مجموعة القواعد القانونية التى قررتها محكمة النقض والإبرام فى المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الأول (عن المدة بين 8 نوفمبر سنة 1928 وبين 27 فبراير سنة 1930) - صـ 225

جلسة يوم الخميس 7 مارس سنة 1929

برياسة حضرة صاحب السعادة عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة. وحضور حضرات مسيو سودان وأصحاب العزة محمد لبيب عطيه بك وزكى برزى بك وحامد فهمى بك.

(185)
القضية رقم 405 سنة 46 قضائية

( أ ) دعوى بحق مدنى. جواز إقامتها على القاصر.
(المادة 54 تحقيق)
(ب) إثبات. آراء الخبراء. عدم ارتباط المحكمة بها. لا عيب.
(المادة 243 مرافعات)
1 - جرى قضاء محكمة النقض على قبول الادعاء بالحق المدنى على القاصر ومن فى حكمه لدى المحاكم الجنائية بدون حاجة إلى إدخال الولى أو الوصى أو القيم فى الخصومة [(1)]. ومهما يكن من وجاهة الاعتراض على هذا الرأى فإن هذه المسألة خلافية ولا محل للعدول فيها عن المذهب الذى ثبت عليه القضاء.
2 - المحكمة غير مرتبطة فى قضائها بما يقرره الخبراء من أطباء وغير أطباء بل لها تقدير أقوالهم والمفاضلة بين الدليل المستفاد منها وبين غيره من الأدلة الأخرى القائمة فى الدعوى وترجيح ما ترى ترجيحه منها.


