مجموعة القواعد القانونية التى قررتها محكمة النقض والإبرام فى المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثانى (عن المدة بين 6 مارس سنة 1930 وبين 31 أكتوبر سنة 1932) - صـ 334

جلسة 11 يونيه سنة 1931

تحت رياسة حضرة صاحب السعادة عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة.

(273)
القضية رقم 47 سنة 1 القضائية

جريمة الامتناع عن تسليم طفل لمن له الحق فى حضانته. عقاب الوالد لا يجوز إلا فى حالة صدور حكم بالحضانة لغيره. الدفع ببطلان الحكم لصدوره من جهة غير مختصة. أثره.
(المادة 246 ع)
1 - لوالد الطفل المتنازع على حضانته الحق فى ضمه إليه، ولا تمكن معاملته بمقتضى المادة 246 ع - التى جرى القضاء على معاملة الوالدين بها - إلا إذا قضى بالحضانة لغيره وامتنع هو عن تسليم الطفل للمقضى له بهذه الحضانة.
2 - إنه وإن كان مما لا شك فيه أن لمحكمة النقض المراقبة على اختصاص الهيئة التى تصدر الحكم بالحضانة وأن تتأكد من كونه حكما واجب التنفيذ إلا أنه إذا كان المتهم بهذه الجريمة - جريمة الامتناع عن تسليم الطفل لمن له الحق فى حضانته - قد اعترف صراحة لدى المحكمة الشرعية بأن حكم مجلس البطريكخانة هو حكم صادر من جهة مختصة وأنه راض به، فمن الواجب مؤاخذته باعترافه الذى يدل على أن حق الحضانة هو للمدعية دونه واعتباره ممتنعا ورد الطفل لوالدته المحكوم لها بحضانته [(1)].
الطعن المقدّم من واهان دولتيان ضدّ النيابة العامة فى دعواها رقم 551 سنة 1931 المقيدة بجدول المحكمة رقم 47 سنة واحد قضائية والست عفيفة زلعوم مدّعية بحق مدنى.


