مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
في شأن الأحزاب السياسية والطعون الانتخابية (في الفترة من 1/ 1/ 2010 إلى 30/ 6/ 2011) - صـ 209

(18)
جلسة 17 من مارس سنة 2011

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ مجدي حسين محمد العجاتي نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السيدين الأستاذين المستشارين/ حسين محمد عبد المجيد بركات، ومنير عبد القدوس عبد الله. نائبي رئيس مجلس الدولة

الطعون أرقام 20855 و 20857 و 20896 لسنة 57 القضائية عليا.

( أ ) اختصاص - ما يخرج عن اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري - قرار دعوة الناخبين إلى إبداء الرأي في الاستفتاء على تعديل الدستور.
(ب) دستور - تعطيل العمل بأحكامه - اقتصار ذلك على النصوص غير المتعلقة بالمقومات الأساسية للمجتمع وحقوق الأفراد وحرياتهم.
الإعلان الدستوري المنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 13 فبراير 2011.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
ومن حيث إن القرار المطعون فيه بدعوة الناخبين إلى الاستفتاء على التعديلات الدستورية، المحدد له يوم السبت الموافق 19 مارس 2011, إنما يهدف إلى دعوة الشعب صاحب السيادة في إبداء رأيه في تلك التعديلات, التي لا ريب في دخولها ضمن الأحكام الدستورية التي تتعلق بنظام الحكم في الدولة. وإنه مع وقوف المحكمة على وجهة النظر المطروحة أمامها حول مدى سقوط الدستور فإن القول الفصل في هذا إنما مرده إلى الشعب مصدر السلطات, والذي منح المجلس الأعلى للقوات المسلحة شرعية اعتلاء منصب الحكم في البلاد، دون أن يُسقط بعد ذلك الإعلان الدستوري الذي صدر عن هذا المجلس, ونشر بالجريدة الرسمية بتاريخ 13 فبراير 2011, والذي تضمن تسعة بنود تتصل جميعها بشئون الحكم، ومنها ما تضمنه البند 6 من تشكيل لجنة لتعديل بعض مواد بالدستور، وتحديد قواعد الاستفتاء عليها من الشعب؛ الأمر الذي يعني أن الشعب التفت عن تبني نظرية (سقوط الدستور), موليا إرادته شطر تعديل بعض مواده خلال الفترة الانتقالية المحددة بالبند (2) من ذلك الإعلان الدستوري. وإنه لما كان ما تضمنه البند (6) المشار إليه قد جاء خلوا من تحديد أي مدى لما يكون محلا للتعديل من مواد الدستور، فمن ثم فإن المرجع وجوبا - وبطريق الحكم - للشعب ولرقابته فيما يتعلق بهذا المدى خاصة وأن البند (1) من الاعلان الدستوري تضمن بصريح عبارته تعطيل العمل بالدستور وفي ضوء ذلك, وجمعا بين بندي هذا الاعلان (1) و (6), لا تكون ثمة إرادة شعبية قد اتجهت نحو سقوط الدستور, بل تجسدت إدارته في تعطيل العمل بأحكامه، وهو أمر موقوت بطبيعته لا ينفي البته وجوده وبقاء أحكامه, بما يجوز معه أن تكون محلا للتعديل من قبل الشعب, صاحب السلطة الوحيدة في مثل هذا التعديل.
وإن مما يجدر ذكره في هذا الصدد أن الدستور يتضمن من الأحكام نوعين: أحدهما - يتعلق بالمقومات الأساسية للمجتمع وحقوق الأفراد وحريتهم ويتبع ذلك بحكم اللزوم: المبادئ الأساسية التي تنظم السلطة القضائية, وما يخص حجية ما يصدر عنها من أحكام ووجوب النزول على مقتضاها, وانحناء الكافة حكاما ومواطنيين لحجيتها. وثانيهما - يتعلق بتنظيم السلطتين التشريعية والتنفيذية وما يتعلق برئاسة الدولة. وإنه إن كان يجوز للمجلس الأعلى للقوات المسلحة وفق البند (1) من الإعلان الدستوري - أن يعطل العمل بالأحكام بالسلطتين التشريعية والتنفيذية ورئاسة الدولة دون اعتراض من الشعب على ما قرره، فإنه من غير الجائز بحال أن تكون الأحكام المتعلقة بالمقومات الأساسية للمجتمع وحقوق وحريات الأفراد محلا للتعطيل؛ لأنها أحكام, وإن تضمنها الدستور إلا أنها تعلو فوقه باعتبارها - وفق طبيعتها - لصيقة بالمواطن, لا تقبل وقفا أو تعطيلا أو انتقاصا.
ومن حيث إنه ترتيبا على ما سلف ذكره, ولما كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة قد استمد شرعيته حقا من الشعب الذي قام بثورته, فمن ثم يكون قد فوضه في اتخاذ الإجراءات اللازمة لاستقرار شئون البلاد تحت رقابة الشعب. ولما كانت دعوة الشعب للاستفتاء على ما أعددته اللجنة التي شكلت وفق البند (6) من الإعلان الدستوري من مواد تدخل في عداد هذه الإجراءات, وهي دون ريب تتسم باتصالها بشئون الحكم, فبالتالي فإنها تخرج - وفق الاستقرار القضائي - عن رقابة القضاء, وتضحى الرقابة الشعبية هي الكفيلة بوزن شرعيتها واعتبار هذا الإجراء وما يتصل به ملبيا لما يصبو إليه الشعب من عدمه.
وحيث إن الأحكام المطعون فيها قد انتهت إلى ذات النتيجة بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعاوى المطعون في أحكامها, فإنها تكون متفقة وصحيح حكم القانون, على أن تحمل أسباب هذا الحكم محل أسباب هذه الأحكام.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة - بإجماع الآراء - برفض الطعون, وألزمت الطاعنين المصروفات, وأمرت بمصادرة الكفالة.