مجموعة القواعد القانونية التى قررتها محكمة النقض والإبرام فى المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثانى (عن المدة بين 6 مارس سنة 1930 وبين 31 أكتوبر سنة 1932) - صـ 16

جلسة 17 أبريل سنة 1930

برياسة حضرة صاحب العزة كامل إبراهيم بك وكيل المحكمة وحضور حضرات مسيو سودان وأصحاب العزة زكى برزى بك وأحمد أمين بك وحامد فهمى بك المستشارين.

(24)
القضية رقم 292 سنة 47 القضائية

مجرمون أحداث. التأديب بالضرب والإرسال إلى الإصلاحية. الحكم بهما. الطعن فيه بطريق النقض. جوازه.
(المادتان 61 عقوبات و229 تحقيق)
التأديب بالضرب عقوبة والإرسال للإصلاحية عقوبة، ولكنهما عقوبتان خاصتان بفريق من الناس هم الأحداث؛ ويجوز الطعن بطريق النقض والإبرام فى الأحكام الصادرة بهذه العقوبات فى مواد الجنح والجنايات [(1)].
الطعن المقدّم من عبد الجوّاد مهران وآخرين ضدّ النيابة فى القضية رقم 396 سنة 29 قضائية جلسة 28 ديسمبر سنة 1912.


الوقائع

اتهمت النيابة المركزية بقسم الإفرنج ببور سعيد هؤلاء المتهمين باعتيادهم على التسوّل بالطرق والمحلات العمومية وقد ضبطوا أخيرا يوم 8/ 9/ 1912 بقسم الإفرنج. وطلبت عقابهم بالمواد 2/ 1 من القانون نمرة 2 الخاص بالمتشرين الأحداث الصادر فى 9 مايو سنة 1908 وقرار الحقانية الصادر فى 25 أبريل سنة 1909.
ومحكمة قسم الإفرنج المركزية حكمت بتاريخ 21 سبتمبر سنة 1912 عملا بالمواد الأولى والثانية والثامنة من الأمر العالى الرقيم 9 مايو سنة 1908 وقرار نظارة الحقانية الصادر فى 16 مايو سنة 1909 حضوريا بإرسال جميع المتهمين لإصلاحية الأحداث لمدة ثلاث سنوات وأعفتهم من المصاريف.
فاستأنف المتهمون هذا الحكم يوم صدوره "21 سبتمبر سنة 1912".
ومحكمة الزقازيق الأهلية بهيئة استئنافية حكمت بتاريخ 14 أكتوبر سنة 1912 حضوريا بقبول الاستئناف شكلا وقبل الفصل فى الموضوع بتكليف النيابة بإعلان جناب مأمور قسم الإفرنج ببور سعيد شاهدا لسؤاله فيما هو لازم. وبعد إعلانه وسؤاله حكمت فى الموضوع بتاريخ 21 أكتوبر سنة 1912 عملا بالمادة الأولى فقرة أولى والمادة الثانية من الأمر العالى الصادر فى 9 مايو سنة 1909 حضوريا بتعديل الحكم المستأنف وبارسال المتهمين إلى مدرسة الإصلاحية وأضافت المصاريف على جانب الحكومة.
وبتاريخ 22 أكتوبر سنة 1912 قرّر المحكوم عليهم بالطعن فى هذا الحكم بطريق النقض والإبرام وفيه قدّم الأول والثانى والخامس والسادس والتاسع والثانى عشر تقريرا بأسباب طعنهم والباقون لم يقدّموا أسبابا لطعنهم.


المحكمة

بعد سماع طلبات النيابة العمومية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
حيث إن الطاعنين لم يحكم عليهم بعقوبة بمعناها الحقيقى لأنهم بسبب صغر سنهم قد قررت المحكمة بارسالهم فقط لإصلاحية الأحداث. وهذه الطريقة ليست داخلة ضمن البيان الرسمى للعقوبات الأصلية أو العقوبات التبعية كما هى مقررة فى القانون. ومن جهة أخرى فانه ليس لها نفس النتائج المترتبة على العقوبة الحقيقية من جهة العود أو العقوبات المعلق تنفيذها على شرط الخ. وفضلا عن ذلك فان نص المادة 61 عقوبات قد ميزتها صراحة عن العقوبات بمعناها الخاص بها إذ قضت تلك المادة بجواز تسليم المتهم الصغير إلى أهله أو تأديبه تأديبا جثمانيا أو إرساله إلى مدرسة إصلاحية "بدل الحكم عليه بالعقوبة المقررة قانونا".
وحيث إنه طبقا للمبادئ القضائية المقررة بحسب تفسير المادة 229 من قانون تحقيق الجنايات لا يعطى الحق بالطعن فى الأحكام بطريق النقض والإبرام إلا لمن يحكم عليه بعقوبة حقيقية.
الطعن المقدّم من نعيمة عبد المجيد يوسف وعمرها 14 سنة ضدّ النيابة العامة.