وقائع الدعوى

اتهمت النيابة هذين الطاعنين بأنهما فى يوم 29 مارس سنة 1928 الموافق 7 شوّال سنة 1346 بأراضى ناحية ببلاو مركز ديروط بمديرية أسيوط قتلا حسن سيد درويش عمدا بأن أطلقا عليه عيارين ناريين أصاباه فى ذراعه وخاصيته اليمنى وساعده الأيمن وفخذه الأيسر فتوفى بسببها وذلك مع سبق الإصرار والترصد وطلبت من حضرة قاضى الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهما بالمادة 194 من قانون العقوبات.
وبتاريخ 28 أبريل سنة 1928 أصدر حضرة قاضى الإحالة قرارا باحالتهما إلى محكمة جنايات أسيوط لمحاكمتهما بالمادة المذكورة على التهمة المتقدّم بيانها.
وفى أثناء سير الدعوى دخل فيها ورثة المجنى عليه مدعين بحق مدنى وطلبوا الحكم لهم بمبلغ 1000 جنيه تعويضا.
وبعد أن سمعت محكمة جنايات أسيوط الدعوى قضت فيها حضوريا بتاريخ 12 نوفمبر سنة 1928 وعملا بالمادتين 194 و17 عقوبات بمعاقبة المتهمين بالأشغال الشاقة المؤبدة وبإلزامهما بأن يدفعا للمدعين بالحق المدنى مبلغ خمسمائة جنيه والمصاريف المدنية وخمسمائة قرش أتعابا للمحاماة فقرر المحكوم عليهما بالطعن فى هذا الحكم بطريق النقض والإبرام فى يوم صدوره وقدم حضرة المحامى عنهما تقريرا بالأوجه فى أوّل ديسمبر سنة 1928.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على أوراق القضية والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن قدّم وتلاه بيان الأسباب فى الميعاد فهو مقبول شكلا.
وحيث إن الوجه الأول يتحصل فى أن الشهود قرروا أن المتهمين أطلق كل منهما عيارا ناريا على المجنى عليه وكانا فى مستوى أعلى من المستوى الذى كان فيه هذا المصاب ولما كان الكشف الطبى دالا على أن الإصابة من عيار واحد مطلقه كان فى نفس المستوى الذى فيه المصاب فالدفاع عن المتهمين احتج بهذا لتزييف شهادة الشهود والمحكمة ندبت الطبيب الشرعى فقرر أنه يرجح جدا أن الإصابة من عيار واحد ويقول الطاعنان إن الحكم بعد أن أثبت ما قرره الشهود ذكر ما قرره الطبيب الشرعى ثم استنتج من تقريره أن رواية المجنى عليه صحيحة وأن هذا الاستنتاج مخالف لقواعد الإثبات لأن عبارة الطبيب الشرعى تجعل كلام المجنى عليه والشهود موضعا للشك وذلك يؤول لصالح المتهم ويقتضى البراءة.
وحيث إنه بالرجوع إلى الحكم المطعون فيه وجد أن الثابت فيه يتحصل فى أمرين: الأوّل أن المجنى عليه ذكر فى التحقيقات قبل وفاته أن المتهمين أصابه كل منهما بعيار نارى وأن الشهود أيدوا ذلك وقالوا أن الضاربين كانا فى نقطة أعلى من النقطة التى كان بها المصاب. والثانى أن الأطباء الذين استدعتهم المحكمة ومنهم الطبيب الشرعى قرروا أنهم يرجحون جدا أن الإصابة من عيار واحد ولكنهم أجازوا أن تكون من عيارين متتالين أطلقهما شخص واحد مستبعدين أن يكون مطلقهما شخصين. كما قرروا إمكان أن يكون الضارب فى نقطة أعلى من نقطة وجود المصاب.
وحيث إن أقوال الأطباء لا تتعارض مع أقوال المجنى عليه والشهود ولا تجعلهم كاذبين، إذ أوّلا هؤلاء الأطباء لم ينفوا أن تكون الاصابة من عيارين. وكل ما فى الأمر أنهم يستبعدون أن يكون مطلقهما شخصين. ومهما يكن احتمال كون الإصابة من عيارين ومن شخصين مختلفين هو احتمالا بعيدا فى رأيهم، فانه احتمال لم ينفوه بتاتا وقد يكون هو المطابق للواقع ويكون كلام المجنى عليه والشهود صحيحا. وثانيا أن هؤلاء الأطباء أجازوا أن يكون الضارب فى مستوى أعلى من المستوى الذى كان فيه المصاب وإذن فلا مانع من أن يكون كلام المذكورين فى هذه النقطة صحيحا أيضا.
وحيث إنه لا محل لانتقاد المحكمة فيما ذكرته عند إيرادها أقوال الأطباء من قولها.
وحيث إنه مما تقدّم لا تكون رواية المجنى عليه مكذوبة، بل هى صحيحة. لأن الوقع كما أسلفنا أن أقوال الأطباء لا تعارضها فهى لا تكذبها كما أن المحكمة إنما عنت بكونها صحيحة أنها تعتبرها كذلك ما دامت أقوال الشهود تؤيدها وما دامت أقوال الأطباء لا تنفيها.
وحيث إن المحكمة غير مرتبطة فى قضائها بما يقرره الخبراء من أطباء وغير أطباء بل لها تقدير أقوالهم والمفاضلة بين الدليل المستفاد منها وبين غيره من الأدلة الأخرى القائمة فى الدعوى وترجيح ما ترى ترجيحه منها. وظاهر فى هذه القضية أنها رجحت قول الشهود الذى أوردوه قاطعا خاليا من الاحتمالات على قول الأطباء الذى أتى بصورة غير نافية للاحتمال، والمحكمة فى حل مما فعلت، ولذلك يكون هذا الوجه فى غير محله.
وحيث إن الوجه الثانى ينحصر فى أن مختار عمران لم يبلغ بعد سن الرشد المدنى فلا يمكن محاكمته جنائيا ولا مدنيا إلا بحضور وليه أو وصيه، وأن الحكم عليه فى الدعوى العمومية وفى دعوى المدعين بالحق المدنى يكون اعتوره خلل فى الإجراءات مبطل له.
وحيث إنه واضح وضوحا جليا أن هذا الوجه غير صحيح من جهة إجراءات الدعوى العمومية إذ هى حاصلة وفق القانون ولا شىء فيها يخالفه. أما من جهة الادعاء بالحق المدنى فقد سبق لمحكمة النقض أن قررت غير مرة أن هذا الادعاء مقبول لدى المحاكم الجنائية على القاصر ومن فى حكمه بدون حاجة إلى إدخال الولى أو الوصى أو القيم فى الخصومة (راجع على الأخص حكم محكمة النقض الصادر فى 29 أكتوبر سنة 1913 فى القضية المقيدة بجدول النقض نمرة 2123 سنة 30 قضائية). ومهما يكن من وجاهة الاعتراض على رأى محكمة النقض فان هذه المسألة خلافية. ولا محل للعدول فيها عن المذهب الذى ثبت عليه القضاء. ولهذا يتعين عدم الأخذ بهذا الوجه.

