مجموعة القواعد القانونية التى قررتها محكمة النقض والإبرام فى المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الأول (عن المدة بين 8 نوفمبر سنة 1928 وبين 27 فبراير سنة 1930) - صـ 370

جلسة يوم الخميس 14 نوفمبر سنة 1929

برياسة حضرة صاحب السعادة عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة.

(325)
القضية رقم 2413 سنة 46 قضائية

( أ ) جريمة. تعيين تاريخ وقوعها. موضوعى ما دام مبنيا على الواقع الفعلى. متى تتدخل محكمة النقض؟
(المادتان 229 و279 تحقيق)
(ب) خيانة الأمانة جريمة وقتية. مبدأ سريان مدة سقوط الدعوى العمومية بها هو اليوم التالى لحدوثها.
(المادتان 296 عقوبات و279 تحقيق)
(ج) تبديد. تحديد يوم لبيع الأشياء المحجوزة لا يعتبر تاريخا لحادثة التبديد.
(د) حارس متهم بتبديد. الدفع بسقوط الدعوى يأتى من جانبه.
(المادتان 280 عقوبات و279 تحقيق)
(هـ) تبديد. اعتبار تاريخ المحضر أو تاريخ المطالبة تاريخا مبدئيا له.
(المادتان 296 عقوبات و279 تحقيق)
1 - تعيين تاريخ وقوع الجرائم عموما ومنها جريمة خيانة الأمانة هو من الأمور الداخلة فى اختصاص قاضى الموضوع ولا رقابة عليه فى ذلك لمحكمة النقض. غير أن هذا مشروط بأن يبنى القاضى عقيدته فى هذا التعيين على الواقع الفعلى الذى يثبت لديه بالبينة أو يستنتجه من قرائن الدعوى وظروفها لا أن يبنيها على اعتبارات قانونية أو نظرية بحتة ليس بينها وبين الواقع فعلا أى اتصال. فإن فعل غير مراع هذا الشرط فقد خرج بذلك عن دائرة الأمور الموضوعية إلى ميدان المباحث القانونية وعرض عمله لرقابة محكمة النقض.
2 - جريمة خيانة الأمانة هى من الجرائم الوقتية التى تتم وتنقطع بمجرّد اختلاس الشىء المودع أو تبديده. فاليوم التالى لحدوثها هو مبدأ سريان مدة سقوط الدعوى العمومية بها. وعلى قاضى الموضوع أن يحقق تاريخ حدوثها كما يحقق تاريخ حدوث جميع الجرائم الأخرى. وله مطلق الحرّية فى بحث كل ظروف الواقع الفعلى واستخلاص هذا التاريخ منها غير مرتبط فى ذلك لا بمطالبة رسمية ولا غير رسمية من المجنى عليه للجانى بحيث إذا هداه البحث فاعتقد أن الجريمة وقعت قبل أية مطالبة فله أن يقرر ذلك. ومتى أقام الدليل عليه فهو بمعزل عن كل رقابة.
3 - لا يصح اعتبار مجرّد تحديد يوم لبيع الأشياء المحجوزة تاريخا للحادثة ومبدأ لسريان مدّة سقوطها. فإنه ليس بمفهوم عقلا أن مجرّد حلول هذا اليوم فى الدورة الزمنية يستتبع بطبيعته أنه حصلت فيه مطالبة فعلية للحارس بتقديم الأشياء المحجوز عليها وعجز فعلى منه عن تقديمها. بل إن هذا المعنى الذى تقوم به الجريمة هو معنى زائد على مجرّد الحلول الزمنى ومنقطع عنه تمام الانقطاع. فلابد لتحققه فى الواقع وإمكان تقرير القاضى له من دليل خاص يدل عليه.
4 - الأصل أن حارس الحجز - ككل أمين - مكلف بحفظ الشىء إلى وقت طلبه. والدفع بسقوط الدعوى العمومية فى حالة الاختلاس أو التبديد يأتى من جانبه. فعليه هو إذن أن يبين متى حصل الاختلاس أو التبديد. وللنيابة مناقشته فيما يقرره. وعلى القاضى أن يحقق وجه الدفع ويقضى فيه. فإذا قامت أدلة الواقع على أن الحادثة حصلت من قبل الثلاث السنوات السابقة على تاريخ أول إجراء متعلق بالتحقيق لزمه القضاء بالسقوط. وإذا استوت عنده الدلائل فى الناحيتين رجح مصلحة المتهم وقضى بسقوط الدعوى.
