مجموعة القواعد القانونية التى قررتها محكمة النقض والإبرام فى المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثانى (عن المدة بين 6 مارس سنة 1930 وبين 31 أكتوبر سنة 1932) - صـ 343

جلسة 15 يونيه سنة 1931

تحت رياسة حضرة صاحب السعادة عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة.

(277)
القضية رقم 3 سنة 1 القضائية

اختصاص المحاكم الأهلية. سريان قانون العقوبات على كل من يرتكب جريمة بالقطر المصرى. الأحوال المستثناة. صينى يشتغل بحارا بمركب انجليزية. ارتكابه جريمة أثناء مروره بالأراضى المصرية. اختصاص المحاكم الأهلية بحاكمته.
(المادتان الأولى والثامنة من قانون العقوبات)
إن المادة الأولى من قانون العقوبات تنص على سريان أحكامه على كل من يرتكب فى القطر المصرى جريمة من الجرائم المنصوص عليها فيه إلا إذا كان غير خاضع لقضاء المحاكم الأهلية بناء على قوانين أو معاهدات أو عادات مرعية. والمادة الثامنة منه تعمم هذا الحكم بشأن كافة الجرائم المنصوص عليها فى القوانين واللوائح المصرية الأخرى. فاذا ضبط بحار صينى من بحارة مركب انكليزية بمدينة بور سعيد محرزا لمواد مخدّرة فمحاكمته يجب أن تكون أمام المحاكم المصرية لأن مجرّد اشتغاله بحارا بمركب انجليزية لا يجعله من ذوى الامتيازات ولأن القانون لم يفرّق فى المجرمين بين المقيمين منهم بالقطر المصرى وبين المارّين به مجرّد مرور؛ بل كل ما يتطلبه هو وقوع الجريمة على أرض مصرية من شخص لا توجد قوانين ولا معاهدات ولا عادات مرعية تخرجه من انطباق القوانين المصرية عليه.
الطعن المقدّم من النيابة العامة فى دعواها رقم 1228 سنة 1931 المقيدة بجدول المحكمة رقم 3 سنة 1 القضائية ضدّ شنج منج بحرى صينى بالبواخر.


