أبعادها وجوانبها ومكوناتها (فرعونية, وقبطية, ونوبية, وبدوية, وحضرية, وجميعها داخل المكون العربي الإسلامي), وأن قضية الهوية يرتبط بها عنصران أساسيان, هما: اللغة العربية؛ بحسبانها الوعاء الذي تصب فيه مكونات الهوية المصرية, التي بدونها ينفرط عقدها, والخصوصية التاريخية والمشترك الإنساني, وأنه إذا كانت الثقافة العربية هي ركيزة النهضة, وأن الانفتاح على الثقافات الأخرى أمر ضروري فيجب عدم قصر الاهتمام على الثقافة الغربية, بل يجب الاتجاه شطر الحضارات الشرقية والإفريقية المجاورة, لأنها ثقافات عريقة وثرية, وتحوي رؤية للطبيعة وللإنسان, تتفق مع كثير من عناصر الرؤية العربية الإسلامية.
كما ربط المؤسسون بين الفن والقيمة, انطلاقا من ركيزتين: الأولى - أن يكون الفن منفتحا ومتحررا, والثانية - أن يتم الالتزام بقيم المجتمع وثوابته.
وأما فيما يتعلق بمحور إدماج الأخلاق في سياسات الإصلاح, فيتمثل ما يعتبر إضافة في هذا الشأن فيما ارتآه المؤسسون من أن إدماج الإصلاح الأخلاقي في مختلف المداخل الإصلاحية السياسية والاقتصادية والتشريعية والثقافية والاجتماعية أمر ضروري ولازم, لأنه الضمان الرئيس الذي يحفظ تماسك المجتمع ويكل المناخ الملائم لتقدمه, وأنه لا يمكن فصل الجانب القيمي والأخلاقي عن عملية التنمية, حيث إن انهيار المنظومة الأخلاقية في المجتمع تؤدي إلى الإخلال بقيم العدل والمساواة. وقد اقترح المؤسسون عدة مداخل لتفعيل الإصلاح الأخلاقي وربطه في الوقت نفسه بمداخل الإصلاح الأخرى, ومن المداخل المقترحة: المدخل التربوي التعليمي الذي من خلاله يجب تطوير المناهج الدراسية والأنشطة الترفيهية والتربوية, وتقع مسئولية إنجاز ذلك في مناهج التربية والتعليم على الهيئات والمراكز التربوية والإعلامية والتعليمية الحكومية وغير الحكومية, كما تقع على المفكرين ودعاة الإصلاح وصانعي الرأي وقادة المجتمع المدني ومنظماته وهيئاته. ومن تلك المداخل المقترحة: المدخل الثقافي الإعلامي, بصياغة ونشر خطاب ثقافي إعلامي يركز على المعاني الغائبة, ويهدف إلى بناء صورة ذهنية صحيحة وواقعية عن القيم والمعايير الأخلاقية الواجب احترامها والالتزام بها, وبذا فإن المقصود هو رؤية إعلامية متكاملة, تضع البعد القيمي في قمة أولوياتها, وتبث عبر برامجها الثقافية والفنية القيم المراد دعمها وتكريسها. ومن تلك المداخل: القدوة والشفافية, حيث يرى المؤسسون أن المبادئ والقيم والمعايير الأخلاقية - مهما كان نبلها وسموها - تظل قليلة التأثير في الواقع ما لم تتجسد قدوات حسنة, يقتدي بها جموع المواطنين على كل مستوى من المستويات, وعلى أن يجري دعم هذا التوجه بمجموعة من إجراءات الشفافية التي تبرهن على صدقية هذه القدوات الحسنة.
