مجموعة القواعد القانونية التى قررتها محكمة النقض والإبرام فى المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الأول (عن المدة بين 8 نوفمبر سنة 1928 وبين 27 فبراير سنة 1930) - صـ 179

جلسة يوم الخميس 21 فبراير سنة 1929

برياسة حضرة صاحب السعادة عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة. وحضور حضرات مسيو سودان وأصحاب العزة محمد لبيب عطية بك وزكى برزى بك وحامد فهمى بك المستشارين.

(171)
القضية رقم 804 سنة 46 قضائية (الطعن المرفوع من محمد بدوى عطيه ضدّ النيابة العمومية)

( أ ) دعوى عمومية. سريان مدّة سقوطها. إجراءات التحقيق الجنائى الحاصل بمعرفة الجهات المختصة تقطعه. إجراءات التحقيق المدنى لا تقطعه.
(ب) جريمة استعمال ورقة مزوّرة. مدى اعتبارها مستمرة. متى تبدأ مدّة سقوط الدعوى العمومية بخصوص الاستعمال؟
(جـ) جريمة استعمال ورقة مزوّرة. الطعن فى الورقة بالتزوير أمام المحكمة المدنية لا يقطعها. التنازل عن التمسك بالورقة أو صدور حكم نهائى فى القضية التى قدمت فيها ينهى الاستعمال ويقطع استمراره.
(المادتان 279 و280 تحقيق)
1 - إن الذى يقطع سريان مدّة سقوط الدعوى العمومية إنما هى إجراءات التحقيق الجنائى الذى يحصل بمعرفة الجهات المختصة دون إجراءات التحقيق المدنى.
2 - جريمة استعمال الأوراق المزوّرة هى من الجرائم التى تحدث وتنتهى ويتجدّد حدوثها وانتهاؤها تبعا للأغراض المختلفة التى تستعمل فيها الورقة المزوّرة وكلما استعملت مرة لغرض بعينه تحقق ركن الاستعمال ووجب بتحققه العقاب. وكل مرة تستعمل فيها الورقة تعتبر جريمة استعمالها فى هذه المرة مستمرة بمقدار زمن استعمالها والتمسك بها للغرض الذى ابتدأ استعمالها من أجله. ولا تبتدئ مدّة سقوط الدعوى العمومية بخصوص الاستعمال فى كل مرة إلا من بعد نهاية زمنها.
3 - لا تنقطع جريمة استعمال الورقة المزوّرة بالطعن فيها بالتزوير أمام المحكمة المدنية والسير فى إجراءات تحقيق هذا الطعن ولا ينهى الاستعمال ويقطع استمراره إلا التنازل عن التمسك بالورقة أو صدور حكم نهائى فى القضية التى قدّمت فيها.