5 - إن التبديد لما كان فى العادة معروفا للأمين خافيا على صاحب الشأن فى الوديعة كان تاريخ المحضر أو تاريخ المطالبة وهو تاريخ ظهوره والعلم به معتبرا مبدئيا وبصفة مؤقتة تاريخا له إلى أن يدعى الجانى أسبقية الحادثة عليه ويثبت دعواه أو يتبين القاضى - من تلقاء نفسه - هذه الأسبقية أخذا مما يقوم عنده من دلائل الدعوى وظروفها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المتهم المذكور بأنه فى يوم 9 ديسمبر سنة 1928 بناحية حاجر بنى سليمان مركز بنى سويف اختلس بقرتين وثورا وجاموسة محجوزا عليها قضائيا لصالح على بك سليمان حالة كونه حارسا عليها وطلبت عقابه بالمادة 296 من قانون العقوبات.
ومحكمة جنح بنى سويف الجزئية سمعت هذه الدعوى وقضت فيها حضوريا بتاريخ 21 مارس سنة 1929 وعملا بالمادة المذكورة بحبس المتهم ثلاثة شهور مع الشغل. فاستأنف المحكوم عليه هذا الحكم فى يوم صدوره.
وعند نظر هذا الاستئناف أمام محكمة جنح بنى سويف الاستئنافية دفع الحاضر مع المتهم فرعيا بسقوط الحق فى إقامة الدعوى العمومية لمضى أكثر من ثلاث سنوات من تاريخ 24 فبراير سنة 1923 وهو اليوم الذى كان محددا لبيع الأشياء المحجوز عليها فقضت المحكمة المذكورة بتاريخ 11 يونيه سنة 1929 حضوريا وعملا بالمادة 279 من قانون تحقيق الجنايات بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وسقوط الحق فى رفع الدعوى العمومية لمضى المدة وبراءة المتهم.
وبتاريخ 22 يونيه سنة 1929 طعن حضرة رئيس نيابة بنى سويف فى هذا الحكم بطريق النقض والإبرام وقدّم تقريرا ببيان الأسباب فى اليوم نفسه.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن قدّم وبينت أسبابه فى الميعاد فهو مقبول شكلا.
وحيث إن مبنى الطعن أن الواقعة بحسب ما أثبته الحكم تتحصل فى أن الحجز حصل فى 15 يناير سنة 1923 وتحدّد فيه يوما 24 و25 فبراير سنة 1923 للبيع وأن الحاجز لم يتخذ إجراء ما للبيع فى التاريخ المحدّد بل حدّد له ثانية يوم 9 ديسمبر سنة 1928 وفيه لم يجد المحضر الأشياء المحجوز عليها - أثبتت المحكمة ذلك ثم اعتبرت تاريخ البيع المحدّد أوّلا وهو 24 و25 فبراير سنة 1923 مبدأ لسريان مدّة سقوط الدعوى العمومية وقضت بأنها سقطت لمضى أزيد من ثلاث سنوات على التبديد. وتقول النيابة من جهة إن هذا خطأ فى تطبيق القانون ومن جهة أخرى أن التاريخ الواجب اعتباره مبدأ لسريان مدة سقوط الدعوى هو يوم 9 ديسمبر سنة 1928 الذى حدّد أخيرا للتنفيذ وظهر فيه أن الأشياء لا وجود لها وأنها تبدّدت. وذلك لأن من القواعد أن جريمة خيانة الأمانة تعتبر تامة فى حالة تعذر تعيين تاريخ الاختلاس من تاريخ ظهور عسر المتهم أو توقفه عن رد الشىء بعد طلبه منه أو التنبيه عليه رسميا بردّه، ويبتدئ ميعاد سقوط الدعوى العمومية من هذا التاريخ. ذلك هو مجمل الطعن وطلبات النيابة.
أوّلا - عن الحكم المطعون فيه:
حيث إن تعيين تاريخ وقوع الجرائم عموما ومنها جريمة خيانة الأمانة هو من الأمور الداخلة فى اختصاص قاضى الموضوع ولا رقابة عليه فى ذلك لمحكمة النقض. غير أن هذا مشروط بأن يبنى القاضى عقيدته فى هذا التعيين على الواقع الفعلى الذى يثبت لديه بالبينة أو يستنتجه من قرائن الدعوى وظروفها لا أن يبنيها على اعتبارات قانونية أو نظرية بحتة ليس بينها وبين الواقع فعلا أى اتصال، فإن فعل غير مراع هذا الشرط فقد خرج بذلك من دائرة الأمور الموضوعية إلى ميدان المباحث القانونية وعرض عمله لمراقبة محكمة النقض.
