مجموعة القواعد القانونية التى قررتها محكمة النقض والإبرام فى المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثانى (عن المدة بين 6 مارس سنة 1930 وبين 31 أكتوبر سنة 1932) - صـ 378

جلسة 28 ديسمبر سنة 1931

تحت رياسة حضرة صاحب السعادة عبد العزيز فهمى باشا.

(308)
القضية رقم 944 سنة 2 القضائية

مواد مخدّرة. القصد الجنائى فى جريمة إحرازها.
(القانون رقم 21 سنة 1928 «المادتان 35 و36 منه»)
القصد الجنائى فى جريمة إحراز المواد المخدّرة إنما هو علم المحرز بأن المادة مخدّرة، فمتى توفر ركن الإحراز مع علم المحرز بأن المادة التى يحرزها هى مادة مخدّرة فقد استكملت الجريمة أركانها القانونية وحق العقاب. ولا عبرة مطلقا بالباعث على الإحراز.
فإذا تقدّم شخص بنفسه إلى البوليس ومعه مادة مخدّرة قاصدا دخول السجن لخلاف شجر بينه وبين والديه مثلا كانت الجريمة مستوفية أركانها وحق عليه العقاب؛ ولا تصح تبرئته بزعم أنه لم يتوفر لديه أى قصد إجرامى لأن القانون إنما أراد بأحكامه التى فصلها فى المادتين 35 و36 منه العقاب على الإحراز مهما كانت وسيلته أو سببه أو مصدره أو الغاية منه. وقد نص فى هاتين المادتين على صور شتى للإحراز وأسبابه ووسائله وغاياته، ونقطة الارتكاز فيها كلها إنما هى الإحراز فهو الذى يعنى القانون بمحاربته وإيصاد السبل دونه ولو كان مجرّدا عن كل غرض (أو على الأقل ولو لم يعلم الغرض منه) ما لم يكن بترخيص قانونى.
الطعن المقدّم من النيابة العامة فى دعواها رقم 2182 سنة 1931 المقيدة بجدول المحكمة رقم 944 سنة 2 قضائية ضدّ أنور على محمد السكرى.


