مجموعة القواعد القانونية التى قررتها محكمة النقض والإبرام فى المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثانى (عن المدة بين 6 مارس سنة 1930 وبين 31 أكتوبر سنة 1932) - صـ 161

جلسة 11 ديسمبر سنة 1930

تحت رياسة حضرة صاحب السعادة عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة.

(131)
القضية رقم 2248 سنة 47 القضائية

جنسية. دخول شخص فى جنسية جديدة. آثاره فى المحاكمة.
الجنسية إنما تكتسب للمستقبل ولا تسند إلى ما قبل وقت اكتسابها ولا يمكن أن يكون لها أثر رجعى ينسحب على الماضى. ومن نتيجتها أن يدخل الشخص فى جنسيته الجديدة حاملا ما له وما عليه فان كان جنى جناية حوكم بسببها أثناء قيام جنسيته القديمة أمام السلطات المختصة فلا تجوز محاكمته مرة أخرى لدى سلطات جنسيته الجديدة. غير أن هذه القاعدة ليست صحيحة على إطلاقها فانه إذا جاز تطبيقها على الجانى الذى حوكم وتنفذ الحكم عليه فعلا أثناء قيام جنسيته القديمة فانها ممتنعة الانطباق إذا كانت المحاكمة حصلت ولما ينفذ الحكم قبل الدخول فى الجنسية الجديدة. بل إن هذه المحاكمة تعتبر غير موجودة هى والحكم الذى انتهت به. ذلك لأن من لوازم كل دولة أن تكون مستقلة بشئون إدارتها وقضائها وأن تقوم هى دون غيرها بتنفيذ ما يصدره قضاؤها من الأحكام باسم السلطة الشرعية العليا فيها أو باسم أمتها ولا تستطيع إلزام أى دولة أخرى بتنفيذ تلك الأحكام، كما أن أى دولة أخرى لا تقبل أن تنفذها ما لم يكن بين الدولتين اتفاق بهذا الخصوص. فإذا أصدرت دولة أجنبية حكما ضدّ متهم وتجنس المحكوم عليه بجنسية أخرى قبل تنفيذ الحكم فإن هذا الحكم الذى لا وجود لمن ينفذه يصبح فى حكم المعدوم ما دامت قيمة الأحكام هى بتنفيذها لا بمجرّد تدوينها فى بطون الأوراق. وسقوط هذا الحكم ينبنى عليه حتما سقوط ما تقدّم من إجراءات المحاكمة ويصبح المحكوم عليه كأنه لم يحاكم قط ويصبح لسلطة الاتهام الخاضع هو لها فى جنسيته الجديدة أن تتصرف فى تهمته بحسب تقديرها هى لأفعاله الجنائية وطبقا لأصول القانون المتبع.
الطعن المقدّم من محمد شجلوف محمد ضدّ النيابة العامة فى دعواها رقم 1909 سنة 1930 المقيدة بجدول المحكمة رقم 2248 سنة 47 قضائية.


