مجموعة القواعد القانونية التى قررتها محكمة النقض والإبرام فى المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثانى (عن المدة بين 6 مارس سنة 1930 وبين 31 أكتوبر سنة 1932) - صـ 303

جلسة 7 مايو سنة 1931

برياسة حضرة صاحب العزة محمد لبيب عطية بك.

(253)
القضية رقم 1472 سنة 47 القضائية

( أ ) نقض وإبرام. الطعن بالنقض. ميعاد تقديم الأسباب. شرط منح أجل تقدّم فيه الأسباب. رأى محكمة النقض الجديد. التمييز بين الطعون المقدّمة قبل هذا الرأى وبين الطعون المقدّمة بعده.
(المادة 231 تحقيق)
(ب) أوامر الحفظ المنصوص عليها بالمادة 42 تحقيق. وجوب إثباتها بالكتابة الصريحة. هل يمكن أن يكون أمر الحفظ ضمنيا؟
(المادة 42 تحقيق)
(جـ) دعوى عمومية. رفعها على موظف. موافقة الرئيس الإدارى على رفعها أو عدم موافقته. أثرها قانونا.
(د) قبض وحبس وحجز بدون وجه حق. انطباق المادتين 242 و244 ع على الموظفين وغيرهم. الفرق بين هذه الجريمة وجريمة استعمال القسوة المنصوص عليها فى المادة 113 ع.
(هـ) قبض وحبس وحجز بدون وجه حق. حصوله لمناسبة انتخابات. انطباق المادة 77 من قانون الانتخاب رقم 11 لسنة 1923 على هذه الوقائع. تطبيق أشدّ العقوبتين المنصوص عليهما فى هذه المادة وفى المادة 244 ع.
(و) محل تطبيق المادة 58 ع.
(ز) حكم. استعراض الحكم لوقائع لم تذكر فى التحقيق. أثر ذلك على الحكم.
(ح) دعوى مدنية. مناط الادعاء مدنيا أمام القضاء الجنائى.
(المادة 54 تحقيق)
(ط) مسئولية الحكومة مدنيا عن أخطاء موظفيها. مناطها.
(المادة 152 مدنى)
1 - كان قضاء محكمة النقض قد استقر زمنا على منح الطاعن أجلا لتقديم أسباب الطعن إذا ما أثبت بشهادة رسمية أن الحكم المطعون فيه لم يختم فى الميعاد؛ ولكن هذه المحكمة قد انتقلت إلى رأى جديد بحكمها الصادر فى 19 مارس سنة 1931 فى القضية رقم 755 سنة 48 القضائية فقيدت منح هذا الأجل بوجوب التقرير من الطاعن فى قلم الكتاب فى ميعاد الثمانية عشر يوما بأن الحكم المطعون فيه لم يختم، وإرفاق هذا التقرير بشهادة رسمية تؤيده. وهذا الانتقال كان مثاره اتقاء التفكك فى المواعيد؛ فمن الواجب عدلا التمييز بين الطعون التى قدّمت قبل صدور الحكم الذى قرّر الرأى الجديد وبين الطعون التى قدّمت بعده، فان الطعون الأولى لا يطبق على مقدّميها هذا الرأى الجديد، لأنهم قدّموها فى وقت كان يكفى فيه لمنحهم أجلا جديدا أن يقدّموا شهادة بعدم ختم الحكم جريا على رأى محكمة النقض القديم.
2 - أوامر الحفظ المنصوص عليها بالمادة 42 تحقيق جنايات هى من الأعمال القضائية الواجب أن تكون ثابتة بالكتابة ومؤرخة وموقعا عليها من الموظف المختص باصدارها؛ ولا يقبل الاستدلال عليها لا بشهادة الشهود ولا بالاستنتاج من أعمال أخرى إدارية أو قضائية، اللهم إلا إذا كان العمل يلزم عنه هذا الحفظ حتما وبالضرورة العقلية، كصورة التقرير بعد التحقيق برفع دعوى البلاغ الكاذب، إذ أن هذا التقرير دال بلفظه وبطريق اللزوم العقلى على أن من اتهمهم المبلغ بريئون. فى مثل هذه الصورة يكون الحفظ ضمنيا ويكون صحيحا منتجا آثاره [(1)] [(2)].
3 - اتفاق النائب العمومى مع الرئيس الإدارى على رفع الدعوى العمومية على موظف تابع لهذا الرئيس أو اختلافهما على رفعها لا يمكن أن يكون له أى أثر قانونى على سير هذه الدعوى العمومية. فاذا أمر النائب العمومى برفعها على موظف بدون الحصول مقدّما على ترخيص رئيسه قامت الدعوى سليمة وأنتجت نتائجها ولو سبق أن كان وعد النائب العمومى بحفظها، إذ هذا الوعد عديم الأثر على سير الدعوى.
4 - المادة 113 من قانون العقوبات لا تنطبق إلا على من استعمل القوّة من الموظفين اعتمادا على سلطة وظيفته، ولا تتسع لحالات القبض والحبس والحجز بدون وجه حق لاسيما إذا كانت مشفوعة بالتعذيبات البدنية المنصوص عليها بالمادتين 242 و244 ع. أما هاتان المادتان فلورودهما بالكتاب الثالث فى الباب الخامس من قانون العقوبات الذى عنوانه "القبض على الناس وحبسهم" "بدون وجه حق"، ولكون نصيهما مطلقين فهما وحدهما الواجب تطبيقهما فى أحوال القبض والحبس والحجز المذكورة أيا كان الجانى موظفا أم غير موظف.
5 - إذا كانت الوقائع التى تكوّن الجناية المنصوص عليها بالمادة 244 عقوبات حصلت لمناسبة إجراء انتخابات بحيث يمكن أن يكون منها ما ينطبق كذلك على المادة 77 من قانون الانتخاب رقم 11 لسنة 1923 فانه يكون من المتعين على المحكمة توقيع أشدّ العقوبتين.
6 - لا محل لتطبيق المادة 58 عقوبات إلا إذا كان ما وقع من الموظف قد كان تنفيذا لأمر سائغ مشروع صادر إليه من رئيس وجبت عليه إطاعته أو اعتقد أنها واجبة. أما إذا كانت الوقائع مما لا يمكن للرجل العادى الفهم أن يفترض فيها أنها مما يجوز للرئيس أن يأمر مرءوسيه بارتكابها لخروجها عن حدوده فلا محل إذن لتطبيق هذه المادة.
