مجموعة القواعد القانونية التى قررتها محكمة النقض والإبرام فى المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثانى (عن المدة بين 6 مارس سنة 1930 وبين 31 أكتوبر سنة 1932) - صـ 383

جلسة الاثنين 4 يناير سنة 1932

تحت رياسة حضرة صاحب السعادة عبد العزيز فهمى باشا.

(310)
القضية رقم 80 سنة 1 القضائية

( أ ) تزوير فى أوراق رسمية. استمارات السلفيات الزراعية (1 س).
(المادة 181 ع والمادة 11 من القانون رقم 54 لسنة 1929)
(ب) اختلاس أموال أميرية. إدخال نقود الحكومة فى الذمة بأى كيفية كانت. التفسير الصحيح لهذه العبارة.
(المادة 103 ع)
(جـ) نقض. تسبيب الأحكام. تتبع الدفاع فى كل ما يثيره من الأوجه. لا وجوب.
(المادة 103 مرافعات)
(د) جريمة. الاعتراف بالجريمة بعد وقوعها. لا يعتبر دليلا على حسن النية. حسن النية أمر موضوعى.
1 - أنشئت لجنة القرية بمقتضى تعليمات وزارة المالية الصادرة تنفيذا للمادة 11 من القانون رقم 54 لسنة 1929 الخاص بتسليف المزارعين لحاجات الزراعة. وهذه التعليمات تدل صراحة على أن الأعمال التى يباشرها أعضاء هذه اللجنة - وهم من الموظفين العموميين - فى جميع الشئون الخاصة بالسلفيات الزراعية وتوقيعهم على الاستمارات هى من أعمال وظائفهم وأنهم مكلفون بها رسميا وفى حدود القانون، وأن تقريرهم بصحة البيانات الواردة بالاستمارة (1 س) التى عملت خصيصا للسلفيات ليس مجرّد تزكية لا يترتب عليه أى أثر بل هو عمل نهائى يكفى مجرّد تحققه لوجوب تنفيذ مقتضاه فورا بصرف السماد والبذرة بإذن من الصراف ثم لاعتماد المدير صرف باقى السلفية، فهو إذن بمجرّد وقوعه منشئ لوضع قانونى تترتب عليه عهود وواجبات متبادلة.
2 - إن الاستمارة (1 س) هى فى الأصل ورقة عرفية يتداولها الأفراد ويحرّرون فيها ما يشاءون وهى تبقى هكذا حتى تقدّم للجنة القرية للموافقة على صحة البيانات الواردة فيها. فإذا ما توقع عليها من أعضاء اللجنة أصبحت ورقة رسمية ككل ورقة يحرّرها موظف عمومى مختص بتحريرها، فإثبات بيانات فيها غير مطابقة للحقيقة يعتبر تزويرا معاقبا عليه بمقتضى المادة 181 ع.
3 - إن الشارع فى المادة 103 ع لم يرد بقوله "بأى كيفية كانت" أن تكون هذه العبارة وصفا للوجه الذى عليه أخذ الموظف النقود بل هى وصف للوسيلة التى توصل بها لأخذ النقود. كما أنه لم يرد بعبارة "لمصلحة نفسه" الواردة فى المادة عينها أن يكون معناها شاملا للأخذ مع نية الرد بل أن يكون قاصرا على الأخذ مع نية الإضاعة على المالك. وإذن فلا تنطبق هذه المادة على حالة الموظف الذى يأخذ شيئا من نقود الحكومة قاصدا مجرّد الانتفاع به وقتيا وردّه من بعد [(1)].
4 - قاضى الموضوع غير مكلف أن يتتبع الدفاع فى جميع ما يثيره من الأوجه، بل يكفى أن يبين الأسباب التى كوّن منها اعتقاده وأن تكون الأسباب صحيحة واقعيا وقانونا، فاهماله الرد على بعض ما دفع به المتهم ليس من شأنه أن يعيب حكمه.
5 - الاعتراف بالجريمة بعد وقوعها لا يعتبر دليلا على حسن النية. ومسألة النية من المسائل الموضوعية المتروكة لتقدير قاضى الموضوع وحده.
الطعن المقدّم من مصطفى محفوظ بك وآخرين ضد النيابة العامة فى دعواها رقم 1258 سنة 1931 المقيدة بجدول المحكمة رقم 80 سنة واحد قضائية.


