مجموعة القواعد القانونية التى قررتها محكمة النقض والإبرام فى المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الأول (عن المدة بين 8 نوفمبر سنة 1928 وبين 27 فبراير سنة 1930) - صـ 425

جلسة يوم الخميس 9 يناير سنة 1930

برياسة حضرة صاحب السعادة عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة.

(376)
القضية رقم 80 سنة 47 قضائية

( أ ) إتلاف مزروعات. الفرق بين الفقرتين الأولى والثالثة من المادة 321 عقوبات.
(ب) حكم بعقوبة فى جريمة إتلاف. لا داعى لبيان الطريقة التى حصل بها الإتلاف مع ذكر حصوله فعلا.
(جـ) إتلاف. حصوله من أشخاص يحمل أحدهم سلاحا. البيانات اللازمة ذكرها بالحكم.
(المادتان 322 عقوبات و149 تحقيق)
1 - إن الفقرة الأولى من المادة 321 عقوبات هى التى تنطبق على الإتلاف الواقع بمجموعة من النبات سواء أكانت تلك المجموعة شجيرات صغيرة من أى نوع تكون أم كانت زروعا من ذوات المحاصيل أو هى نفسها محاصيل كالغلال والبرسيم والخضر أو ثمارا على أشجارها أو ما ماثل ذلك من أنواع النبات. وذلك بقطع النظر عن طريقة الإتلاف وعما إذا كان الإتلاف أماتها فعلا أو لم يمتها لأن الإماتة غير ملحوظة للشارع فى هذه الفقرة.
وأما الفقرة الثالثة فتطبق على الإتلاف المميت الواقع بصنف الأشجار وبطعوم الأشجار وبالنباتات التى هى من قبيل الأشجار وللواحدة منها قيمة تذكر، ولا يلزم فيه أن يكون واقعا على مجموعة بل يكفى أن يكون واقعا ولو على فرد واحد.
2 - يكفى أن يثبت بالحكم الصادر بالعقوبة فى جريمة الإتلاف حصول الإتلاف فعلا. ولا ضرورة لبيان الطريقة التى حصل بها.
3 - يشترط لتطبيق المادة 322 عقوبات - فى حالة اشتراك شخصين يحمل أحدهما سلاحا - أن تذكر فى الحكم العناصر المكوّنة للجريمة كما هى الحال فى جميع المسائل الجنائية. فاذا لم تذكر فى الحكم واقعة حمل السلاح إلا بإشارة بسيطة فى نص التهمة مما لا يتسنى معه لمحكمة النقض معرفة مَن مِن الفاعلين كان يحمل السلاح وما هى الآلة التى اعتبرها الحكم سلاحا كان ذلك قصورا واضحا يستوجب نقض الحكم.

الوقائع

اتهمت النيابة الطاعن المذكور بأنه هو وعبد السلام العوضى فى ليلة 20 أبريل سنة 1929 الموافق 10 القعدة سنة 1347 بأراضى ناحية صافور أتلفا زراعة بصل لإسماعيل إسماعيل القصاص حالة كون الطاعن يحمل سلاحا "بندقية"، وكان الإتلاف بواسطة جذب الشجيرات باليد. وطلبت معاقبتهما بالمادتين 321 فقرة أولى و322 فقرة ثانية من قانون العقوبات.
وادعى المجنى عليه مدنيا بمبلغ عشرة جنيهات تعويضا.
ومحكمة جنح السنبلاوين الجزئية سمعت هذه الدعوى وحكمت فيها حضوريا بتاريخ 18 يوليه سنة 1929 عملا بالمادتين المذكورتين بحبس كل من المتهمين ستة شهور مع الشغل وبإلزامهما متضامنين بأن يدفعا للمدعى بالحق المدنى مبلغ ستمائة قرش والمصاريف المدنية المناسبة.
فاستأنف المتهمان هذا الحكم فى يوم صدوره.
ومحكمة المنصورة الابتدائية بهيئة استئنافية نظرت هذا الاستئناف وقضت فيه حضوريا بتاريخ 11 سبتمبر سنة 1929 بقبوله شكلا وبرفضه موضوعا وتأييد الحكم المستأنف والزمت المتهمين بالمصاريف المدنية.
فقرر الطاعن بالطعن فى هذا الحكم بطريق النقض والإبرام فى 26 سبتمبر سنة 1929 وقدّم حضرة المحامى عنه تقريرا بالأسباب فى 28 منه.

المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن قدّم وتلاه بيان الأسباب فى الميعاد فهو مقبول شكلا.
وحيث إنه يتعين رفض الوجه الأوّل لأن كلمة "أتلف" واضحة الدلالة على معناها فيكفى أن يثبت فى الحكم حصول الإتلاف حتى لا تبقى ضرورة لبيان الطريقة التى توصل بها الفاعلون إلى هذه النتيجة المستوجبة للعقاب. على أنه - مع ذلك - قد أشير صراحة بنص التهمة إلى أن الإتلاف حصل بالجذب باليد.
وحيث إنه بتفهم الوجه الثانى وجد أنه يجب وضعه كما يلى: إنه ما دامت الواقعة التى أثبتها الحكم المطعون فيه لا يمكن أن تقع تحت نص الفقرة الأولى من المادة 321 من قانون العقوبات بل هى مما تتناوله الفقرة الثالثة من المادة المذكورة فمن الخطأ اعتبار المحكمة للظرف المشدّد المنصوص عنه فى المادة 322، إذ هذه المادة لا يمكن تطبيقها فى الحالة المنصوص عنها فى الفقرة الثالثة من المادة 321.
وحيث إنه متى وضع الوجه على هذه الصورة الجلية فالرد عليه واضح وهو أن نظر الطاعن يكون صحيحا متى كان الأساس الذى بنى عليه صحيحا أيضا. أى متى كانت الوقائع موضوع المحاكمة لا تقع حقيقة تحت نص الفقرة الأولى من المادة 321 التى طبقها الحكم المطعون فيه بالفعل. وتعرّف ذلك مترتب على حل مسألة تستلزم شيئا من التمعن.
وحيث يلوح أن الطاعن يريد أن يقول إن الفعل المنسوب له هو جذب البصل باليد وإن هذا الجذب باليد هو الاقتلاع وإن كلمة "الاقتلاع" لم ترد بالنص العربى إلا بالفقرة الثالثة فهو إذن يدعى أن البصل المنسوب له اقتلاعه لا يدخل لا ضمن الشجر أو المغروسات أو النبات (plantes ou plantation) المنصوص عنها فى الفقرة الأولى بل ولا ضمن الزروع (récoltes) الواردة بها وإنما يجب اعتباره ضمن "نبات" (plantation) الذى تنص عليه الفقرة الثالثة لأنه فى الواقع نبات وقد اقتلع.
وحيث إنه قد يظن لأوّل وهلة أن فى عبارة هاتين الفقرتين شيئا من الخلط لأنه بينما الفقرة الأولى من النسخة الفرنسية تنص على النبات والغراس (plantes ou plantation) عقب نصها على المحصولات القائمة على سوقها (récoltes sur pied) وشأنها فى ذلك شأن المادة 444 من قانون العقوبات الفرنسى والمادة 535 من قانون العقوبات البلجيكى إذا بالفقرة الثالثة تعود فتنص هى أيضا على الغراس (plantation) ولم تقتصر على الأشجار والطعوم كما فعلت المادتان المقابلتان لها وهما 444 فرنسى و535 بلجيكى. وبينما النسخة الفرنسية المذكورة تنص على ذلك إذا بالنسخة العربية تستعمل فى الفقرة الأولى كلمة "زرع" مقابل كلمة (récoltes) وكلمة "شجر" مقابل كلمة (plantes) وكلمة "نبات" مقابل كلمة (plantation) ثم تستعمل فى الفقرة الثالثة كلمة "اقتلاع" مقابل كلمة (abattre) وكلمة "نبات" أيضا مقابل كلمة (plantation) وعبارة "ليميتها" مقابل عبارة (de manière à les faire périr) وعبارة "طعمة فى شجر" مقابل عبارة (une ou plusieurs greffes) وفى ذلك ما فيه من عدم الدقة فى تخير الألفاظ التى تجعل المطابقة تامة بين عبارة النصين العربى والفرنسى. كما أن فيه على الأخص من تكرير لفظ (plantation) فى الفرنسية ولفظ "نبات" (والأصح غراس) فى العربية ما يدعو إلى الحيرة فى معرفة الفوارق بين المعانى التى أرادت المادة المذكورة أن تضعها لهذا التعبير الواحد (plantation) "نبات" بحسب استعماله فى الفقرة الأولى أو الثالثة.
