مجموعة القواعد القانونية التى قررتها محكمة النقض والإبرام فى المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الأول (عن المدة بين 8 نوفمبر سنة 1928 وبين 27 فبراير سنة 1930) - صـ 386

جلسة يوم الخميس 28 نوفمبر سنة 1929

برياسة حضرة صاحب السعادة عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة.

(343)
القضية رقم 2423 سنة 46 قضائية

( أ ) غش المأكولات والأشربة. معناه وأثره فى توقيع العقوبات. الغش فى جنس البضاعة. الغش الواقع على المشترى.
(المادتان 229 و302 عقوبات)
(ب) تغيير وصف التهمة تغييرا يجعلها معاقبا عليها بعد أن كانت غير معاقب عليها. نقض.
(المواد 173 تحقيق و37 و40 تشكيل)
1 - لا يعاقب القانون من عرض للبيع سمنا صناعيا على اعتبار أنه طبيعى. لأن هذا العمل وإن كان غشا ظاهرا إلا أنه ليس مما يدخل فى متناول المادة 302 ع [(1)]، إذ هذه المادة استعملت فى العبارات الثلاث الأولى منها كلمة الغش على معنيين. ففى عبارتها الأولى يقع الغش على ذات المشترى لا فى ذات الصنف المبيع. وغش هذا المشترى الوارد فيها هو بمعنى خدعه وإيهامه بأن صنفا من جنس وطبيعة خاصة هو من جنس وطبيعة أخرى. وهذا أمر معنوى بحت. وأما فى العبارتين الثانية والثالثة فالغش واقع فى ذات الصنف المعدّ للبيع أو المبيع فعلا وهذا أمر مادى بحت. والغش المادى فى الصنف إنما يتحقق بالتغيير فى تركيب الصنف إما بإضافة شىء آخر إليه وإما بانتزاع شىء من أصل عناصره. والنص الفرنسى لتلك العبارات أجلى فى إفادة هذين المعنيين إذ هو استعمل فى العبارة الأولى كلمة tromper وفى العبارتين الثانية والثالثة كلمة falsifier ولا غش على أى من هذين المعنيين فى المسألة المعروضة. إذ المعنى الأوّل tromperie لا يتحقق - كما هو صريح نص العبارة الأولى - إلا إذا كان قد وقع البيع فعلا بيعا أوهم فيه المشترى بأن السمن الذى اشتراه فعلا هو سمن طبيعى لا سمن صناعى ولم يقع من هذا شىء. والمعنى الثانى لا يتحقق أيضا لأن السمن المعروض للبيع ليس سمنا طبيعيا مخلوطا بمواد أخرى أو منتزعة منه بعض عناصره وإنما هو سمن صناعى لا علاقة بينه وبين السمن الطبيعى، بل هو من جنس وطبيعة غير جنس السمن الطبيعى وطبيعته.
2 - ليس للمحكمة الاستئنافية أن تغير وصف التهمة المرفوعة لها على وجه يخرج الواقعة التى هى محل اتهام من أن تكون غير معاقب عليها قانونا إلى أن تكون معاقبا عليها. فمثلا إذا كانت التهمة المرفوعة لها هى مجرد عرض سمن صناعى للبيع على اعتبار أنه سمن طبيعى فهى لا تملك تغيير وصف هذه التهمة فتجعلها بيعا فعلا. فإن هى فعلت فإنها تكون قد تجاوزت حد سلطتها، إذ التهمة على الوصف الجديد هى تهمة أخرى ينبغى أن ترفع بها دعوى خاصة تأخذ سيرها القانونى ويدافع فيها المتهم عن نفسه أمام الدرجتين.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنة المذكورة بأنها فى يوم 29 فبراير سنة 1928 بدكرنس عرضت للبيع بالسوق العمومى مسليا صناعيا على اعتبار أنه مسلى طبيعى دون أن تبين ذلك للمشترى. وطلبت عقابها بالمادة 302 من قانون العقوبات.
ومحكمة جنح دكرنس الجزئية سمعت هذه الدعوى وأصدرت فيها حكما حضوريا بتاريخ 26 يونيه سنة 1928 وعملا بالمادة 172 من قانون تحقيق الجنايات ببراءة المتهمة مما أسند إليها.
فاستأنفت النيابة هذا الحكم فى ثانى يوم صدوره.
ومحكمة جنح المنصورة الاستئنافية سمعت هذا الاستئناف وقضت فيه حضوريا بتاريخ 26 سبتمبر سنة 1928 وعملا بالمادة 302 من قانون العقوبات بقبوله شكلا وفى الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وتغريم المتهمة خمسمائة قرش على اعتبار أنها فى الزمن والمكان المتقدّم ذكرهما باعت بالسوق سمنا صناعيا على أنه طبيعى فى حين أنه مسلى صناعى.
فطعنت المحكوم عليها على هذا الحكم بطريق النقض والإبرام فى 4 أكتوبر سنة 1928. وقدّم حضرة المحامى عنها تقريرا ببيان الأسباب فى 7 منه.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن قدّم وبينت أسبابه فى الميعاد فهو مقبول شكلا.
وحيث إن مبنى الوجه الأوّل أن المادة 302 عقوبات المحكوم بموجبها إنما تعاقب على عرض المأكولات المغشوشة أو المتعفنة أو الفاسدة للبيع والطاعنة إنما عرضت للبيع سمنا صناعيا لم يثبت أنه غير مصرح ببيعه.