7 - استعراض الحكم لوقائع لم تذكر فى التحقيق لا يكون سببا لنقضه ما دام أن المحكمة لم تأت به إلا تصويرا لما اعتقدته من تفاصيل الأعمال المسندة إلى المتهمين ولم يضار المتهم به ولم يكن سببا لتشديد العقوبة [(3)].
8 - المادة 54 تحقيق جنايات واسعة النص. وهى ترخص لكل من ادعى باصابته بضرر من الجريمة أن يدعى مدنيا أمام القضاء الجنائى، ولم يفرق النص بين الضرر المباشر والضرر غير المباشر.
9 - مسئولية الموظف عن التعويض شخصيا قبل من أصابه ضرر من جراء سوء سير الأعمال فى مصلحة عامة لا يعفى الحكومة من الضمان. وقد استقر القضاء على أن الحكومة تسأل مدنيا عن أخطاء موظفيها إذا ارتكبت أثناء تأدية الوظيفة أو بسببها [(4)] أو بمناسبتها [(5)] وكان الموظف يعمل لحساب الحكومة.
الطعن المقدّم من محمد عثمان وآخرين ومن وزارة الداخلية بصفتها ضامنة لما قضى به من التعويض قبل المتهمين ضدّ النيابة العامة فى دعواها رقم 1064 سنة 1930 المقيدة بجدول المحكمة رقم 1472 سنة 47 قضائية. ومحمود باشا الإتربى وآخرين مدعين بحق مدنى.


الوقائع

اتهمت النيابة الطاعنين وآخرين حكم عليهما غيابيا وهما أحمد فريد التهامى ومحمد مبروك بأنهم فى المدّة ما بين 4 و9 من شهر مايو سنة 1925 بجهة إخطاب مركز أجا بمديرية الدقهلية قبضوا على كل من على أبو شوشة وسيد أحمد جمال الدين وآخرين. وأودعوهم بنقطة بوليس إخطاب وحبسوهم بها بغير وجه حق مددا تتراوح بين يوم وأربعة أيام وعذبوهم بالتعذيبات البدنية - بأن ضربوهم على أيديهم وأجسامهم بالعصى والسياط وكانوا يقيدونهم بالحبال ويعلقون أقدامهم ويضربونهم عليها ويجعلونهم يدورون على شكل حلقة ويوسعونهم ضربا بالعصى والسياط ويرقدون صفوفا على بطونهم ويعملون حركات عسكرية من رفع وخفض وقيام وقعود ويتسمى كل منهم باسم امرأة يختاره وكانوا يكلفونهم بالكنس والرش وتمهيد الأرض وبعد أن تبتل الأرض بالماء يأمرونهم بأن يتمرّغوا عليها فتتلوث أجسامهم بالطين وأحضروا لهم قصاص البهائم فقص لكثير منهم شعور رؤوسهم وشواربهم بمقص البهائم بشكل مشوّه وقد أحدثوا بهم الإصابات والآثار البدنية المبينة فى التقارير الطبية. وطلبت إحالتهم على محكمة الجنايات لمحاكمتهم بالمواد 242 و244 و113 من قانون العقوبات.
وبتاريخ 8 يونيه سنة 1927 أصدر حضرة قاضى الإحالة أمرا باحالتهم على محكمة جنايات المنصورة لمحاكمتهم بالمواد المذكورة على التهم السالفة الذكر أو محاكمتهم بطريق الخيرة بالمادة 113 عقوبات لأنهم فى المدة ما بين 4 إلى 9 من شهر مايو سنة 1925 باخطاب مركز أجا بمديرية الدقهلية استعملوا القسوة مع جميع الأشخاص السالف ذكرهم بأن ضربوهم وأحدثوا آلاما بأجسامهم وأحضروا بعضهم للنقطة وحجزوهم بها واستعملوا معهم أعمال العنف بضربهم على أجسامهم وربطهم بالحبال وجعلهم يدورون على شكل حلقة واضطروهم إلى التسمى بأسماء نساء وتكليفهم بالكنس والرش وتمهيد الطرق وتلويثهم بالطين وقص شعر رؤوسهم وشواربهم بمقص المواشى. وقد ترك الضرب بأجسام المجنى عليهم الإصابات المبينة بالتقارير الطبية.
وادعى المدعون بالحق المدنى الأوّل بمبلغ عشرة آلاف جنيه والثانى بمبلغ 2000 جنيه والثالث بمبلغ 50 جنيها وكل من الباقين مبلغ مائة جنيه قبل المتهمين جميعا بالتضامن مع وزارة الداخلية عدا المدعى المدنى الثالث فانه يطلب تعويضه قبل أحمد فريد التهامى متضامنا مع الوزارة.
وعند نظر الدعوى أمام محكمة الجنايات دفع سعادة توفيق دوس باشا بعدم قبول الدعوى العمومية لصدور قرار من سعادة النائب العمومى بحفظ الدعوى. فقضت المحكمة فى هذا الدفع برفضه وباعتبار الدعوى العمومية قائمة. وبعد سماع شهادة الشهود ومرافعة النيابة والمدعين بالحق المدنى دفع حضرات المحامين الحاضرين عن الطاعنين أوّلا بأن ما وقع منهم لا عقاب عليه قانونا طبقا لأحكام المادة 58 من قانون العقوبات، ودفع حضرة أحمد رشدى أفندى المحامى بأن الواقعة المسندة إليهم على فرض أنهم غير معفين من العقاب فهى جنحة داخلة تحت حكم المادة 113 عقوبات وليست من الجنايات المنصوص عنها بالمادة 244. فبعد أن سمعت المحكمة هذه الدفوع وكذا الموضوع قضت حضوريا بتاريخ 15 يناير سنة 1930 عملا بالمواد 113 و242 و244 و32 و17 من قانون العقوبات بحبس كل من الطاعنين ستة شهور مع الشغل مع إلزامهم والمحكوم عليهما غيابيا ووزارة الداخلية بالتضامن بأن يدفعوا مبلغ ألفى جنيه لمحمود الإتربى باشا ومصاريف دعواه المدنية وألف قرش أتعاب محاماة ومبلغ خمسمائة جنيه لمحمود بك عبد النبى ومصاريف دعواه المدنية وخمسمائة قرش أتعاب محاماة وإلزام أحمد فريد التهامى ومحمد مبروك - المحكوم عليهما غيابيا - والحكومة متضامنين بأن يدفعوا لأحمد التوسانى ألف قرش تعويضا والمصاريف المدنية، وإلزام أحمد فريد التهامى ومحمد مبروك ويس عبد الكريم والحكومة بأن يدفعوا متضامنين لكل من سيد أحمد جمال الدين. ومحمد مندور مبلغ ألف قرش تعويضا والمصاريف المدنية وإلزام أحمد فريد التهامى ومحمد عثمان وعلى كريم والحكومة متضامنين بأن يدفعوا لإسماعيل بلال مبلغ ألف قرش تعويضا ومصاريف دعواه المدنية، وإلزام أحمد فريد التهامى ومحمد عثمان ومحمد مبروك والحكومة متضامنين بأن يدفعوا إلى محمود محمد عوض مبلغ ألف وخمسمائة قرش ومصاريف دعواه المدنية وإلى أحمد إبراهيم داود مبلغ ألف قرش ومصاريف دعواه المدنية، وإلزام أحمد فريد التهامى والحكومة متضامنين بأن يدفعا إلى أحمد أحمد النحاس مبلغ ثلاثين جنيها ومصاريف دعواه المدنية.
