مجموعة القواعد القانونية التى قررتها محكمة النقض والإبرام فى المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثانى (عن المدة بين 6 مارس سنة 1930 وبين 31 أكتوبر سنة 1932) - صـ 354

جلسة الاثنين 16 نوفمبر سنة 1931

تحت رياسة حضرة صاحب السعادة عبد العزيز فهمى باشا.

(288)
القضية رقم 6 سنة 2 القضائية

( أ ) خطف. القصد الجنائى. قطع صلة المجنى عليه بأهله.
(المادة 250 ع)
(ب) هتك عرض. تمزيق اللباس. كشف العورة بدون ملامسة.
(المادة 231 ع)
1 - يجب لتوفر القصد الجنائى فى جريمة الخطف أن يكون الجانى قد تعمد قطع صلة المجنى عليه بأهله قطعا جدّيا. ولا اعتداد بالباعث فى الحكم على الجريمة من حيث الوجود أو العدم، إذ لا مانع يمنع من توفر جريمة الخطف متى استكملت أركانها القانونية ولو كان غرض الجانى الاعتداء على عرض الطفل المخطوف.
2 - إذا قرر قاضى الإحالة بأن لا وجه لإقامة الدعوى على شخص متهم بخطف طفل وأراد فى قراره أن ينفى عن المتهم توفر القصد الجنائى لديه فأتى بما يصح أن يستفاد منه أنه خلط بين القصد الجنائى وبين الباعث ولكن كان المفهوم من مجموع عبارة القرار أن مراده إنما هو التدليل على انتفاء القصد الجنائى وإن كان قد ألم بالباعث الذى دفع الجانى إلى ارتكاب فعلته على سبيل توكيد هذا الانتفاء الذى هو كل مرماه، فلا وجه للاعتراض على هذا القرار.
3 - إذا مزق شخص لباس غلام من الخلف فقد أخل بحيائه العرضى إذ كشف جزءا من جسمه هو من العورات التى يحرص كل إنسان على صونها وحجبها عن أنظار الناس. وكشف هذه العورة على غير إرادة المجنى عليه بتمزيق اللباس الذى كان يسترها يعتبر فى حدّ ذاته جريمة هتك عرض تامة ولو لم تصاحب هذا الفعل أية ملامسة مخلة بالحياء.
الطعن المقدّم من النيابة العمومية فى دعواها رقم 1573 سنة 1931 المقيدة بجدول المحكمة رقم 6 سنة 2 قضائية ضد القرار الصادر من حضرة قاضى الإحالة بمحكمة بور سعيد بتاريخ 21 أبريل سنة 1931 بأن لا وجه لإقامة الدعوى العمومية على مسعد على السيد.