وأخيرا فيما يتعلق بمحور السياسة الخارجية فتمثلت نقاط الإضافة فيما ذهب إليه المؤسسون من أن للحزب مبادئه التي تحكم رؤيته في العلاقات الدولية, وهي العدل كقيمة إسلامية وإنسانية عليا, حيث يجب أن تبنى العهود والمواثيق والاتفاقات الدولية على أساس كفالة العدالة للأطراف المختلفة وعدم الجور على طرف منها, وأن ثمة علاقة بين إقرار العدل ووجود السلام. كما أن الحرية في مجالات العلاقات الدولية مبدأ من تلك المبادئ التي تحكم رؤية الحزب في هذا المجال, ويعني الانفتاح على العالم شرقه وغربه, شماله وجنوبه, والتفاعل معه, والاستفادة من تفاعل شعوبه, وهو تفاعل مبني على الثقة بالذات الحضارية, والإيمان بأن لدى المصريين ما يسهمون به في عالم اليوم. ويعني هذا المبدأ أيضا بطلان الأوضاع التي تنشأ نتيجة القسر والإكراه, حتى لو تكرست عبر اتفاقيات أو معاهدات أو بحكم الأمر الواقع.
ومن تلك المبادئ: احترام العهود والمواثيق, لأن احترامها يعد عاملا أساسيا وحاسما في عملية التفاعل المنتظم في العلاقات الدولية, وهو أداة من أدوات ترسيخ مبادئ التعاون والتعايش, وعاملا أساسيا لترسيخ ثقافة السلام.
ومنها أيضا: الاحتفاء بالتعددية واحترامُ الخصوصية الثقافية, حيث يؤمن المؤسسون بالتعددية الحضارية والثقافية والسياسية والدينية, ومن ثم لا يجوز السعي إلى طمس الاختلافات وتنميطها في قالب واحد؛ لأنه مخالف للطبيعة البشرية من ناحية, ولأنه لا يأتي إلا عن طريق الجبر والإكراه من ناحية أخرى, ومن هنا يدعو الحزب لحماية الخصوصية الحضارية والثقافية واحترامها.
ومنها: التعاون والاعتماد المتبادل المبني على المنافع ورعاية المصالح المشتركة في إطار من السعي الدائب إلى تحقيق الخير الإنساني العام كأساس منشود للعلاقات الدولية.
ويرى المؤسسون أن العلاقات الدولية في واقعها تبتعد كثيرا عن تلك المبادئ والقيم التي تكفل التعاون والسلام والحرية لجميع الأمم والشعوب, ومن ثم فإن التحدي الحقيقي هو التفاعل الناجح في الساحة الدولية بواقعية, ومن منطلق قيمي في آن واحد.
وفيما يتعلق بالأمن القومي المصري فإن المؤسسين يتبنون تعريفا له يتضمن العمل على حماية مصر من كل ما يهدد استقلالها سياسيا أو اقتصاديا أو عسكريا, ويرون أن من المهم التفرقة بين ما يمثل تهديدا للأمن القومي وما يشكل تحديا ينبغي الاستعداد لمواجهته.
وفي نطاق العلاقة مع السودان يرى المؤسسون أن السياسة المصرية تجاه السودان في حاجة إلى إعادة نظر شاملة تحقق التوازن الدقيق بين حماية الأمن المصري من ناحية, واحترام المصالح العليا لشعب السودان من ناحية أخرى, وأن الأمن القومي المصري لا يتحقق إلا من خلال ثقة شعب السودان في احترام مصر لإرادته المستقلة, وأنه بناء على الاحترام والثقة المتبادلة يمكن لمصر من خلال علاقات مصرية متوازنةٍ بكافة الفرقاء السودانيين أن تلعب دورا مؤثرا يحمي مصالحها ويسهم في الوقت ذاته في دعم المصالح العليا لشعب السودان.
وفي نطاق العلاقة بدول حوض النيل فيرون أنه لا ينبغي أن تقتصر فقط على التوصل إلى اتفاق عادل بشأن المياه, وإنما تشمل أيضا البحث في المشروعات المشتركة التي تعود بالنفع على كل دول الحوض, كالمشروعات الزراعية والكهربية, فضلا عن مشروعات تنمية الثروة الحيوانية والسمكية.
