مجموعة القواعد القانونية التى قررتها محكمة النقض والإبرام فى المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثانى (عن المدة بين 6 مارس سنة 1930 وبين 31 أكتوبر سنة 1932) - صـ 144

جلسة 4 ديسمبر سنة 1930

برياسة حضرة صاحب السعادة عبد العزيز فهمى باشا.

(126)
القضية رقم 38 سنة 48 القضائية

( أ ) رأفة. استعمالها مع متهم لصغر سنه. موضوعى.
(ب) عقوبة. بيان سبب التشديد. لا إلزام.
(جـ) مظاهرة. الفرق بين الاشتراك فى المظاهرة والتصدّر لزعامتها.
(المادة 11 من القانون رقم 14 لسنة 1923)
(د) مظاهرة وتجمهر. جريمتان مختلفتان.
(القانون رقم 10 سنة 1914 والقانون رقم 14 لسنة 1923)
(هـ) تجمهر. اقترانه بتعدّ على أحد رجال البوليس. حكمه.
(المادتان 2 و3 من القانون رقم 10 لسنة 1914)
(و) إجراءات التحقيق. الاعتراض عليها. وجوب توجيهه إلى محكمة الموضوع.
(المادة 236 من تحقيق الجنايات)
1 - صغر سن المتهم وما يترتب عليه من استعمال الرأفة هو من المسائل التى تقدّرها محكمة الموضوع بحسب ما تراه ولا شأن لمحكمة النقض بها.
2 - محكمة الموضوع غير ملزمة قانونا ببيان الأسباب التى دعتها إلى تشديد العقوبة ويكفى أن تكون النيابة استأنفت الحكم الابتدائى حتى يسوغ للمحكمة الاستئنافية أن توقع عقوبة أشد.
3 - فى جريمة التظاهر يجب أن يثبت بالحكم أن البوليس أمر المتظاهرين بالتفرّق فلم يطيعوا، ولكن هذا يصدق فقط على من يشترك فى المظاهرة لا على من يتصدّر لزعامتها أو يدعو إليها أو يقودها كما يتضح ذلك من مقارنة الفقرة الأولى من المادة 11 من القانون رقم 14 لسنة 1923 بالفقرة التى تليها.
4 - إن جريمة الاشتراك فى مظاهرة هى غير جريمة التجمهر، وهما معاقب عليهما بقانونين مختلفين. وسواء أكان التظاهر والتجمهر قد وقعا فى وقت واحد أم فى أوقات متباعدة وسواء أكان أحد الفعلين قد نشأ عن الآخر أم كانا فعلين مستقلين فهما على كل حال يكونان جريمتين مختلفتين يعاقب عليهما القانون بنصين مختلفين؛ على أنه إذا كانت أعمال المظاهرة هى نفسها أعمال التجمهر فإن الفقرة الأخيرة من المادة 11 من القانون رقم 14 لسنة 1923 تقضى بأن تطبيق فقرها الثلاث الأولى لا يحول دون تطبيق عقوبة أشدّ تكون منصوصا عليها بقانون التجمهر رقم 10 لسنة 1914؛ وإذًا فلا يجوز لمتهم أن يشكو من تشديد المحكمة الاستئنافية العقوبة بتطبيقها قانون التجمهر ما دامت التهمة تتسع لتكوين جريمتى الاشتراك فى المظاهرة والتجمهر.
5 - إذا وقع من أحد المتجمهرين تعدًّ بالقوّة والعنف على أحد رجال البوليس وهو يحاول تفريق التجمهر جاز تطبيق المادتين 2 و3 من القانون رقم 10 لسنة 1914 ولو أن هذا الفعل يصح أن يعتبر فى ظروف أخرى تعدّيا على موظف عمومى أثناء تأدية وظيفته.
6 - الاعتراضات على إجراءات التحقيق يجب توجيهها لمحكمة الموضوع طبقا للمادة 236 من قانون تحقيق الجنايات وإلا سقط حق الطاعن فيها وامتنع عليه التظلم منها لأوّل مرة أمام محكمة النقض.
الطعن المقدّم من منصور سرحان افندى وآخرين ضد النيابة العامة.


