مجموعة القواعد القانونية التى قررتها محكمة النقض والإبرام فى المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثانى (عن المدة بين 6 مارس سنة 1930 وبين 31 أكتوبر سنة 1932) - صـ 269

جلسة 19 مارس سنة 1931

تحت رياسة حضرة صاحب السعادة عبد العزيز فهمى باشا.

(211)
القضية رقم 642 سنة 48 القضائية

تهديد بجريمة ضدّ النفس أو المال. لا تفريق فى الجرائم المهدّد بها.
(المادة 284 ع فقرة أخيرة)
من الخطأ القول بأن الفقرة الأخيرة من المادة 284 من قانون العقوبات لا تنطبق إلا فى صورة ما يكون التهديد هو بالتعدّى على الأشخاص أو إيذائهم؛ بل الصحيح أنها تنطبق على جميع الجرائم التى يهدّد بها ضدّ النفس كانت أو ضدّ المال ما دامت تلك الجرائم لا تبلغ فى الجسامة درجة الجرائم المشار إليها فى الفقرات الثلاث الأولى من تلك المادة.
الطعن رقم 642 سنة 48 القضائية المقدّم من عبد الحميد عطية منصور ضدّ النيابة العامة.


الوقائع

اتهمت النيابة الطاعن المذكور بأنه فى يوم 25 أكتوبر سنة 1929 الموافق 22 جمادى الأولى سنة 1348 بالزقازيق هدّد كتابة أحمد إبراهيم الجناينى وزوجته زينب رفاعى بالقتل وإتلاف الزراعة وكان هذا التهديد مصحوبا بتكليف بأمر وهو عدم زراعة الأرض فى السنة المقبلة. وطلبت إحالته على محكمة الجنايات لمحاكمته بالمادة 284 من قانون العقوبات.
وبتاريخ 22 يناير سنة 1930 قرر حضرة قاضى الإحالة إحالته على محكمة جنايات الزقازيق لمحاكمته بالمادة المذكورة.
وبعد أن نظرت محكمة الجنايات هذه القضية قضت فيها حضوريا بتاريخ 15 أبريل سنة 1930 عملا بالمادة السابقة بمعاقبة المتهم بالحبس مع الشغل شهرين باعتبار الحادثة جنحة.
فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض والإبرام بتاريخ 29 أبريل سنة 1930 وقدّم حضرة المحامى عنه تقريرا بالأسباب بتاريخ 3 مايو سنة 1930.


المحكمة

................
حيث إن الطعن قدّم وبينت أسبابه فى الميعاد فهو مقبول شكلا.
وحيث إن محصل الوجه الأوّل أن الواقعة لا يعاقب عليها القانون لأنها بحسب ما أثبته الحكم تنحصر فى أن الطاعن "هدّد أحمد إبراهيم الجناينى وزوجته بإتلاف الزراعة وكان هذا التهديد مصحوبا بتكليف بأمر وهو عدم زراعة الأرض فى السنة المقبلة" فهى تهديد بالتعدّى على المال لا على النفس؛ وقد أخطأت المحكمة إذ عاقبت عليها كجنحة بمقتضى الفقرة الأخيرة من المادة 284 من قانون العقوبات لأن هذه الفقرة لا تنطبق إلا إذا كان التهديد هو بالتعدّى على الأشخاص أو إيذائهم بدليل أن العبارة الفرنسية المقابلة للفظى التعدّى والإيذاء هى (Voies de fait ou violences) وهى ألفاظ لا تستعمل مخالفة القانون إلا للتعدّى على الأشخاص فقط.
وحيث إن التفسير الذى يذهب إليه الطاعن فى غير محله: (أولا) لأن المادة 284 واردة فى باب السرقات والاغتصاب أن التعدّى على الأموال لا على الأشخاص. فتفسير المادة المذكورة يجب أن يلاحظ فيه موطنها من القانون وهو موطن يجعل التعدّى على المال هو الأصل والتعدّى على الأشخاص هو الاستثناء النابى عن موضعه. (ثانيا) إن المادة 284 فى مجموعها مؤسسة فى أحكامها على جسامة الجريمة المهدّد بها، فالفقرات الثلاث الأولى منها تنص على العقوبات فى أحوال التهديد بجريمة معاقب عليها بالقتل أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة أو بجريمة موضوعها إفشاء أمور أو نسبة أمور مخدشة بالشرف، والفقرة الأخيرة منها مسوقة لبيان العقاب متى كانت الجريمة المهدّد بارتكابها لا تبلغ درجة جسامة الجرائم المشار إليها بالفقرات السالفة المذكورة. وبما أن تلك الجرائم المهدّد بها المشار إليها فى الفقرات السابقة قد صرح النص بأن لا فرق بين أن تكون ضدّ النفس أو المال فلا يوجد أى سبب عقلى يؤذن بتخصيص الجرائم القليلة الجسامة المنصوص عليها بالفقرة الأخيرة بأنها هى التى تكون ضد النفس فقط لا ضد المال. (ثالثا) إذا صح أن لفظ الإيذاء الوارد بالفقرة الأخيرة المذكورة لا يستعمل إلا فى الاعتداء على الأشخاص فإن لفظ التعدّى الوارد بها عام المدلول اللغوى لا فرق فى معناه بين الاعتداء على النفس وبين الاعتداء على المال، بل هو يصدق عليهما جميعا. فمن التعسف القول بأنه هو ولفظ الإيذاء لا ينصرفان معا إلا للاعتداء على الأشخاص فقط. (رابعا) إذا صح أن ألفاظ ((Voies de fait ou violences الواردة بالنسخة الفرنسية أكثر ما يكون استعمالها هو فى الاعتداء على الأشخاص إلا أن اللغة الفرنسية لا تمنع استعمالها فى الاعتداء على الأموال، كما أن علماء القانون يستعملونها أيضا فى هذا المعنى الأخير. (خامسا) إن عبارة المادة 284 بالحالة التى هى عليها الآن قد صدر بها القانون رقم 28 فى 16 يونيه سنة 1910 بعد عرضها على مجلس شورى القوانين وأخذ رأيه فيها، ولا يوجد فى المذكرة الإيضاحية التى قدمت مع مشروع هذه المادة لمجلس شورى القوانين كما لا يوجد فى تقرير المستشار القضائى الذى صدر عقب القانون رقم 28 سنة 1910 أدنى ما يساعد على التفسير الذى يذهب إليه الطاعن بل إن نص المذكرة وعبارة التقرير كلاهما عام كعموم نص الفقرة الأخيرة من المادة وهما كمثلها لا يشير أيهما إلى تفريق فى الجرائم المهدّد بها ولا تخصيص لها بأن تكون ضد النفس بل يشيران كمثلها إلى جرائم مهدّد بها تكون أقل جسامة من الجرائم المشار إليها فى الفقرات الثلاث الأولى. وبما أن الجرائم المشار إليها فى هذه الفقرات منصوص صراحة على أنها قد تكون ضد المال كما تكون ضد النفس وبما أن الأقل جسامة منها منه ما هو ضدّ المال ومنه ما هو ضد النفس فلا محل مطلقا لتخصيص العموم الذى ورد به النص؛ وكل تخصيص من هذا القبيل يكون تحكما بلا دليل.
وحيث إنه لذلك يتعين رفض الوجه الأوّل.
وحيث إن مبنى الوجه الثانى انعدام ركن التهديد لأن الخطاب الذى يتضمن هذا التهديد لا يشتمل إلا على عبارات عديمة المعنى لا تحدث فزعا أو خوفا فى نفس من أرسل إليه.
وحيث إن هذا الوجه غير صحيح.