الوقائع

اتهمت النيابة الطاعن بأنه فى يوم 29 مارس سنة 1927 بدائرة قسم الجمرك: (أوّلا) أحرز بدكانه بقصد الاتجار مواد مخدّرة مقدارها 120 جرام هيرويين وكوكايين وأفيون وحشيش ومنزول بغير مسوّغ قانونى. (ثانيا) أهان بالقول والإشارة وتعدّى وقاوم بالقوّة والعنف عارف افندى السيد ضابط البوليس والعسكرى محمود أحمد يوسف أثناء تفتيشهما دكانه لضبط المواد المخدّرة بأن أمسك بالضابط بملابسه ودفعه على الدولاب وتماسك بالعسكرى وسبه بقوله له: "يا ابن الكلب أنت تأخذ منى كل جمعة خمسين قرشا". وطلبت عقابه بالمواد 1 و2 و31/ 5 ب و36 و37 من قانون المواد المخدّرة الصادر فى 21 مارس سنة 1925 و117 و118 من قانون العقوبات.
ومحكمة جنح المنشية الجزئية سمعت هذه الدعوى وحكمت فيها غيابيا بتاريخ 24 يوليه سنة 1929 عملا بالمواد السابقة بحبس المتهم ثلاث سنوات مع الشغل والمصادرة وأمرت بالغلق لمدّة سنة عن التهمة الأولى وحبسه شهرين مع الشغل عن التهمة الثانية.
فعارض المتهم فى هذا الحكم وعند نظرها دفع المتهم فرعيا بأنه منتم لدولة إيطاليا وقد سبق محاكمته أمام القنصلية الإيطالية وأدين فى هذه التهمة المنسوبة إليه إلا أن المحكمة أوقفت تنفيذ هذا الحكم وتخلى القنصل الإيطالى عنه وأوكل محاكمته للحكومة المصرية؛ وهذا عمل غير مشروع مخالف للقانون، إذ الثابت أن المتهم وقت ارتكابه الحادثة كان متمتعا بالحماية الإيطالية وإن كان حصل بالفرض تنازل فهذا قد حصل بعد ارتكابه الجريمة المسندة إليه ولا يسرى إلا على المستقبل. ثم بعد ذلك قضت محكمة الجنح المذكورة بتاريخ 5 مارس سنة 1930 بقبول المعارضة شكلا وبرفض الدفع وتأييد الحكم الغيابى المعارض فيه.
فاستأنف المتهم هذا الحكم فى الميعاد.
وعند نظر الدعوى أمام محكمة إسكندرية الابتدائية بهيئة استئنافية تمسك الحاضر مع المتهم بدفعه الفرعى الذى أبداه أمام محكمة أوّل درجة ثم قضت حضوريا بتاريخ 28 يوليه سنة 1930 بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع: (أوّلا) برفض الدفع الفرعى. (ثانيا) بتأييد الحكم المستأنف.
وبتاريخ 16 أغسطس سنة 1930 طعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض والإبرام وقدّم تقريرا بالأسباب فى التاريخ المذكور.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن قدّم وبينت أسبابه فى الميعاد فهو مقبول شكلا.
وحيث إن وقائع هذه الدعوى بحسب الثابت من الأوراق الرسمية الموجود بملفها تتحصل فى أن الطاعن محمد شجلوف محمد اتهم باحراز مواد مخدّرة فى يوم 29 مارس سنة 1927، وبعد تحقيق المادة بواسطة بوليس قسم الجمرك أرسلت محافظة إسكندرية أوراق التحقيق والمواد المضبوطة لقنصلية إيطاليا باسكندرية لإجراء اللازم نحو محاكمته. ولأنه بعد ذلك فى يوم 28 مايو سنة 1927 اتهم أيضا باحراز مواد مخدّرة (وهذه التهمة الأخيرة هى الحاصل بسببها الطعن المقيد بجدول محكمة النقض تحت نمرة 2247 سنة 47 قضائية والمنظور بجلسة اليوم) فأخذت محكمة القنصلية الإيطالية باسكندرية فى محاكمته وحكمت عليه فى التهمتين بالحبس ستة أشهر وبغرامة قدرها 2000 ليرة والمصادرة وبنشر خلاصة الحكم على مصاريفه بجريدة الميساجير وايجبسيانو. وحكمها هذا الذى أصدرته بتاريخ 28 سبتمبر سنة 1927 قد استأنفه المتهم فأيد بحكم غيابى صدر من محكمة الاستئناف القنصلية الإِيطالية بمدينة رودس بتاريخ 18 فبراير سنة 1928 وحدث بعد ذلك وقبل تنفيذ هذا الحكم أن لجنة إعادة النظر فى قوائم الليبيين التابعين لإيطاليا قرّرت فى شهر يونيه سنة 1928 اعتبار محمد شجلوف محمد المتهم من الرعايا المصريين فقنصل إيطاليا باسكندرية أخطر المحافظة بذلك بخطاب منه فى 10 نوفمبر سنة 1928 وطلب إليها عرض المسألة على السلطات المصرية المختصة وإخطاره بما إذا كانت ستتولى تنفيذ حكم المحكمة القنصلية بما أنه صدر والرجل معتبر من الرعايا الايطاليين أم كانت ستحاكمه مرة أخرى أمام المحاكم المحلية. ومحافظة الاسكندرية أرسلت للنيابة الأهلية بأن القاعدة هى عدم تنفيذ أحكام المحاكم القنصلية وبأن لابدّ من إعادة المحاكمة. والنيابة رفعت عن كل حادثة من الحادثتين دعوى مستقلة مضيفة إلى كل تهمة منهما تهمة أخرى هى تعدّى المتهم على البوليس وقد قضت المحكمة الاستئنافية فى هذه الدعوى الخاصة بحادثة 29 مارس سنة 1927 بما هو مبين بديباجة هذا الحكم بعد أن رفضت ما دفع به المتهم أمامها من عدم اختصاص المحاكم الأهلية بنظر الدعوى لكونه تابعا لدولة إيطاليا (وقضت بمثل ذلك تماما فيما يختص بالدعوى الأخرى ما عدا غلق المحل فجعلته فيها ستة شهور). فطعن محمد شجلوف محمد فى هذا الحكم بطريق النقض (كما طعن أيضا فى حكم حادثة 28 مايو سنة 1927).