وذهب المؤسسون إلى أن الوضع الحالي لسيناء يمثل خطرا حقيقيا يهدد الأمن القومي المصري, وأن أفضل وسيلة لحماية أراضي مصر الشرقية من إعادة احتلالها أو الاعتداء عليها هو تعميرها, بحيث يكون تعمير أرض سيناء هو المشروع الوطني لمصر في العقد القادم.
كما يرى المؤسسون أنه فضلا عما سبق يتعين على صانع القرار المصري العمل على تعميق العلاقات المصرية العربية, ليس في الجوانب العسكرية والسياسية والاقتصادية فقط, وإنما ضرورة الاهتمام بالتفاعل الثقافي والشعبي أيضا, ومن ثم فإن التفاعل المصري في الثقافة والفنون والآداب من شأنه أن يسهم في استعادة مصر لنفوذها, ولعب دور مؤثر عربيا وإقليميا, كما أن مصر في حاجة ماسة لاستعادة مكانتها الإقليمية والدولية, وهو ما لا يتأتى دون استعادة المجتمع المصري ذاته لعافيته, عبر نهضة اقتصادية شاملة وتحول ديمقراطي حقيقي, فالنهضة الذاتية هي مفتاح النفوذ الإقليمي والدولي, وهي التي تفرض على الآخرين, دولا ومنظمات, احترام مصالح مصر العليا.
ومن حيث إن المحكمة إذ عمدت إلى ذكر ما مثل نقاط إضافة تضمنها برنامج الحزب ليسهم من خلالها في الحياة السياسية وفق الأهداف والأساليب التي حددها, فإن نهجها هذا يمثل عماد رقابتها لركن السبب, الذي قام عليه قرار لجنة شئون الأحزاب السياسية المطعون فيه, والذي يتهاوى بذاته أمام ما ثبت يقينا من أن كل محور من المحاور الستة بما شملته من رؤى مجسدة لكل منها, ومن مبادئ تمثل قوامها, ومن أهداف تعد مأربا لمبتغييها, ومن أساليب ممثلة وسائل تحقيق تلك المبادئ وهذه الأهداف, إنما جاء تعبيرا عن فكر قابل للتطبيق, بحيث يمكن من خلال ما قدمه اختيار الحلول لمشكلات يمر بها المجتمع, متى كان الحل الذي جاء به الحزب مناسبا من بين الحلول التي تقدمها الأحزاب الأخرى, وهو ما هدف إليه المشرع من تقرير الأصل المتمثل في تعدد الأحزاب, الذي قصد منه - وفق ما سلف ذكره بشأن مبدأ تعدد الأحزاب - تعدد التوجه الفكري لمواجهة المشاكل العامة واختيار الحلول لكل منها.