الوقائع

اتهمت النيابة العمومية الطاعنين المذكورين وعلى أحمد صابر بأنهم: أوّلا فى خلال الأشهر يناير وفبراير ومارس سنة 1930 بناحية الحواتكة مركز منفلوط مديرية أسيوط الخمسة الأول بصفتهم موظفين عموميين الأوّل عمدة والثانى صراف والثالث والرابع والخامس مشايخ بلد وبصفتهم مكلفين بتحرى صحة البيانات الواردة فى طلبات السلفيات من الحكومة وتحقيق صفات طالبى تلك السلفيات ومقدار مساحة ما فى حيازة كل منهم من الأطيان الزراعية باعتبارهم أعضاء لجنة القرية المكوّنة طبقا للمرسوم بقانون رقم 53 سنة 1929 الخاص بانشاء جزء من الاحتياطى العام من مال الدولة ليسهل للطبقات الفقيرة والمتوسطة من المزارعين وسائل الحصول على ما يعوزهم من المال للقيام بحاجاتهم الزراعية وطبقا للمرسوم بقانون رقم 54 سنة 1929 الخاص بتسليف المزارعين لحاجات زراعتهم من الاحتياطى المذكور وللتعليمات التى وضعتها وزارة المالية تنفيذا لهذا القانون، غيروا بقصد التزوير موضوع أوراق أميرية وهى الخمس وخمسون (استمارة رقم 1 س) المتعلقة بطلب سلفيات زراعية والخاصة بكل من على عبد الله وآخرين (مذكورة أسماؤهم) وذلك فى حال تحريرها المختص بوظائفهم بجعلهم وقائع مزوّرة فى صورة وقائع صحيحة مع علمهم بتزويرها بأن أقرّوا واعتمدوا بيانات غير صحيحة وهى أن هؤلاء الأشخاص من طبقة الزرّاع وأن كلا منهم حائز للمساحة المدوّنة فى الاستمارة الخاصة بهم حالة كونهم عالمين بأن هؤلاء الأشخاص ليسوا من هذه الطبقة ولا هم حائزون للمساحات المدوّنة فى تلك الاستمارات وذلك فى جميع الاستمارات المتقدّمة بالنسبة للمتهمين الأوّل والثانى وفى الاستمارات من (1) إلى (44) بالنسبة للثالث ومن (45) إلى (51) للرابع ومن (52) إلى (55) للخامس.
والسادس والسابع بصفتهما شريكين للمتهمين الخمسة الأول فى جريمة التزوير الآنف ذكرها بأن حرضاهم على الأفعال المكوّنة لها واتفقا معهم على ارتكابها فوقعت بناء على هذا التحريض وهذا الاتفاق.
(ثانيا) لأنهم فى خلال الأشهر يناير وفبراير ومارس سنة 1930 بناحية الحواتكة وبندر أسيوط: المتهم الثانى استعمل جميع الاستمارات المزوّرة الآنف ذكرها مع علمه بتزويرها بأن قدّمها لمديرية أسيوط لمراجعتها واعتماد صرف السلفيات المطلوبة بمقتضاها، والمتهمون الأوّل والثالث والرابع والخامس والسادس والسابع اشتركوا مع المتهم الثانى فى جريمة استعمال الأوراق المزوّرة المذكورة بأن حرضوه على الأفعال المكوّنة لها واتفقوا معه على ارتكابها فوقعت فعلا بناء على هذا التحريض وهذا الاتفاق.
(ثالثا) لأنهم فى خلال الأشهر فبراير ومارس وأبريل سنة 1930 بناحية الحواتكة مركز منفلوط الخمسة الأول بصفتهم موظفين عموميين حسب ما تقدّم الأوّل أدخل فى ذمته نقودا للحكومة والباقون سهلوا ذلك له وجميعهم سهلوا لمحمد محفوظ باشا المتهم السادس بأن يدخل فى ذمته أيضا نقودا للحكومة. وكيفية ذلك أن مصطفى محفوظ بك ومحمد محفوظ باشا المتهمين الأوّل والسادس المذكورين لكى يحصلا على نقود الحكومة من المخصص للسلفيات الزراعية ولكونهما ليسا من طبقة صغار الزرّاع الذين يحق لهم الانتفاع بهذه السلفيات حسب القانون الخاص بذلك - سخرا أشخاصا ليس لهم كذلك حق الانتفاع بتلك السلفيات لأنهم ليسوا من الزرّاع وليس فى حيازتهم أراض زراعية ليطلبوا سلفيات بمقتضى استمارات ذكروا فيها بيانات غير صحيحة بشأن صفاتهم وحيازاتهم أقرّها المتهمون الخمسة الأول بصفتهم أعضاء لجنة القرية مع علمهم عدم صحتها واعتمدتها مديرية أسيوط بناء على ذلك فصرفت على مقتضى الاستمارات المذكورة وهى الخمس وخمسون استمارة الآنف ذكرها مبالغ مجموعها 8013 جنيها و715 مليما استولى مصطفى محفوظ بك منه على مبلغ 2492 جنيها و65 مليما ومحمد محفوظ باشا على مبلغ 5521 جنيها و650 مليما وانتفع كل منهما بغير حق بما استولى عليه.
