مجموعة القواعد القانونية التى قررتها محكمة النقض والإبرام فى المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الأول (عن المدة بين 8 نوفمبر سنة 1928 وبين 27 فبراير سنة 1930) - صـ 48

جلسة يوم الخميس 29 نوفمبر سنة 1928

برياسة حضرة صاحب السعادة عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة وحضور حضرات مسيو سودان وأصحاب العزة محمد لبيب عطيه بك وزكى برزى بك وحامد فهمى بك المستشارين.

(26)
القضية رقم 1755 سنة 45 ق (النيابة العمومية ضد أحمد ثريا بك بدرخان وآخرين)

برياسة حضرة صاحب المعالى حسين درويش باشا وكيل المحكمة مع باقى الهيئة.
( أ ) دعوى عمومية. تحريكها بمعرفة المدعى بالحق المدنى. متى تتصل سلطة القضاء بها؟.
إقامة النيابة الدعوى العمومية قبل الدفع بعدم قبول الدعوى المدنية. قبولها.
(المادتان 52 و157 تحقيق)
(ب) دعوى البنوّة. دعوى التعويض عن شهادة الزور فيها. دعويان مختلفتان. وحدة المسألة المبحوث فيها فى الدعويين لا تغير من اختلاف موضوعيهما.
(جـ) الحكم الضمنى. لا تعلق له بطرق الدفاع ووسائله.
1 - إنه وإن كان من المتفق عليه علما وعملا أن سلطة القضاء لا تتصل بالدعوى العمومية - عند تحريكها بمعرفة المدّعى بالحق المدنى - إلا إذا كانت الدعوى المدنية مرفوعة من ذى صفة وكانت مقبولة قانونا فمن المتفق عليه كذلك أنه إذا أقامت النيابة دعواها قبل الدفع بعدم قبول الدعوى المدنية فانها تستقيم بذاتها وتسير فى طريقها مستقلة عن الدعوى المدنية.
2 - دعوى البنوّة ودعوى التعويض عن الأضرار المترتبة على شهادة الزور فيها هما دعويان مختلفتان طلبا وسببا وأخصاما. وكل ما تقتضيه دعوى التعويض من البحث فى أقوال الشهود ووزنها لا يعتبر تجديدا للنزاع فى موضوع البنوّة الثابتة بحكم انتهائى. بل إن كل ما ينشئه ذلك بين الدعويين هو وحدة المسألة المبحوث فيها، وهذه الوحدة فى الدعويين لا تغير من اختلافهما فى موضوعيهما. والفقه الإسلامى نفسه وان كان يضمِّن الشهود الزور إلا أنه لا يفسخ الحكم القائم على شهادتهم.
3 - الحكم الضمنى كالحكم القصدى لا يتعلق بطرق الدفاع ووسائله. وإنما ينزل على الحقوق المتنازع فيها بين الخصوم. فلا يمكن قانونا اعتبار الشهود فى دعوى ما خصوما فيها يمثلهم من استشهد بهم وينوب عنهم نيابة قانونية يصح معها أن يقال إن الحكم صدر لهم أو عليهم اذا صدر كذلك له أو عليه.


وقائع الدعوى

رفع الخواجه إليك ماتوس ماتوسيان هذه الدعوى مباشرة أمام محكمة جنح العطارين الجزئية ضد هؤلاء المتهمين وآخر تنازل مؤقتا عن مخاصمته لعدم إعلانه واتهمهم بأن الأوّل والثالث والرابع بتحريض الثانية أدوا شهادة مزوّرة أمام محكمة اسكندرية الابتدائية الشرعية فى يومى 26 يوليو و11 أكتوبر من سنة 1926 وطلبت محاكمتهم بالمادتين 257 و258 من قانون العقوبات والحكم له عليهم بمبلغ خمسة آلاف جنيه بصفة تعويض.
وفى أثناء سير الدعوى أعلن المتهمة الثانية بصفتها وصية على ابنتها چورچيت وطلب أن يكون الحكم بالتعويض على المتهمة المذكورة بهذه الصفة وبصفتها الشخصية بطريق التضامن والتكافل مع باقى المتهمين.