ومن حيث إن البين - إضافة لما سلف ذكره - أن النهج الذي اتبعته لجنة شئون الأحزاب بشأن اعتراضها على تأسيس الحزب لم يلتزم معيار كون برامج الحزب - في محاوره - ممثلة إضافة للحياة السياسية وفق أهداف وأساليب محددةٍ, ولكنها مزجت بين هذا المعيار والمعيار الذي التفت المشرع عنه, المتمثل في تميز برنامج الحزب وسياساته في تحقيق البرنامج تميزا ظاهرا عن الأحزاب الأخرى, بل أن اللجنة رجحت هذا المعيار الأخير عند إعمال سلطتها, رغم تأرجحها بينه في الأعم وبين المعيار الجديد الذي جاء به القانون رقم 177 لسنة 2005, وهو ما يبين بجلاء من سائر ما ذكرته اللجنة عند تسبيب قرارها الطعين, الأمر الذي مثل خروجا بغير مسوغ على حدود ما أولاها القانون من سلطان, آخذة - في الأعم الأغلب - بمعيار لا وجود له قانونا, عاقدةً مقارنات لم يقصد إليها المشرع بحال, بل جاء قصده مباينا لها, إذ بفرضه معيار الإضافة للحياة السياسية, هدف - في ضوء ما سبق ذكره من مبدأ متمثل في مبدأ تكاملية الأحزاب والدولة - إلى عدم فرض حدود عازلة بين الأحزاب بعضها والبعض, وبين كل منها والدولة, وإلا تفرد حزب - متى تبنت الدولة برامجه - بترسيم الحياة السياسية وفق خارطة طريق, دون إنصات, أو على الأقل استماع, لما تنطق به برامج الأحزاب الأخرى من مبادئ وما تقدمه للمشكلات من حلول. وبذلك فإن اللجنة قد اتخذت شرعة عزف عنها المشرع, بما مثل إجهاضا من اللجنة لنص المادة (4) فقرة (ثالثا) بتحميلها ما لا تحتمل, وبتأويله - عمل - بما لا يفيده ظاهر هذا النص وصريح ما تضمنه من حكم, وبما جسد وجه التعسير أمام من أم الحياة السياسية من بابها المفتوح قانونا, المكفول دستورا, بما لازمه تكبيل حق تكوين الأحزاب, صدودا عن مبدأ ديمقراطية الأحزاب, المنطلق من الحق في اختيار توجه فكري معين, وتقديمه للمجتمع, مساهمة من الجماعة التي تبنت هذا الفكر بعد أن آمنت به, مشاركة منها في الحياة السياسية للدولة, ومساهمة في تحقيق تقدمها ورقيها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا, عن طريق المشاركة في مسئوليات الحكم.
وبناء على ذلك يكون ما أفرزه نهج اللجنة, على هذا النحو من قرار مخالفا صحيح حكم القانون, ولا سيما أن ثمة استقرارا قضائيا على أن ما تطلبه المشرع في المادة (7) من قانون نظام الأحزاب السياسية من وجوب إخطار رئيس لجنة شئون الأحزاب السياسية عن تأسيس الحزب إنما هو إبلاغ عن نية جماعة منظمة في ممارسة حقوقها الدستورية, وهي تخطر بذلك وهي في طريق مرورها الطبيعي إلى ممارسة مهامها على الساحة السياسية, وأن ما أولاه للجنة هو سلطة مقيدة ومنحصرة في بحث أوراق الحزب تحت التأسيس, والتأكد من مدى توافر الشروط التي حددها المشرع, وما لها إلا الاعتراض إذا ما تخلف شرط من هذه الشروط أو أكثر, ولذا استبعد المشرع مصطلح "الرفض" واستخدم مصطلح "الاعتراض" وفي المقابل وعند توافر الشروط استخدم المشرع مصطلح "عدم الاعتراض" مستبعدا مصطلح "الموافقة" ومن ثم فإن اللجنة إذ تمارس سلطة مقيدة - في ضوء ذلك - فلا يجوز لها بحال أن تكون حائلا دون ولوج أي حزب في ميدان السياسة.