الوقائع

اتهمت النيابة العمومية أنور على محمد السكرى بأنه فى يوم 21 ديسمبر سنة 1930 بدائرة قسم الجمرك أحرز مواد مخدّرة (حشيشا) بقصد التعاطى فى غير الأحوال المصرح بها قانونا - وطلبت من محكمة جنح المنشية الجزئية عقابه بالمواد 1 و2 و36 و45 من قانون المواد المخدّرة رقم 21 سنة 1928.
وبعد أن سمعت محكمة الجنح المذكورة هذه الدعوى قضت حضوريا فى أوّل أبريل سنة 1931 عملا بالمادة 172 من قانون تحقيق الجنايات وبالمادة 45 من القانون رقم 21 سنة 1928 ببراءة المتهم مما أسند إليه والمصادرة.
فاستأنفت النيابة هذا الحكم فى 3 أبريل سنة 1931 طالبة الإلغاء وعقاب المتهم بالمواد السابق بيانها.
ومحكمة إسكندرية الابتدائية الأهلية بعد أن نظرت هذه الدعوى بهيئة استئنافية حكمت غيابيا فى 22 يونيه سنة 1931 عملا بالمادة 36 من قانون المخدّرات بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وحبس المتهم ستة شهور مع الشغل وغرامة 30 جنيها والمصادرة. فعارض المتهم فى هذا الحكم وسمعت المعارضة وقضى فيها فى 17 أغسطس سنة 1931 عملا بالمادة 172 من قانون تحقيق الجنايات بقبول المعارضة شكلا وفى الموضوع بإلغاء الحكم المعارض فيه وبراءة المتهم.
فطعنت النيابة فى هذا الحكم بطريق النقض فى 2 سبتمبر سنة 1931 وقدّمت تقريرا بالأسباب فى ذات التاريخ.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
من حيث إن الطعن قدّم وبينت أسبابه فى الميعاد فهو مقبول شكلا.
ومن حيث إن واقعة هذه المادة بحسب ما أثبته الحكم المطعون فيه تتحصل فى أن المتهم تقدّم بنفسه إلى البوليس ومعه قطعة منزول بها حشيش بنسبة 5% وسلمها للضابط رغبة منه فى دخول السجن لخلاف شجر بينه وبين والديه وبعد اتخاذ الإجراءات القانونية رفعت النيابة عليه الدعوى العمومية بتهمة أنه أحرز مواد مخدّرة (حشيشا) بقصد التعاطى فى غير الأحوال المصرح بها قانونا. فقضت محكمة المنشية الجزئية ببراءته استنادا إلى أن المتهم لم يكن يقصد من وراء إحراز المادة المخدّرة سوى الوصول إلى السجن، وعلى هذا يكون القصد الجنائى عنده منعدما والتهمة المسندة إليه غير متوفرة. فاستأنفت النيابة ومحكمة الإسكندرية الأهلية قضت غيابيا بإلغاء الحكم المستأنف وعقاب المتهم استنادا إلى أنه ما دام المتهم معترفا بإحراز المادة المخدّرة فلا عبرة بالغرض الذى من أجله أحرزها سواء أكان رغبته فى دخول السجن أم غير ذلك. إذ أن مراد المشرع منع الحيازة أو الإحراز منعا باتا مهما كان الغرض منه ما دامت الحيازة حاصلة بغير مسوّغ قانونى. فعارض المحكوم عليه والمحكمة قضت عند نظر المعارضة بإلغاء الحكم الغيابى وبراءة المتهم وعللت حكمها بأن نية الشارع إنما انصرفت إلى مؤاخذة من يحرز المواد المخدّرة بقصد تحقيق أى غرض من الأغراض التى بينها قانون المخدّرات. وأما إذا تجرّد فعل الإحراز المادّى من الاقتران بأية نية أو قصد إجرامى مما شرع قانون المخدّرات للقضاء عليه فلا يكون ذلك الفعل مستحق العقاب. وبما أن المتهم قد اشترى قطعة المنزول وقدّمها مختارا إلى البوليس ابتغاء دخول السجن معتقدا أنه يريحه من متاعب الحياة لغضب والديه عليه ولعجزه عن كسب الرزق بنفسه ولم يكن ممن يستعملون هذه المادة أو يتجرون فيها فهذا العمل من جانبه لم يقترن بأى قصد إجرامى مما يحرّمه قانون المخدّرات. ولذلك يكون الحكم الذى قضى بعقابه فى غير محله الخ.