الوقائع

اتهمت النيابة الطاعنين المذكورين بأنهم فى يوم الجمعة 18 يوليه سنة 1930 بمدينة دمياط: أوّلا الاثنان الأوّلان وآخرون دعوا إلى مظاهرة سياسية ونظموها وساروا بها فى الطرقات دون أن يخطروا المحافظة عنها والثالث مع آخرين اشتركوا فى هذه المظاهرة التى لم يحصل الإخطار عنها رغم تحذير البوليس لهم وعصوا أمره الصادر إليهم بالتفرّق ولأن الثالث أيضا والرابع مع آخرين اشتركوا فى تجمهر مؤلف من أكثر من خمسة أشخاص من شأنه أن يجعل السلم العام فى خطر وكان الغرض منه التأثير على السلطات فى أعمالها واستعملوا القوّة والعنف أثناء التجمهر بأن قذفوا رجال البوليس بالحجارة. ثانيا فى مساء الخميس 17 يوليه سنة 1930 بمدينة دمياط الأوّلان وآخر: أوّلا دعوا إلى مظاهرة سياسية فقادوها دون أن يخطروا المحافظة عنها. ثانيا أهانوا هيئة نظامية بطريق العلانية وهى هيئة الوزارة بأن هتفوا فى الطريق العام بقولهم (فلتسقط الوزارة الخائنة). ثالثا أهانوا بطريق العلانية أيضا موظفا عموميا وهو دولة رئيس الوزراء بأن صاحوا فى الطريق العام بقولهم (فليسقط الخائن). وطلبت عقابهم بالمواد 2 و9 و10 من القانون رقم 14 لسنة 1923 الخاص بالاجتماعات العامة والمظاهرات والمادتين 2 و3 من القانون رقم 10 لسنة 1914 بشأن التجمهر والمواد 148 و159 و160 من قانون العقوبات. وفى أثناء نظر الدعوى أمام محكمة جنح دمياط الجزئية وجهت النيابة إلى الطاعنين الأوّلين أيضا تهمة إهانة هيئة الوزارة ودولة رئيس الوزراء يوم 18 يوليه سنة 1930.
وبعد أن سمعت المحكمة طلبات النيابة العمومية وأقوال الدفاع عن المتهمين قضت حضوريا بتاريخ 10 أغسطس سنة 1930 عملا بالمواد 2 و9 و11 من قانون المظاهرات رقم 14 لسنة 1923 و172 من قانون تحقيق الجنايات بالنسبة للاثنين الأوّلين والمادتين 9 و11 من قانون المظاهرات رقم 14 لسنة 1923 بالنسبة للمتهم الثالث والمادة 118 من قانون العقوبات بالنسبة للمتهم الرابع: أوّلا ببراءة منصور سرحان من تهمتى إهانة الوزارة وإهانة دولة رئيس الوزراء يومى 17 و18 يوليه سنة 1930 وتغريمه عشرين جنيها عن تهمة الدعوة إلى المظاهرة الحاصلة يوم 17 يوليه سنة 1930 وتغريمه عشرين جنيها عن تهمة الدعوة إلى المظاهرة الحاصلة يوم 18 يوليه سنة 1930، ثانيا تغريم أحمد مريدن عشرة جنيهات عن تهمة الدعوة إلى مظاهرة يوم 17 يوليه سنة 1930 وعشرة جنيهات عن تهمة الدعوة إلى مظاهرة يوم 18 يوليه سنة 1930 وببراءته من تهمتى إهانة الوزارة وإهانة دولة رئيس الوزراء يومى 17 و18 يوليه سنة 1930، ثالثا حبس السيد أمين على شهرين مع الشغل، رابعا حبس ضياء الدين عبد الرازق شهرا مع الشغل باعتبار أن ما حصل منه مقاومة للعسكرى على لبيب أثناء تأدية وظيفته. فاستأنف المتهمون والنيابة هذا الحكم فى الميعاد. ومحكمة المنصورة الابتدائية نظرت هذه الدعوى استئنافيا وقضت فيها حضوريا بتاريخ 20 أكتوبر سنة 1930 عملا بالمواد 2 و9 و10 و11 من قانون المظاهرات رقم 14 لسنة 1923 و2 و3 من القانون رقم 10 لسنة 1914 و172 من قانون تحقيق الجنايات بقبول الاستئنافات شكلا وفى الموضوع بتعديل الحكم المستأنف وبحبس المتهم الأوّل ستة شهور مع الشغل وبحبس الثانى سنة مع الشغل وبحبس كل من الثالث والرابع أربعة شهور مع الشغل على اعتبار أن ما حصل من المتهم الرابع هو استعمال للقوّة والعنف أثناء التجمهر وتأييده فيما عدا ذلك.