والمتهمان السادس والسابع اشتركا مع المتهمين الخمسة الأول فى الجريمة المذكورة بأن حرضاهم على الأفعال المكوّنة لها واتفقا معهم على ارتكابها فوقعت فعلا بناء على هذا التحريض وهذا الاتفاق.
(رابعا) ولأن المتهمين الأوّل والثانى والرابع والسادس والسابع وعلى أحمد صابر فى غضون شهر سبتمبر سنة 1930 بناحية الحواتكه مركز منفلوط المتهم الثانى حالة كونه موظفا عموميا أى صراف الناحية المذكورة ومكلفا بتوقيع الحجوزات الإدارية بتلك الجهة بصفته مندوب المديرية ضدّ من يتأخر فى سداد سلفيات الحكومة على الزراعة غيّر بقصد التزوير موضوع أوراق رسمية فى حال تحريرها المختص بوظيفته وذلك بجعله وقائع مزوّرة فى صورة وقائع صحيحة مع علمه بتزويرها بأن حرر محاضر حجز على زراعات ومحاضر ضم حاصلات هذه الزراعات مع أنه لم يباشر إجراءات تلك الحجوزات ولم يحضر ضم هذه الحاصلات ومع علمه أن بعض هذه الزراعات لم تكن موجودة فعلا، وبأن دوّن فى هذه الأوراق أنه خاطب أولى الشأن فيها محجوزا عليهم وحراسا وأنه عاين الزراعات وقاس مساحاتها وقدّر حاصلاتها وقت الحجز والضم وكل ذلك على خلاف الحقيقة ومحاضر الضم التى وقع فيها التزوير المتقدّم ذكره هى المحرّرة باسم الأشخاص الآتى ذكرهم باعتبارهم محجوزا على زراعاتهم وهم: على عبد العال على ومحمد رحاب عبد اللاه الخ.
والباقون اشتركوا مع المتهم الثانى المذكور فى جريمة التزوير الآنف ذكرها بأن حرضوه جميعا على الأفعال المكوّنة لها واتفقوا معه على ارتكابها وبأن ساعده الرابع والسابع وعلى أحمد صابر فى الأفعال المسهلة والمتممة لها بتحريرهم بعض هذه المحاضر وتوقيعهم عليها بصفة شهود وقد وقعت هذه الجريمة فعلا بناء على هذا التحريض والاتفاق والمساعدة. وطلبت إحالتهم على محكمة الجنايات لمحاكمتهم بمقتضى المواد 181 و182 و103 و40 فقرة أولى وثانية وثالثة و41 من قانون العقوبات.
وبتاريخ 12 فبراير سنة 1931 قرّر حضرة قاضى الإحالة إحالتهم على محكمة جنايات أسيوط لمحاكمتهم بالمواد السالفة الذكر.
ومحكمة جنايات أسيوط بعد أن سمعت الدعوى حكمت فيها حضوريا بتاريخ 18 مارس سنة 1931 عملا بالمادتين 103 و181 من قانون العقوبات بالنسبة للخمسة الأول وبالمادة 182 منه بالنسبة للثانى أيضا وبالمواد 40 فقرة أولى وثانية و41 و182 من القانون المذكور بالنسبة للأوّل والثالث والرابع والخامس أيضا وبالمواد 40 فقرة أولى وثانية وكذلك فقرة ثالثة للرابع و41 و181 عقوبات بالنسبة للأوّل والرابع أيضا وبالمواد 40 فقرة أولى وثانية و41 و103 و181 و182 من القانون المذكور بالنسبة للسادس والسابع وكذلك الفقرة الثالثة من المادة 40 من قانون العقوبات بالنسبة للسابع أيضا مع تطبيق المادة 32 منه بالنسبة لجميع الطاعنين وبالمادتين 17 و52 عقوبات بالنسبة للثالث والرابع والخامس والسادس أيضا وبالمادة 50 من قانون تشكيل محاكم الجنايات بالنسبة لعلى أحمد صابر: أولا بمعاقبة مصطفى محفوظ بك بالحبس مع الشغل سنة واحدة ومعاقبة فنيار أطناسيوس بالحبس مع الشغل تسعة شهور ومعاقبة حسن عبد الرحمن بالحبس مع الشغل ستة شهور؛ وثانيا بمعاقبة كل من على حسن خليل وعبد الرحمن على وأحمد سيد خليل ومحمد محفوظ باشا بالحبس مع الشغل ستة شهور وأمرت بايقاف تنفيذ هذا الحكم على أولئك الأربعة؛ وثالثا ببراءة على أحمد صابر مما أسند إليه.