الوقائع

اتهمت النيابة المتهم المذكور بأنه فى يوم 24 فبراير سنة 1931 بدائرة قسم المينا ببور سعيد أحرز مادة مخدرة "أفيونا" بدون مسوغ قانونى بقصد التعاطى. وطلبت معاقبته بالمواد 1 و2 و36 و40 و41 و45 من قانون المواد المخدرة رقم 21 سنة 1928.
ومحكمة جنح بور سعيد الجزئية سمعت هذه الدعوى وحكمت فيها حضوريا بتاريخ 2 مارس سنة 1931 عملا بالمواد المذكورة بحبس المتهم ستة شهور مع الشغل والنفاذ وغرامة 30 جنيها والمصادرة.
فاستأنف المتهم هذا الحكم فى يوم صدوره.
ومحكمة الزقازيق الابتدائية الأهلية نظرت هذه الدعوى استئنافيا وقضت فيها حضوريا بتاريخ 21 مارس سنة 1931 بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع بعدم اختصاص المحكمة بنظر هذه القضية والإفراج عن المتهم فورا إن لم يكن محبوسا لسبب آخر.
وبتاريخ 4 أبريل سنة 1931 قرر حضرة رئيس نيابة الزقازيق بالطعن فى هذا الحكم بطريق النقض والإبرام وقدّم تقريرا بأسباب الطعن فى التاريخ المذكور.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن قدّم وبينت أسبابه فى الميعاد فهو مقبول شكلا.
وحيث إن وقائع هذه الدعوى تتحصل بحسب ما أثبته الحكم المطعون فيه فى أن المتهم أحرز مادة مخدّرة (أفيونا) بدون مسوّغ قانونى بقصد التعاطى وكان ذلك بدائرة قسم المينا ببور سعيد فقدّمته النيابة لمحكمة جنح بور سعيد فحكمت عليه بالعقوبة طبقا لقانون المخدّرات رقم 21 لسنة 1928 فاستأنف الحكم والمحكمة الاستئنافية حكمت بعدم اختصاصها بنظر الدعوى قائلة فى حكمها إن المتهم صينى الجنسية ولا يمكن اعتباره مقيما فى مصر إذ هو لم ينزل فى بور سعيد إلا فى فترة تغيير الوابور الإنجليزى الذى كان راكبا عليه إلى وابور آخر إنجليزى أيضا، وإنه تبين من كتاب القنصلية الإنجليزية أن المذكور وإن كان صينى الجنس إلا أنه مقيم فى إنجلترا وله بها عائلة وأولاد وأنه معتبر انجليزيا، وقائلة أيضا إن القانون الواجب تطبيقه على المتهم فى مثل هذه الحالة - باعتباره أجنبيا عن البلد - إنما هو قانون الجهة التى يقيم فيها لا الجهة التى يمرّ بها مرورا وقتيا وذلك حسب أصول القانون الدولى.
وقد طعنت النيابة فى هذا الحكم بما ملخصه أن المحاكم المصرية هى المختصة دون غيرها بمحاكمة المتهم الذى هو صينى الجنسية لأن مجرّد إقامته بانجلترا ووجود عائلته فيها لا يكسبه الجنسية الإنجليزية إلا إذا استوفى الشروط المقرّرة لهذا وأن المتهم لم يدّع حصوله على الجنسية الإنجليزية ولم تقل القنصلية الإنجليزية فى خطابها إنه اكتسب الجنسية الإنجليزية وإن قولها فى ذلك الخطاب إنه يعتبر مثل البحارة البريطانيين على البواخر الإنجليزية غير منتج إذ هو لم يرتكب جريمته أثناء وجوده فى مركب إنجليزية مما ليس للسلطات المصرية شأن فى ضبط ما يقع فيها من الجرائم؛ وما دام الأمر كذلك والصينيون ليسوا من المتمتعين بالامتيازات فى مصر فالمحاكم الأهلية المصرية هى دون غيرها المختصة بمحاكمة المتهم. ولذلك تطلب النيابة نقض الحكم وإعادة الدعوى للفصل فى موضوعها.
وحيث إن المادة الأولى من قانون العقوبات الأهلى تنص على سريان أحكامه على كل من يرتكب فى القطر المصرى جريمة من الجرائم المنصوص عليها فيه إلا إذا كان غير خاضع لقضاء المحاكم الأهلية بناء على قوانين أو معاهدات أو عادات مرعية وهذا الحكم يسرى أيضا بمقتضى المادة الثامنة على مرتكبى الجرائم المنصوص عليها فى القوانين المصرية الأخرى كقانون المخدّرات رقم 21 لسنة 1928 الذى طلب تطبيقه على المتهم.
وحيث إنه إذا صح ما هو ثابت بالحكم الابتدائى من أن المتهم قد ضبط فى مدينة بور سعيد ومعه شىء من الأفيون اعترف بجلسة المحكمة الابتدائية أنه كان يحمله للتعاطى - إذا صح ذلك فبما أن بور سعيد جزء من القطر المصرى فيكون قانون المخدّرات المصرى ساريا عليه وتكون المحاكم المصرية مختصة بمحاكمته على إخلاله بهذا القانون إلا إذا كان هناك قوانين أو معاهدات أو عادات مرعية تخرجه من سلطتها.
وحيث إن المتهم صينى الجنسية ولا توجد قوانين ولا معاهدات تخرج الصينيين الذين يرتكبون جرائم فى القطر المصرى من سلطة القوانين المصرية والمحاكم المصرية كما أنه لا توجد عادات دولية مرعية تقضى باخراج مثله من تلك السلطة.
وحيث إن القنصلية الإنجليزية لم تؤكد أنه اكتسب الجنسية الإنجليزية حتى كان يصح البحث والتحرّى من جهة الاختصاص المصرية عن قوّة هذا التأكيد ومداه ومجرّد قولها إنه يعتبر كالبحارة البريطانيين لا يمكن التسليم به لأن للبحارة البريطانيين جنسيتهم البريطانية، ومجرّد اشتغال الصينى الجنسية بحارا بمركب إنجليزية لا تجعله من ذوى الامتيازات فى مصر.
وحيث إن ما تقوله المحكمة الاستئنافية من أن المتهم ليس مقيما بمصر وإنما كان مارّا بالقطر المصرى مجرّد مرور وأنه ارتكب جريمته فى الفترة بين نزوله من مركب لأخذه مركبا آخر فهذا قول لا تأثير له فى الموضوع الذى نحن بصدده. إذ القانون لم يفرق فى المجرمين بين المقيمين منهم بالقطر المصرى على سبيل الدوام وبين المارّين به مجرّد مرور، بل كل ما يهمه هو مجرّد وقوع الجريمة على أرض مصرية من شخص لا توجد قوانين ولا معاهدات ولا عادات مرعية تخرجه من انطباق قوانين العقوبات المصرية عليه.
وحيث إنه لذلك يكون الحكم المطعون فيه فى غير محله ويتعين نقضه والتقرير باختصاص المحاكم المصرية بنظر الدعوى وباعادة أوراقها للمحكمة الاستئنافية للقضاء فى موضوعها.