مجموعة القواعد القانونية التى قررتها محكمة النقض والإبرام فى المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثانى (عن المدة بين 6 مارس سنة 1930 وبين 31 أكتوبر سنة 1932) - صـ 82

جلسة 6 نوفمبر سنة 1930

برياسة حضرة صاحب السعادة عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة.

(91)
القضية رقم 1763 سنة 47 القضائية

إتلاف مزروعات. اشتمال المادة 321/ 2 عقوبات على جريمتين مختلفتين. ماهيتهما.
(المادة 321 عقوبات)
إن نص الفقرة الثانية من المادة 321 عقوبات يشير إلى جريمتين مختلفتين أولاهما إتلاف غيط مبذور وثانيتهما بث حشيش أو نبات ضارّ فى غيط ما مبذورا كان من قبل أو غير مبذور. والنص الخاص بالجريمة الثانية هو نص صريح مطلق لا مساغ معه للاجتهاد أو التقييد بأى قيد كاشتراط أن يكون الغيط مبذورا من قبل. فالبذر الذى لمّا يخرجْ إذا أتلف بأى كيفية كانت وكذلك الأرض غير المبذورة إذا بث فيها حشيش أو نبات مضر كان ذلك جميعه من الأمور الإجرامية المستوجبة للعقاب.
الطعن المقدّم من النيابة العامة فى دعواها رقم 1326 سنة 1930 المقيدة بجدول المحكمة رقم 1763 سنة 47 قضائية ضد أبو العلا عطية وآخر.


الوقائع

اتهمت النيابة المتهمين بأنهما فى ليلة 19 نوفمبر سنة 1929 بالقوصية أتلفا غيطا من زراعة العدس لصالح فرج بأن بثا فيه بذور الحشيش الحامول المضر بالزراعة. وطلبت معاقبتهما بالفقرة الثانية من المادة 321 من قانون العقوبات.
وادعى أحمد صالح وصالح فرج مدنيا بمبلغ 15 جنيها تعويضا.
ومحكمة جنح منفلوط الجزئية سمعت هذه الدعوى وحكمت فيها حضوريا بتاريخ 29 يناير سنة 1930 عملا بالمادة 172 من قانون تحقيق الجنايات ببراءة المتهمين ورفض الدعوى المدنية وإلزام المدعيين بالمصاريف.
فاستأنفت النيابة هذا الحكم فى أول فبراير سنة 1930.
ومحكمة أسيوط الابتدائية نظرت هذه الدعوى استئنافيا وقضت فيها حضوريا بتاريخ 15 أبريل سنة 1930 بقبول الاستئناف شكلا وبرفضه موضوعا وتأييد الحكم المستأنف.
وبتاريخ 3 مايو سنة 1930 طعن حضرة رئيس نيابة أسيوط فى هذا الحكم بطريق النقض والإِبرام وقدّم حضرته تقريرا بالأسباب فى أوّل مايو سنة 1930.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على أوراق القضية والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن قدّم وبينت أسبابه فى الميعاد فهو مقبول شكلا.
وحيث إن مبنى الطعن أن المحكمة الاستئنافية أخطأت فى اشتراطها للعقاب على بث النبات المضر أن تكون الأرض سبق بذرها قبل بث هذا النبات فيها وذلك لأن الشطر الثانى من الفقرة الثانية من المادة 321 من قانون العقوبات أتت صيغتها مطلقة عن كل قيد أو شرط من هذا القبيل.
وحيث إن نص الفقرة الثانية من المادة المذكورة قد ورد بالصيغة الآتية:
"ثانيا كل من أتلف غيطا مبذورا أو بث فى غيط حشيشا أو نباتا مضرا" فهى تشير إلى جريمتين مختلفتين أولاهما إتلاف غيط مبذور وثانيتهما بث حشيش أو نبات ضار فى غيط ما مبذورا كان أو غير مبذور. والنص الخاص بالجريمة الثانية هو نص صريح مطلق واضح المعنى لا مساغ معه للاجتهاد ولا للتقييد بأى قيد. والنيابة العامة محقة فى قولها إن المحكمة الاستئنافية أخطأت فى تقييده باشتراط أن يكون الغيط مبذورا من قبل. على أنه مما تجب ملاحظته أن المادة 444 وما بعدها من قانون العقوبات الفرنسى وهى المواد المقابلة للمادة 321 من القانون المصرى لم تنص إلا على إتلاف الزروع القائمة على سوقها وإتلاف الأشجار والطعوم. وقد اختلف الفقهاء واختلفت المحاكم فى شأن الأرض تكون مبذورة ولمّا يخرجْ شطؤها بعد ويبد نباتا ظاهرا للعيان ثم يصير إتلافه أو بث نبات مضر فيه هل يعاقب فاعل هذا أم لا. وقد جرهم البحث إلى النظر أيضا فى صورة ما إذا صار إفساد الأرض ببث نبات مضر فيها ولو لم تكن مبذورة هل يعاقب فاعل ذلك أم لا. وقد أجمعوا على أن هذه الصورة الأخيرة مهما يكن فيها من الضرر فلا سبيل للعقاب بشأنها لأن النص عندهم لا يحتمل أن يتناولها ما دام هو قاصرا على إتلاف الزرع لا مجرّد إتلاف الأرض التى لا زرع فيها. أما الصورة الأولى فقد رجحوا أن العقاب يتناول جانبها وإن كان البذر لمّا يتمثلْ بعد شطئا ظاهرا. أما القانون المصرى فانه إذ تنبه إلى أن البذر الذى لما يخرج إذا أتلف بأى كيفية كانت وكذلك الأرض الغير المبذورة إذا بث فيها حشيش أو نبات مضر كان ذلك جميعه من الأمور الإجرامية المستوجبة للعقاب - إذ تنبه لذلك فقد نص على لزوم العقاب فى هاتين الصورتين نصا صريحا حتى لا يكون مثار للخلاف الذى قام لدى أهل الفقه والقضاء الفرنسيين بسبب قصور النص عندهم.
وحيث إن المحكمة الاستئنافية قد اقتصر بحثها على المسألة القانونية ولم تبحث الموضوع لترى إن كانت التهمة ثابتة أو غير ثابتة ولذلك يتعين ردّ القضية إليها لتبحث الموضوع ولتسير فى المسألة القانونية على الوجه السابق إيضاحه.