فبناء عليه

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وبرفضه موضوعا.
الطعن المقدّم من خليل ابراهيم ضدّ سيد أحمد همام يونس وآخر ومن سيد أحمد همام يونس ضدّ النيابة.
فى القضية رقم 2123 سنة 30 قضائية. جلسة 29 أكتوبر سنة 1913.


وقائع الدعوى

اتهمت النيابة العمومية المذكورين "وآخرين" بأنهم فى ليلة 22 مارس سنة 1913 بكفر عبد السيد نوّار تبع مركز ميت غمر الأوّل ضرب عمدا سليمان خليل ابراهيم ضربا ولم يقصد بذلك قتله ولكن أفضى إلى موته. والثانى مع آخرين ضربوا خليل ابراهيم عيد وجرجس خليل أحدثوا بهما جروحا تقرر لعلاجها أقل من عشرين يوما. وطلبت من حضرة قاضى الإحالة بمحكمة الزقازيق الأهلية إحالة المتهمين المذكورين على محكمة الجنايات لمحاكمة الأوّل بمقتضى المادة 200 عقوبات والثانى بالمادة 206 عقوبات.
وحضرة قاضى الإحالة المشار إليه قرر بتاريخ 3 يوليه سنة 1913 باحالة المتهمين المذكورين على محكمة الجنايات بالزقازيق لمحاكمتهما بمقتضى المادتين المذكورتين.
وبجلسة المرافعة أقام خليل ابراهيم نفسه مدعيا بحق مدنى وطلب بلسان وكيله الحكم له على المتهمين "سيد أحمد همام يونس وعبد العزيز ابراهيم العابدى" بمبلغ مائتى جنيه تعويضا. فدفع المحامى عن المتهمين بعدم جواز قبول الدعوى المدنية ضدّ المتهم الأوّل لأنه قاصر. ومحامى المدعى المدنى قال بأنه يجوز ذلك ما دامت الدعوى الجنائية قائمة.
ومحكمة جنايات الزقازيق حكمت بتاريخ 25 أغسطس سنة 1913 عملا بالمادة 200 فقرة أولى من قانون العقوبات بالنسبة للمتهم الأوّل و17 منه وبالمادة 206 فقرة أولى بالنسبة للمتهم الثانى حضوريا بمعاقبة سيد أحمد همام يونس بالحبس سنة مع الشغل وبحبس عبد العزيز ابراهيم العابدى شهرا مع الشغل وبعدم قبول الدعوى المدنية بالنسبة للمتهم الأوّل وبرفضها بالنسبة للمتهم الثانى وألزمت المدعى المدنى بمصاريفها.
وبتاريخ 28 أغسطس سنة 1913 قرر خليل إبراهيم المدّعى المدنى بالطعن فى هذا الحكم بطريق النقض والإبرام. وقدّم كامل افندى يوسف المحامى تقريرا بأسباب طعنه بتاريخ 8 سبتمبر سنة 1913. وبتاريخ 11 سبتمبر سنة 1913 قرر سيد أحمد همام يونس المحكوم عليه الأوّل بالطعن فى هذا الحكم بطريق النقض والإبرام وقدّم محمد افندى مراد المحامى تقريرا بأسباب طعنه فى 11 سبتمبر 1913.


