مجموعة القواعد القانونية التى قررتها محكمة النقض والإبرام فى المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الأول (عن المدة بين 8 نوفمبر سنة 1928 وبين 27 فبراير سنة 1930) - صـ 197

جلسة يوم الخميس 28 فبراير سنة 1929

برآسة حضرة صاحب السعادة عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة. وبحضور حضرات مسيو سودان وأصحاب العزة محمد لبيب عطيه بك وزكى برزى بك وحامد فهمى بك المستشارين.

(178)
القضية رقم 788 سنة 46 قضائية

سرقة. القصد الجنائى فى هذه الجريمة.
(المادة 268 عقوبات)
إذا تبين أن ملكية الشىء المسروق محل نزاع جدّى بين المتهم والمجنى عليه ولم يقم دليل على أنه لا شبهة لدى المتهم فى ملكية المجنى عليه للشىء المسروق وأن أخذه للشىء انما كان اختلاسا له وسلبا من مالكه الذى يعتقد هو أن الملكية خالصة له من دونه فلا يتحقق القصد الجنائى فى السرقة ولا يمكن العقاب عليها. بل تبقى المسألة نزاعا مدنيا محضا يظفر فيه من يكون دليله مقبولا بمقتضى قواعد القانون المدنى.


وقائع الدعوى

اتهمت النيابة العامة هذا الطاعن بأنه فى يوم 5 فبراير سنة 1927 ببنى أيوب سرق شجرتين لمنصور نصر رزق وطلبت عقابه بالمادة 275 من قانون العقوبات.
وفى أثناء سير الدعوى ادّعى المجنى عليه مدنيا وطلب الحكم له بمبلغ خمسين جنيها على سبيل التعويض.
ومحكمة جنح الزقازيق الجزئية الأهلية سمعت هذه الدعوى وقضت فيها حضوريا بتاريخ 5 نوفمبر سنة 1927 وعملا بالمادة المتقدّمة بحبس المتهم شهرا واحدا مع الشغل وأمرت بايقاف التنفيذ عملا بالمادة 52 عقوبات وأنذرته بما تقضى به المادة 54 منه وبالزامه بأن يدفع للمدّعى بالحق المدنى مبلغ خمسة جنيهات على سبيل التعويض مع المصاريف المناسبة.
فاستأنف المتهم والمدّعى بالحق المدنى هذا الحكم فى 12 و14 نوفمبر سنة 1927 وبتاريخ 8 ديسمبر سنة 1928 حكمت محكمة الزقازيق الأهلية بهيئة استئنافية فى هذين الاستئنافين حضوريا بقبولهما شكلا وفى الموضوع بتأييد الحكم المستأنف والزام المتهم بالمصاريف المدنية الاستئنافية المناسبة والزام المدّعى المدنى بباقى المصاريف المدنية.
فطعن المحكوم عليه فيه بطريق النقض والإبرام فى 23 ديسمبر سنة 1928 وقدّم حضرة المحامى عنه تقريرا بوجوه طعنه فى 25 منه.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن قدم وتلاه بيان الأسباب فى الميعاد فهو مقبول شكلا.
وحيث إن وجه الطعن ينحصر فى أن القصد الجنائى اللازم توفره فى جريمة السرقة غير متوفر فى هذه الدعوى وقد خلا الحكم من اثباته.