فطعن المتهمون فى هذا الحكم بطريق النقض والإبرام فى ثانى يوم صدوره، وقدّم حضرة المحامى عنهم تقريرا بالأسباب فى 12 فبراير سنة 1930، كما طعن أيضا مندوب وزارة الداخلية فى 23 يناير سنة 1930 وقدّم تقريرا بالأسباب بتاريخ 3 فبراير سنة 1930.
وبالجلسة التى حدّدت لنظر هذا الطعن دفعت النيابة ودفع حضرة المحامى عن المدعين بالحق المدنى بعدم قبول طعن المتهمين شكلا لتقديمهم أسباب طعنهم هذا بعد الميعاد القانونى، وطلب حضرة المحامى عن المتهمين رفض هذا الدفع للأسباب المدوّنة بمحضر الجلسة. وبعد أن ضمت المحكمة هذا الدفع إلى الموضوع وسمعت دفاع طرفى الخصوم أجلت الحكم إلى جلسة هذا اليوم.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
بما أن النيابة والمدعين مدنيا طلبوا القضاء بعدم قبول طعن محمد عثمان، ويس عبد الكريم، وعلى كريم، وعبد الرحمن الشربينى من جهة الشكل لأن الأسباب التى بنى عليها لم تصل لقلم كتاب محكمة النقض إلا فى يوم 12 فبراير سنة 1930 فى حين أن الحكم المطعون فيه صدر فى 15 يناير سنة 1930.
وبما أن قضاء هذه المحكمة بشأن موعد تقديم أسباب الطعن فى حالة فوات التوقيع على أصل الحكم المطلوب نقضه فى أجل ثمانية الأيام المضروبة قد اختلفت وجهاته ثم استقر من عهد غير قريب على رأى يقضى بمنح الطاعن أجلا يقدّم فيه أسباب طعنه إذا ما أثبت بشهادة رسمية أن الحكم المطعون فيه لم يختم فى الأجل المحدّد قانونا. وبعد ذلك بدا أن هذا الرأى فيه ترخيص قد يكون غير حميد الأثر ومدعاة للفوضى فقيد منح أجل جديد لتقديم الأسباب بوجوب التقرير فى قلم كتاب من الطاعن أو وكيله فى ميعاد الثمانية عشر يوما بأن الحكم المطعون فيه لم يختم وإرفاق هذا التقرير بشهادة رسمية تؤيده.
وبما أن هذا القيد الجديد الذى وضعته هذه المحكمة لأول مرة فى حكمها المؤرّخ فى 19 مارس سنة 1931 فى القضية رقم 755 سنة 48 قضائية قد كان مثاره كما تقدّم اتقاء التفكك فى المواعيد الذى بدا كأثر للرأى القديم حتى أن بعض الطاعنين كان يطول قعودهم عن إعداد وجوه طعنهم شهورا بعد ختم الحكم ويمثلون أمام محكمة النقض وليس بيدهم أسباب طالبين منحهم أجلا جديدا لتقديمها، فالرأى الحديث يؤدّى بلا ريب إلى استشعار كل طاعن بواجبه ويدعوه لتعقب الحكم، حتى إذا ما انقضى ميعاد ختمه لزمه واجب آخر وهو أن يقدّم تقريرا بذلك مؤيدا بشهادة رسمية يودعه قلم الكتاب فى مدى الثمانية عشر يوما؛ إلا أنه من جهة أخرى يجب التمييز عدلا بين الطعون التى قدّمت قبل صدور الحكم الذى أعلن هذا الرأى الجديد والطعون التى تلته، فان الطعون الأولى كان أصحابها على يقين بعد حصولهم على الشهادة المثبتة لفوات ختم الحكم فى ثمانية الأيام المضروبة أنهم لابد سيمنحون أجلا جديدا من محكمة النقض لتقديم الأسباب جريا على رأيها القديم.
هؤلاء الطاعنون ينادى الإنصاف بأن لا يطبق عليهم الرأى الجديد. فقد قعدوا عن التقرير أمام قلم الكتاب فى بحر الثمانية عشر يوما بأن الحكم لم يختم مسترشدين بقضاء هذه المحكمة الذى استقر زمنا وبعد أن فات هذا الموعد أعلن الرأى الجديد، فوجب عدلا أن لا يضاروا به على شريطة أن لا يكونوا استغلوا ظرف فوات ختم الحكم فى موعده وظلوا ساكتين حتى موعد جلسة النقض وليس بيدهم أسباب لطعنهم. بهذا يستقيم الرأى الجديد ويثبت حكمه ويرفع الظلم فى الحالات العارضة التى أوجدها الانتقال من رأى إلى رأى.
وبما أن حالة المتهمين الطاعنين تنطبق على تلك الشروط بل إنهم عنوا بالتقدّم فيها خطوة؛ فقد قدّموا أسباب طعنهم لقلم الكتاب فى 12 فبراير سنة 1930 أى قبل أول جلسة أمام هذه المحكمة والحكم ثبت أنه لم يختم إلا فى 29 يناير سنة 1930؛ ثم إن هذه المحكمة منحتهم فى جلسة 12 يونيه سنة 1930 أجلا يمتد إلى آخر ذلك الشهر ليقدّموا أسبابا جديدة فأكدت بذلك رأيها القديم وارتبطت فى شأنهم ارتباطا لا يجوز معه تطبيق الرأى الجديد.