وانضمت النيابة العمومية الى المدعى بالحق المدنى فى طلباته فيما يختص بالدعوى العمومية. ودفع الحاضر مع المتهمين فرعيا بعدم قبول الدعوى لسبق الفصل فيها من المحكمة الشرعية وطلب فى الموضوع الحكم ببراءة المتهمين ورفض الدعوى المدنية.
وبعد أن سمعت محكمة الجنح هذه الدعوى حكمت فيها بتاريخ 14 يوليه سنة 1927 وعملا بالمادة 257 من قانون العقوبات بالنسبة للمتهمين الأوّل والثالث والرابع وبها وبالمادتين 40/ 1 - 2 و41 عقوبات بالنسبة للمتهمة الثانية فى غيبة المتهم الأوّل وفى حضور باقى المتهمين أوّلا برفض الدفع الفرعى وقبول الدعوى. ثانيا بحبس كل من المتهمين ثلاثة أشهر مع الشغل وقدرت لكل منهم ألف قرش لإيقاف التنفيذ وإلزام المتهمة الثانية بصفتها الشخصية وبصفتها وصية على ابنتها چورچيت بطريق التضامن والتكافل مع باقى المتهمين بأن يدفعوا الى المدعى بالحق المدنى مبلغ ثلاثمائة جنيه مصرى تعويضا مع المصاريف المدنية المناسبة ورفض باقى طلبات المدعى المدنى المذكور وإلزامه بباقى مصاريف دعواه.
فاستأنف المتهمون الثانية والثالث والرابع هذا الحكم فى 16 يوليه سنة 1927 واستأنفه المدعى بالحق المدنى أيضا فى 21 منه وعارض فيه المتهم الأوّل فى 19 منه قبل إعلانه اليه. وحكم فى 20 ديسمبر سنة 1927 فى معارضته باعتبارها كأن لم تكن. فاستأنفه الأستاذ فؤاد افندى على عن الأستاذ عبد الفتاح افندى الطويل المحامى الوكيل عنه فى 29 ديسمبر سنة 1927.
وعند نظر الدعوى أمام محكمة ثانى درجة قرر الحاضر عن المدعى بالحق المدنى تنازله عن مخاصمة چورچيت القاصرة وحفظ لنفسه جميع الحقوق قبلها ودفع بعدم قبول الاستئناف المقدم من أحمد ثريا بك بدرخان لتقديمه من غير وكيل. وكرر الحاضر عن المتهمين دفعه بعدم قبول دعوى المدعى بالحق المدنى لسبق الفصل فيها بحكم حاز قوّة الشىء المحكوم فيه مع عدم قبول الدعوى العمومية شكلا للأسباب التى ذكرها كل طرف وذكرت بمحضر الجلسة. وطلب الحاضر مع المدعى بالحق المدنى تعديل الحكم الابتدائى بالنسبة للتعويض وجعله خمسة آلاف جنيه مصرى تعويضا.
وبعد أن سمعت محكمة الاسكندرية الابتدائية الأهلية بهيئة استئنافية هذه الدعوى حكمت فيها بتاريخ 17 مايو سنة 1928 وعملا بالمادتين 162 و177 من قانون تحقيق الجنايات فى غيبة المتهم الأوّل وحضور باقى المتهمين: أوّلا بإثبات تنازل المدعى بالحق المدنى عن مخاصمته مارت فلاش المتهمة الثانية بصفتها وصية على ابنتها چورچيت فى هذه الدعوى. ثانيا برفض الدفع بعدم قبول الاستئناف المرفوع من المتهم الأوّل وبقبول جميع الاستئنافات شكلا. ثالثا بقبول الدفع المقدم من المتهمين وبعدم قبول الدعوى المدنية لسابقة الفصل فيها وبعدم قبول الدعوى العمومية. رابعا بالغاء الحكم المستأنف بكافة أجزائه وإلزام المدعى بالحق المدنى بمصاريف دعواه المدنية عن الدرجتين وبمبلغ ألفى قرش مقابل أتعاب المحاماة عنهما للمتهمين الحاضرين.
