مجموعة القواعد القانونية التى قررتها محكمة النقض والإبرام فى المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الأول (عن المدة بين 8 نوفمبر سنة 1928 وبين 27 فبراير سنة 1930) - صـ 363

جلسة يوم الخميس 7 نوفمبر سنة 1929

برياسة حضرة صاحب السعادة عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات أصحاب العزة كامل ابراهيم بك وكيل المحكمة ومسيو سودان ومصطفى محمد بك وحامد فهمى بك مستشارين.

(319)
القضية رقم 2391 سنة 46 قضائية

دعوى مباشرة. رفعها. قانون حماية الموظفين. سريانه. رجعية القوانين وسريانها على الماضى.
(المادتان 2 من القانون رقم 4 لسنة 1904 الخاص بتنفيذ أحكام قانون تحقيق الجنايات و52 تحقيق وقانون حماية الموظفين رقم 23 لسنة 1929)
دعوى الجنحة التى تكون رفعت مباشرة على أحد الموظفين قبل صدور القانون رقم 23 الصادر فى 10 مارس سنة 1929 الخاص بحماية الموظفين هى دعوى صحيحة مقبولة لا يسرى عليها القانون المذكور. وليس يفيد وجوب سريان أحكامه على الدعاوى المرفوعة رفعا صحيحا قبل صدوره كونه من قوانين الإجراءات التى يراعى فى تنفيذها ما جاء بنص المادة الثانية من القانون رقم 4 لسنة 1904 الخاص بتنفيذ قانون تحقيق الجنايات من أنه "يعمل بالقواعد المختصة بالإجراءات المنصوص عليها" "فى القانون الجديد فى جميع التحقيقات التى لم تكن تمت إلى يوم وجوب العمل" "بهذا القانون وفى كل دعوى تكون منظورة أمام أى محكمة بعد هذا التاريخ ابتدائية" "واستئنافية". إذ ليس معنى وجوب العمل بالقواعد المختصة بالإجراءات المنصوص عليها بالقانون الجديد أن ما تم صحيحا من الإجراءات حسب القانون القديم لا يعتبر. بل معنى ذلك هو العمل بهذه القواعد فيما يحدث من الإجراءات فى القضايا القائمة، فما لم يقفل فيه باب التحقيق مثلا يسار فى تحقيقه وتحصل المحاكمة ويطعن على الحكم الذى يصدر وينفذ حسب قواعد القانون الجديد. وكذلك ما استؤنفت أحكامه منها تتبع فيه قواعد المحاكمة الاستئنافية المدّونة بالقانون الجديد. أما الدعاوى التى تكون قد رفعت مباشرة إلى محكمة الجنح وفقا للمادة 52 تحقيق جنايات التى كانت تجيز رفعها على الموظفين وغيرهم بغير قيد فهى مقبولة حتما لا يمكن أن يؤثر عليها قانون ما إلا بنص صريح [(1)].