وبما أنه يبين من ذلك أن لا محل لقبول دفع النيابة والمدعين مدنيا ويجب قبول طعن المتهمين شكلا.
وبما أن السبب الأوّل من وجوه طعن المتهمين يتلخص فى أن الدعوى العمومية ما كان يجوز رفعها عليهم لأن النيابة العمومية سبق أن حفظتها ولم يظهر بعد حفظها دليل جديد ولم يلغ أمر الحفظ طبقا للمادة 42 من قانون تحقيق الجنايات، وجاء الطاعنون فى سبيل تأييد هذا الوجه بنظريتين: الأولى أن القانون لم ينص على وجوب كتابة أمر الحفظ بل إن صدور هذا الأمر وقيام الثبوت عليه يكفى لإنتاج أثره؛ والثانية أن الدعوى العمومية يجب قانونا لرفعها على موظف أن يرخص رئيسه الإدارى بذلك. وقد فرعوا عن هذه النظرية الأخيرة حكما مستنتجا وهو أن سكوت النائب العام على كتاب وزير الداخلية الذى أرسله إليه مع ملف الدعوى فى 25 يونيه سنة 1925 معلنا رفت ملاحظ البوليس ومجازاة مأمور المركز وذاكرا أنه يعيد هذا الملف لحفظ الأوراق بناء على الاتفاق الشفوى الذى تم - هذا السكوت الذى دام سنة ونصف سنة لا يمكن أن يفهم منه إلا أن أمرا بالحفظ قد صدر، أما فوات تدوين هذا الأمر فى ورقة وإثباته فى دفاتر النيابة فانه تقصير أو تراخ يجب أن لا يضارّ به المتهمون.
وبما أن هذه المحكمة سبق أن قضت فى حكمها الرقيم 30 يناير سنة 1930 فى القضية رقم 2680 سنة 46 قضائية بما يأتى: (إن أوامر الحفظ المنصوص عليها بالمادة 42 من قانون تحقيق الجنايات هى من الأعمال القضائية الواجب أن تكون ثابتة بالكتابة الصريحة ومؤرّخة وموقعا عليها من الموظف ذى الاختصاص فى إصدارها ولا يقبل الاستدلال عليها لا بشهادة الشهود ولا بالاستنتاج من أعمال أخرى إدارية كانت أو قضائية، اللهم إلا إذا كان العمل يلزم عنه هذا الحفظ حتما وبالضرورة العقلية كصورة التقرير بعد التحقيق برفع دعوى البلاغ الكاذب؛ إذ هذا التقرير دال بلفظه وبطريق اللزوم العقلى على أن من اتهمهم المبلغ هم بريئون لا شائبة عليهم وأن النيابة ترى محاكمة من اتهمهم ظلما وزورا. فى مثل هذه الصورة - ولعلها الوحيدة - يكون الحفظ ضمنيا ويكون صحيحا منتجا آثاره).
وبما أن الطاعنين يرون أن هذا المبدأ لا يقيد المحكمة فى اقتضاء الكتابة فى جميع أوامر الحفظ لأنه أقرّ أحوالا يكون فيها الحفظ ضمنيا يستخلص بالضرورة العقلية وقد ضرب لذلك مثلا وهو البلاغ الكاذب وتقرير رفع الدعوى عنه.
وبما أن المفهوم أن محكمة النقض لم ترد أن تغلق باب الحفظ الضمنى والمثال الذى ساقته وإن كان نعت بأنه يكاد يكون الوحيد بقى مثالا لا حالة واحدة محصورة فيجب إذن استيعاب الحجة التى يسوقها الطاعنون تأييدا لدعواهم بأن أمر الحفظ قد صدر فعلا من النائب العام وإن كان لم يظهر له أثر مكتوب.
وبما أن أوّل ما يلاحظ بادى الرأى أن صيغة كتاب وزير الداخلية للنائب العام فيه توكيد بأن اتفاقا شفويا قد تم بينهما أنتج مجازاة ملاحظ البوليس بالرفت ومجازاة مأمور المركز بقطع مرتب عشرة أيام، وأن هذا الجزاء قد وقع فعلا فأصبح لزاما تنفيذ الشق المقابل من الاتفاق وهو الحفظ فالسكوت من جانب النائب العام بعد هذا الكتاب الصريح المعنى واستمرار ذلك السكوت سنة ونصف سنة من شأنه أن يؤوّل من الطاعنين كدليل على حفظ تم وإن لم يبرز ماديا فى صورة أمر مكتوب؛ على أن المهم فى الأمر أن جزاء وقع وكان فادحا للملاحظ إذ أنه رفت من الخدمة والعهد فى الجزاءات الإدارية إذا ما وقعت قبل رفع الدعوى العمومية أن يكون فيها الغناء عن رفعها وأن التعجيل بها يقطع بذلك إذ المحاكمة الجنائية قد تنتج البراءة مضافا إليها ما قد يفهم منه دفع المسئولية الإدارية أيضا، فالقضاء إداريا بالرفت وطلب الحفظ بعد تنفيذ هذا الجزاء يقتضى فى نظر الطاعنين بطريق اللزوم العقلى تأويلا واحدا وهو أن الأوراق قد حفظت وللمتهم الذى جوزى بأكبر جزاء إدارى أن يطمئن إلى أن المحاكمة الجنائية قد تحوّل سيفها عن رأسه؛ ولكن من جهة أخرى قد ورد على لسان ممثل النيابة فى جلسة 15 يناير سنة 1929 أن الأمر لم يتعدّ قرارا شفويا حصل بين وزير الداخلية والنائب العام وورد أيضا فى مذكرة رئيس نيابة المنصورة المؤرّخة فى 30 أبريل سنة 1927 أنه استعلم من النائب العام شخصيا فأذن له أن يقرر أنه بعد انتهاء التحقيق حصلت مخابرات بين النيابة ووزارة الداخلية ولكن بشأن الجزاء الإدارى فقط وطلب النائب العام طلبات فى هذا الشأن لم تجبه إليها كلها وزارة الداخلية وأخيرا اتفق على إرجاء البت فى المسألة لوقت ما ولم يحصل اتفاق قط على حفظ الدعوى ولذلك لم يصدر قرارا لا بالحفظ ولا بالسير فى الدعوى واستمر ذلك إلى أن رأى أخيرا رفع الدعوى فأصدر أمره برفعها بعد استيفاء تحقيق بعض نقط رآها.