وحيث إنه يوجد فارقان جوهريان الأوّل أن الفقرة الثالثة تنص على الاجتثاث أو الإتلاف الذى يؤدى بالشجرة أو النبات حتما إلى الموت، وهذا يستلزم فى كلتا الحالتين هلاكهما بالكلية. يدل لذلك استعمال النسخة العربية للفظ "اقتلاع" والاقتلاع اجتثاث مهلك لحياة المغروس واستعمال النسخة الفرنسية للفظ (abattre) ومعناه القطع المبيد للحياة ثم استعمال النسخة الفرنسية فى بيان قيد أعمال الإتلاف الأخرى التى ليست اجتثاثا عبارة (de manière à les faire périr) أى "بكيفية تميتها" لا "ليميتها" كما تقول النسخة العربية. أما الفقرة الأولى فتنص على مجرد القطع أو الإتلاف فهى تشير إلى الضرر الذى يقع فى حدّ ذاته بقطع النظر عما إذا كان هذا الضرر يؤدى أوْ لا يؤدّى إلى هلاك النبات بالكلية. فقد تقطع فروع الشجيرات الصغيرة من شجيرات الفاكهة أو من غيرها أو قد يمثل بها بحيث يشوّه شكلها أو يؤدّى ذلك إلى اضمحلالها مع بقائها حية. كما أن بعض الشجيرات يمكن قطعها أو نزع قشرتها ولكنها تنبت من الساق ثانية. وقد يمكن فى زراعة كزراعة طماطم مثلا أن يقطف جانب كبير من ثمارها قبل أن ينضج تماما أو قبل أن تبلغ حجمها المعتاد وذلك بغير نية الاستيلاء على هذه الثمار بل بقصد الإساءة ليس إلا. فكل تلك الصور وأشباهها هى مما لا تنطبق عليه سوى الفقرة الأولى وإن كان قد يترتب على هذه الأفعال موت النبات من أى صنف كان. ولكن ظرف الموت هذا غير جوهرى والشارع لم يقصده بالذات لتطبيق الفقرة الأولى. أما الفقرة الثالثة فإن تطبيقها يقتضيه لأنه فيها الظرف الجوهرى المقصود بالذات.
والفارق الثانى بين الفقرتين هو أن الأولى تشير إلى المجاميع (collectivités) حالة أن الثالثة تشير إلى الوحدات. لأن الفقرة الأولى إذ نصت على "الزرع" وهو اسم جمع وبالنسخة الفرنسية (récolte) وهو اسم جمع أيضا وعلى "الشجر" بصيغة الجمع وبالفرنسية (plantes) بصيغة الجمع أيضا قد أفادت أن كلمة "النبات" فيها مستعملة لإفادة معنى المجموعة من النبات لا معنى النباتة الواحدة. ثم دلت بسياقها هذا دلالة لا نزاع فيها على أن المقصود بها هو حماية المجاميع النباتية كالتى تشاهد فى غيط قطن أو قمح أو فول أو فى مزرعة بصل أو خضار آخر أو كالشجيرات التى تشاهد فى مشتل أو حديقة زهور مثلا أو كالثمار التى تشاهد على أشجار الفاكهة من بلح وعنب وبرتقال مثلا - دلت على هذا كما دلت على أن إتلاف هذه النباتات لا يمكن القول به إلا إذا تناول منها كمية وافرة ذات شأن يذكر. أما إذا لم يتناول ضرر الإتلاف إلا شجيرة واحدة من المجموعة أو شتلة واحدة أو كان منحصرا فى قلع عود من القمح مثلا أو جملة عيدان لا تذكر فان الفقرة المذكورة لا تنطبق. وبلوغ الكمية المتلفة حدّ الوفرة التى لها شأن يذكر أمر متروك لتقدير قاضى الموضوع ورأيه. أما الفقرة الثالثة فانها إذ وردت فيها عبارة "شجرة أو أكثر" وورد فى نصها الفرنسى "طعمة واحدة أو أكثر" فان سياق تعبيرها هذا يشير إلى أن حكمها يتناول أيضا إتلاف الوحدة الواحدة من مدلول كلمة "نبات آخر" المستعملة فيها وتكون الفقرة المذكورة برمتها إذن موضوعة لتتناول أضرار الإتلاف ولو كانت تلك الاضرار لاحقة بفرد واحد فقط من النباتات المنصوص عليها فيها بشرط أن يؤدى إلى موت هذا النبات الفرد وبشرط آخر يفهم من مقارنة عبارات النص وهو أن يكون النبات المتلف شجرا (وهو عند النباتيين وفى عرف الجمهور كل نبات ذى ساق خشبية ترتفع عن الأرض بعض الارتفاع) أو يكون من قبيل الأشجار له أجزاء تقطع وقشرة تنزع ذلك الشرط الذى ينتفى معه إمكان تطبيق هذه الفقرة على الإتلاف الحاصل بوحدات متفرقة لا تذكر من عيدان القمح أو الغلال الأخرى مثلا.