وقائع الدعوى

رفع إبراهيم محمد عيشه المدعى بالحق المدنى هذه الدعوى مباشرة أمام محكمة جنح كفر الشيخ ضدّ أحمد افندى أبو الفتوح وسيد أحمد مدين وأحمد افندى مصطفى العيسوى لأنهم فى يوم 21 أكتوبر سنة 1925 بمحلة القصب وبندر كفر الشيخ استعملوا القسوة معه اعتمادا على وظائفهم بأن ضربوه ضربا يحتاج لعلاج وأن الأوّل حبسه فى غير الأحوال التى تصرح القوانين واللوائح بالقبض عليه فيها. وطلب معاملتهم بالمادتين 113 و242 من قانون العقوبات مع الحكم له بمبلغ 50 جنيها تعويضا والمصاريف والأتعاب بالتضامن مع وزارة الداخلية. وقد فوّضت النيابة الرأى للمحكمة بالنسبة للاثنين الأوّلين وطلبت معاقبة الثالث بالمادة 206 من قانون العقوبات.
وبعد أن سمعت محكمة الجنح المذكورة هذه الدعوى أصدرت فيها حكما حضوريا بتاريخ 6 يونيه سنة 1926 وعملا بالمادة 206 عقوبات بالنسبة لأحمد افندى مصطفى و1720 من قانون تحقيق الجنايات بالنسبة لكل من أحمد افندى أبو الفتوح وسيد أحمد مدين: أوّلا ببراءة أحمد افندى أبو الفتوح وسيد أحمد مدين مع رفض الدعوى المدنية قبلهما. ثانيا بتغريم أحمد افندى مصطفى مائة قرش وإلزامه بأن يدفع للمدّعى بالحق المدنى مبلغ مائة قرش على سبيل التعويض والمصاريف المدنية المناسبة ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات.
فاستأنف أحمد افندى مصطفى العيسوى والنيابة هذا الحكم فى يوم 15 يونيه سنة 1926. واستأنفه المدّعى بالحق المدنى فى يوم 17 منه.
ومحكمة جنح طنطا الاستئنافية سمعت هذه الاستئنافات وقضت فيها بتاريخ 17 يناير سنة 1929 حضوريا لأحمد افندى مصطفى وغيابيا لأحمد افندى أبو الفتوح وسيد أحمد مدين بقبولها شكلا وفى الموضوع بتأييد الحكم المستأنف بالنسبة لسيد أحمد مدين وإلغائه بالنسبة لأحمد افندى أبو الفتوح وأحمد افندى مصطفى وبراءة أحمد افندى مصطفى ورفض الدعوى المدنية قبله وتغريم أحمد افندى أبو الفتوح 500 قرش وإلزامه بأن يدفع للمدّعى بالحق المدنى مبلغ 500 قرش والمصاريف المدنية المناسبة عن الدرجتين و100 قرش أتعاب محاماة.
عارض أحمد افندى أبو الفتوح فى الحكم المذكور. وقد دفع الحاضر معه أثناء نظر تلك المعارضة فرعيا بعدم جواز معاقبته ارتكانا على القانون الصادر فى 10 مارس سنة 1929 الخاص بحماية الموظفين فقضت المحكمة المذكورة بتاريخ 30 مايو سنة 1929 بقبول المعارضة شكلا وفى الموضوع بقبول الدفع الفرعى المقدّم من المتهم وبعدم قبول الدعوى وإلزام المدّعى بالحق المدنى بالمصاريف و100 قرش أتعاب محاماة.
وبتاريخ 15 يونيه سنة 1929 طعن حضرة رئيس نيابة طنطا بتوكيل من سعادة النائب العمومى فى هذا الحكم بطريق النقض والإبرام وقدّم حضرته تقريرا ببيان وجوه الطعن فى اليوم نفسه.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن قدّم وبينت أسبابه فى الميعاد فهو مقبول شكلا.
ادعت النيابة أن إبراهيم محمد أبو عيشه اتهم المتهم المذكور واثنين معه مباشرة أمام محكمة كفر الشيخ الجزئية بأنه استعمل القسوة معه وحبسه بدون حق. وطلب معاقبته بالمادتين 113 و242 عقوبات وإلزامه بأن يدفع له خمسين جنيها تعويضا. فحكمت المحكمة المذكورة فى 6 يونيه سنة 1926 ببراءة المتهم المذكور وآخر معه وبتغريم المتهم الثالث مائة قرش. فاستأنف المحكوم عليه والمدّعى بالحق المدنى والنيابة هذا الحكم. ومحكمة طنطا الاستئنافية حكمت فى 17 يناير سنة 1929 بتغريم المتهم المذكور 500 قرش وبالزامه بتعويض قدره 500 قرش لخصمه المدّعى بالحق المدنى. فعارض المتهم فى 11 فبراير سنة 1929 ودفع بجلسة 18 أبريل سنة 1929 بعدم جواز نظر هذه الدعوى تطبيقا لقانون 10 مارس سنة 1929 فحكمت المحكمة المذكورة بقبول هذا الدفع وعدم قبول الدعوى معتمدة فى ذلك على أن هذا القانون الخاص بحماية الموظفين هو من قوانين الإجراءات التى يراعى فى تنفيذها ما جاء بالمادة الثانية من قانون نمرة 4 سنة 1904 الخاص بتنفيذ قانون تحقيق الجنايات - ادعت النيابة ذلك وطعنت فى هذا الحكم. وحجتها فى الطعن أنها استأنفت الحكم الصادر بالبراءة قبل صدور هذا القانون الخاص بحماية الموظفين فاستقامت الدعوى العمومية باستئنافها هذا أمام المحكمة الاستئنافية وأن ليس لهذا القانون استناد إلى الماضى يؤثر فيما تم قبل صدوره من الإجراءات.
وحيث إن نص المادة الثانية من القانون رقم 4 سنة 1904 هو: "يعمل" "بالقواعد المختصة بالإجراءات المنصوص عليها فى القانون الجديد فى جميع التحقيقات" "التى لم تكن تمت إلى يوم وجوب العمل بهذا القانون وفى كل دعوى تكون" "منظورة أمام أى محكمة بعد هذا التاريخ ابتدائية واستئنافية".
وحيث إنه ليس معنى وجوب العمل بالقواعد المختصة بالإجراءات المنصوص عليها بالقانون الجديد عدم اعتبار ما تم صحيحا من الإجراءات حسب القانون القديم. بل معنى ذلك هو العمل بهذه القواعد فيما يحدث من الإجراءات فى القضايا القائمة الآن، فما لم يقفل فيه باب التحقيق يسار فى تحقيقه وتحصل المحاكمة ويطعن على الحكم الذى يصدر وينفذ حسب قواعد القانون الجديد.
وكذلك ما استؤنفت أحكامه منها يتبع فيه قواعد المحاكمة الاستئنافية المدوّنة بالقانون الجديد.
وحيث إن دعوى المدعى بالحق المدنى قد رفعت مباشرة إلى محكمة الجنح وفقا لحكم المادة 52 من قانون تحقيق الجنايات التى كانت تجيز رفعها على الموظفين وغيرهم بغير قيد فهى مقبولة. وحقه فى قبولها حق مكتسب لا يمكن أن يؤثر عليه قانون ما إلا بنص صريح.
وحيث إنه فضلا عما ذكر فان النيابة العمومية باستئنافها الحكم الصادر بالبراءة قبل صدور قانون 10 مارس سنة 1929 الخاص بحماية الموظفين قد أقامت الدعوى العمومية بالفعل فاستقامت بذاتها وفصلت فيها المحكمة الاستئنافية بالحكم الغيابى قبل صدور هذا القانون.
وحيث إنه لذلك يتعين قبول هذا الطعن ونقض الحكم ورفض دفع المتهم السابق ذكره بصدر هذا الحكم وإحالة القضية على محكمة طنطا الاستئنافية لتفصل دائرة أخرى منها فى الدعويين العموميين والمدنية.

فلهذا

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية لمحكمة جنح طنطا للقضاء فيها مجددا بهيئة استئنافية من دائرة أخرى.


[(1)] راجع أيضا بهذا المعنى أحكام محكمة النقض الصادرة فى 12 ديسمبر سنة 1929 فى القضية رقم 2676 سنة 46 قضائية وفى 27 مارس سنة 1930 فى القضية رقم 827 سنة 47 ق وفى 4 يناير سنة 1932 فى القضية رقم 965 سنة 2 قضائية.