لا ريب أن الطريقة التى اتخذت فيها شذوذ وتصرف غير معهود أنتج حالة غير عادية وولد عقيدة عند المتهم الغائب وشركائه يمكن أن يقال إنه كان من حقهم أن تسارع النيابة إلى تصحيحها، لاسيما إذا لوحظ أن قرار مجلس الوزراء الصادر فى سنة 1895 والذى كان حكمه فى ذلك الحين نافذا قد فرض على الوزير الذى يتبعه الموظف الذى يراد محاكمته أن يستقر على رأى فى مدى خمسة عشر يوما من تاريخ مخابرة وزير الحقانية إياه فلو أن النائب العام لم يقبل ما جاء فى كتاب وزير الداخلية المؤرخ فى 25 يونيه سنة 1925 لصحح واقعة هامة فيه وهى حصول الاتفاق، ولاتخذ السبيل الذى رسمه قرار مجلس الوزراء.
وهنا يأتى موضع البحث الذى ساقه الطاعنون من وجوب الحصول على ترخيص الرئيس الإدارى برفع الدعوى العمومية وإلا كان رفعها باطلا لأن هذا الترخيص عنصر من عناصر سلامتها وقيامها وعدم وجوده معطل ومميت لها ولا يمكن أن تحيا بغيره.
هذا الرأى لا يتفق إطلاقا مع روح التشريع وآراء الفقهاء إذ الاتفاق أو الخلاف مع الرئيس الإدارى على رفع الدعوى العمومية أو على حفظها لا يمكن أن ينتج أى أثر قانونى على سيرها، وإذ أمر النائب العام برفع الدعوى العمومية على موظف من غير أن يحصل مقدّما على ترخيص من رئيسه نفذ أمره وقامت الدعوى سليمة وأنتجت نتائجها. أما تصرفه من الناحية الإدارية فله شأن آخر. ويتفرّع عن هذا الرأى أن الوعد بالحفظ والقعود عن تنفيذ ذلك الوعد هو إجراء جائز للنائب العام وإذا رتب نتائج فهى لا تمس الدعوى العمومية بأية حال.
وبما أن المحكمة ترى أن المستخلص من سيرة الإجراءات التى اتخذت فى شأن هذه الدعوى أن النائب العام لم يصدر أمرا بالحفظ وإنما اتفق مع وزارة الداخلية على أن يصدره بشروط اشترطها لم تتم ثم بدا له أن يتخذ بين ذلك سبيلا فسكت طويلا عن التصرف فى الدعوى واهتدى أخيرا إلى رفعها؛ وهو تصرف ليس فى وسع المحكمة الحكم على ظروفه وما قد يكون له من مبررات وإنما تأخذ منه الواقعة المهمة وهى أن أمرا بالحفظ لم يصدر وأن طمأنينة الطاعنين كانت مخدوعة بالظواهر لا بالحقيقة، وأنه لهذا لا يصح أن يرتب لهم حقا وإن عذروا؛ ولو أنهم كانوا حريصين على بناء طمأنينتهم على أساس لطلبوا صورة من قرار الحفظ الذى ظنوا أنه صدر وعندئذ كان ينكشف لهم الواقع.
وبما أنه يتبين من ذلك أن الحالة التى استعرضها الطاعنون ليست مما يؤخذ منها صدور حفظ ضمنى يفهم بطريق اللزوم العقلى، وإنما هى ملابسات وظواهر ولدت عقيدة خاطئة كان فى استطاعة الطاعنين تصحيحها بطلب صورة من أمر الحفظ، فالوجه الأوّل الذى بنى على هذه المسألة لا محل لقبوله إذن ويتعين رفضه.
وبما أن الوجه الثانى من طعن المتهمين يدور حول اعتبار الواقعة الثابتة فى الحكم جنحة تنطبق عليها المادة 113 لا جناية تنطبق عليها المادة 244 من قانون العقوبات.
وبما أن بحث هذا الوجه يقتضى المقارنة بين تينك المادتين والمواد المقابلة لهما فى قانون العقوبات الفرنسى واستعراض ما ذهب إليه فقهاء القانون فى تفسير المواد الفرنسية.
وبما أنه لا نزاع فى أن المادتين 242 و244 من قانون العقوبات الأهلى يقابلهما فى القانون الفرنسى المواد 341 إلى 344، أما المادة 113 المصرية فقد ذهب الحكم المطعون فيه إلى أنها تقابل المادة 186 فرنسية وجزم بأن لا صلة لها إطلاقا بالمادة 114 الفرنسية. وقد سارت النيابة والمدعيان مدنيا هذه السيرة فى الرأى وأتوا بعدّة حجج فى تأييده وخالفهما الطاعنون من المتهمين ذاهبين إلى أن المادة 113 المصرية هى المقابلة قطعا للمادة 114 الفرنسية وفرعوا عن ذلك نتيجة هامة وهى أن البحث الذى أثاره فقهاء القانون الفرنسى وخرج أعلامهم منه بأن المواد 341 إلى 344 مقصور تطبيقها على أفراد الناس دون الموظفين لأن أولئك لهم نص خاص وهو المادة 114 - هذا البحث يجب أن يكون نبراس هدايتنا هنا فى استظهار غرض المشرع المصرى ومراميه فى هذه النقطة.
وقد جاء فى تدليل المتهمين على توافق نص المادة 113 المصرية و114 الفرنسية أنه يوجد فى القانون المصرى مادتان متعلقتان بالجرائم التى تقع من الموظفين والأفراد على الناس الأولى جنحة تنطبق على المادة 113 والثانية جناية القبض والتعذيب (وهما على ما يرى الدفاع نوع من أنواع القسوة) وهذه الجناية تنطبق على المادتين 242 و244، وقال المتهمون إن المحكمة فى التفرقة بين الفعلين وإن اتحدت نتيجتهما هى أن الباعث لموظف على الاعتداء إنما هو شدّة حرصه على المصلحة العامة وتحمسه فى أداء الواجب المنوط به وهذان يكونان دائما أو فى الغالب سلامة النية. أما الاعتداء الحاصل من الأفراد فانما يدفعهم إليه دائما شهوة الانتقام وجذوة الحقد فاختلاف البواعث هو الذى حدا بالشرائع إلى إقامة هذه الفوارق فى الجزاء على عمل واحد تبعا لصفة مرتكبه.