وحيث إن الطاعنة لم تتهم ببيعها سمنا صناعيا ولا ببيعها سمنا صناعيا غير مصرح ببيعه. بل التهمة التى عوقبت من أجلها هى أنها عرضت للبيع بالسوق العمومى مسليا صناعيا على اعتبار أنه مسلى طبيعى "دون أن تبين ذلك للمشترى".
وحيث إن مما لا شك فيه أن علمها بأن المسلى صناعى وإخفاءها هذه الحقيقة عند عرضها الصنف للبيع هو غش ظاهر. ولكن ما دامت التهمة هى مجرّد عرض للبيع لا بيع فعلى فهى مما قد تتناوله العبارة الثالثة فى المادة 302 عقوبات التى تنص على عقاب من "باع أو عرض للبيع شيئا من الأشربة والجواهر والغلة" "وغيرها من أصناف المأكولات والأدوية مع علمه أنها مغشوشة". وإذن يلزم تحديد معنى الغش المفهوم فى كلمة "مغشوشة" الواردة بهذه العبارة.
وحيث إن العبارات الثلاث الأولى من تلك المادة استعملت كلمة الغش. ولكن واضح من السياق أن الغش فى العبارة الأولى واقع على المشترى لا على الصنف المبيع فهو فيها بمعنى خدع هذا المشترى وإيهامه بأن صنفا من جنس وطبيعة خاصة هو من جنس وطبيعة أخرى، وهذا أمر معنوى بحت. وأما فى العبارتين الثانية والثالثة فهو واقع فى الصنف المعدّ للبيع أو المبيع، وهذا أمر مادى بحت. والنص الفرنسى لتلك العبارات أجلى فى إفادة هذا المعنى إذ هو استعمل فى العبارة الأولى كلمة (tromper) وفى العبارتين الثانية والثالثة كلمة (falsifier).
وحيث إن هذا الغش المادى فى الصنف (falsification) إنما يتحقق بالتغيير فى تركيب الصنف فيكون إما بإضافة شىء آخر إليه وإما بانتزاع شىء من أصل عناصره.
وحيث إن الواقع فى هذه الدعوى هو أن الطاعنة لم تعرض للبيع سمنا طبيعيا مخلوطا بمواد أخرى أو منتزعة منه بعض عناصره وإنما هى عرضت مسليا صناعيا لا علاقة بينه وبين المسلى الطبيعى بل هو من جنس وطبيعة غير جنس المسلى الطبيعى وطبيعته. فهو إذن لا تكون ارتكبت غشا (falsification) مما تتناوله العبارة الثالثة من المادة. بل الغش الذى ارتكبته هو (tromperie) مما كان يمكن انطباقه على العبارة الأولى من المادة لو تحققت شروط انطباقها. وهى لا تتحقق كما هو صريح نصها إلا إذا كان قد وقع البيع فعلا بيعا أوهم فيه المشترى بأن المسلى الذى اشتراه فعلا هو مسلى طبيعى صناعى. وهذا شىء لم ترفع به الدعوى.
وحيث إن الغش الذى وقع من الطاعنة ورفعت به الدعوى وإن كان مما يؤسف له إلا أنه لا يدخل فى متناول المادة 302 ولا أى نص آخر من نصوص قانون العقوبات. والأمر فى العقاب عليه يحتاج الى تشريع جديد لمساس الحاجة إليه.
وحيث إن التهمة التى رفعت من أجلها الدعوى وإن كانت تنحصر فى عرض الصنف للبيع لا فى بيعه فعلا إلا أن المحكمة الاستئنافية أثبتت فى حكمها أنه قد حصل بيع فعلا لمن يدعى أحمد أحمد الخضرى وأن الطاعنة أوهمته بأن المسلى الصناعى الذى باعته له هو مسلى طبيعى. وبناء على ما أثبتته من هذا فقد أوقعت العقاب عليها بمقتضى المادة 302. وظاهر من ذلك أن المحكمة الاستئنافية قد غيرت وصف التهمة فجعلتها غشا فى بيع فعلى بعد أن كانت التهمة المحكوم فيها ابتدائيا والمرفوعة لها للنظر فيها هى مجرّد عرض الصنف لا بيعه فعلا.
وحيث إن تغيير المحكمة الاستئنافية لوصف التهمة على الوجه المذكور الذى أخرج الواقعة من أن تكون غير معاقب عليها قانونا إلى أن تكون معاقبا عليها بنص الفقرة الأولى من المادة 302 عقوبات هو تغيير لا تملكه المحكمة الاستئنافية. وإثباتها إياه فيه تجاوز لحدّ سلطتها مبطل لحكمها إذ التهمة على الوصف الجديد هى تهمة أخرى ينبغى أن ترفع بها دعوى خاصة تأخذ سيرها القانونى وتدافع فيها المتهمة عن نفسها أمام الدرجتين.
وحيث إن هذا العيب وإن لم تذكره الطاعنة صراحة فى طعنها إلا أنه مستفاد من تمسكها فى هذا الطعن بأن تهمتها إنما هى عرضها للصنف وأن هذا العرض لا عقاب عليه.
وحيث إنه باستبعاد تغيير الوصف الذى أجرته المحكمة الاستئنافية وما يترتب عليه من الحكم يكون الباقى فى التهمة هو مجرّد العرض الذى أشرنا إلى أنه غير معاقب عليه قانونا.
وحيث إن المتعين الآن على هذه المحكمة هو نقض الحكم وبراءة الطاعنة من تهمة عرضها الأشياء. والنيابة العامة وشأنها فيما قد تدعيه على الطاعنة من أنها باعت فعلا بيعا معاقبا عليه.

فبناء عليه

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وبراءة الطاعنة من التهمة الأصلية وهى عرضها للبيع مسليا صناعيا على اعتبار أنه مسلى طبيعى.


[(1)] ترى المحكمة أن الحاجة ماسة إلى وضع تشريع جديد يعاقب على مثل هذا الغش.