الوقائع

رفعت المدّعية بالحق المدنى هذه الدعوى مباشرة أمام محكمة جنح الأزبكية الجزئية ضدّ الطاعن المذكور واتهمته بأنه أخفى ولدها، وطلبت عقابه بالمادة 247 من قانون العقوبات مع الحكم لها عليه بمبلغ قرش صاغ تعويضا.
وبعد أن سمعت المحكمة المذكورة هذه الدعوى حكمت فيها حضوريا بتاريخ 2 فبراير سنة 1929 عملا بالمادة 246 عقوبات بتغريم المتهم مائتى قرش وإلزامه بأن يدفع إلى المدعية بالحق المدنى مبلغ قرش صاغ واحد مع المصاريف المدنية.
استأنف المتهم هذا الحكم فى 5 فبراير سنة 1929.
ومحكمة مصر الابتدائية الأهلية نظرت هذه الدعوى استئنافيا وقضت فيها غيابيا بتاريخ 18 أغسطس سنة 1930 بقبول الاستئناف شكلا وبرفضه موضوعا وتأييد الحكم المستأنف وألزمت المتهم بالمصاريف المدنية الاستئنافية. عارض المتهم فيه وحكم بتاريخ 20 ديسمبر سنة 1930 بقبول المعارضة شكلا وبرفضها موضوعا وتأييد الحكم المعارض فيه.
وبتاريخ 22 ديسمبر سنة 1930 قرر المحكوم عليه بالطعن فى هذا الحكم بطريق النقض والإبرام وقدّم تقريرا بأسباب طعنه فى 5 يناير سنة 1931.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن قدّم وبينت أسبابه فى الميعاد فهو مقبول شكلا.
وحيث إن أوجه الطعن تتحصل فى: (1) أن مجلس البطركخانة الذى أصدر حكم 13 مايو سنة 1927 بتسليم الطفل إلى والدته لم يكن مشكلا تشكيلا قانونيا وأن الطاعن دفع بذلك أمام محكمة الموضوع فرفضت دفعه اعتمادا على قبوله المرافعة لدى ذلك المجلس مع أن قبول المرافعة أمام مجلس باطل التشكيل لا يمنع الطعن فى تشكيله بالبطلان ولا يصحح الحكم الذى يصدره مثل هذا المجلس الباطل التشكيل، و(2) أن الواقعة الثابتة فى الحكم لا عقاب عليها لعدم توافر أركان المادة 246 من قانون العقوبات إذ حكم 13 مايو سنة 1927 الذى تعتمد عليه المدعية بالحق المدنى فى أحقيتها بحضانة الطفل ليس صادرا من جهة مختصة مشكلة تشكيلا قانونيا كما أنه ليس إلا حكما غيابيا غير مشمول بالنفاذ المؤقت ولم يسبق إعلانه إلى الطاعن مع طلب تنفيذه، وقد امتنعت وزارتا الحقانية والداخلية عن تنفيذه فلجأت المدعية إلى المحكمة الشرعية والمحكمة الشرعية قضت برفض دعواها، و(3) أن إنذار المدعية للطاعن بتسليم الطفل لها لا يقوم مقام اتخاذ إجراءات التنفيذ الواجب اتخاذها لإثبات امتناع الطاعن عن التسليم، و(4) عدم وجود القصد الجنائى لأن الطاعن والد الطفل قد كانت البطركخانة من قبل حكمت له فى 28 سبتمبر سنة 1926 باستلامه والقصد الجنائى لا يوجد إلا إذا امتنع الشخص عن علم منه بأنه محكوم عليه بالتسليم وهذا الامتناع غير متوفر فى الدعوى الحالية لأن حكم 13 مايو سنة 1927 الصادر للمدعية لم يعلن قانونا ولم يكن قابلا للتنفيذ.
وحيث إن وقائع هذه المادة بحسب الثابت فى الحكم الابتدائى المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه، وما يؤخذ من المذكرات الكتابية التى قدمتها النيابة العامة والطاعن لمحكمة النقض، ومن المستندات الرسمية الموجودة بملفها أن الطاعن رفع لدى المجلس الملى الروحانى بطركخانة الأرمن الأرثوذكس بالقاهرة دعوى لطلاق زوجته الست عفيفة المعروفة باسم زاروهى بنت فرج الله زلعوم (المدعية بالحق المدنى) وأنه بعد سماع ذلك المجلس أقوال الخصوم قرر قبل الفصل فى الموضوع تسليم الطفل أفاديس دولتيان إلى والده واهان دولتيان لحين الفصل فى دعوى الطلاق المذكورة وكان قراره هذا فى 28 سبتمبر سنة 1926، وبعد ذلك أصدر المجلس الملى للأرمن الأرثوذكس حكما فى 13 مايو سنة 1927 فى دعوى الطلاق المذكورة قاضيا برفضها وبأحقية الزوجة فى استلام طفلها لحضانته فحاولت الزوجة (المدعية بالحق المدنى) تنفيذ هذا الحكم فلم تستطع فأنذرت الطاعن رسميا فى 25 يونيه سنة 1927 بتسليم الطفل إليها فلم يفعل والظاهر أنه تمسك بما يتمسك به الآن من أوجه بطلان حكم مجلس البطركخانة الصادر عليه فرفعت عليه دعوى الجنحة المباشرة المطعون الآن فى الحكم الاستئنافى الصادر فيها. ولقد كانت من قبل صدور حكم 13 مايو سنة 1927 من مجلس البطركخانة قد لجأت إلى محكمة الجمالية الشرعية فرفعت لديها دعوى قيدت بجدولها تحت نمرة 2416 سنة 1925 - 1926 طلبت فيها الحكم لها بحضانة الطفل وباستلامه، فلما صدر لها حكم 13 مايو سنة 1927 من البطركخانة أتى الطاعن لدى المحكمة الشرعية المذكورة ودفع دعواها بدفعين: أحدهما عدم اختصاص المحكمة الشرعية، وثانيهما عدم جواز سماع الدعوى لسبق الفصل فيها من مجلس البطركخانة ثم تنازل عن الدفع بعدم الاختصاص وصمم على الدفع الثانى وها هى عبارة أحد وكيليه الخاصة بهذا الدفع الثانى منقولة حرفيا عن محضر جلسة 24 ديسمبر