مجموعة القواعد القانونية التى قررتها محكمة النقض والإبرام فى المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الأول (عن المدة بين 8 نوفمبر سنة 1928 وبين 27 فبراير سنة 1930) - صـ 241

جلسة يوم الخميس 21 مارس سنة 1929

برياسة حضرة صاحب السعادة عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات مسيو سودان وأصحاب العزة محمد لبيب عطيه بك وزكى برزى بك وحامد فهمى بك المستشارين.

(200)
القضية رقم 1010 سنة 46 قضائية (طعن النيابة العامة فى قرار قاضى الإحالة بمحكمة مصر الأهلية ضد عبد الغنى محمد عبده)

جنحة. الحكم نهائيا بعدم الاختصاص. وجوب الإحالة على محكمة الجنايات.
(المواد 148 و174 و189 تحقيق وقانون 19 أكتوبر سنة 1925)
إذا حكم القاضى الجزئى بعدم اختصاصه بنظر الدعوى لما رآه فيها من شبهة الجناية وأصبح حكمه نهائيا وقدّمت النيابة الدعوى لقاضى الإحالة فعلى قاضى الإحالة أن يحيل الدعوى لمحكمة الجنايات دون سواها إما باعتبارها جناية فقط كمقتضى حكم عدم الاختصاص أو باعتبارها جناية وجنحة بطريق الخيرة إن كان لا يرى فيها إلا جنحة. وليس له بأية حال أن يحيلها إلى القاضى الجزئى ولو باعتبارها جناية تلابسها ظروف مخفقة لأن حكم عدم الاختصاص الذى أصبح نهائيا يترتب عليه حتما تجريد محاكم الجنح من نظر الدعوى ومنعها نهائيا عن رؤيتها [(1)].


