مجموعة القواعد القانونية التى قررتها محكمة النقض والإبرام فى المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثانى (عن المدة بين 6 مارس سنة 1930 وبين 31 أكتوبر سنة 1932) - صـ 69

جلسة 30 أكتوبر سنة 1930

برياسة حضرة صاحب السعادة عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة.

(78)
القضية رقم 1728 سنة 47 القضائية

( أ ) تزوير. ورقة الإعفاء من أجرة السكة الحديدية. التزوير فيها تزوير فى أوراق رسمية.
(المواد 179 - 182 و185 عقوبات)
(ب) جريمة منصوص عليها فى قانون العقوبات. العقاب الإدارى عليها لا يمنع من المحاكمة الجنائية.
(المادة الأولى من قانون العقوبات)
(جـ) رأفة. حق محكمة النقض فى استعمال المادة 17 ع. متى يجب على هذه المحكمة استعمالها؟
(المادة 232 تحقيق)
1 - ورقة الإعفاء من أجرة السكة الحديدية هى من الأوراق الرسمية والعبث بها ضار بخزانة الحكومة. فالتزوير فيها واستعمالها مع العلم بتزويرها يكون جناية يقع فاعلها تحت متناول المواد 179 و180 و182 عقوبات. ولا يجوز فى هذه الحالة تطبيق المادة 185 باعتبار الجريمة جنحة. ذلك بأن هذه الورقة ليست من قبيل تذاكر المرور (Permis de route) ولا تذاكر السفر "جوازات السفر" (Passeports) ولا أوراق الطريق (feuilles de route) المنصوص عليها بالمادة 185 المذكورة، لأن هذه التذاكر فى جملتها إنما هى أوراق منشأة تحت فكرة أساسية هى فك قيد الحرّية العالق ببعض الأشخاص وتركهم يروحون ويغدون على الوجه المأذون لهم به فى الورقة. أما ورقة الإعفاء من الأجرة فليس الغرض منها إلا إعفاء حاملها من دفع الأجرة فقط، وشتان ما بين هذا وبين إطلاق حرية السفر.
2 - المعاقبة التأديبية الإدارية لا تمنع من المحاكمة الجنائية ما دامت الفعلة المرتكبة هى جريمة منصوصا عليها فى قانون العقوبات.
3 - إذا اعتبرت محكمة الجنايات الواقعة المرفوعة لها جنحة وطبقت عليها المادة التى رأت انطباقها عليها وعاقبت المتهم بعقوبة مشعرة أنها رأفت به ورأت محكمة النقض أن الواقعة ليست جنحة تدخل تحت متناول المادة التى طبقتها محكمة الموضوع وإنما هى جناية تنطبق عليها مادة أخرى وجب على محكمة النقض - عند تطبيق النص المنطبق - أن تراعى معنى الرأفة الذى أخذت به محكمة الموضوع باستعمال المادة 17 ع. على أن لمحكمة النقض أن تستعمل هذه المادة من تلقاء نفسها ما دام مصرحا لها فى القانون بتطبيق النصوص التى تدخل الواقعة تحت متناولها وما دام تطبيق هذه النصوص يقتضى حتما أن تقدّر محكمة النقض العقوبة اللازمة، وهذا التقدير يستتبع ضرورة أن يكون لها حق استعمال المادة 17 المذكورة.
الطعن المقدّم من النيابة العامة ومن محمد محمد محمل.