جاء هذا التدليل من قبل المتهمين وهو فى ذاته على شىء من الوجاهة كانت تكمل لو أنه أشير إلى أن الشرائع أدركت أن رجال السلطة الذين فى يدهم بحكم وظائفهم إجراء القبض والحبس إذا ما وقع منهم شىء من ذلك بغير مسوّغ قانونى أو خروجا عن حدود وظائفهم فان جرمهم ينتظم بحكم عملهم الملابس لحياتهم تحت التجاوز عن حدود الوظيفة أو إساءة استعمال سلطتها. أما أفراد الناس فان لهم شأنا آخر إذ إقدام واحد منهم على القبض على رجل أو حبسه فيه معنى استلاب السلطة العامة وتنصيب نفسه مكان رجالها وهذه ناحية من الجريمة يستبين منها خطر يتصل بالفوضى ويهتم له الشارع ويتخذ فى وجهه العدّة.
ولكن هذا التدليل كاملا أو منقوصا لا يمكن الإصغاء إليه قبل البت فى منحى المادة 113 المصرية وهل ما نصت عليه من استعمال القسوة التى تحدث آلاما بالأبدان أو تخل بالشرف يمكن أن يدخل تحته فعل القبض على شخص أو حبسه أو حجزه بدون أمر أحد الحكام المختصين وهو الفعل المعاقب عليه بالمادة 242 وهل يجوز ذلك إذا اقترن القبض بتعذيبات بدنية وهو الفعل المعاقب عليه بالمادة 244.
إن الترجمة الفرنسية لعبارة استعمال القسوة جاءت هكذا (aura usé) (de violences) وعبارة أحدث آلاما بأجسامهم جاءت هكذا (Occasionner une souffrance Corporelle) فى حين أن عبارة عذب تعذيبات بدنية جاءت هكذا (soumises à des tortures Corporelles) وبدهى أن المعنى فى هذه العبارات المتقابلة يختلف اختلافا واضحا سواء أكان ذلك فى النص العربى أو فى الترجمة الفرنسية وليس بالهين افتراض أن الشارع المصرى نوّع فى أساليبه جزافا ورأى أن عبارة استعمال القسوة تفى بأداء معنى القبض والحبس والحجز حتى لو اقترن بتعذيبات بدنية ما دام أنه ذكر فى المادة 113 آلام الأجسام والإِخلال بالشرف فان هذا الافتراض فيه تعمل غير قليل وتخريج للألفاظ لا يستقيم مع معناها المصطلح عليه.
ليس بهين أن يكون المشرع المصرى أراد هذا فى سبيل تأييد مبدأ افتراض سلامة نية الموظف فى أعمال العنف التى يرتكبها أو مبدأ حرص المشرع على التشديد على الأفراد الذين يستلبون سلطانه مع أن الخلاف بين الفقهاء الفرنسيين عندما أثاروا البحث الذى يتعلق بتطبيق المواد 341 إلى 344 على أفراد الناس دون الموظفين يكاد يكون مقصورا على فكرة واحدة وهى أن الشارع الفرنسى قد نص على عقاب الموظفين فى مادة أخرى وهى المادة 114، فقد قال جارو فى الصفحة رقم 185 من الجزء الخامس من مؤلفه فى شرح قانون العقوبات إن المادة 341 وما يليها تعاقب على القبض الذى يحصل من أشخاص ليس بيدهم أمر من السلطات المختصة؛ أما المادة 114 وما بعدها فتعاقب على القبض أو الحبس الذى يقع من رجال السلطة العامة المختصين إذا كان مخالفا للقانون. وقال جارسون فى الصفحة رقم 253 من تعليقاته على قانون العقوبات ما يؤيد هذا الرأى إلى حدّ ما وإن كان أتى بتحفظات دقيقة ترمى إلى اعتبار قبض الموظفين على أفراد الناس واقعا تحت حكم المادة 341 وما بعدها إذا كانوا فى ظروف تجعلهم بعيدى الصلة بعمل وظيفتهم وقت الاعتداء الذى يقترفونه.
فالخلاف قائم إذن على أساس أن نصين قائمان فى القانون الفرنسى ذكر فى كليهما الاعتداء بالقبض على الحرّية الشخصية واستبان من موضعهما فى ذلك القانون أن أحدهما خاص بالموظفين والآخر خاص بأفراد الناس. أما فى القانون المصرى فان أساس الخلاف معدوم بما تقدّم شرحه من أن نص المادة 113 لا يتسع لحالات القبض والحبس والحجز لا سيما إذا كان مشفوعا بتعذيبات بدنية. وفوق هذا فان موضع المادتين 242 و244 جاء فى الباب الخامس من الكتاب الثالث وهذا الباب عنوانه القبض على الناس وحبسهم بدون وجه حق، والكتاب الثالث عنوانه الجنايات والجنح التى تحصل لآحاد الناس، أما المادة 113 فقد وردت فى الباب السادس من الكتاب الثانى وهذا الباب عنوانه الإكراه وسوء المعاملة من الموظفين لأفراد الناس. والكتاب عنوانه الجنايات والجنح المضرة بالمصلحة العمومية وفى هذه العناوين ما ترتسم به فكرة المشرع المصرى من أنه عدّ الاعتداء على حرية الناس فى القبض أو الحبس أو الحجز من الجرائم التى تقع إطلاقا من موظف أو غير موظف؛ وليس صحيحا أن هذه الجرائم إذا وقعت من موظف كفل عقابها الباب السادس من الكتاب الثانى إذ أن مواد هذا الباب لم يأت فيها نص عن القبض أو الحبس بغير وجه حق ولم يذكر فيها إلا التعذيب الذى يكون الغرض منه حمل متهم على الاعتراف. وهنا يجب التنويه إلى ظاهرة هامة فى النصوص المصرية وهو قصر عقاب الموظف المرتكب للتعذيب على حالة حمل متهم على الاعتراف فكأن التعذيب الذى يرتكبه الموظف لغير هذا الغرض مع شخص حبسه بغير وجه حق لا يعتبر بناء على رأى الطاعنين إلا جنحة لا تتعدّى عقوبتها الحبس سنة طبقا للمادة 113 مع أن التعذيب قد تصل فداحته إلى حدّ يعاقب عليه بالأشغال الشاقة خمس عشرة سنة إذا وقع على شخص قبض عليه بغير وجه حق. هذا هو مؤدّى الأخذ بالرأى الذى يقول به الدفاع عن المتهمين وتلك نتيجة التفرقة التى بنوها على أن الباعث للموظف على الاعتداء هو شدّة حرصه على المصلحة العامة وتحمسه فى أداء الواجب.