فطعن المحكوم عليهم فى هذا الحكم بطريق النقض والإبرام فى ثانى يوم صدوره وقدّم حضرات المحامين عنهم أربعة تقارير بالأسباب عن الأوّل فى 8 نوفمبر سنة 1930 وعن الثانى فى 6 منه وعن الثالث فى 8 منه وعن الرابع فى 6 منه.


المحكمة

................
من حيث إن الطعون قدّمت وبينت أسبابها فى الميعاد فهى مقبولة شكلا.
ومن حيث إن الوجه الأول من تقرير الطاعن الأول يدور على أن الحكم المطعون فيه لم يبين الواقعة بيانا كافيا لأن الدعوة والتنظيم والقيادة لم تبين الأدلة عليها بيانا يفهم منه توفرها بالمعنى المقصود فى القانون وقد أغفل الحكم إثبات حصول سير المظاهرة فى الطرقات والميادين العامة.
ومن حيث إن الحكم الابتدائى الذى أخذ الحكم المطعون فيه بأسبابه فيما يتعلق بتهمة الدعوة إلى المظاهرة وتنظيمها المسندة إلى كل من الطاعن الأوّل والثانى فى يومى 17 و18 يوليه سنة 1930 - قد جاء فيه بالنسبة إلى مظاهرة 18 يوليه أن مأمور بندر دمياط تقابل مع المتظاهرين فى شارع النجار على مقربة من جامع البحر وكان فى طليعتهم المتهم الثانى (وهو الطاعن الأوّل) وأمكنهم تفريق المظاهرة ثم تجمعت المظاهرة ثانية بشارع محمد على بزعامة المتهم الثانى. وقد تكررت هذه العبارة ثانية فى موضع آخر من الحكم وزاد عليها أن كثيرين من العساكر ذكرت أسماؤهم بالحكم قرروا أن المتهم الثانى كان فى طليعة المظاهرة. وفى موضع ثالث روى الحكم أن المأمور قرر فى الجلسة أن المظاهرة التى رآها بشارع النجار كان يتقدمها المتهم الثانى وأنه لما نصح المتظاهرين بالانصراف تفرقوا عدا المتهم الثانى وكان يشير فى وجه المأمور ويقول له نحن نريد أن نظهر شعورنا أسوة بباقى البلاد... إلى غير ذلك مما استنتج منه الحكم الابتدائى وأيده فيه الحكم الاستئنافى بحق أن جريمة تنظيم مظاهرة والسير بها فى الطريق العام بغير إخطار المنصوص عليها فى المادتين 9 و11 من القانون رقم 14 لسنة 1923 متوفرة الأركان. كذلك فيما يتعلق بتهمة الدعوة إلى المظاهرة السياسية التى حصلت يوم 17 يوليه سنة 1930 المنسوبة إلى المتهمين الثانى والرابع (الطاعنين الأوّل والثانى) فقد جاء بالحكم المذكور أنه يؤخذ من أقوال ضابط المباحث فى الجلسة وفى تحقيق النيابة أنه رأى حوالى ثمانين شخصا يقودهم كل من المتهمين الثانى والرابع فى شارع البحر وبعد أن فرّقهم عادوا إلى الاجتماع فى شارع آخر بقيادة هذين المتهمين. وفى هذا البيان ما يكفى لتفصيل الواقعة المعاقب عليها فى كل من الحالتين والأدلة التى قامت على صحة ما أسند إلى الطاعن الأوّل وعلى توافر أركان الجريمة فى الحالتين.
ومن حيث إن الوجه الثانى يدور على صغر سن الطاعن وما يجب أن يترتب على ذلك من استعمال الرأفة وعدم تشديد العقوبة وهذه كلها مسائل تقدّرها محكمة الموضوع بحسب ما تراه ولا شأن لهذه المحكمة بها.