الوقائع

اتهمت النيابة الطاعنة المذكورة بأنها فى يوم 8 مايو سنة 1929 بدائرة قسم السيدة اتجرت فى المواد المخدّرة (هوريين) فى غير الأحوال المصرح بها قانونا. وطلبت عقابها بالمواد 1 و2 و35 و40 و41 و45 من قانون المواد المخدّرة رقم 21 سنة 1928 ومحكمة جنح أحداث مصر سمعت هذه الدعوى وحكمت فيها حضوريا بتاريخ 22 يوليه سنة 1929 وعملا بالمواد المذكورة مع تطبيق المادة 61 عقوبات نظرا لصغر سن المتهمة بارسالها إلى مدرسة الإصلاحية لمدّة خمس سنوات مع مصادرة المواد المخدّرة.
استأنفت المتهمة هذا الحكم فى يوم صدوره، واستأنفته النيابة أيضا فى 24 يوليه سنة 1929.
ومحكمة مصر الابتدائية بعد نظرها هذين الاستئنافين قضت فيهما حضوريا بتاريخ 26 أكتوبر سنة 1929 بقبولهما شكلا وبرفضهما موضوعا وتأييد الحكم المستأنف.
فطعنت المحكوم عليها فى هذا الحكم بطريق النقض والإبرام بتاريخ 5 نوفمبر سنة 1929 وقدم حضرة المحامى عنها تقريرا بالأسباب فى 12 منه.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على أوراق القضية والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن قدّم وتلاه بيان الأسباب فى الميعاد القانونى فهو مقبول شكلا.
وحيث إن النيابة العمومية دفعت بعدم قبول الطعن بحجة أن الطعن بطريق النقض والإبرام لا يجوز طبقا للمادة 229 من قانون تحقيق الجنايات إلا فى الأحكام الصادرة بعقوبة والحكم المطعون فيه إنما قضى بارسال نعيمة عبد المجيد إلى مدرسة إصلاحية لمدّة خمس سنوات والإرسال للإصلاحية ليس بعقوبة بالمعنى الحقيقى.
وحيث إن محكمة النقض سبق أن أخذت بهذه النظرية بحكمها الصادر بتاريخ 28 ديسمبر سنة 1912 فى القضية نمرة 105 سنة 1912 - 1913 المقيدة بجدول المحكمة تحت نمرة 396 سنة 29 قضائية مستندة إلى أن الحكم الذى كان مطعونا عليه فى القضية المذكورة "لم يصدر بعقوبة بمعناها الحقيقى لأنه بسبب صغر سنّ" "الطاعنين قد قررت محكمة الموضوع بإرسالهم فقط لإصلاحية الأحداث." "وهذه الطريقة ليست داخلة ضمن البيان الرسمى للعقوبات الأصلية أو العقوبات" "التبعية كما هى مقررة فى القانون. ومن جهة أخرى فإنه ليس لها نفس النتائج" "المترتبة على العقوبة الحقيقية من جهة العود أو العقوبات المعلق تنفيذها على" "شرط الخ. وفضلا عن ذلك فإن نص المادة 61 عقوبات قد ميزتها صراحة" "عن العقوبات بمعناها الخاص بها إذ قضت تلك المادة بجواز تسليم المتهم" "الصغير إلى أهله أو تأديبه تأديبا جثمانيا أو إرساله إلى مدرسة إصلاحية" "(بدل الحكم عليه بالعقوبة المقررة قانونا). وأنه طبقا للمبادئ القضائية المقررة" "بحسب تفسير المادة 229 من قانون تحقيق الجنايات لا يعطى الحق بالطعن" "فى الأحكام بطريق النقض والإبرام إلا لمن يحكم عليه بعقوبة حقيقية".
وحيث إن هذه المحكمة - محكمة النقض - قضت أخيرا بتاريخ 11 أبريل سنة 1929 فى القضية رقم 617 سنة 1929 المقيدة بجدولها بنمرة 1205 سنة 46 قضائية فى الطعن المقدّم من منصور حسن مبارك البالغ من العمر 15 سنة عن الحكم الصادر عليه بارساله لإصلاحية الأحداث لمدّة سنتين "بقبول الطعن شكلا" وإنها وإن قضت برفضه موضوعا ولكنها لم تتعرّض لبحث مثل هذا الدفع الذى دفعت به النيابة فى هذه الدعوى الحالية فلم تناقش أسباب قضائها السابق.
وحيث إن نص المادة 229 من قانون تحقيق الجنايات هو "يجوز لكل" "من أعضاء النيابة العمومية والمحكوم عليه والمسئول عن الحقوق المدنية والمدعى" "بها فيما يختص بحقوقهما فقط أن يطعن فى أحكام آخر درجة الصادرة فى مواد" "الجنايات أو الجنح".
وحيث إنه لم يرد فى هذا النص أن الطعن بطريق النقض لا يكون إلا فى حالة الحكم "بعقوبة الجنايات أو الجنح" بل "فى أحكام آخر درجة الصادرة فى مواد الجنايات أو الجنح" ولا شك أن الحكم فى الحالة المطروحة للبحث صادر فى مادة جنحة.