وحيث إن الواقع فى هذه الدعوى أن محكمة الموضوع لم تعين تاريخ ارتكاب الجريمة تعيينا مسندا إلى دليل راجع إلى الواقع فعلا بل عينته بطريق البحث النظرى والرأى القانونى إذ قالت ما حاصله أن الأشياء المحجوزة كان محددا لبيعها يوما 24 و25 فبراير سنة 1923 ولكن الحاجز لم يتخذ فيهما إجراء واستمر ساكتا إلى يوم 9 ديسمبر سنة 1928. فاليوم المحدّد للبيع يعتبر أنه مبدأ سريان المدّة القانونية لسقوط الدعوى العمومية إذ هو يعد مطالبة من الدائن بتقديم تلك الأشياء وقد مضى من فبراير سنة 1923 إلى يوم 9 ديسمبر سنة 1928 الذى تحرر فيه محضر التبديد أزيد من ثلاث سنوات فالدعوى سقطت. ولا شك أن اعتبار المحكمة يوم 24 أو 25 فبراير سنة 1923 المحدّد للبيع مبدأ لسريان المدّة هو اعتبار نظرى لا اتصال بينه وبين حدوث الجريمة بالفعل ولا بينه وبين التاريخ الحقيقى لحدوثها سواء أكان هذا الحدوث قبل 24 و25 فبراير سنة 1923 أو بعدهما. وكذلك قولها إن تحديد يوم للبيع "يعد مطالبة من الدائن بتقديم تلك الأشياء" مع ما فيه من القصور عن البيان - إذ تكملة الفكرة وإنتاجها فى الغرض المسوق له الكلام كان يقتضى أن تضيف المحكمة إلى عبارتها: "وعجزا من الحارس عن" "تقديمها" - قولها هذا هو أيضا استنتاج بطريق الرأى والتحكم على توفر ركن العجز عن رد الأمانة فى ذلك التاريخ إذ هو استنتاج منتزع لا من أمر واقعى يدل على هذا العجز المفيد للتبديد بل من تقدير قانونى لا اتصال بينه وبين ما يكون قائما فى الواقع الخارجى من عجز الحارس عن رد الأمانة أو قدرته على ردها.
وحيث إن لمحكمة النقض - والحال ما ذكر - حق التدخل لبيان ما فى عمل محكمة الموضوع من صواب أو خطأ.
وحيث إن جريمة خيانة الأمانة هى من الجرائم الوقتية التى تتم وتنقطع بمجرد اختلاس الشىء المودع أو تبديده. فاليوم التالى لحدوثها هو مبدأ سريان مدّة سقوط الدعوى العمومية بها. وعلى قاضى الموضوع أن يحقق تاريخ حدوثها كما يحقق تاريخ حدوث جميع الجرائم الأخرى. وله كما أسلفنا مطلق الحرية فى بحث كل ظروف الواقع الفعلى واستخلاص هذا التاريخ منها غير مرتبط فى ذلك لا بمطالبة رسمية ولا غير رسمية من المجنى عليه للجانى بحيث إذا هداه البحث فاعتقد أن الجريمة وقعت قبل أية مطالبة فله أن يقرر ذلك. ومتى أقام الدليل عليه فهو بمعزل عن كل رقابة.
وحيث إن اعتبار محكمة الموضوع أن مجرّد تحديد يوم لبيع الأشياء المحجوزة يعد مطالبة بها فى ذلك اليوم وعجزا عن الرد فيه أى تاريخا للحادثة ومبدأ لسريان مدّة سقوطها هو اعتبار غير صحيح سواء من الوجهة النظرية البحتة أو من الوجهة القانونية. فأما من الوجهة النظرية فإنه استنتاج مما لا يحتمل هذا الاستنتاج إذ كل ما يدل عليه تحديد يوم للبيع هو تحديد يوم للبيع لا أكثر ولا أقل. وكل ما يترتب على حلول اليوم المحدد للبيع هو أن هذا اليوم قد حل فى الزمن لا أكثر ولا أقل. وليس بمفهوم عقلا أن مجرّد حلول هذا اليوم فى الدورة الزمنية يستتبع بطبيعته أنه حصلت فيه مطالبة فعلية للحارس بتقديم الأشياء المحجوز عليها للمحضر وعجز فعلى منه عن تقديمها له. فإن هذا المعنى الذى به تقوم الجريمة هو معنى زائد على مجرّد الحلول الزمنى ومنقطع عنه تمام الانقطاع. ولابدّ لتحققه فى الواقع وإمكان تقرير القاضى له من دليل خاص يدل عليه. وأما من الوجهة القانونية فالقانون ينكره وليس فيه أى نص يقضى باعتبار مجّرد تحديد يوم للبيع وحلول هذا اليوم بدون بيع قرينة على ثبوت ذلك المعنى معنى المطالبة الفعلية والعجز الفعلى عن الرد. وعلى ذلك يكون قضاء المحكمة بسقوط الدعوى العمومية بناءً على تلك الأسباب البعيدة عن إنتاج هذا السقوط هو قضاء فى غير محله ويتعين نقضه.