ومن حيث إن الوجه الأوّل من تقرير الطاعن الثانى يتحصل فى أن محكمة الموضوع قد خرجت عن الحدّ الأقصى المقرر للعقوبة إذ حكمت على الطاعن بسنة مع أن أقصى عقوبة تنص عليها المادة 11 من القانون رقم 14 لسنة 1923 هى ستة شهور.
ومن حيث إن المحكمة الابتدائية أثبتت على الطاعن جريمتى تنظيم مظاهرة إحداهما فى يوم 17 يوليه والأخرى فى اليوم التالى ولذلك نص الحكم الابتدائى فى منطوقه على (تغريم أحمد مريدن عشرة جنيهات عن تهمة الدعوة إلى مظاهرة يوم 17 يوليه سنة 1930 وعشرة جنيهات عن تهمة الدعوة إلى مظاهرة يوم 18 يوليه سنة 1930) فلما رأت المحكمة الاستئنافية - بناء على استئناف النيابة - تشديد العقوبة على هذا الطاعن وغيره نص الحكم المطعون فيه فى منطوقه على (تعديل الحكم المستأنف...... وحبس كل من أحمد مريدن و...... سنة مع الشغل). والمفهوم أن عقوبة السنة كانت عن التهمتين الثابتتين على المتهم واللتين كان الحكم الابتدائى يقضى بعقابه على كل منهما بغرامة عشرة جنيهات وإذن فلم يكن ثمة خروج عن الحدّ الأقصى للعقوبة التى قرّرها القانون.
ومن حيث إن الوجه الثانى يدور على أن الأفعال المنسوبة للطاعن تنطبق على الفقرة الثانية من المادة 11 من القانون رقم 14 لسنة 1923 لا على الفقرة الأولى منها لأن الشهود أجمعوا على أن الطاعن لم يكن قائدا بل رآه بعض العساكر مشتركا فى المظاهرة فقط. فضلا عن أن مظاهرة ليلة 17 يوليه سنة 1930 لم تكن إلا فلولا تجمعت على أثر سماع استقالة الوزارة وانصرفت ولم تبحث المحكمة فى نقطة طلب رجال البوليس انفضاض المتجمعين وهل أطاعوهم أو لم يطيعوهم مع أن ذلك ركن من أركان الجريمة.
ومن حيث إن الحكم الابتدائى الذى أخذ الحكم المطعون فيه بأسبابه فى هذه التهمة بالنسبة إلى الطاعن قد أثبت أن الطاعن المذكور كان من قائدى مظاهرة 18 يوليه كما جاء بأقوال ضابط المباحث وأن هذا الضابط قرّر أيضا أنه رأى فى 17 يوليه حوالى ثمانين شخصا يقودهم كل من المتهمين الثانى والرابع وبعد أن فرّقهم عادوا إلى التظاهر بقيادة هذين المتهمين؛ فالقيادة ثابتة على الطاعن فى الحالتين فى أسباب الحكم الابتدائى والنص الواجب التطبيق هو الفقرة الأولى من المادة 11 كما رأت محكمة الموضوع لا الفقرة الثانية كما يزعم الطاعن. وقد رأت محكمة الموضوع بحق أن اجتماع حوالى ثمانين شخصا كاف لتكوين مظاهرة فلا محل لشكوى الطاعن من ذلك. أما فيما يتعلق بوجوب إثبات أن البوليس أمر المتظاهرين بالتفرّق فلم يطيعوا لكى تتوفر أركان الجريمة فذلك ليس من شأن الطاعن وإنما هو يصدق على من يشترك فقط فى المظاهرة لا على من يتصدّر لزعامتها أو يدعو إليها أو يقودها ما يظهر جليا من مقارنة الفقرة الأولى من المادة 11 من قانون رقم 14 لسنة 1923 بالفقرة التى تليها.
ومن حيث إن الوجه الأول من تقرير الطاعن الثالث يتحصل فى أن الحكم المطعون فيه خلو من بيان أسباب إدانته.