الوقائع

اتهمت النيابة المتهم بأنه فى 13 أبريل سنة 1929 الموافق 3 القعدة سنة 1347 بين محطتى بنها وقويسنا ارتكب تزويرا فى ورقة رسمية أى تذكرة ركوب درجة ثالثة مجانية نمرة 4778 وذلك بتغييره تاريخ الصرف المرقوم 5 مارس سنة 1929 بأن أضاف رقم "2" بين رقم "5" وكلمة مارس فجعل التاريخ 25 مارس سنة 1929 ولأنه فى الزمن والمكان سالفى الذكر استعمل هذه التذكرة المزوّرة بأن ركب بها قطار السكة الحديد وقدّمها للكمسارى محمد افندى حسن عويضة أثناء التفتيش على التذاكر وذلك مع علمه بتزويرها. وطلبت إحالته على محكمة الجنايات لمحاكمته بالمواد 179 و180 و182 من قانون العقوبات.
وبتاريخ 9 نوفمبر سنة 1929 أصدر حضرة قاضى الإحالة أمرا باحالته على محكمة جنايات شبين الكوم لمحاكمته بالمواد سالفة الذكر.
وبعد أن سمعت محكمة الجنايات هذه الدعوى حكمت فيها حضوريا بتاريخ 17 مارس سنة 1930 عملا بالمادة 185 من قانون العقوبات - على اعتبار أن الحادثة جنحة تزوير فى تذكرة سفر واستعمالها - بمعاقبة المتهم بالحبس مع الشغل لمدّة شهر واحد.
فطعن حضرة رئيس نيابة شبين الكوم الابتدائية بتوكيل من سعادة النائب العمومى على هذا الحكم بطريق النقض والإبرام بتاريخ 25 مارس سنة 1930 وقدّم حضرته تقريرا بالأسباب فى 2 أبريل سنة 1930 كما طعن عليه أيضا المتهم بتاريخ 30 مارس سنة 1930 وقدّم تقريرا بالأسباب فى 3 أبريل سنة 1930.