(ثانيا) عن طلب النيابة:
حيث إن النيابة العامة تقول إن يوم 9 ديسمبر سنة 1928 هو الذى يجب اعتباره تاريخا للاختلاس وتكون الدعوى العمومية لم تسقط. وهى تبنى قولها هذا على قاعدة ذكرتها وأشير اليها آنفا. ثم تطلب تطبيق القانون أى تطلب مع نقض الحكم القضاء بأن الدعوى العمومية لم تسقط.
وحيث إن طلب النيابة لا تمكن إجابتها إليه بالحالة التى عليها الدعوى. لأن القاعدة التى اعتمدت عليها على فرض صحتها وعمومها فإن نصها بحسب ما ذكرته هى يقتضى - لإمكان تطبيقها - أن يبحث قاضى الموضوع مبدئيا عن التاريخ الذى وقع فيه التبديد وأن يكون لبحثه أثر ظاهر فى إجراءات التحقيق وأن يقرر فى حكمه أنه أجرى هذا البحث وعجز عن الاهتداء إلى الحقيقة وليس شىء من ذلك واردا فى بيان الواقعة بحسب ما أثبته الحكم.
وحيث إن الأصل أن حارس الحجز - ككل أمين - مكلف بحفظ الشىء إلى وقت طلبه. والادعاء بسقوط الدعوى العمومية فى حالة الاختلاس أو التبديد هو دفع فى مصلحته يأتى عادة من جانبه هو. وهذا الادعاء يقتضى حتما وبطبيعة الحال أن يبين هو متى حصل الاختلاس أو التبديد. وللنيابة العامة المناقشة فيما يقرره من ذلك مما يريد به إسقاط الدعوى والفرار من العقوبة. فاذا حقق القاضى وجه الدفع هذا بناءً على طلب المتهم أو من تلقاء نفسه وظهر له من أدلة الواقع أن الحادثة حصلت من قبل الثلاث السنوات السابقة على تاريخ أول إجراء متعلق بالتحقيق لزمه القضاء بالسقوط وإلا فلا. أما إذا قامت لديه دلائل على أن التبديد حصل قبل أول إجراء من إجراءات التحقيق بأزيد من ثلاث سنوات ودلائل أخرى على أنه حصل فى غضون هذه الثلاث السنوات واستوت عنده الدلائل فى الناحيتين ولم يستطع الترجيح فهذه حالة شك حكمها ضرورة رعاية مصلحة المتهم والتقرير بسقوط الدعوى. أما تاريخ محضر التنفيذ المثبت للتبديد فى مسائل الحجز وكذلك تاريخ كل مطالبة رسمية أو غير رسمية ظهر على أثرها عجز الأمين عن الرد فلا معول عليه فى مسألة سقوط الدعوى بالمدّة لتعلق هذه المسألة بنفس تاريخ حدوث الجريمة فى الواقع. وغاية ما فى الأمر أن التبديد لما كان فى العادة معروفا للأمين خافيا على صاحب الشأن فى الوديعة فتاريخ المحضر أو تاريخ المطالبة - وهو تاريخ ظهوره والعلم به - يعتبر مبدئيا وبصفة مؤقتة تاريخا له إلى أن يدعى الجانى أسبقية الحادثة عليه ويثبت دعواه أو يتبين القاضى من تلقاه نفسه هذه الأسبقية أخذا مما يقوم عنده من دلائل الدعوى وظروفها.
وحيث إنه يبين من كل ما تقدّم أن محكمة النقض - مع ارتيائها بطلان الحكم لابتنائه على أسباب غير صالحة فى النظر ولا فى القانون - لا تستطيع الأخذ بنظرية النيابة العامة قضية مسلمة والقضاء بأن مدّة سقوط الدعوى العمومية المطروحة الآن لا تبدأ إلا من يوم 9 ديسمبر سنة 1928 الذى هو يوم تحرير محضر التنفيذ وظهور التبديد. بل المتعين عليها هو نقض الحكم وإعادة الدعوى لمحكمة الموضوع لنظرها من جديد سواء من جهة مسألة سقوط الدعوى بالمدة أو من جهة موضوع الدعوى عند الاقتضاء إذا رؤى أنها لم تسقط بالمدة.

فبناء عليه

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة الدعوى لمحكمة الجنح الاستئنافية ببنى سويف لنظرها بهيئة أخرى من جديد سواء من جهة مسألة سقوطها بالمدّة أو من جهة موضوعها عند الاقتضاء.