الوقائع

أقامت النيابة الدعوى العمومية على المتهم طالبة محاكمته بالمادة 206 من قانون العقوبات على تهمة أنه فى يوم 10 مايو سنة 1928 ببنها ضرب إبراهيم منصور حرب وهانم إبراهيم سالم فأحدث بهما الإصابات المبينة بالكشف الطبى والتى تقرّر لعلاجها مدّة تقل عن العشرين يوما. ولدى نظر الدعوى أمام محكمة جنح بنها الجزئية طلبت النيابة الحكم بعدم الاختصاص حيث إن الكشف الطبى أثبت وجود عاهة مستديمة للمجنى عليه ابراهيم منصور حرب يستحيل برؤها فقضت تلك المحكمة حضوريا بتاريخ 23 أكتوبر سنة 1928 بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وإحالة الأوراق على قلم النائب العام لإجراء شؤونه بها.
وبعد أن حققت النيابة الدعوى وجهت للمتهم التهمة الآتية: وهى أنه فى 10 مايو سنة 1928 ببنها ضرب إبراهيم منصور حرب ضربا نشأ عنه عاهة مستديمة يستحيل برؤها وهى وجود أنكلوز عظمى بالمفصل الأوّل السلامى للخنصر الأيمن تقيد من حركته بنحو 5% وضرب أيضا هانم بنت إبراهيم سالم وقد عولجت من أجل ذلك مدّة تقل عن العشرين يوما وطلبت من حضرة قاضى الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالفقرة الأولى من المادتين 204 و206 من قانون العقوبات.
وبتاريخ 12 يناير سنة 1929 أصدر حضرة قاضى الإحالة قرارا باعتبار الحادثة جنحة ومنطبقة على المادة 205 عقوبات وإعادة الأوراق للنيابة لإجراء شؤونها فيها. وبتاريخ 30 يناير سنة 1929 قرّر حضرة رئيس نيابة مصر بتوكيل سعادة النائب العام بالطعن فى هذا القرار بطريق النقض والإبرام وقدّم حضرته تقريرا ببيان الأسباب فى اليوم نفسه.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على أوراق القضية والمداولة قانونا. حيث إن الطعن قدّم وتلاه بيان الأسباب فى الميعاد فهو مقبول شكلا.
وحيث إن القاضى الجزئى قضى بعدم اختصاصه بنظر الدعوى لما رآه فيها من القرائن الدالة على أنها جناية، وقد أصبح هذا الحكم نهائيا فحق على النيابة بمقتضى المادتين 148 و174 من قانون تحقيق الجنايات أن تقدّمها لقاضى الإحالة، وحق على هذا القاضى بمقتضى هاتين المادتين أن يأمر باحالتها لمحكمة الجنايات. وإذا كان لا يرى فى الأفعال المسندة للمتهم إلا شبهة الجنحة فله مع هذه الإحالة أن يوجه إلى المتهم فى قراره تهمة الجنحة بطريق الخيرة مع الجناية.
وحيث إنه مهما يكن من وجاهة الأسباب التى أوردها حضرة قاضى الإحالة تبريرا لاعتباره أن الواقعة ليست إلا جنحة مما ينطبق على المادة 205 من قانون العقوبات وأنه لا عاهة مستديمة فيها تستوجب اعتبارها جناية. ومهما يكن من حسن رأيه فى تقدير أدلة الموضوع وفى أن حكم عدم الاختصاص ما كان ليصدر لو تأخر نظر القضية بعض الزمن واطلع القاضى على تقرير الطبيب الشرعى الأخير - مهما يكن من كل ذلك فان نص المادة 148 صريح وعام لا مجال للتأوّل فيه ولا لتخصيص عمومه. وإذن يكون تقريره باعتبار الواقعة جنحة وبرد الأوراق للنيابة العامة لإجراء شؤونها فيها هو خطأ فى تطبيق القانون الذى يلزمه باحالة الدعوى إلى محكمة الجنايات على كل حال ويكون طعن النيابة المبنى على حصول هذا الخطأ فى محله.
وحيث إن النظر فى هذا الطعن يجرّ إلى البحث فى مبلغ تأثير قانون 19 أكتوبر سنة 1925 (القاضى بجعل بعض الجنايات جنحا من حيث الاختصاص) فى مدى تطبيق المادة (148) من قانون تحقيق الجنايات لمعرفة ما إذا كان الواجب على قاضى الإحالة فى صورة حكم القاضى الجزئى بعدم الاختصاص لكون الواقعة فيها شبهة الجناية أن يحيل الدعوى إلى محكمة الجنايات وأن يعتبر هذه الإحالة لمحكمة الجنايات متعينة عليه حتى ولو كان هو يرى أن الجناية تلابسها ظروف مخففة أو أعذار مخففة مما تتناوله المواد 17 و60 و215 من قانون العقوبات وأنها مما يجوز له إحالتها على القاضى الجزئى عملا بالمادة الأولى من قانون 19 أكتوبر سنة 1925.