ومن حيث إن الحكم الابتدائى الذى أخذ الحكم المطعون فيه بأسبابه فيما يتعلق بثبوت التهمة على الطاعن المذكور قد جاء به (وحيث إنه بالنسبة إلى الحادى عشر فقد استعرف عليه عدّة من العساكر إذ قرّر العسكرى محمود عبد الرحمن أنه رآه بين المتظاهرين وكذلك استعرف عليه العسكرى فهمى السيد الحلوانى فى الصحيفة 115 تحقيق النيابة واستعرف عليه كذلك عبد الرازق العباسى وقرّر أنه رآه فى شارع محمد على يحمل عصا ويمنع أتومبيل الرش من السير كما أن محمد السعيد عبد الله قرّر أنه رآه واقفا مع الجمهور أمام القهوة التى حوصر فيها هذا الشاهد. وحيث إن ما نسبه إليه الشهود وخصوصا الشاهدان الأخيران دليل على أنه لم يطع أمر البوليس بالتفرّق) وفى هذا البيان ما يكفى للتدليل على إدانته.
ومن حيث إن الوجه الثانى يرد عليه أن محكمة الموضوع غير ملزمة قانونا ببيان الأسباب التى دعتها إلى تشديد العقوبة ويكفى أن تكون النيابة استأنفت الحكم الابتدائى كما هو الحاصل فى هذه الدعوى حتى يسوغ للمحكمة الاستئنافية أن توقع عقوبة أشدّ.
ومن حيث إن الوجه الثالث مردود بأن جريمة الاشتراك فى مظاهرة غير جريمة التجمهر. وهما معاقب عليهما بقانونين مختلفين وقد أسندت النيابة الجريمتين معا إلى الطاعن وطلبت تطبيق نصوص كل من القانونين اللذين يعاقبان على هذين الفعلين وسواء أكان التظاهر والتجمهر قد وقعا فى وقت واحد أم فى أوقات متباعدة وسواء أكان أحد الفعلين قد نشأ عن الآخر أم كانا فعلين مستقلين فهما على كل حال يكوّنان جريمتين مختلفتين يعاقب عليهما القانون بنصين مختلفين. وقد ثبت لدى محكمة الموضوع أن الطاعن قد اشترك فى الجريمتين كما تقدّم فلا وجه لشكواه بعد ذلك. على أنه إذا كانت أعمال المظاهرة هى نفسها أعمال التجمهر فان الفقرة الأخيرة من المادة 11 من القانون رقم 14 لسنة 1923 تقضى بأن تطبيق فقرها الثلاث الأولى لا يحول دون تطبيق عقوبة أشدّ تكون منصوصا عليها بقانون التجمهر رقم 10 لسنة 1914، وبما أن ما أثبتته المحاكمتان الابتدائية والاستئنافية من الأفعال المسندة للمتهم تدخل تحت متناول المادة 2 من قانون التجمهر وقد طبقتها المحكمة الاستئنافية فعلا فلا محل للتظلم ما دام الطاعن حكم عليه بالحبس أربعة شهور مع أن العقوبة المشار إليها بالمادة المذكورة تصل إلى ستة شهور.
ومن حيث إن الوجه الرابع يرد عليه ما تقدّم من أن الحكم الابتدائى قد أثبت فى أسبابه حصول التنبيه من رجال البوليس بالتفرّق وحصول العصيان من الطاعن كما أثبت عليه الاشتراك فى المظاهرة وفى التجمهر.
ومن حيث إن الوجه الخامس يرد عليه أن الحكم الاستئنافى قد أحال على الحكم الابتدائى فيما يتعلق بالثبوت وقد جاء بيان الحكم الابتدائى فى ذلك وافيا كما يظهر مما تقدّم وليس على محكمة الموضوع أن ترّد على كل جزئية من جزئيات دفاع المتهم.
ومن حيث إن محصل الوجه الأوّل من تقرير الطاعن الرابع أن الأفعال المنسوبة إليه بالحكم المطعون فيه ليست تجمهرا بل هى تعدّ على موظف عمومى أثناء تأدية وظيفته.