وقائع الدعوى

اتهمت النيابة هذا الطاعن بأنه فى يوم من سنة 1922 بمحكمة منيا القمح استعمل ورقة مزوّرة نسب صدورها من ابراهيم عبد الله الجبيلى وهو عالم بتزويرها وطلبت عقابه بالمادة 183 من قانون العقوبات. ومحكمة جنح منيا القمح الجزئية الأهلية بعد أن سمعت هذه الدعوى قضت فيها بتاريخ 28 ديسمبر سنة 1926 غيابيا وعملا بالمادة المذكورة يحبس المتهم ثلاثة أشهر مع الشغل وكفالة عشرة جنيهات لإيقاف التنفيذ.
فأعلن بالحكم فى 3 يناير سنة 1927 وعارض فيه فى 4 منه.
وفى أثناء نظر المعارضة دفع المحامى عن المتهم فرعيا بسقوط الحق فى إقامة الدعوى العمومية لمضى ثلاث سنوات على جريمة استعمال التزوير المسندة إليه قبل اتخاذ أى إجراءات جنائية بشأنها.
وبتاريخ 15 فبراير سنة 1927 قضت المحكمة المذكورة فى هذه المعارضة بقبولها شكلا وفى الموضوع أولا برفض الدفع الفرعى المقدم من الدفاع عن المعارض وبجواز نظر الدعوى وثانيا بتأييد الحكم المعارض فيه وأعفته من المصاريف.
فاستأنف المحكوم عليه هذا الحكم يوم صدوره.
ومحكمة الزقازيق الأهلية بهيئة استئنافية بعد سماعها موضوع هذا الاستئناف قضت فيه حضوريا بتاريخ 30 مارس سنة 1927 بقبوله شكلا وفى الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف.
وبتاريخ 16 أبريل سنة 1927 قرر بالطعن فى هذا الحكم بطريق النقض والإبرام وقدم حضرة المحامى عنه تقريرا بوجوه طعنه فى 17 منه.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن قدم وأعقبه بيان الأسباب فى الميعاد فهو مقبول شكلا.
وحيث إن الوجه الأول يتحصل فى أن الورقة المحكوم بسببها قد قدمت للمحكمة المدنية فطعن فيها الخصم بالتزوير بتقرير تحرر بقلم الكتاب فى 18 يونيه سنة 1922 وبلغه قلم الكتاب للنيابة فى 19 يونيه سنة 1922 والنيابة لم تشرع فى إجراءات التحقيق إلا فى 17 فبراير سنة 1926 أى بعد زيادة عن ثلاث سنوات وتكون الدعوى العمومية سقطت بمضى المدة وأن هذه المدة لا يقطع سريانها ما حصل من إجراءات التحقيق فى دعوى التزوير الفرعية لدى المحكمة المدنية. ويقول الطاعن إنه دفع بهذا وإن المحكمة أخطأت فى عدم قبول دفعه فجاء حكمها باطلا.
وحيث إنه لا نزاع فى أن الذى يقطع سريان مدة سقوط الدعوى العمومية إنما هى إجراءات التحقيق الجنائى الذى يحصل بمعرفة الجهات المختصة به دون إجراءات التحقيق المدنى. ولكن الفصل فى الطعن الحالى لا يتوقف على تطبيق هذه القاعدة بل يستلزم بحث جريمة استعمال الأوراق المزوّرة من جهة استمرار الاستعمال أو انقطاعه.
وحيث إن جريمة استعمال الأوراق المزوّرة هى من الجرائم المنقطعة التى تحدث وتنتهى ويتجدد حدوثها وانتهاؤها تبعا للأغراض المختلفة التى تستعمل فيها الورقة المزوّرة. وكلما استعملت مرة لغرض بعينه تحقق ركن الاستعمال ووجب بتحققه العقاب. ثم إن كل مرة تستعمل فيها الورقة تعتبر جريمة استعمالها فى هذه المرة مستمرة بمقدار زمن استعمالها والتمسك بها للغرض الذى ابتدأ استعمالها من أجله طال هذا الزمن أو قصر. ولا تبتدئ مدة سقوط الدعوى العمومية بخصوص الاستعمال فى كل مرة إلا من بعد نهاية زمنها.