سنة 1927 بمحكمة الجمالية الشرعية "وحضر المدعى عليه بنفسه ووكل عنه كلا من الشيخ محمد العبد وعبد العزيز بغدادى أباظه فى هذه القضية وفى طلب اليمين والصلح وأذنهما بتوكيل الغير عنهما اجتماعا وانفرادا وقبلا ذلك - وقال الشيخ محمد العبد وكيل المدعى عليه إنى أدفع هذه الدعوى بعدم سماعها لسبق الفصل فيها من الجهة المختصة وهى بطركخانة الأرمن الأرثوذكس وقد حكم للمدعية من البطركخانة المذكورة على موكلى بأن يسلمها ولدها منه. والبطركخانة المذكورة هى جهتهما المختصة. ومتى فصل فى الدعوى فلا تسمع بعد ذلك فى جهة أخرى. وإن موكلى راض بما حكمت به البطركخانة وقابل له وهو الحكم المتضمن الحكم للمدعية على موكلى باستلام ولدها أفاديس". وهذه عبارة صريحة الصراحة كلها فى أن البطركخانة مختصة بنظر النزاع فى حضانة الطفل، وأنها فصلت فى هذا النزاع بتسليم الطفل للمدعية، وأن الطاعن لا يمانع فى تنفيذ هذا الحكم بتسليم الطفل إليها وأنه راض بهذا الحكم وقابل له وأنه لا يجوز للمدعية أن تقاضيه (الطاعن) فى هذا الشأن مرتين. أما محكمة الجمالية الشرعية التى قدّم لها هذا الدفع فلم تعتبره ونظرت الموضوع وقضت فيه بتاريخ 9 يناير سنة 1928 بضم الطفل لوالدته المدعية فاستأنف الطاعن الحكم لدى محكمة مصر الابتدائية الشرعية وقيد استئنافه بجدولها بنمرة 376 سنة 1927 - 1928 وكرر لديها دفعه الذى أبداه لدى محكمة الجمالية بعدم سماع الدعوى لسبق الفصل فيها والمحكمة قبلت دفعه هذا، وحكمت فى 15 فبراير سنة 1928 بالغاء الحكم الابتدائى وبعدم سماع الدعوى لسبق الفصل فيها من البطركخانة. فرفعت المدعية التماسا عن هذا الحكم الشرعى الاستئنافى لدى المحكمة التى أصدرته قيد بجدولها بنمرة 743 سنة 1927 - 1928 وقضت فيه تلك المحكمة برفضه بتاريخ 25 يونيه سنة 1928 - هذا من جهة ومن جهة أخرى فان الطاعن رفع لدى محكمة الوايلى الجزئية دعوى جنحة مباشرة (قيدت بجدولها بنمرة 32 سنة 1927) على أعضاء مجلس البطركخانة الذين أصدورا حكم 13 مايو سنة 1927 بتهمة أنهم تدخلوا فى وظيفة القضاء فى الأحوال الشخصية للأرمن الأرثوذكس بغير أن يكون لهم صفة رسمية والمحكمة حكمت فى 25 أبريل سنة 1928 ببراءتهم ورفض دعواه المدنية مبينة فى حكمها أن إجراءات المدعى أمام مجلس البطركخانة وأمام المحكمة الشرعية فيها ما يكفى لإثبات اعتقاده بصفة المتهمين وبعدم إمكان اعتبار جلوسهم للقضاء تدخلا منهم فى وظيفة عمومية بغير أن تكون لهم صفة رسمية - تلك وقائع المادة وموجز ما تم بين الطاعن وزوجته من إجراءاتهما فى التقاضى بشأن حضانة طفلهما.
وحيث إن الطاعن هو والد الطفل المتنازع عليه فله حق فى ضمه إليه ولا يمكن معاملته بمقتضى المادة 246 من قانون العقوبات - التى جرى القضاء على معاملة الوالدين بها - إلا إذا قضى بالحضانة لغيره وامتنع عن تسليم الطفل للمقضى له بهذه الحضانة.
وحيث إن جوهر الطعن كما يعلم من بيانه المتقدّم ينحصر فى أن حكم مجلس البطركخانة الصادر فى 13 مايو سنة 1927 بحضانة المدعية لولدها وبتسليم الطفل إليها هو حكم باطل لصدوره من هيئة غير مختصة ولا مشكلة تشكيلا قانونيا وكونه فوق ذلك غيابيا غير واجب التنفيذ.
وحيث إنه وإن كان مما لا شك فيه أن لمحكمة النقض المراقبة على اختصاص الهيئة التى تصدر مثل هذا الحكم وأن تتأكد من كونه حكما واجب التنفيذ إلا أن هذه الدعوى بخصوصها لا تحتمل مثل هذا البحث. إذ إجراءات الطاعن فيها ما يغنى عن هذا لأنه واضح مما تقدّم فى إيراد الوقائع أنه اعترف اعترافا صريحا لدى محكمة الجمالية الشرعية ولدى محكمة مصر الابتدائية الشرعية بأن حكم مجلس البطركخانة الصادر فى 13 مايو سنة 1927 هو حكم قد فصل فى النزاع الخاص بحضانة الطفل وأنه صادر من جهة مختصة وأنه راض به.
وحيث إن عودة الطاعن إلى الكلام الآن فى اختصاص مجلس البطركخانة وفى صحة تشكيله وفى وجوب نفاذ حكمه بعد رضائه لدى المحكمة الشرعية عن هذا الحكم ومنعها بسبب هذا الرضاء من نظر الدعوى لا يمكن أن تفهم منه محكمة النقض إلا أنه مجرّد تلاعب بجهات القضاء وأن من الواجب مؤاخذته بأقاريره التى تدل على أن حق الحضانة هو للمدعية دونه واعتباره ممتنعا عن رد الطفل لوالدته التى لها حق حضانته. وكل ذلك مما يدعو إلى التقرير بأن الحكم المطعون فيه سليم من الخطأ وأن الطعن هو الذى فى غير محله. على أنه لا يفوت محكمة النقض أن تلاحظ هنا كما لاحظت فى أحكامها الأخيرة فى مثل هذا الموضوع أنه قد آن الأوان لوضع تشريع خاص بحالة الوالدين اللذين يتنازعان حضانة طفلهما حتى يرتفع الحرج عن القضاة الذين لا يطبقون المادة 246 عقوبات على الوالدين إلا وهم متبرمون.