المحكمة

................
حيث إن الطعنين المقدّمين من المتهم ومن النيابة العامة قد قدّما وتلاهما بيان الأسباب فى الميعاد فهما مقبولان شكلا.
وحيث إن طعن المتهم ينحصر فى أن مصلحة السكة الحديد قد عاقبته إداريا وأن هذه العقوبة تمنع من محاكمته جنائيا. وظاهر أن هذا زعم فى غير محله إذ المعاقبة التأديبية الإدارية لا تمنع من المحاكمة الجنائية ما دامت الفعلة المرتكبة هى جريمة منصوص عليها فى قانون العقوبات. ولذلك يتعين رفض الطعن.
وحيث إن مبنى طعن النيابة العامة أن محكمة الجنايات اعتبرت ما وقع من المتهم تزويرا فى ورقة مرور مما هو معتبر جنحة معاقبا عليها بالمادة (185) من قانون العقوبات مع أن الواقع أن المتهم إنما زوّر فى تصريح معطى له من مصلحة السكة الحديد وهو ورقة رسمية يجب العقاب على التزوير فيها واستعمالها بمقتضى المواد 179 و180 و182 من القانون المذكور وليست هذه الورقة من تذاكر المرور المنصوص عليها بالمادة (185).
وحيث إن الثابت بالحكم أن الورقة المقول بتزويرها هى تصريح أعطته مصلحة السكة الحديد للمتهم ليسافر به فى الدرجة الثالثة مجانا فى مدّة شهر من 5 مارس سنة 1929 وأن المتهم أصلح هذا التاريخ بإضافة رقم (2) بعد رقم (5) فصار الشهر المصرح بالسفر فيه مجانا يبتدئ من 25 مارس سنة 1929 وأنه استعمل هذا التصريح المزوّر فى 13 أبريل سنة 1929 إذ ركب قطار السكة الحديد وقدّمه للكمسارى بين محطتى بنها وقويسنا.
وحيث إن هذا التصريح ليس من قبيل تذاكر المرور ولا تذاكر السفر المنصوص عليها بالمادة (185) لأن هذه التذاكر فى جملتها هى جوازات تعطى من قبل مصالح الحكومة لمن هو محظور عليه الانتقال من جهة لأخرى فترفع عنه هذا الحظر. وتذاكر المرور إما أن تكون ورقة طريق (feuille de route) تعطى لرجال الجيش المحظور عليهم بحسب الأصل أن يفارقوا جهة إقامة معسكراتهم إعلاما للجهات الحكومية الأخرى من بوليس وغيره بأنهم غير فارّين بل هم مصرح لهم بالانتقال وأن ليس لأحد أن يستوقفهم على ظن أنهم هاربون، وتعطى أيضا للمتشردين الذين يصرح لهم بالانتقال من جهة لأخرى ليقيموا بها (مادتى 13 و17 من قانون المتشردين رقم 24 لسنة 1923) - وإما أن تكون إجازة مرور (permis de route) كالتى يعطيها البوليس فى المدن لإمكان اجتياز الشوارع الممنوع المرور فيها أو كالتى قد تعطى لاجتياز الكبارى أو للمرور من الأهوسة مثلا فى غير أوقات المرور فوقها أو منها أو كالتى قد تعطى فى وقت قيام الأحكام العرفية مثلا للانتقال من بلد إلى بلد أو من جهة لأخرى وهكذا. أما تذاكر السفر المنصوص عليها فى النسخة العربية فهى جوازات السفر المعروفة (passeports) وهى أيضا تصريح يعطى للشخص من قبل حكومة البلد المقيم هو فيها ليجتاز حدودها إلى قطر آخر وهو فى الأصل لا يستطيع اجتياز الحدود إلا بهذا التصريح.
والحاصل أن التذاكر المذكورة سواء أكانت أوراق طريق (feuilles de route) أم كانت إجازات مرور (permis de route) أو تذاكر سفر (جوازات سفر) (passeports) كلها أوراق منشأة تحت فكرة أساسية هى فك قيد الحرّية العالق ببعض الأشخاص وتركهم يروحون ويغدون على الوجه المأذون لهم به فى الورقة.
وحيث إن التصريح المزوّر الذى هو موضوع هذا الطعن ليس الغرض منه فك قيد عالق بحرية الطاعن ولا إعلاما لجهات الحكومة الأخرى بأنه طليق يذهب حيث شاء على الوجه المبين بهذا التصريح - ليس الغرض منه ذلك لأن الرجل كان حرا يغدو ويروح بالبر أو النهر أو القطار الحديدى كما يشاء ولم يكن لأحد من جهة الحكومة ولا من غيرها أن يعترضه فى حريته فى ذلك، بل الغرض من إعفاؤه من دفع أجرة السكة الحديد إن هو سافر فى خلال الشهر المعين. وشتان ما بين هذا وبين إطلاق حرّية السفر.
وحيث إن ورقة الإعفاء من الأجرة هذه هى من الأوراق الرسمية والعبث بها ضار بخزينة الحكومة فكل تزوير فيها من قبيل ما حدث ثم استعمالها من بعد مع العلم بتزويرها ذلك يقع تحت متناول المواد 179 و180 و182 من قانون العقوبات لا تحت المادة 185 منه.
وحيث إنه لذلك يتعين قبول طعن النيابة وتطبيق القانون بلا حاجة لإعادة الدعوى لمحكمة الجنايات لنظرها من جديد كما تطلب النيابة العمومية.
وحيث إن محكمة الجنايات إذ اعتبرت الواقعة جنحة منطبقة على المادة 185 قد عاقبت الطاعن بالحبس شهرا واحدا مع الشغل وكان فى استطاعتها أن تبلغ بالحبس ثلاث سنين وفى ذلك ما يشعر أنها رأفت به. وهذا معنى يجب على محكمة النقض مراعاته باستعمال المادة 17 من قانون العقوبات. على أن لمحكمة النقض أن تستعمل هذه المادة من تلقاء نفسها ما دام مصرحا لها فى القانون بتطبيق النصوص التى تدخل الواقعة تحت متناولها وما دام تطبيق هذه النصوص يقتضى حتما أن تقدّر محكمة النقض العقوبة اللازمة وهذا التقدير يستتبع حتما أن يكون لها حق استعمال المادة 17 المذكورة.