وبتاريخ 17 مايو سنة 1928 قرر حضرة المحامى الوكيل عن المدعى بالحق المدنى بالطعن فى هذا الحكم بطريق النقض والإبرام وقدم أوجه طعنه عليه فى يوم 4 يونيه سنة 1928، كما قرّر حضرة النائب العمومى أيضا بالطعن فى هذا الحكم بهذا الطريق فى 4 يونية سنة 1928 وقدم تقريرا بوجوه طعنه فى هذا التاريخ.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على مذكرات طرفى الخصوم وباقى أوراق هذه الدعوى والمداولة قانونا.
من حيث إن الطعنين مقبولان شكلا.
عن طعن النيابة العمومية:
وحيث إن وجه الطعن المقدّم من النيابة يتلخص فى أن محكمة الاسكندرية الاستئنافية بحكمها بعدم قبول الدعوى العمومية تبعا للحكم الصادر منها بعدم قبول الدعوى المدنية قد أخطأت فى تطبيق القانون.
وحيث إن المحكمة الاستئنافية مع تسليمها بحق النيابة العمومية فى إقامة الدعوى العمومية عن صحة شهادة الزور على المتهمين تطبيقا لأحكام الباب السادس من الكتاب الثالث من قانون العقوبات ومع النص فى حكمها على أن الدفع بعدم قبول الدعوى المدنية لسبق الفصل فيها لا يؤثر على حق النيابة فى إقامة دعواها حكمت مع ذلك بعدم قبول الدعوى العمومية بناءً على أنها لا تتحرّك إلا بدعوى مدنية مقبولة وأن انضمام النيابة للمدّعى بالحق المدنى فى طلباته لا يمنع من تبعية دعواها لهذه الدعوى وتأثرها بما تأثرت به.
وحيث إنه إن اتفق العلم والعمل على أن سلطة القضاء لا تتصل بالدعوى العمومية - عند تحريكها بمعرفة المدّعى بالحق المدنى - إلا إذا كانت الدعوى المدنية مرفوعة من ذى صفة وكانت مقبولة قانونا فمن المتفق عليه كذلك أنه إذا أقامت النيابة دعواها قبل الدفع بعدم قبول الدعوى المدنية استقامت بذاتها وسارت فى طريقها غير تابعة للدعوى المدنية وأصبحت لا تتعثر بما تتعثر به.
وحيث إن الثابت بمحضر جلسة محكمة العطارين الجزئية المؤرّخ فى 28 يونيه سنة 1927 أن النيابة طلبت طلباتها منضمة الى المدّعى بالحق المدنى قبل أن يدفع المتهمون بعدم قبول الدعوى المدنية لسبق الفصل فيها بالحكم الصادر من المحكمة الشرعية. وإذن فيتعين الحكم بقبول الطعن وقبول الدعوى العمومية وإحالتها على محكمة الاسكندرية للحكم فى موضوعها من دائرة أخرى.
عن طعن المدّعى بالحق المدنى:
الوجه الأوّل:
من حيث إن الوجه الأوّل من وجهى الطعن المقدّم من المدعى بالحق المدنى يتلخص فى أن المحكمة الاستئنافية بحكمها بقبول الاستئناف المرفوع من الأستاذ فؤاد افندى على المحامى عن أحمد ثريا قد أخطأت فى تطبيق القانون لأن أحمد ثريا لم يستأنف بنفسه ولأن الأستاذ فؤاد افندى على الذى قرّر بالاستئناف لم يكن وكيلا عنه.
وحيث إن الأستاذ فؤاد افندى قرّر بهذا الاستئناف نائبا عن الأستاذ عبد الفتاح الطويل افندى وهو وكيل فيه بتوكيل خاص مؤرّخ 20 ديسمبر ستة 1927 ولم يرد بهذا التوكيل ما يمنعه من إنابة غيره فالاستئناف صحيح ومقبول. وإذن فيتعين الحكم برفض هذا الوجه.