وحيث إنه بالرجوع إلى الحكم الابتدائى الذى أيده الحكم المطعون فيه آخذا بأسبابه تبين أن الشجرتين المقول بسرقتهما كانتا مغروستين فى قطعة أرض باعها الطاعن للمدّعى بالحق المدنى بعقد ذكر فيه أن البيع يشمل الأرض (وكذا جميع ما اشتملت عليه القطعة مما جميعه). ولكن قام نزاع بين البائع والمشترى فالأول يقول إن العقد وإن كان قد ذكرت فيه هذه العبارة الا أنه كان من المتفق عليه بين الطرفين أن الأشجار تبقى له وقد استحضر شهودا شهدوا بصدق قوله. وأما الثانى فيقول إن الاتفاق كان على أن تكون الأشجار له هو ويتمسك فى ذلك بالعقد والمحكمة عاملت البائع - وهو الطاعن - بموجب العقد فاعتبرت ملكية الشجرتين ثابتة للمشترى وخرجت من هذا الاعتبار إلى القول بأن أخذ الطاعن لهما يعتبر سرقة معاقبا عليها.
وحيث إن اعتبار البائع سارقا لمجرّد أن القانون يجعل العقد حجة عليه فى ملكية المشترى للارض وما عليها من الأشجار هو اعتبار غير صحيح. فانه كثيرا ما يقع لأسباب مختلفة أن تكتب العقود وبها مثل تلك الجملة ولكن يكون بين الطرفين اتفاق شفهى كالذى ادّعاه الطاعن وأثبته بشهادة الشهود الذين وقع على يدهم. وكثيرا ما يغدر المشترى ويريد التمسك بالعقد علما منه بأن قواعد القانون تساعده على تنفيذ عقده واطراح شهادة الشهود ولو كانت صادقة فى الواقع. ولكن حسب المشترى فى مثل هذه الصورة أن تثبت له الملكية ما دام هذا حكم القانون. ولا يجوز أن هذا الثبوت يستتبع حتما اعتبار البائع سارقا إلا اذا أقيم الدليل على أنه لا شبهة له فى هذه الملكية وأن أخذه للشىء كان اختلاسا له وسلبا من مالكه الذى يعتقد هو أن الملكية له خالصة من دونه. بهذا الدليل وحده يتحقق القصد الجنائى فى السرقة ويمكن العقاب عليها وبغير إقامته تبقى المسألة نزاعا مدنيا محضا يظفر فيه من دليله مقبول بمقتضى قواعد القانون المدنى.
وحيث إنه فوق قصور الحكم عن إقامة هذا الدليل فان الثابت بمحضر الجلسة الاستئنافية أن الدفاع عن الطاعن تمسك بعدم وجود القصد الجنائى عنده وللتدليل على قوله ذكر أن أخذ الشجرتين حصل جهارا فى رائعة النهار (أى فعل المعتقد لأحقيته فيما يعمل لا اختلاسا فى الظلام فعل المستريب) وأنه كان بالأرض شجرة ثالثة أراد الطاعن أخذها أيضا ورفعت بشأنها دعوى لدى محكمة الخط فقضت فيها لمصلحة البائع. وقد قدم الطاعن لمحكمة النقض صورة رسمية من هذا الحكم فظهر منها أن تلك المحكمة بعد اطلاعها على عقد البيع وسماعها شهادة الشهود رأت أنه كان بين الطرفين اتفاق على أن الشجر يبقى للبائع وأن المشترى إن أراد استبقاءه وجب عليه دفع ثمنه ولذلك حكمت بابقاء الشجرة للمشترى مع إلزامه بدفع مبلغ 100 قرش قيمة ثمنها للبائع. ومهما يكن من أمر هذا الحكم وأنه لم يصر بعد نهائيا فان أقل ما يدل عليه أن ملكية الشجر كان فيها نزاع جدى لا يسهل معه القول بأن البائع وهو الطاعن قد أخذ ما أخذه منه اختلاسا وسلبا لما يعتقد أنه مملوك للغير دونه، ولذلك يتعين قبول الطعن موضوعا ونقض الحكم برمته من جهة الدعويين العمومية والمدنية مع حفظ حق المدعى المدنى فى تقاضى قيمة الشجرتين لدى المحاكم المدنية كما يشاء.

فبناء عليه

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وبراءة الطاعن ورفض الدعوى المدنية والزام المدعى بالحق المدنى بمصاريف الدعوى المدنية و200 مائتى قرش أتعاب محاماة.