مجموعة القواعد القانونية التى قررتها محكمة النقض والإبرام فى المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثانى (عن المدة بين 6 مارس سنة 1930 وبين 31 أكتوبر سنة 1932) - صـ 259

جلسة 12 مارس سنة 1931

تحت رياسة حضرة صاحب السعادة عبد العزيز فهمى باشا.

(200)
القضية رقم 632 سنة 48 القضائية

نصب:
( أ ) الطرق الاحتيالية. متى يكون الكذب من الطرق الاحتيالية؟
(ب) الحصول على مبلغ بطريق النصب. متى تعتبر هذه الجريمة متوفرة الأركان؟
(جـ) أخذ مبلغ من أحد رجال الدين لتقديمه رشوة لموظف. مجرّد كذب لا إجرام قانونيا فيه.
(المادة 293 ع)
1 - إذا كان ما وقع من المتهم مجرّد كذب تهاون المجنى عليه فيه (وهو محام) فصدقه فان مجرّد هذا الكذب الذى ليس من شأنه أن يجوز على مثله لا يكوّن الطرق الاحتيالية المرادة بالقانون ولا يستوجب العقاب.
2 - يشترط فى جريمة النصب أن يكون الحصول على المبلغ هو بطريق الإيهام لتحقيق مشروع كاذب. فاذا ثبت أن المشروع الذى أخذ المبلغ لتحقيقه هو مشروع صادق وقد تم بالفعل فلا جريمة.
3 - إذا كان المجنى عليه فى تهمة نصب هو من رجال الدين وقد دفع المبلغ للمتهم على أن يقدّمه رشوة لموظف لتأدية عمل فان أخذ المتهم لهذا المبلغ لا يعتبر جريمة معاقبا عليها. لأن رجال الدين مفروض فيهم أنهم يعلمون أن الرشوة حرام، فالمجنى عليه هو الذى يكون قد تساهل فى شأن نفسه وفيما يقتضيه مركزه من عدم تصديق ما قد يكون المتهم أوهمه به، ولا يكون ذلك من قبل المتهم سوى مجرّد كذب غير منتج للإجرام قانونا.
الطعن المقدّم من شكرى زينى ضدّ النيابة العامة فى دعواها رقم 498 سنة 1931 المقيدة بجدول المحكمة رقم 632 سنة 48 القضائية.