وحيث إنه إذا قيل إن كلمة "القانون" الواردة فى الحالتين الأولى والثانية المذكورتين بالمادة 229 من قانون تحقيق الجنايات إنما تشير إلى قانون جنائى حتما لأجيب على ذلك بأنه يجوز أن يكون الأمر متعلقا بقانون جنائى حتى ولو لم تصدر عقوبة بحسب المعنى الضيق المقصود قانونا من هذه الكلمة وأنه ما دام أن الإرسال إلى الإصلاحية لا يجوز إلا بحسب قانون العقوبات وهو قانون جنائى بكل معنى الكلمة فالخطأ فى تطبيق هذا النص الجزائى من قانون العقوبات يجب أن يؤدّى إلى الطعن بطريق النقض والإِبرام.
وحيث إن الاستناد على ما جاء بالمادة 61 من قانون العقوبات فى التمييز بين تسليم الصغير إلى أهله أو تأديبه تأديبا جثمانيا أو إرساله إلى مدرسة إصلاحية وبين العقوبات المقرّرة قانونا ليس معناه أن هذه الجزاءات ليست عقوبة. إذ كيف يمكن أن يقال إن التأديب بالضرب ليس عقوبة والإرسال للإصلاحية ليس عقوبة مع أن الوجود فى الإصلاحية جبرا على الطفل وعلى ذويه هو تقييد لحرّية أهل الطفل من أن يربوه هم تربية قد تكون أنفع له فى حياته من تربية الإصلاحية. ومن ذا الذى يستطيع أن يحرم هذا الغلام من التظلم من الخطأ القضائى فى القانون الممنوح لكل الأفراد حق التظلم منه وقد يكون هذا التظلم مبنيا على أسباب خطيرة كأن لم يعلن إعلانا قانونيا يتمكن معه من تحضير الدفاع عن نفسه أو كان متهما بجريمة ودفع بأنه لم يبلغ من العمر سبع سنين كاملة فلم تناقش المحكمة دفعه ولم تردّ عليه أو أن المحكمة لم تكن وقت محاكمته مشكلة تشكيلا قانونيا أو كان هناك دفع بعدم اختصاص يرجع للجنسية أو كان الحكم خاليا من الأسباب بالمرة أو كان فيه تناقض كلى موجب للبراءة أو إذا ظهر المقتول حيا أو حكم على شهود الإثبات بأنهم مزوّرون فكيف يمكن فى مثل هذه الأحوال عدم الوصول لإصلاح مثل هذه الأخطاء بالارتكان على عدم جواز الطعن؟ على أنه مما تجب ملاحظته أيضا أنه إذا كان المدّعى بالحق المدنى يستطيع الطعن فيما يتعلق بحقوقه المدنية فى دعوى الجناية المقامة على الصغير فكيف لا يمكن لهذا الصغير وأهله الطعن بمثل هذا الطريق.
وحيث إن الواقع هو أن التأديب بالضرب عقوبة وكذلك الإرسال للإصلاحية عقوبة ولكنها عقوبات خاصة بصنف من الناس هم الأحداث وإذا كان الطعن فيها بطريق المعارضة والاستئناف جائزا فلا تظهر العلة فى عدم جواز الطعن فيها بطريق النقض فى الحكم الصادر من آخر درجة فى جنحة أو جناية مع أنه حكم صادر إما فى جنحة وإما فى جناية بعقوبات جزائية قرّرها قانون العقوبات ومع ذلك إذا كان الحكم صادرا من مواجهة ولى الصغير أو وصيه بصفته مسئولا عن حقوق مدنية فلا شك أن الطعن بطريق النقض فى الحقوق المدنية يكون مقبولا فان تبين للمحكمة أن الحكم باطل لسوء التشكيل أو للتناقض فكيف يلغى الحكم المدنى ويبقى حكم الإرسال للإصلاحية فإذا قيل بإلغاء حكم الإرسال للإصلاحية تبعا فما الداعى لعدم إمكان إلغائه مباشرة؟
وحيث إنه بناء على هذه الاعتبارات المتقدّمة وعلى أساس أن المادة 229 من قانون تحقيق الجنايات لا تسمح بنصها ولا بروحها بعدم قبول الطعن بطريق النقض والإبرام فى أحكام الجنح والجنايات الصادرة من آخر درجة بإرسال الصغير للإصلاحية أو تأديبه تأديبا جثمانيا، ترجع هذه المحكمة عن قضائها السابق الذى استندت إليه النيابة فى طلبها وتقضى بقبول الطعن شكلا.
وحيث إن المرافعة لم تتناول فى ذاتها المناقشة فى أوجه الطعن المقدّمة فيتعين تحديد جلسة لفحصها.


[(1)] هذه القاعدة تخالف ما ذهبت إليه محكمة النقض فى حكمها الصادر بتاريخ 28 ديسمبر سنة 1912 فى القضية رقم 396 سنة 29 قضائية الذى أخذت فيه بنظرية أن الإرسال للإصلاحية ليس عقوبة بالمعنى الحقيقى فالطعن فيها بطريق النقض غير جائز. وهذا الحكم منشور هنا ومعه الحكم الذى قرر القاعدة المخالفة.