المحكمة

بعد سماع طلبات النيابة العمومية وأقوال إدوار قصيرى افندى المحامى عن محمد افندى مراد المحامى الطاعن الأوّل وأقوال كامل افندى يوسف المحامى عن المدّعى المدنى والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
حيث إن طلبى النقض صحيحان شكلا.
وحيث إن وجه الطعن المقدّم من المتهم سيد أحمد همام يونس يرجع لأمر يتعلق بالموضوع. وقد ذكرت المحكمة فى حكمها المطعون فيه أنه ثبت لها أن الوفاة تسببت عن الإصابة وأنه لولاها لما حصلت الوفاة. فبناء عليه يكون الطعن غير مقبول.
وحيث إن الطعن المقدّم من المدعى المدنى ينحصر فى وجهين: الأول أنه لا محل لاستعمال الرأفة. والثانى الحكم بعدم قبول الدعوى المدنية لأن المتهم قاصر ولم يختصم وليه أو وصيه.
عن الوجه الأوّل:
حيث إن هذا الوجه يرجع إلى الموضوع فهو غير مقبول.
عن الوجه الثانى:
حيث إن الشارع جعل فى قانون العقوبات سنا للرشد والتمييز تصح ببلوغه محاكمة مرتكب الجريمة ومطالبته بالتعويض المترتب عليها بدون تقييد ذلك بقيد ولا تعليق توجيه الخصومة ورفع الدعوى على شرط.
وحيث إن الأهلية فى المواد الجنائية وما ينشأ عنها من الحقوق المدنية هى غير الأهلية فى المواد المدنية. فالصغير مسئول بالذات عن فعله فى الأولى، ومحاكمته شخصيا متعينة بحكم القانون متى وصل إلى حد البلوغ الجنائى. وذلك لترتب مسئوليته على فعل مادى لا على تعامل أو تصرف قولى كما فى الثانية ما يوجب مخاصمة وليه أو وصيه. فالرشد الجنائى يخالف الرشد المدنى. وقد جعل الشارع لكل منهما حدّا وحكما.
وحيث إن الدعوى العمومية هى أساس هذه المسئولية والأصل فيها. فإذا صح توجيهها شخصيا للصغير باعتباره أهلا للمحاكمة الجنائية طبقا للقانون صح كذلك توجيه الدعوى المدنية المترتبة عليها إليه معها لتعلق هذه بتلك وتفرّعها عنها عملا بقاعدة تتبع الفرع للأصل.
وحيث إن القانون صريح فى تجويز الادعاء بالحق المدنى المترتب على جريمة بدون قيد ولا استثناء ما دام الجانى أهلا للمحاكمة الجنائية ومحلا لتوقيع العقاب.
وحيث إنه متى كان الصغير أهلا للمحاكمة الجنائية فلا وجه لاشتراط مخاصمة وليه أو وصيه معه عند مطالبته بالتعويض أثناء نظر الدعوى الجنائية بعلة الدفاع عن الحقوق المطلوبة منه. لأن هذه الحقوق من جهة لم تترتب على عقد أو تعامل حتى يصح تمشية أحكام الحجر عليها لإلغائها وإزالتها بل نشأت مباشرة عن فعل مادى أتاه الصغير. ولأن هذه الحقوق من جهة أخرى مرعية ومكفولة بما يحيط المحاكمة الجنائية من الضمانات.
وحيث إنه إذا كان الصغير يعتبر بحكم القانون الجنائى أهلا لدفع الدعوى العمومية المرفوعة عليه وهى الأصل فلا أقل من اعتباره كذلك لدفع الدعوى المدنية المتفرّعة عنها والمرفوعة عليه معها.
وحيث إنه بناء على ما تقدّم يجوز لمحكمة الجنايات أن تحكم على القاصر بالتعويض الناشئ عن الجناية التى ارتكبها بدون إلزام المدعى بالحق المدنى بادخال وليه أو وصيه فى الدعوى. وقد سبق أن حكمت محكمة النقض والإبرام المصرية بما يؤيد هذا المبدأ "راجع حكم النقض والإبرام الرقيم 20 أغسطس سنة 1907" "وراجع أيضا البانديكت جزء 41 نمرة 26 صفحة 207".
وحيث إن التعويض الذى يطلبه الطاعن هو عن الجناية المسئول فيها سيد أحمد همام يونس وحده دون المتهم الآخر عبد العزيز إبراهيم كما قررت محكمة الموضوع.
وحيث إنه لذلك يتعين قبول النقض والإبرام المرفوع من المدعى المدنى بالنسبة لسيد أحمد همام فقط وإلغاء الحكم المطعون فيه القاضى بعدم قبول الدعوى المدنية ضد المتهم المذكور.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة: أوّلا برفض الطعن المقدّم من سيد أحمد همام يونس. ثانيا: بقبول النقض والإبرام المرفوع من خليل ابراهيم عيد المدعى المدنى وإلغاء الحكم المطعون فيه بالنسبة إلى سيد أحمد همام يونس فيما يتعلق بالدعوى المدنية وقررت جواز رفع الدعوى عليه وأحالت القضية على محكمة جنايات الزقازيق لتنظر الدعوى المدنية المذكورة مجدّدا من هيئة أخرى غير التى حكمت فيها أوّلا.


[(1)] راجع الحكم الصادر فى القضية رقم 2123 سنة 30 قضائية فى 29 أكتوبر سنة 1913 المنشور هنا.