وحيث إن الثابت فى الحكم الابتدائى الذى أيده الحكم المطعون فيه آخذا بأسبابه أن الطاعن بعد أن قدّم الورقة للمحكمة المدنية وطعن فيها خصمه بالتزوير فى 18 يونيه سنة 1922 قد أخذ يناضل عن صحتها ويدفع عنها مطاعن خصمه واستمر على ذلك إلى أن قضى بتزويرها فى 21 يناير سنة 1926 بحكم أصبح نهائيا لعدم رفع استئناف عنه وأنه لم يمض بين تاريخ هذا الحكم وتاريخ شروع النيابة العمومية فى إجراءات التحقيق الجنائى إلا نحو شهر فقط.
وحيث إن ما يقوله الطاعن من أن جريمة استعمال الورقة المحكوم عليه بسببها قد انقطعت من يوم أن طعن فيها خصمه بالتزوير أى من يوم 18 يونيه سنة 1922 وما يعلل به هذا القول من أن الورقة خرجت من يده من ذلك التاريخ فأصبحت فى يد القضاء المدنى تحت تحقيق تزويرها ومن أنه إذا كان قد ناضل عن صحتها أثناء ذلك التحقيق المدنى فكانت مناضلة لا استعمالا لها بل دفاعا عن نفسه وإبعادا لمظنة التزوير من جانبه ومن أن محكمة النقض سبق أن قررت هذا المعنى فى بعض أحكامها - كل هذا لا يغنى من الحق شيئا: أولا لأن محكمة النقض إذا كانت فى بعض أحكامها قررت هذا المعنى فانها عدلت عنه فى أحكام أخرى أشار إليها الحكم الابتدائى. وثانيا لأن القول بأنه بمجرد الطعن بالتزوير تكون جريمة الاستعمال قد تمت وانقطعت نهائيا هو قول يناقضه الواقع كما قال ذلك الحكم بحق. فإن الخصم الذى يقدّم ورقة يعلم هو أنها مزوّرة ويصر فى جميع أدوار الإجراءات الخاصة بالتزوير المدنى على التمسك بصحتها جاهدا فى تأييدها بكل ما يقدمه أثناء التحقيق من الأدلة وأوجه الدفع إنما هو مستمر فى تأييد وجه استعماله للورقة المطعون فيها وفى حرصه على هذا الاستعمال وعلى الانتفاع بثمرته. وهذا من أبلغ ما يكون فى الإصرار على الاستعمال الإجرامى. وليس ينهى هذا الاستعمال ويقطع استمراره إلا التنازل عن التمسك بالورقة أو صدور حكم نهائى فى القضية التى قدمت فيها.
وحيث إن القول بخلاف ذلك يترتب عليه أن المزوّر كلما جدّ فى التضليل فى دعوى التزوير المدنية وصبر على المناضلة غشا وبسوء قصد عن الورقة التى يعلم هو أنها مزوّرة كان تضليله القضاء وسعيه فى تأييد الباطل مستحقا للمكافأة بسقوط الدعوى العمومية وارتفاع مسئوليتها عنه على شريطة أن يطول زمن تدليسه وترويجه الباطل مدة ثلاث سنين من تاريخ الطعن بالتزوير وهى نتيجة يأباها الحق والمنطق الصحيح.
وحيث إنه لذلك يتعين رفض الوجه الأوّل.
وحيث إن الوجه الثانى يتحصل فى أن الطاعن ذكر للمحكمة أن الورقة المقول بتزويرها قد سلمها له المجنى عليه بحالتها التى هى عليها وأن شهودا شهدوا بذلك لدى المحكمة المدنية ولكن المحكمة الصادر منها الحكم المطعون فيه أيدت حكم محكمة الجنح الابتدائى الذى ورد فى أسبابه أن دعوى تسليم المجنى عليه الورقة للطاعن بحالتها التى هى عليها لم يقم عليها أى دليل. فالمحكمة إذًا لم تبحث فى أمر استدلال الطاعن على قوله بشهادة من شهدوا فى الدعوى المدنية. وهذا تقصير غمط الدفاع حقه وموجبه عدم صحة الحكم.
وحيث إن محكمة الموضوع وإن كانت ذكرت فى حكمها ما أشار اليه الطاعن غير أنها دوّنت فيه أيضا أنه قد ثبت لها أن الورقة قد زوّرت فعلا على المجنى عليه وأن الإمضاء الذى وضع عليها إنما هو تقليد لإمضائه. وفى هذا الإثبات ما يسقط قول الشهود الذين يشير إليهم الطاعن فى هذا الوجه ويسوغ للمحكمة أن ترد على دعواه فى هذا الصدد بأنها مجرّدة عن الدليل - وإذن يكون هذا الوجه أيضا فى غير محله.

فلهذا

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وبرفضه موضوعا.