ومن حيث إن الحزب الطاعن قد استوفى شرائط تأسيسه, شكلية كانت أو موضوعية, متمثلا تلك المبادئ التي استنبطتها المحكمة من نصوص الدستور والقانون - واجبي التطبيق إبان صدور القرار المطعون فيه - إذ تحقق بالنسبة له مبدأ (شعبية الأحزاب) بتوافر قاعدته الشعبية التي اقتنعت بالفكر الذي بلوره برنامج الحزب, وبعدد يزيد على ما تطلبته المادة (7) من ذلك القانون, وكذا مبادئ ديمقراطية الأحزاب, ووطنيتها, وعلانية المبادئ والأهداف, وأيضا مبدأ وحدة المقومات, حيث اتخذ الحزب من المقومات الأساسية للمجتمع المنصوص عليها في الدستور, والتي ما جاءت نصا إلا تدوينا لما آمنت به الجماعة والشعب ووقر في وجدانه, ومن الوحدة الوطنية, والسلام الاجتماعي, وتحالف قوى الشعب العاملة, والديمقراطية, والحفاظ على مكاسب الوطن, إطارا لما احتواه برنامجه, وما توجه شطر تحقيقه من أهداف, فضلا عن مبدأ (حاكمية الدستور) إذ أكد البرنامج في غير موضع التزامه أحكام الدستور ولادة وحياة, كما أن محاوره بكل ما تضمنته, سواء ما مثل منها إضافة جديدة, أو ما توافق منها مع ما تبنيته أحزاب أخرى, أو تسعى إليه الدولة, أو ما بدر من مفكرين وذوي رأي, جاءت صدعا بمبدأ (تكاملية الأحزاب والدولة) ومبدأ (فعالية الأحزاب), ولا سيما أن ما تضمنه البرنامج من رؤى إنما هو نتاج فكر إيجابي, مفرز عن مشكلات قائمة أو متوقعة, ولا ريب أن الفكر المتعدد وإذ يختلف في كيفية تناوله حلا لهذه المشكلات, فإنه قد يتفق في ذلك.
وإنه إزاء ما اشترطه المشرع من أن يكون للحزب برامج تمثل إضافة للحياة السياسية, فليس متطلبا - منطقيا - الاختلاف كليا فيما يقدمه الحزب من رؤى ببرنامجه, ومن ثم يكفي الاختلاف الجزئي الممثل إضافة للحياة السياسية. كما أن البرنامج يتعين النظر إليه باعتباره محتوى متكاملا, دون فصم عراه, ودون عقد مقارنات بين جزئيات من محتواه وأخرى من محتوى برامج أحزاب أخرى, لما يمثله ذلك من تصور مبتور, كما هو صنيع لجنة شئون الأحزاب السياسية, الذي لا يؤدي - والحال هذه - إلا إلى الاعتراض على تأسيس الأحزاب, للاستحالة وجود برنامج خالٍ من أوجه شبه بينه وبين برامج أخرى في جزئياته وجزئياتها.
وبناء على ذلك لا يكون ثمة وجه للاعتراض على تأسيس حزب الوسط الجديد من الناحية الموضوعية, فضلا عن الناحية الشكلية, إذ جاء ما ساقته اللجنة كسبب للاعتراض من ناحية نشر أسماء مؤسسي الحزب بالصحيفتين اللتين نشرت فيهما على الوجه الذي نشرت به غير مؤد للنتيجة التي انتهت إليها, لأن ما وسدته اللجنة للجمهور من اختصاص في شأن مراقبة مدى توافر الشروط التي تضمنتها المادة (6) من قانون نظام الأحزاب السياسية فيمن ينتمي لعضوية حزب سياسي لا يسانده صحيح تفسير أو سائغ تأويل, ويغدو بذلك قرار اللجنة المطعون فيه غير مشروع, مما يتعين معه الحكم بإلغائه, وما يترتب على ذلك من آثار, أخصها: تمتع الحزب بالشخصية الاعتبارية, وممارسة نشاطه السياسي اعتبارا من تاريخ صدور هذا الحكم, طبقا للمادة (9) من قانون نظام الأحزاب السياسية.
وحيث إن من يخسر الطعن يلزم مصروفاته عملا بالمادة (184) مرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا, وفي الموضوع بإلغاء قرار لجنة شئون الأحزاب السياسية الصادر بتاريخ 19/ 8/ 2009 بالاعتراض على تأسيس حزب الوسط الجديد, وما يترتب على ذلك من آثار, أخصها: تمتع الحزب بالشخصية الاعتبارية, وبممارسة نشاطه السياسي اعتبارا من 19/ 2/ 2011 (تاريخ صدور هذا الحكم), وألزمت المطعون ضده بصفته المصروفات.