مجموعة القواعد القانونية التى قررتها محكمة النقض والإبرام فى المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الأول (عن المدة بين 8 نوفمبر سنة 1928 وبين 27 فبراير سنة 1930) - صـ 154

جلسة يوم الخميس 31 يناير سنة 1929

برياسة حضرة صاحب السعادة عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة. وبحضور حضرات مسيو سودان وأصحاب العزة محمد لبيب عطية بك وزكى برزى بك وحامد فهمى بك المستشارين.

(142)
القضية رقم 426 سنة 46 قضائية (عبد الشافى إبراهيم محمد ضدّ النيابة العامة)

جريمة ارتشاء الموظف. الوعد بالرشوة كاف لتوقيع العقاب.
(المادتان 93 و96 عقوبات)
إنه وإن كان ظاهر نص المادة 96 من قانون العقوبات يوهم أن الركن المادى فى جريمة الرشوة لا يتحقق إلا فى صورة إعطاء الرشوة أى تقديم الشىء المرشو به عينا إلى الموظف وعدم قبوله إياه فإنه لا ريب فى أن مجرّد الوعد الذى لم يقبل كاف أيضا لتحقيق هذا الركن. لأن نية الإجرام بمحاولة إفساد ذمة الموظف تتحقق فى صورتى الإعطاء الفعلى والوعد. هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن قبول الموظف فى هاتين الصورتين يجعله هو والراشى واقعين تحت عقاب المادة 93 ع [(1)].


وقائع الدعوى

اتهمت النيابة الطاعن المذكور بأنه فى 25 ديسمبر سنة 1925 بزمام الربيعة شرع هو وسالم حامد فويده الذى حكم عليه ولم يرفع نقضا فى إعطاء رشوة لحضرة السيد افندى فهيم المعاون ليمتنع عن أداء عمل من أعمال وظيفته وهو عدم تحرير محضر جنحة عن إحراز سلاح ضبطه مع سالم حامد بأن عرضا عليه جنيها فلم يقبل منهما وطلبت عقابه بالمادة 96 عقوبات.
ومحكمة جنح دكرنس بعد أن سمعت الدعوى حكمت فيها حضوريا بتاريخ أوّل ديسمبر سنة 1926 وعملا بالمادة 172 من قانون تحقيق الجنايات ببراءة المتهم مما نسب إليه.
فاستأنفت النيابة هذا الحكم فى 5 ديسمبر سنة 1926.
ومحكمة المنصورة الابتدائية الأهلية بهيئة استئنافية قضت حضوريا بتاريخ 2 فبراير سنة 1927 وعملا بالمادة 96 عقوبات بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وتغريم المتهم 1000 قرش.
فطعن المحكوم عليه فيه بطريق النقض والإبرام فى 20 فبراير سنة 1927 وقدّم تقريرا بالأسباب فى اليوم نفسه.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على أوراق القضية والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن قدّم وتلاه تقرير الاسباب فى الميعاد فهو مقبول شكلا.
وحيث إن الطعن مبنى فى جملته على أمرين: الأوّل أن المحكمة لم تبحث ما طلبه الدفاع عن الطاعن من سماع شهود نفى له بل إن هذا الطلب قد أهمله كاتب الجلسة فلم يثبته. ودليل إهماله إياه أنه خلط فاستبدل باسم المحامى الذى ترافع عن الطاعن اسما لمحام آخر. والثانى أن الواقعة الثابتة بالحكم لا تعد شروعا فى رشوة ولا عقاب عليها.
وحيث إن اهمال ذكر طلبه لشهود النفى بمحضر الجلسة لا دليل عليه. وما ذكره من خلط الكاتب باستبداله اسما مكان اسم لا يكفى للدلالة على حصول طلب الشهود فعلا وإهمال إثبات هذا الطلب فعلا. ولذلك فلا تستطيع محكمة النقض شيئا سوى اطراح هذا الوجه.
وحيث إن الثابت فى الحكم أن المتهم "همس فى أذن السيد افندى فهيم" "معاون البوليس يعرض عليه مبلغ جنيه بصفة رشوة ليخلى سبيل المتهم الثانى" "ويصرف النظر عن اتهامه وقد كان ضبط يحمل ليلا بندقية بلا رخصة. فرفض" "ووبخه على إقدامه على ارتكاب هذا الأمر الشائن". وهذا الذى ثبت هو كما قالت المحكمة بحق وعد بالرشوة لم يقبل. وهو معاقب عليه بالمادة 96 من قانون العقوبات التى طبقتها تلك المحكمة.
وحيث إن المادة المذكورة وإن كان نصها أتى هكذا: "من شرع فى إعطاء" "رشوة ولم تقبل منه" وكان ظاهر هذا النص موهما أن الركن المادى للجريمة لا يوجد إلا فى صورة إعطاء الرشوة أى تقديم الشىء المرشو به عينا إلى الموظف وعدم قبوله إياه إلا أن قليلا من التأمل يكفى لاستبانة أن مجرّد الوعد الذى لم يقبل كاف لتحقق هذا الركن. ذلك بأن القانون عند الكلام على ارتشاء الموظف فى المادة 19 قد عدّ قبوله الوعد رشوة كأخذه العطية أو الهدية سواء بسواء. والعبارة الأولى من المادة 96 الخاصة بالرشو الخالى عن الإكراه مقيسة على صورة الارتشاء المبينة بالمادة 89 ومقابلة لها تمام المقابلة، فهى تشمل الوعد الذى لم يقبل كما تشمل إعطاء الهدية أو العطية الذى لم يقبل. وما كان يصح فى التشريع أن يكون الأمر على خلاف هذا ما دامت نية الإجرام بمحاولة إفساد ذمة الموظف متحققة فى صورتى الوعد والإعطاء الفعلى وما دام قبول الموظف فى الصورتين يجعله هو والراشى واقعين تحت عقاب المادة 93. وهذا الفهم تؤيده العبارة الفرنسية لنص المادة 96 إذ ورد بها ما ترجمته حرفيا: "الشروع فى الرشوة إذا كانت" "المعروضات لم يوافق عليها والشروع فى الإكراه الخ": فالنص الفرنسى احترز من استعمال كلمة إعطاء الموهمة لتقديم شىء مادى واستعمل كلمة المعروضات (offres) التى يندرج تحت مدلولها اللغوى كل معروض ماديا كان أو غير مادى بحيث تشمل ما يتقرب به إلى الموظف من وعد ومن عطية أو هدية، كما أنه استعمل عبارة "لم يوافق عليها" (ne sont pas agrées) والموافقة أكثر ما تستعمل لغويا فى غير الماديات. فهى للوعد أكثر ملاءمة منها للعطية أو الهدية. بل هى نفسها الكلمة التى استعملها النص الفرنسى فى المادة 89 للتعبير عن قبول الوعد (avoir agrée des promesses faites). أما قبول العطية أو الهدية فإنه استعمل فيه كلمة "أخذ" التى استعملها النص العربى.
وحيث إنه واضح مما تقدّم أن الحكم المطعون عليه صحيح من هذه الناحية وأن الطعن فى غير محله.

فبناء عليه

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وبرفضه موضوعا.


[(1)] راجع فى هذا الصدد مقالا للأستاذ مرقس فهمى المحامى منشورا بالعدد الثامن من السنة التاسعة لمجلة المحاماة بالصفحات من 713 الى 719.