وبما أن الذى يستخلص من ذلك جميعا أن البحث الذى عنى به فقهاء التشريع الفرنسى ليس له محل عندنا فان المادة 113 من قانون العقوبات الأهلى لم تعن قط إلا بوسائل العنف التى لا تبلغ حدّ القبض على الناس أو حبسهم. أما المادتان 242 و244 من ذلك القانون فنصهما عام ينطبق على الموظفين وغيرهم. ويجب أن يشار هنا إلى أن الفقرة الأخيرة من المادة 244 صريحة المعنى فى أنها تشير على السواء إلى الأحوال التى تقع فى باقى فقرات تلك المادة وفى المادة 242 وجدل المتهمين فى هذه النقطة غير سائغ.
وبما أن ما جاء فى آخر الوجه الثانى من انطباق الواقعة على المادة 77 من قانون الانتخاب يرد عليه أن الوقائع الثابتة فى الحكم المطعون فيه تتكوّن منها على ما تقدّم شرحه أركان الجناية المنصوص عنها فى المادة 244 فاذا كوّنت هذه الوقائع أيضا أركان المادة 77 من قانون الانتخاب فان حكم الفقرة الأولى من المادة 32 من قانون العقوبات يجعل الجناية وحدها وهى الجريمة الأشدّ محل التطبيق.
وبما أنه يبين من هذا أن الوجه الثانى من أوجه المتهمين واجب رفضه.
وبما أن الوجه الثالث يتلخص فى أن الواقعة لا عقاب عليها طبقا للمادة 58 من قانون العقوبات لأن ما وقع من المتهمين كان تنفيذا لأمر صادر إليهم من رئيس وجبت عليهم طاعته أو اعتقدوا أنها واجبة.
وبما أن الوقائع المذكورة فى الحكم المطعون فيه والتى اعتقدت محكمة الموضوع أنها ثابتة لا يمكن أن يفترض فيها أنها مما يجوز للرئيس أن يأمر مرءوسيه بارتكابها لأنها بطبيعتها على ما وضح فى الحكم من تفصيلاتها تجعل الرجل العادى الفهم يدرك أن الرئيس الآمر بها قد خرج بهذا الأمر عن حدوده وانحرف عن واجباته فاطاعته فى مثل هذه الحال تجرّ بلا ريب مسئولية الفاعل الأصلى. وميزان التقدير فى ذلك هو كما تقدّم أن الرجل العادى يدرك تلك المسئولية. فهذا الوجه لا محل لقبوله.
وبما أن الوجه الرابع يتلخص فى أن محكمة الموضوع أدمجت فى الحكم وقائع لم تكن محلا للتحقيق ولم ترد فى قرار الاتهام كالعبارة التى سردت عن دخول المساجد وإغلاقها ومنع ذكر اسم الله فيها.
وبما أن هذه الوقائع إنما استعرضت فى الحكم تأييدا للعقيدة التى أبرزتها محكمة الموضوع فى سياق تمثيل صورة العمل المسند للمتهمين فهى توكيد لرأيها فى هذا العمل واستنكار له صيغ على مقتضى الغرض من رسمه ولم يضارّ المتهمون به فانهم كانوا سيلقون على أية حال من المحكمة الجزاء الذى قدّرته للعمل الذى وقع بالصورة التى اعتقدتها. فهذا الوجه لا محل لقبوله أيضا.
وبما أن الوجه الخامس فحواه أن محكمة الموضوع لم تلحظ أن بعض المجنى عليهم قد ثبت كذبهم من الكشف الطبى الذى أوضح أن إصاباتهم حصلت قبل الكشف عليهم بساعات والمتهمون كانوا غادروا نقطة البوليس قبل ذلك بخمسة أيام.
وبما أن هذه النقطة مهما قيل فى وجاهتها فانها ترتبط بالموضوع وليست المحكمة ملزمة بأن تردّ على كل نقط الدفاع وإن كان الواجب استظهار النقط الهامة وتفنيدها، فهذا الوجه أيضا يتعين رفضه.
وبما أن الوجه السادس بحث مسألة القعود عن ختم الحكم من 15 يناير إلى 29 منه وفرع عن ذلك أن هذا القصور يجب أن تجزيه محكمة النقض بالغاء الحكم وهو رأى لا تأخذ به هذه المحكمة فان البطلان عند وقوع هذه المخالفة لم ينص عليه.
أما ما ذكره الطاعنون فى ثنايا هذا الوجه عن تحميل كل طاعن مشقة الاستفسار فى كل حين عما إذا كان الحكم ختم أو لم يختم فقد عالجته هذه المحكمة واهتدت فيه إلى الرأى الذى يصون الفوضى ويمنع المشقة على ما ذكر فى صدر هذا الحكم ردّا على الدفع المقدّم من النيابة والمدّعين مدنيا، فيجب إذن رفض هذا الوجه.
وبما أن ما ذكره الطاعنون فى خاتمة الوجوه المقدّمة منهم ليس إلا نقدا لأسلوب الحكم وما يقولون ببعده عما يجب أن تمتاز به الأحكام من تركيز المعانى وحصرها فى الوقائع الثابتة من غير حواش من المحسنات وهو ما لا شأن لمحكمة النقض أن تتعرّض له.
وبما أن الدفع الذى قدّم بشأن طعن الحكومة ينطبق عليه الردّ الذى جاءت به المحكمة فيما يتعلق بطعن المتهمين لاسيما وأن أسباب طعن الحكومة قدّمت لقلم الكتاب يوم 3 فبراير سنة 1930 أى فى اليوم الذى تلا مباشرة الثمانية عشر يوما المحدّدة قانونا. وقد جرى قضاء هذه المحكمة على عدم احتساب اليوم الثامن عشر، فيتعين رفضه وقبول طعن الحكومة شكلا.
وبما أن الوجه الأوّل من وجوه طعن الحكومة هو عين الوجه السادس المقدّم من المتهمين وقد سبق الردّ عليه.