وحيث إن هذا الفارق الأخير المتعلق بمدى التلف ونطاقه وهو الذى يدل عليه المنطق السليم والنصوص المصرية ذاتها متى فهمت حق فهمها - هذا الفارق يؤيده الأصل الذى أخذت عنه هذه النصوص وهو القانون الفرنسى والبلچيكى، إذ فيهما يعاقب على الإتلاف الحاصل للزروع ذات المحاصيل وما ماثلها من أنواع الغراس بعقوبة واحدة حالة أن التعدى على الأشجار والطعمة يجازى عليه بعقوبات تتعدّد بتعدد الشجر والطعوم التى صار إتلافها. فاذا كان الشارع المصرى لم يشأ مجاراة شدّة القانون الفرنسى والبلچيكى فى تعدد العقوبة ورأى إلحاق بعض أنواع النبات بالأشجار والطعوم فانه لا شك قد استبقى المبدأ الذى جرى عليه القانونان المذكوران فيما يتعلق بالتفرقة واحتذاه. ولا مناص من التسليم بأنه استبقاه بمعناه فى ذينك القانونين وهو التمييز بين "المجموع أو الطائفة" (groupe) وبين الوحدة (unité). ويكون حاصل كل ما تقدم أن الفقرة الأولى تنطبق على الإتلاف الواقع بمجموعة من النبات سواء أكانت تلك المجموعة شجيرات صغيرة من أى نوع تكون أم كانت زروعا من ذوات المحاصيل أو هى نفسها محاصيل كالغلال والبرسيم والخضر أو ثمارا على أشجارها أو ما ماثل ذلك من أنواع النبات. وهذا كله بقطع النظر عن طريقة الإتلاف وعما إذا كان الإتلاف أماتها فعلا أو لم يمتها لأن الإماتة غير ملحوظة للشارع فى هذه الفقرة. وأما الفقرة الثالثة فتطبق على الإتلاف المميت الواقع بصنف الأشجار وبطعوم الأشجار وبالنباتات التى هى من قبيل الأشجار وللواحدة منها قيمة تذكر ولا يلزم فيه أن يكون واقعا على مجموعة بل يكفى أن يكون واقعا ولو على فرد واحد.
وحيث إنه بناء على ذلك يكفى ما أثبته الحكم المطعون فيه من إتلاف زراعة البصل - وهى مجموعة وافرة من الزرع ذى المحصول - للدلالة على أن الواقعة تقع تحت نص الفقرة الأولى لا الثالثة من المادة 321؛ ومن ثم تكون مما ينطبق عليه الظرف المشدّد المنصوص عنه فى المادة 322 من قانون العقوبات.
وحيث إن الوجه الثالث لا أساس له لأن الحكم نص فيه على المواد والفقرات التى طبقت.
وحيث إن الوجه الخامس يرد عليه أن الطاعن حكم عليه كفاعل أصلى مع فاعل أصلى آخر وأنه بناء على ذلك لم يكن هناك محل للتمييز بين فاعل وشريك.
وحيث إنه فيما يتعلق بالوجه الرابع يشترط لتطبيق المادة 322 فى حالة اشتراك شخصين يحمل أحدهما على الأقل سلاحا أن تذكر فى الحكم العناصر المكوّنة للجريمة كما هو الحال فى جميع المسائل الجنائية. وبما أن واقعة حمل السلاح لم تذكر فى الحكم المطعون فيه إلا باشارة بسيطة فى نص التهمة مما لا يتسنى معه لمحكمة النقض معرفة من مِن الفاعلين كان يحمل السلاح وما هى الآلة التى اعتبرها الحكم سلاحا يستوجب تطبيق المادة 322 المذكورة وهذا قصور واضح يتعين معه قبول هذا الوجه الرابع.

فبناء عليه

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة الدعوى لمحكمة الجنح الاستئنافية بالمنصورة للقضاء فيها ثانية من دائرة أخرى.