الوجه الثانى:
وحيث إن هذا الوجه يتلخص فى أن محكمة الاسكندرية الاستئنافية قد أخطأت فى تطبيق القانون بحكمها بعدم قبول الدعوى المدنية لوحدة الموضوع والسبب والأخصام فى كل من الدعوى الشرعية التى رفعتها مارت فلاش بصفتها وصية على ابنتها چورچيت بطلب الحكم بثبوت بنوّة هذه البنت للمرحوم ماتوس ماتوسيان وحكم فيها بثبوت هذه البنوّة وفى الدعوى الثانية المدنية المحكوم بعدم قبولها بالحكم المطعون فيه المرفوعة مباشرة لمحكمة العطارين من اليك ماتوس ماتوسيان على المتهمين يطالبهم بتعويض ما ناله من ضرر مادى وأدبى ترتب على شهادة أدّوها أمام المحكمة الشرعية أثناء نظر دعوى البنوّة السابقة الذكر أمام المحكمة الشرعية وقيل إنها مزوّرة.
وحيث إن دعوى البنوّة ودعوى التعويض عن الأضرار المترتبة على شهادة الزور فيها هما دعويان تختلفان طلبا وسببا وأخصاما. فقد كانت مارت فلاش تطلب من المحكمة الشرعية بصفتها وصية على ابنتها چورچيت وفى وجه المدّعى بالحق المدنى الحكم بثبوت وفاة المرحوم ماتوس ماتوسيان ووراثة ابنتها هذه له بسبب البنوّة. وأما فى الدعوى الحالية فقد طلب المدّعى بالحق المدنى من محكمة جنح العطارين الحكم على مارت فلاش بصفتها الشخصية وعلى من شهد لابنتها (المتهمين الآن) فى دعوى الوفاة والوراثة بتعويض الضرر الأدبى والمادى المترتب على هذه الجريمة التى هى سببه القانونى.
وحيث إنه وإن كان البحث فى دعوى شهادة الزور سيدور حتما على الطعن فى الشهود واستنكار شهادتهم وإثبات عدم صحتها على نحو ما دار عليه بين المدّعى المدنى وبين الوصية على چورچيت أمام المحكمة الشرعية إلا أن ذلك لا يقيم بين الدعويين إلا وحدة المسألة المبحوث فيها. (ľidentité de la question debattue) مع بقاء موضوعيهما متغايرين. ولا ينبغى الخلط بين وحدة الموضوع ووحدة المسألة المبحوث فيها.
وحيث إنه كذلك لا عبرة بما قيل من أن المدّعى المدنى لا يقصد برفع دعوى التعويض عن شهادة الزور إلا التمكن من إعادة النزاع فى بنوّة چورچيت التى ثبتت بالحكم الشرعى لأن وحدة الغرض فى الدعويين لا تجعل موضوعيهما واحدا. على أن الذى يقطع بالغيرية فيهما أن الفقه الإسلامى نفسه يضمن الشهود الزور ولا يفسخ الحكم القائم على شهادتهم.
وحيث إنه لا صحة لما قيل من أن المحكمة الشرعية بحكمها فى دعوى البنوّة معتمدة على شهادة الشهود (المتهمين) قد حكمت لهم ضمنا بصحة شهاداتهم لأن الحكم الضمنى كالحكم القصدى لا يتعلق بطرق الدفاع ووسائله وإنما ينزل على الحقوق المتنازع فيها بين الخصوم ولأنه لا يمكن قانونا اعتبار الشهود فى دعوى ما خصوما فيها يمثلهم من استشهد بهم وينوب نيابة قانونية يصح معها أن يقال إن الحكم صدر لهم أو عليهم إذا صدر كذلك له أو عليه.
وحيث إنه لذلك يتعين قبول هذا الوجه والحكم بقبول الدعوى المدنية وإحالتها على المحكمة الاستئنافية للحكم فى موضوعها من دائرة أخرى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعنين شكلا وموضوعا وبنقض الحكم وإحالة القضية على المحكمة الاستئنافية للفصل فى الدعويين العمومية والمدنية من هيئة أخرى.