وحيث إن هذه المحكمة ترى أن على قاضى الإحالة فى هذه الصورة أن يحيل الدعوى لمحكمة الجنايات دون سواها حتى ولو كانت الجناية تلابسها ظروف أو أعذار مخففة مما تشير إليه المادة الأولى من قانون 19 أكتوبر سنة 1925 وذلك:
(أوّلا) لأن حكم عدم الاختصاص الذى أصبح نهائيا سواء بمضى مواعيد استئنافه أو بتأييد المحكمة الاستئنافية له أو بصدوره بادئ الأمر من المحكمة الاستئنافية طبقا للمادة (189) من قانون تحقيق الجنايات يترتب عليه حتما تجريد محاكم الجنح من نظر الدعوى ومنعها نهائيا عن رؤيتها. وهذا الأثر هو أثر مطلق من شأنه بحسب قواعد قوّة الأحكام النهائية أن يتمشى فى جميع الأحوال بدون تخلف.
(ثانيا) لأن نص الفقرة الثالثة من المادة (148) صريح فى إلزام قاضى الإحالة بإحالة الدعوى لمحكمة الجنايات حتى ولو لم ير هو فيها إلا شبهة الجنحة أو المخالفة. وجلى أن القانون لم يتشدّد هكذا إلا اعتدادا منه بقوّة حكم عدم الاختصاص وإيذانا بضرورة احترامه.
(ثالثا) لأنه ظاهر من نص المادة الأولى من قانون 19 أكتوبر سنة 1925 أنها ليست إلا استثناء من القاعدة العامة المقرّرة للحالة المنصوص عليها بالفقرة الأولى من المادة 12 من قانون تشكيل محاكم الجنايات وهى حالة الجنايات التى تسير الإجراءات فيها سيرا معتادا ولم يسبق صدور أحكام من قضاة الجنح بعدم اختصاصهم بها. أما التى سبق صدور شىء من هذه الأحكام فيها فإن القانون رسم لسير قاضى الإحالة بشأنها طريقا خاصة نص عليها بالفقرة الثالثة من المادة 148 من قانون تحقيق الجنايات المعدّلة بالقانون نمرة 7 سنة 1914 ولم يشر قانون 19 أكتوبر سنة 1925 أدنى إشارة إلى المادة 148 المذكورة مما يدل على أن حكمها باق كما هو على أصله وعلى إطلاقه لم يطرأ عليه ما يقيد من إطلاقه أو يغير من معناه.
(رابعا) إذا لوحظ أن قانون 19 أكتوبر سنة 1925 لم يحتم على قاضى الإحالة أن يحيل إلى القاضى الجزئى تلك الجنايات القليلة الأهمية المنصوص عليها فيه بل وسع عليه فجعل له هذه الإحالة حقا اختياريا إن شاء أخذ به وإن شاء أخذ بأصل حقه أو بالأحرى أدى أصل واجبه وهو إحالتها إلى محكمة الجنايات - إذا لوحظ ذلك فقد يعلم منه أن الشارع أراد بعدم تحتيم الإحالة على القاضى الجزئى أن يتفادى مثل الصورة التى نحن بصددها حتى لا يقف نص المادة 148 عقبة أمام قاضى الإحالة لا مخلص له منه إلا بإهماله. على أنه سواء أكان الشارع فى الواقع قد أراد بهذا النص الجوازى الترفيه على قاضى الإحالة حتى يتمكن من الأخذ بحقه الأصلى فى الإحالة لمحكمة الجنايات وينجو من مخالفة نص المادة 148 أم كان هذا الترفيه غير ملحوظ للشارع عند وضعه قانون 19 أكتوبر سنة 1925 فان فى الجواز المخوّل لقاضى الإحالة بهذا القانون ما يعين على إعمال نص المادة 148 وعلى إعمال قاعدة احترام الأحكام النهائية. ومن المسلم به أن إعمال النصوص والقواعد أولى من إهمالها ما دام لم يرد من قبل الشارع بهذا الإهمال أمر صريح.
وحيث إنه يبين مما تقدّم: (أوّلا) أن على قاضى الإحالة أن يحيل الدعوى الحالية لمحكمة الجنايات دون سواها وهو حرّ فى إحالتها باعتبارها جناية فقط كمقتضى حكم عدم الاختصاص أو باعتبارها جناية وجنحة بطريق الخيرة إن صمم على أنه لا يرى فيها إلا جنحة وأراد الإحالة بطريق الخيرة. و(ثانيا) أن ليس له أن يحيلها إلى القاضى الجزئى ولو باعتبارها جناية تلابسها ظروف مخففة.

فبناء عليه

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه وبإعادة الدعوى لقاضى الإحالة بمحكمة مصر ليحيلها على محكمة الجنايات باعتبار أن ما وقع من عبد الغنى محمد عبده أحد المتهمين هو جناية عاهة مستديمة مما ينطبق على المادة 204 من قانون العقوبات وله إن شاء أن يوجه إليه فى قرار الإحالة تهمة الجنحة أيضا بطريق الخيرة.


[(1)] ملحوظة - عدلت محكمة النقض عن هذا الرأى فى حكمها الصادر فى القضية رقم 49 سنة 47 قضائية بجلسة 19 ديسمبر سنة 1929 وقد نشرناه فى موطنه فليراجع.