وبما أن الوجه الثانى يتلخص فى أن محكمة الجنايات قد أخطأت فى تطبيق القانون بقبولها دعوى المدّعيين مدنيا لأن الضرر الذى يدعيان بحصوله لهما لم يكن مباشرا للعمل المطلوب العقاب عليه فليس للقاضى الجنائى أن ينظر فيه لأن اختصاصه إنما هو اختصاص استثنائى أجازه الشارع لمصلحة العدالة وما تقتضيه الجريمة من سرعة الفصل فى الوقت المناسب وما يستلزمه زجر المتهم بالإسراع فى دفع التعويض المترتب على ارتكاب الجريمة التى تم فحصها ودرس عناصرها. أما من يكون أصابه ضرر غير مباشر من وقوع الجريمة فان أمامه الطريق المدنى إن كان له وجه.
وبما أنه يرد على هذا الوجه أن من خصوصيات القضية الحالية أن الدعوى المدنية الموجهة فيها على المتهمين تابعة للدّعوى الجنائية ودعوى الضمان بالتضامن الموجهة على الحكومة تابعة للدّعوى المدنية الموجهة على المتهمين فلا يمكن فصلها عنها.
ومن جهة أخرى فان المادة 54 من قانون تحقيق الجنايات واسعة النص وهى ترخص لكل من ادّعى باصابته بضرر من الجريمة أن يدّعى مدنيا أمام القضاء الجنائى، ولم يفرّق النص بين الضرر المباشر والضرر غير المباشر.
أما ما قد تكون عنته الحكومة من التفرقة بين الضرر الشخصى والضرر غير الشخصى على ما هو مفهوم من منحى بحثها فى هذا الوجه فلا محل للالتفات إليه. لأن محكمة الموضوع ذكرت فى صراحة أن الضرر الذى وقع قد لحق بالمدّعيين مدنيا شخصيا، وقد فصلت نواحى هذا الضرر تفصيلا وذكرت أن شقا منه كان ضررا أدبيا تمثل فى الإهانة والحط من كرامتهما وليس من ريب فى أن الضرر الشخصى يجيز تضمين مرتكبه حتى لو وقع بطريق غير مباشر. وهذا هو الرأى السائد فى القضاء الفرنسى والقضاء المصرى، فيتعين إذن رفض هذا الوجه.
وبما أن الوجه الثالث من الوجوه المقدّمة من الحكومة يتلخص فى أن حكم محكمة الجنايات جاء باطلا ومعيبا إذ أن تلك المحكمة لم تبين النص القانونى الذى بنت عليه إلزام الحكومة بالتعويض الذى قضت به ولو فرض وأنها كانت تلحظ فى حكمها المادة 152 من القانون المدنى فقد أخطأت فى ذلك التطبيق لأن علاقة الموظف بالحكومة ليست علاقة الخادم بمخدومه.
وبما أن محكمة الموضوع قد استعرضت فى حكمها عند بحث الدعوى المدنية النظرية القانونية التى بنت عليها إلزام الحكومة بالتعويض بطريق التضامن مع المتهمين فذكرت أن ضمان الموظف شخصيا لا يعفى الحكومة من ضمانها قبل الشخص الذى أصابه ضرر من جراء سوء سير الأعمال فى مصلحة عامة، واستشهدت بأحكام مجلس شورى الدولة المنشورة فى الصفحة رقم 375 من الجزء العاشر من رابيراتوار براتيك داللوز. وفى هذا غناء عن ذكر المادة التى طبقتها من القانون المدنى لاسيما وأن المادة 149 من قانون تحقيق الجنايات لا تقتضى النص فى الحكم إلا على مادة العقاب وقد استقرت أحكام القضاء المصرى على هذا الرأى وبعض تلك الأحكام ذهب إلى أبعد من ذلك إذ قرّر أن إغفال ذكر مادة قانون العقوبات نفسه لا يدعو للبطلان.
أما البحث الذى أثارته الحكومة ابتغاء نفى علاقة السيد والخادم بين الحكومة والموظف ونفى انطباق المادة 152 من القانون المدنى تبعا لذلك - هذا البحث قد استقرّ بشأنه القضاء على أن الحكومة تسأل مدنيا عن عمل موظفيها إذا ارتكب أثناء تأدية الوظيفة أو بسببها أو بمناسبتها. وقد قطعت محكمة الموضوع فى بيان وقائع الدعوى بأن الثابت على لسان جميع المسئولين فى التحقيق أن المتهمين كانوا يعملون لحساب الحكومة القائمة وقتئذ؛ على أنه حتى لو أخذ بما ذهبت إليه الحكومة فى مذكرتها بأن المادة التى كان يصح أن يقال بانطباقها هى المادة 151 من القانون المدنى لأنها فى نظرها أقرب للمعقول فان ما تدعيه الحكومة من عدم توافر شروط هذه المادة لا يمكن التسليم به على طريقة الجزم الذى أبدته لأن خطأ الرقابة الذى يندمج فى هذا البحث محل للتقدير، والأمر على أية حال فى غناء عن كل هذا بما تقدّم من البيان؛ فان محكمة الموضوع قد وفت بحث النظرية التى بنت عليها التعويض المقضى به على الحكومة ولم تكن فيه خاطئة.
وبما أنه يبين من ذلك أن هذا الوجه واجب رفضه أيضا.


[(1)] يراجع حكم محكمة النقض الصادر فى 30 يناير سنة 1930 فى القضية رقم 2680 سنة 46 القضائية.
[(2)] سكت النائب العمومى سنة ونصف سنة عن رفع الدعوى على موظف مع وجود كتاب بملف الدعوى مرسل إليه من وزير الداخلية - وهو الرئيس الإدارى لهذا الموظف - يبلغه فيه خبر فصل هذا الموظف معاقبة له على ما وقع منه ومذكور فيه أنه "أى الوزير" يعيد له ملف الدعوى لحفظ الأوراق بناء على الاتفاق الشفوى الذى تم. فمحكمة النقض قالت إن هذا السكوت مهما قيل عنه لا يفهم منه بطريق اللزوم العقلى حصول حفظ الدعوى.
[(3)] يراجع الحكم الصادر بتاريخ 31 يناير سنة 1929 فى القضية رقم 412 سنة 46 القضائية.
[(4 و5)] هذا محل لكثير من النظر.