ومن حيث إن ما جاء بالحكم الاستئنافى المطعون فيه خاصا بالمتهم ضياء الدين عبد الرازق (الطاعن الرابع) هو ما يأتى (وحيث إن الثابت من الأوراق أن المظاهرة كانت لا تزال مستمرّة وكان رجال البوليس مشغولين بتفريقها وشهد على لبيب أنه أثناء قيامه بهذه المأمورية أسوة بزملائه طلب من هذا المتهم الانصراف فأبى فرفع على المتهم العصا فأمسكها منه فحضر عدّة أشخاص كانوا على مقربة من المتهم المذكور وأوقعوا العسكرى على الأرض وعليه ترى المحكمة اعتبار ما حصل من المتهم استعمالا للقوّة والعنف أثناء التجمهر وعقابه ينطبق على المواد التى تطلبها النيابة). وبما أن النيابة طلبت تطبيق المادتين 2 و3 من القانون رقم 10 لسنة 1914 فالتطبيق الذى أخذت به المحكمة صحيح ولا غبار عليه لأن القوّة والعنف المشار إليهما فى المدة الثالثة من القانون المذكور قد وقعا فعلا على العسكرى الذى كان يحاول تفريق التجمهر كما أثبت الحكم الاستئنافى فى عبارته المشار إليها فيما سبق ولا يهم بعد ذلك ما إذا كان الفعل الذى وقع يصح أن يعتبر فى ظروف أخرى تعدّيا على موظف عمومى أثناء تأدية وظيفته.
ومن حيث إن الوجه الثانى يرد عليه ما سبق بيانه عند الرّد على الوجه الأوّل من أنه إذا استعملت القوّة أثناء التجمهر كانت المادة الواجبة التطبيق هى المادة الثالثة من القانون رقم 10 لسنة 1914 مع المادة الثانية منه لا مادة أخرى.
ومن حيث إن الوجه الثالث يدور على أن الأفعال المذكورة بالحكم الاستئنافى لم توجه للمتهم بورقة التكليف ولا بالجلسة.
ومن حيث إنه بالاطلاع على وصف التهمة الذى تقدّمت به النيابة إلى محكمة أوّل درجة يرى أنه جاء فيه من بادئ الأمر ما يأتى (والثامن أيضا مع باقى المتهمين إلى الخامس والأربعين اشتركوا فى تجمهر مؤلف من أكثر من خمسة أشخاص من شأنه أن يجعل السلم العام فى خطر وكان الغرض منه التأثير على السلطات فى أعمالها واستعملوا القوّة والعنف أثناء التجمهر بأن قذفوا رجال البوليس بالحجارة) فتهمة استعمال القوّة والعنف أثناء التجمهر كانت موجهة من بادئ الأمر إلى المتهمين من الثامن إلى الخامس والأربعين ومنهم الطاعن اليوم فلما كانت المحاكمة أمام المحكمة الابتدائية تبين للمحكمة من أقوال بعض الشهود أن المتهم (الطاعن) استعمل نوعا خاصا من القوّة والعنف ولكنها رأت أن ذلك العنف وقع بعد تفريق المظاهرة فاعتبرت ما وقع منطبقا على المادة 118 من قانون العقوبات باعتباره مقاومة لعسكرى أثناء تأدية وظيفته فاستأنفت النيابة وأصرت على وصفها الأوّل والمحكمة الاستئنافية رأت أن ما وقع من الطاعن يعدّ استعمالا للقوّة والعنف أثناء التجمهر كما تقدّم فقضت بالعقوبة بناء على المادتين 2 و3 من القانون رقم 10 لسنة 1914 وهو رأى لا شائبة فيه ما دام متفقا مع الوقائع التى ثبتت للمحكمة.
ومما تقدّم يتبين أن ما زعمه الطاعن من أن الفعل لم يوجه إليه بورقة التكليف ولا بالجلسة غير صحيح على كل حال.
ومن حيث إن الوجه الرابع لا يعدو أن يكون تكرارا لما سبق ذكره بالأوجه السابقة فهو غير جدير برد خاص.
ومن حيث إن الوجه الخامس يقوم على الاعتراض على إجراءات قامت بها النيابة أثناء التحقيق وكان يجب لو أن الشكوى منها كانت جدّية أن يرفع ذلك الاعتراض إلى محكمة الموضوع طبقا للمادة 236 من قانون تحقيق الجنايات، أما وقد سكت الطاعن أمام محكمة الموضوع ولم يتعرّض لهذه المسألة فقد سقط حقه ولم يعد له أن يتظلم منها لأوّل مرة أمام محكمة النقض.