الوقائع

اتهمت النيابة العمومية مسعد على السيد بأنه فى يوم 10 مارس سنة 1931 بدائرة قسم ثالث ببور سعيد: (أوّلا) خطف الغلام محمد أنور محمد بطريق التحايل حالة كون سنه أقل من سبع سنوات. (ثانيا) شرع فى هتك عرض الغلام المذكور بأن أدخله فى غرفة منفردة ومزق لباسه بقصد الفسق به. وطلبت من حضرة قاضى الإحالة أن يحيله إلى محكمة جنايات الزقازيق لمعاقبته بالمادتين 250 و231 فقرة ثانية من قانون العقوبات. وبتاريخ 21 أبريل سنة 1931 قرر حضرته بأن لا وجه لإقامة الدعوى العمومية على المتهم. فطعنت النيابة فى هذا القرار بطريق النقض بتاريخ 4 مايو سنة 1931 وألحقت به تقريرا بالأسباب مؤرّخا فى ذات التاريخ.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
من حيث إن الطعن قدّم وبينت أسبابه فى الميعاد فهو مقبول شكلا.
ومن حيث إن محصل الطعن المقدّم من النيابة العمومية أن قرار قاضى الإحالة أخطأ فى تطبيق القانون إذ قال بانتفاء القصد الجنائى فى التهمة الأولى بناء على أن المتهم إنما أخذ المجنى عليه بنية مواقعته لا بنية خطفه مع أن فى هذا خلطا بين النية الجنائية والباعث على ارتكاب الجريمة فان جناية الخطف تتم بمجرّد نقل المتهم الطفل المخطوف من الجهة التى وضعه فيها أولياء أمره الشرعيون إلى جهة أخرى متعمدا إخفاءه عالما بصغر سنه. ولا عبرة بعد ذلك بالباعث أو الغرض الذى رمى إليه المتهم. كذلك أخطأ القرار فى تطبيق القانون فى التهمة الثانية إذ لم يعتبر شروعا فى هتك العرض ما صدر عن المتهم من أنه أخذ الطفل المجنى عليه إلى غرفة منفردة وطلب منه أن يواقعه، فلما رفض مزق لباسه فبكى الطفل وصاح فلم تتم الجريمة واعتمد القرار فى ذلك على أن القانون قد سوّى بين الشروع والفعل التام فى جناية هتك العرض فأوجب للعقاب على كل منهما أن يقع من المتهم فعل مادى على جسم المجنى عليه. وهذا نظر خاطئ لأن القانون فى المادة 231 من قانون العقوبات قد افترض للشروع فى جريمة هتك العرض وجودا مستقلا عن الجريمة التامة وغاية الأمر أنه من باب التشديد واستثناء من نص المادة 46 عقوبات جعل عقوبة هذا الشروع مساوية لعقاب الفعل التام.
ومن حيث إن واقعة هذه المادة كما أثبتها قرار قاضى الإحالة المطعون فيه تتلخص فى أن المتهم قابل المجنى عليه فى الشارع "فأخذه بقصد إدخاله التياترو والمراجيح فذهب معه وأدخله فى أودة بجوار المراجيح ومزق لباسه من الخلف بيده بعد أن طلب منه مواقعته ولما لم يقبل تركه وأخذه فأدخله التياترو حيث عثر عليه". وقد عقب القرار على ذلك بقوله "وحيث إنه مع التسليم بصحة رواية المجنى عليه فان الظاهر من أخذ المتهم للمجنى عليه من الشارع للأودة التى أدخله فيها هو لنية مواقعته لا لنية خطفه بدليل السير به جهرا فى الشارع من أمام منزله للجهة التى كانت فيها المراجيح وبدليل إدخاله التياترو أمام الناس جهرا بعد ذلك خصوصا وأن دائرة محل الحادثة كما يرى من الرسم الكروكى المرفق بالأوراق من منزل المجنى عليه للمراجيح التى بجوارها الأودة التى أدخل فيها المجنى عليه لمواقعته للتياترو محصورة فى شارع نبيه والشارع الثلاثينى وتوفيق وهى شوارع رئيسية ببور سعيد ومطروقة كثيرا بالمارّين وبها محال تجارية عديدة ولو كان فى نية المتهم الخطف لما سار بالمجنى عليه فى هذه الشوارع من وقت مقابلته إياه فى الصباح لغاية العثور على المجنى عليه فى التياترو فى المساء".
ومن حيث إنه يجب لتوفر القصد الجنائى فى جريمة الخطف أن يكون الجانى قد تعمد قطع صلة المجنى عليه بأهله. وقد أراد القرار المطعون فيه أن يبرز هذا المعنى فأتى بما يصح أن يستفاد منه أنه خلط بين القصد الجنائى والباعث على ارتكاب الجريمة مع أنه لا عبرة بهذا الباعث ولا اعتداد به فى الحكم على الجريمة من حيث الوجود أو العدم إذ لا مانع يمنع من توفر جريمة الخطف متى استكملت أركانها القانونية ولو كان غرض الجانى الاعتداء على عرض الطفل المخطوف. غير أن المفهوم من مجموع عبارة القرار أن ذلك لم يكن مراد واضعه وإنما كان مراده التدليل على انتفاء القصد الجنائى وقد استعان على توكيد ذلك بذكر الغرض الحقيقى الذى كان يرمى إليه المتهم بأخذ الطفل ولم يقف عند هذا بل تطرّق منه إلى جوهر البحث فبين أن المتهم لم يبعد بالمجنى عليه عن الدائرة التى بها منزل والديه وأنه كان يسير به جهرا فى الشوارع القريبة منه وأنه دخل به ملعبا فى نفس الدائرة كان من المحتمل أن يوجد بين المتردّدين عليه من تكون له معرفة بالطفل أو بذويه كما حصل فعلا. وليس ذلك كله شأن من يريد أن يفرّق بين المجنى عليه وبين أهله ويقطع صلته بهم تفريقا وقطعا جدّيين وهذا هو مدار التدليل وموطن الأهمية فى البحث.
ومن حيث إنه متى تبين أن هذا هو مرمى القرار فلا وجه للاعتراض عليه، ويتعين إذن رفض الطعن فيما يتعلق بالتهمة الأولى.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالتهمة الثانية وهى تهمة الشروع فى هتك العرض ترى المحكمة أن القرار المطعون فيه قد أخطأ فى تطبيق القانون على الواقعة الثابتة فيه إذ لم ير فيما وقع من المتهم جريمة أصلا على حين أنه بحسب الوقائع التى أثبتها ذلك القرار يجب أن يعدّ الفعل الذى أتاه المتهم جريمة هتك عرض تامة لأنه إذ مزق لباس المجنى عليه من الخلف قد أخل بحيائه العرضى وكشف جزءا من جسمه هو من العورات التى يحرص كل إنسان على صونها من العبث وحجبها عن أنظار الناس فكشف هذه العورة على غير إرادة المجنى عليه بتمزيق اللباس الذى كان يسترها يعتبر فى حدّ ذاته جريمة هتك عرض تامة ولو لم يصاحب هذا الفعل أية ملامسة مخلة بالحياء. وقد سبق لهذه المحكمة أن فصلت هذا البحث فى حكمها الصادر فى القضية نمرة 1744 سنة 1928.
ومن حيث إنه لذلك يتعين نقض القرار المطعون فيه فيما يتعلق بالتهمة الثانية.