وحيث إن مبنى الطعن: (1) أن المحكمة لم تبين وقائع الدعوى كما يجب فلم تذكر أنه سبق محاكمة الطاعن لدى محكمة القنصلية الإيطالية وأن الحكومتين الايطالية والمصرية كانتا تعتبرانه من الرعايا الإيطاليين وإنما تخلت عنه إيطاليا بعد الحكم عليه و(2) أن تنحى إيطاليا عن تبعيته لها لا يفقده الجنسية الإيطالية ولا يدخله فى الجنسية المصرية وأنه على فرض زوال جنسيته الإيطالية فان سبق محاكمته وقت أن كان معتبرا من التبعية الإيطالية مانع من إعادة محاكمته مرة أخرى بعد اعتباره مصريا.
وحيث إن عدم بيان المحكمة الاستئنافية للوقائع التى يشير إليها الطاعن سببه الواضح أنه اقتصر أمامها على الدفع بعدم اختصاص المحاكم الأهلية بنظر الدعوى المقامة عليه لكونه من التبعية الإيطالية فهى ردّت على ذلك بأن المحاكم الأهلية مختصة بمحاكمة كل مقيم بالبلاد المصرية ما لم يثبت تبعيته لدولة لا يحاكم رعاياها أمام السلطات القضائية المصرية. ولما كان المتهم لا يستطيع بعد تخلى إيطاليا عنه أن يثبت ذلك كان فى بيان المحكمة كل الكفاية لرفض دفعه.
وحيث إن تمسك الطاعن الآن بالجنسية الإيطالية وزعمه بأن تخلى دولة إيطاليا عنه لا يجعله مصريا تجرى عليه الأحكام المصرية هما تمسك وزعم واضحا البطلان.
وحيث إن المهم فى هذا الطعن هو شطره الأخير الذى ينعى فيه المتهم على محاكمته مرتين ويقول إن المحاكمة الأولى مانعة من المحاكمة الثانية.
وحيث إنه إذا صح أن الطاعن كان حقيقة من رعايا الدولة الإيطالية ولم يكن متنازعا فى تبعيته بينها وبين الدولة المصرية ومتروكا مؤقتا فى الرعوية الإيطالية إلى أن تفصل فى شأنه لجنة مراجعة الليبيين الإيطاليين - إذا صح ذلك فان القواعد الأساسية أن الجنسية إنما تكتسب للمستقبل ولا تسند إلى ما قبل وقت اكتسابها ولا يمكن أن يكون لها أثر رجعى ينسحب على الماضى ومن نتيجتها أن يدخل الشخص فى جنسيته الجديدة حاملا ما له وما عليه فان كان قد جنى جناية وكان قد حوكم بسببها أثناء قيام جنسيته القديمة أمام السلطات المختصة فلا يجوز محاكمته مرة أخرى لدى سلطات جنسيته الجديدة. غير أن هذه القاعدة ليست صحيحة على إطلاقها؛ بل إنه إذا جاز تطبيقها فى صورة الجانى الذى يحاكم وينفذ عليه الحكم فعلا أثناء قيام جنسيته القديمة فانها ممتنعة الانطباق إذا كانت المحاكمة حصلت ولما ينفذ الحكم قبل الدخول فى الجنسية الجديدة كما هو الحال فى صورة الحادثة الحاصل بصددها الطعن المنظور الآن، بل إن هذه المحاكمة تعتبر غير موجودة هى والحكم الذى انتهت به. ذلك بأن من لوازم كل دولة أن تكون مستقلة بشؤون إدارتها وقضائها وأن تقوم هى دون غيرها بتنفيذ ما يصدره قضاؤها من الأحكام باسم السلطة الشرعية العليا فيها أو باسم أمتها ولا تستطيع إلزام أى دولة أخرى بتنفيذ تلك الأحكام كما أن أى دولة أخرى لا تقبل أن تنفذها ما لم يكن بين الدولتين اتفاق بهذا الخصوص. وبما أن الحكم الصادر على الطاعن هو من المحكمة القنصلية الايطالية وليس بين إيطاليا وبين الحكومة المصرية اتفاق على أن تنفذ هذه ما تصدره قنصليتها من الأحكام؛ كما أن الطاعن من جهة أخرى قد صار مصريا وانقطعت صلته بدولة إيطاليا فأصبحت لا تستطيع تنفيذ حكمها عليه. وإذن فحكم القنصلية هذا الذى لا وجود لمن ينفذه قد أصبح فى حكم المعدوم ما دامت قيمة الأحكام هى بتنفيذها لا بمجرّد تدوينها فى بطون الأوراق.
وحيث إن سقوط أى حكم ينبنى عليه حتما وبطبيعة الحال سقوط ما تقدّمه من إجراءات المحاكمة فسقوط حكم القنصلية الإيطالية قد التحق به ما تقدّمه من إجراءات الدعوى وأصبح المحكوم عليه كأن لم يحاكم قط وأصبح لسلطة الاتهام المصرية رفع الدعوى العمومية عليه بحسب تقديرها لأفعاله الجنائية وطبقا لأصول القانون المصرى.
وحيث إنه يبين مما تقدّم أن إعادة محاكمة الطاعن كانت واجبة وأن لا شىء فيها مخالف للقانون وإذن يكون الوجه الثانى متعين الرفض أيضا.