[(1)] التهمة الموجهة على المتهم هى أنه امتنع عن تسليم ولده إلى والدته المحكوم لها بالحضانة من مجلس البطريكخانة محتجا بأن المجلس الملى غير مختص باصدار مثل هذا الحكم. ومع أن وقائع الدعوى تدل على أن هذا الوالد قد اعترف اعترافا صريحا لدى المحكمة الشرعية بأن حكم مجلس البطريكخانة قد فصل فى النزاع الخاص بحضانة الطفل وأنه صادر من جهة مختصة وأنه راض به - مع ذلك فقد عاد أمام محكمة النقض إلى الكلام فى اختصاص مجلس البطريكخانة وفى صحة تشكيله وفى وجوب نفاذ حكمه بعد رضائه به لدى المحكمة الشرعية ومنعها بسبب هذا الرضاء من نظر الدعوى. فعدّت محكمة النقض ذلك تلاعبا منه بجهات القضاء وأخذته بأقاريره واعتبرته ممتنعا عن رد الطفل إلى والدته صاحبة الحق فى حضانته.
ملحوظة: نبهت محكمة النقض فى هذا الحكم إلى أنه يجب وضع تشريع خاص بحالة الوالدين اللذين يتنازعان حضانة طفلهما حتى يرتفع الحرج عن القضاة الذين لا يطبقون المادة 246 ع على الوالدين إلا وهم متبرمون.
وقد أضاف الشارع بالقانون رقم 15 لسنة 1932 المادة 253 المكررة إلى قانون العقوبات بشأن العقاب على عدم تسليم الأطفال وخطفهم بواسطة الوالدين أو الجدّين.
وقد نفذ هذا القانون ابتداء من يوم 26 مايو سنة 1932 تاريخ نشره بالجريدة الرسمية بالعدد رقم 46.