الوقائع

اتهمت النيابة الطاعن المذكور بأنه بين سنة 1922 وسنة 1923 بدائرة قسم الموسكى بالقاهرة استعمل طرق النصب والتحايل على الخواجه إيلى شولال بأن أوهمه بأنه وكيل الفرنسيكان وأن هناك مشروع بناء كاذب حتى تحصل على مبلغ 564 جنيها، ولأنه أيضا استعمل طرق النصب والتحايل على الأب مارشلو والأب ماروث حتى تحصل منهما على مبلغ 400 جنيه بأن أوهمهما بأنه من رجال الحكومة العظام الموظفين فى البوليس السرى وأن له تداخلا فى أعمال الحكومة وأخذ منهما المبلغ على ذمة دفعه للمستر وايل رئيس شركة الدلتا ولعمال مصلحة الأملاك الأميرية وذلك لإنجاز عقد مشترى الأوّل أرضا من شركة الدلتا ولاستحصال الثانى على أرض مجانا من أرض الحكومة جهة المكس ولم يدفع شيئا. وطلبت معاقبته بالمادة 293 من قانون العقوبات.
وادّعى الخواجه إيلى شولال مدنيا وطلب الحكم له بمبلغ جنيه واحد تعويضا.
وفى أثناء نظر الدعوى أمام محكمة جنح الموسكى الجزئية دفع الحاضر مع المتهم بدفعين فرعيين: أوّلهما بعدم الاختصاص لأن المدّعى بالحق المدنى أجنبى، وثانيهما فصل التهمتين عن بعضهما لعدم وجود أى رابطة بينهما وطلب الحاضر مع المدّعى بالحق المدنى رفض هذين الدفعين وقال إنه حاضر عن لازار حسون. فقضت المحكمة حضوريا بتاريخ 31 مارس سنة 1924 برفض الدفعين الفرعيين وأمرت بالتكلم فى الموضوع. وبعد أن نظرت موضوع الدعوى وسمعت طلبات النيابة العمومية ودفاع الطرفين قضت حضوريا بتاريخ أول أكتوبر سنة 1928 عملا بالمادة 172 من قانون تحقيق الجنايات ببراءة المتهم.
فاستأنفت النيابة هذا الحكم فى 7 أكتوبر سنة 1928.
ومحكمة مصر الابتدائية نظرت هذه الدعوى استئنافيا وقضت فيها غيابيا بتاريخ 24 فبراير سنة 1929 عملا بمادة الاتهام بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المستأنف وحبس المتهم سنة مع الشغل. فقرر بالمعارضة فيه وحكم بتاريخ 16 ديسمبر سنة 1930 بالتأييد.
وبتاريخ 22 ديسمبر سنة 1930 طعن حضرة المحامى بالتوكيل عن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض والإبرام وقدم تقريرا بأسباب طعنه هذا فى 31 منه.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن قدّم وبينت أسبابه فى الميعاد فهو مقبول شكلا.
وحيث إن ما أسند للمتهم وحوكم بسببه ينحصر فى أمرين:
(الأوّل) أنه تحصل على مبلغ 564 جنيها بطريق النصب والتحايل على الخواجه إيلى شولال.
(والثانى) أنه تحصل بطريق النصب والتحايل على مبلغ 400 جنيه من الأب مارشلو والأب ماروث ليدفع منها 200 جنيه لمدير وعمال شركة الدلتا لمشترى أرض للأب مارشلو بجهة بولاق وليدفع المائتى الجنيه الأخرى لعمال مصلحة الأملاك الأميرية للحصول للأب ماروث على أرض من أراضى الحكومة بجهة المكس مجانا.
"عن الأمر الأول":
حيث إن الوسيلة الاحتيالية التى ذكرها الحكم المطعون فيه فيما يتعلق بالنصب على الخواجه إيلى شولال هى أن الطاعن أوهمه بأنه وكيل عن الإرسالية الإفريقية وأنه بهذه الصفة يوافقه على إقراض المبلغ لمن يدعى سقاريو المقاول ويقبل تحويل حقوق سقاريو المذكور فى المقاولة إلى المقرض بحيث إن أجرة العمل المستحقة على الإرسالية تدفع منها مباشرة للمقرض ضمانة لدينه.
وحيث إن المجنى عليه وهو الخواجه شولال هو محام يعرف بمقتضى مهنته ما يجب عليه فى التوثيق، ومثله فى مهنته ليس من الجائز له أن يصدّق إنسانا يدعى الوكالة عن غيره بدون أن يطلب منه دليلا قانونيا على التوكيل.
وحيث إنه بهذه المثابة يكون ما وقع من المتهم مجرّد كذب تهاون المجنى عليه فى واجبه فصدقه، ومجرد الأكاذيب التى ليس من شأنها أن تجوز على مثله لا تكوّن الطرق الاحتيالية المرادة بالقانون. وإذن تكون الواقعة بحسب البيان الوارد عنها فى الحكم غير مستحقة للعقاب.
"عن الأمر الثانى":
حيث إنه فيما يتعلق بمبلغ المائتى الجنيه التى حصل عليها الطاعن من الأب مارشلو لمشترى أرض بولاق من شركة الدلتا ليمتد قد ورد فى الحكم المطعون فيه أن الأب المذكور دفعها إثر إيهام الطاعن له بأنه سيعطيها لمدير الشركة وعمالها توسلا بذلك إلى إتمام صفقة مشترى الأرض من الشركة المذكورة - ولكن ورد أيضا فى الحكم ما يفيد أن الطاعن قد سعى فعلا عند الشركة حتى أتم الصفقة لمصلحة الإرسالية التى يمثلها الأب وأن مدير الشركة دفع له من جانبه مبلغ خمسين جنيها سمسرة لإتمام هذه الصفقة.
وحيث إن الطاعن يدعى كما هو ثابت فى الحكم أنه إنما أخذ من الأب مارشلو مبلغ المائتى الجنيه المذكورة على اعتبار أنه سمسار ليسعى لدى الشركة فى إتمام الصفقة وأنه قد أتمها فعلا.
وحيث إن مجموع البيانات الواردة فى الحكم فى هذا الصدد لا يمكن أن يؤخذ منها أن هناك جريمة نصب ما دامت الصفقة قد تمت فعلا على يد المتهم وأخذ عنها فعلا سمسرة أخرى من الشركة البائعة - لا يمكن ذلك لأن القانون يشترط فى جريمة النصب أن يكون الحصول على المبلغ هو بطريق الإيهام لتحقيق مشروع كاذب وهنا المشروع الذى أخذ المبلغ لتحقيقه هو مشروع صادق وقد تم بالفعل. ولذلك يكون الحكم غير وجيه فيما يتعلق بالمائتى الجنيه المذكورة.
وحيث إنه فيما يتعلق بالمائتى الجنيه الأخرى التى نسب للطاعن أنه أخذها ليدفعها لعمال مصلحة الأملاك الأميرية للحصول على أرض جهة المكس - يلاحظ أنه فى هذه الدعوى بخصوصها لا ترى المحكمة وجها لاعتبار ما وقع من المتهم جريمة معاقبا عليها لأنه حتى مع عدم قبول ما ادّعاه من أنه أخذ هذا المبلغ لذمة أتعابه كوسيط يعمل لمصلحة الإرسالية فان المجنى عليه هو من رجال الدين المحترمين الذين يجب أن يربأوا بأنفسهم عن السعى فى رشوة الموظفين، والذين هم مفروض فيهم أنهم يعلمون أن الرشوة محرّمة وأن عمال الحكومة ليس من السهل إرشاؤهم ولا التصديق بذلك، فاذا صحت عبارة الأب ماروث التى رواها الحكم فمعنى ذلك أنه يكون قد تساهل جدّا فى شأن نفسه وفيما يقتضيه مركزه من عدم التصديق بمثل ما يكون الطاعن أوهمه به؛ ويكون إذن ما رواه الحكم بيانا للطريقة الاحتيالية ليس من شأنه أن يؤثر فى مثله، ولا يكون بذلك سوى مجرّد كذب غير منتج للإجرام قانونا.