فطعنت النيابة فى هذا الحكم قائله إن جريمة إحراز المخدّرات من الجرائم العمدية والقصد الجنائى فى هذا النوع من الجرائم إنما يقوم على تعمد الفاعل ارتكاب الجريمة كما حدّدها القانون؛ وبعبارة أخرى القصد الجنائى هو تعمد الفاعل مخالفة ما نهى عنه القانون بغض النظر عن البواعث التى دفعته إلى ارتكاب الجريمة، والمتهم فى هذه القضية إنما قصد ارتكاب جريمة يعاقب عليها القانون حتى تكون مبررا لحبسه تخلصا من معاشرة والديه فاشترى المادة المخدّرة وأحرزها عالما أنه بذلك يرتكب جريمة فالأركان القانونية متوفرة والباعث الذى لا يعدّ ركنا من أركان الجريمة إنما هو رغبته فى دخول السجن وهذا الباعث لا يؤثر فى كيان الجريمة وإنما يصح أن يكون له دخل فى تقدير العقوبة فقط وأنه إذن يتبين أن المحكمة الاستئنافية خلطت بين القصد الجنائى والباعث فتجاوزت الأول للبحث فى ماهية الثانى وهذا خطأ قانونى تطلب النيابة من أجله نقض الحكم المطعون فيه وتطبيق القانون على وجهه الصحيح.
ومن حيث إن الذى يتبادر إلى الذهن أن محكمة الموضوع إذ أصدرت حكم البراءة كانت مسوقة بعاطفة الإشفاق على المتهم لصغر سنة من ناحية، ولأن قانون المخدّرات من الناحية الأخرى ينهى فى المادة 40 منه عن الحكم بايقاف تنفيذ الحبس لمن يحكم عليه فى جريمة من الجرائم المنصوص عليها فيه، فحملتها هذه العاطفة الشريفة على تلمس الأسباب لتبرئة المتهم؛ ولكن مهما يكن من جهدها فى صياغة الحكم وتدعيم أسبابه فانه لا يستطاع التوفيق بينه وبين حكم القانون لأن القانون إنما يتوخى فى أحكامه المصلحة العامة ولا يعرف إلى العاطفة سبيلا.
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق لها أن بينت فى عدّة أحكام أصدرتها وعلى الخصوص فى حكمها الصادر بتاريخ 5 فبراير سنة 1931 (فى القضية المقيدة بجدولها تحت رقم 393 سنة 48 قضائية) أن القصد الجنائى فى جريمة إحراز المواد المخدّرة إنما هو علم المحرز بأن المادة مخدّرة فمتى توفر فى قضية ما الركن المادّى للجريمة وهو الإحراز وثبت علم المحرز بأن المادة التى يحرزها من المواد المخدّرة فقد استكملت الجريمة أركانها القانونية وحق العقاب ولا عبرة مطلقا بالباعث على هذا الإحراز.
ومن حيث إن قانون المواد المخدّرة رقم 21 لسنة 1928 إنما أراد بأحكامه التى فصلها فى المادتين 35 و36 منه العقاب على إحراز المواد المخدّرة مهما كانت وسيلة ذلك الإحراز أو سببه أو مصدره أو الغاية منه. فنص فى المادتين المذكورتين على صور شتى للإحراز وأسبابه ووسائله وغاياته. ونقطة الارتكاز فيها كلها إنما هو الإحراز ذاته فهو الذى يعنى القانون بمحاربته وإيصاد السبل دونه ما لم يكن بترخيص قانونى. وهذه الصور هى التى اعتمد عليها الحكم المطعون فيه فى تبرئة المتهم بمقولة إنها هى الأغراض التى يعاقب القانون من أجلها على الإحراز حتى إذا انتفت جميعها أصبح الإحراز فى ذاته غير معاقب عليه. وهذا خطأ بدليل أن من بين الصور التى يعاقب عليها القانون فى المادة 35 فقرة 6 ب الحيازة أو الإحراز وحده مجرّدا عن كل غرض (أو على الأقل ولو لم يعلم الغرض منه) ما لم يكن بموجب تذكرة رخصة أو تذكرة طيبة أو بموجب أى نص من نصوص القانون. وهذا النص أقطع دليل على أن محل العقاب إنما هو الإِحراز نفسه لا أكثر ولا أقل. ولكن الحكم المطعون فيه تناسى هذا النص الصريح كيما يصل من وراء ذلك إلى التبرئة التى كانت مرماه الأخير فى رحمته وإشفاقه.
ومن حيث إنه متى تبين أن قانون المخدّرات يعاقب على الإحراز فى كافة صوره وألوانه - إلا ما كان منه بترخيص قانونى كما تقدّم - ومهما كان الباعث عليه وأن القصد الجنائى لا شأن له بالباعث على الإحراز وأنه يتحقق بمجرد علم المحرز بأن المادة مخدّرة - فقد وضح أن طعن النيابة على أساس قانونى وأن الحكم المطعون فيه إذ خلط بين القصد الجنائى والباعث قد أخطأ فى تطبيق القانون على الواقعة الثابتة به، ويتعين من أجل ذلك نقضه وتطبيق القانون على وجهه الصحيح مع مراعاة عدم تجاوز العقوبة التى قضت بها المحكمة الاستئنافية فى حكمها الغيابى.