فطعن المحكوم عليهم فى هذا الحكم بطريق النقض بتاريخ 21 و22 مارس سنة 1931 وقدّم حضرات المحامين عنهم ثلاثة تقارير بالأسباب عن الأول والسادس بتاريخ 4 أبريل سنة 1931 وعن الثانى فى 5 أبريل سنة 1931 وعن الباقين فى التاريخ الأخير.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن قدّم وتلاه بيان الأسباب فى الميعاد فهو مقبول شكلا.
وحيث إن الوجه الأوّل من أوجه الطعن المقدّمة يتحصل فى أن التهمة الأولى الموجهة إلى الطاعنين بخصوص التزوير والاشتراك فيه فى استمارات السلفيات الزراعية رقم (1 س) لا عقاب عليها قانونا لأن هذه الاستمارات ليست إلا طلبا لسلفة زراعية وأن هذا الطلب يجب أن يزكيه أعضاء لجنة القرية ويجب بعد ذلك أن يعرض على اللجنة العليا فى المديرية وهى التى تقرر ما تراه من قبوله أو رفضه ثم تأذن المديرية بعد ذلك بالصرف. فعمل لجنة القرية لم يكن إلا تحضيرا أو إرشادا تحت البحث والنظر قد يكون كاذبا وقد يكون صادقا فاذا قرّر أعضاؤها غير الحقيقة فى الاستمارة فلا يمكن اعتبار تقريرهم هذا تزويرا بالمعنى القانونى إذ أن التزوير يجب أن يكون فى سند أى فى عقد أو فى ورقة ملزمة تنشئ حقا أو واجبا ويجوز التمسك بها ضد الغير أو لمصلحة الغير والاستمارة (1 س) لا تتغير قيمتها بعد توقيع أعضاء لجنة القرية عليها بل تبقى كما هى طلب سلفة. وقد أفاض الطاعن فى بيان هذا الوجه إفاضة مطوّلة.
وحيث إن نقطة البحث فى هذا الوجه تنحصر فى تحديد الصفة القانونية التى تعمل بها لجنة القرية ومدى سلطتها.
وحيث إن هذه اللجنة أنشئت بمقتضى تعليمات وزارة المالية الصادرة تنفيذا للمادة 11 من القانون رقم 54 لسنة 1929 الخاص بتسليف المزارعين لحاجات الزراعة إذ مما نصت عليه تلك التعليمات ما يتلخص فيما يلى:
(أوّلا) أنشئت فى كل قرية لجنة مكوّنة من العمدة والصراف بصفة دائمة على أن يضم إليهما شيخ الجهة التابع لها طالب السلفة.
(ثانيا) يكون اختصاص هذه اللجنة التوقيع على استمارات عملت خصيصا للسلفيات (استمارة 1 س) كلما قدّم أحد صغار المزارعين أو متوسطيهم ممن يجوز لهم الاقتراض قانونا من اعتماد الاحتياطى الزراعى طلب سلفة؛ ويكون توقيعهم على هذه الاستمارات إعلانا بصحة البيانات الواردة بها.
(ثالثا) بعد هذا التوقيع يباشر الصراف تحرير الاستمارة (2 س) ويستلم طالب السلفة بموجبها السماد والبذرة التى تلزم لزراعته.
(رابعا) يرسل الصراف طلبات السلف المستوفاة (استمارة 1 س) إلى المديرية لمراجعتها بمعرفة قلم الحسابات وحفظها به حتى ورود الاستمارات (2 س) فتستنزل قيمة هذه الاستمارات الأخيرة منها ويصدر اعتماد المدير بصرف الباقى.
(خامسا) فى حالة رفض أى طلب سلفة يجوز للطالب أن يرفع شكواه من قرار اللجنة إلى المديرية وهذه تفصل فيه بما تراه.
(سادسا) تباشر اللجنة أعمالها بالتوكيل عن مدير المديرية.
وحيث إن هذه التعليمات تدل دلالة صريحة على أن الأعمال التى يباشرها أعضاء هذه اللجنة - وهم من الموظفين العموميين - فى جميع الشئون الخاصة بالسلفيات الزراعية وتوقيعهم على الاستمارات هى من أعمال وظائفهم وأنهم مكلفون بها رسميا وفى حدود القانون وأن تقريرهم بصحة البيانات الواردة بالاستمارة (1 س) ليس مجرّد تزكية لا يترتب عليه أى أثر بل هو عمل نهائى يكفى مجرّد تحققه لوجوب تنفيذ مقتضاه فورا بصرف السماد والبذرة باذن من الصراف ثم لاعتماد المدير صرف باقى السلفية. فهو إذن بمجرّد وقوعه منشئ لوضع قانونى يترتب عليه عهود وواجبات متبادلة.
وحيث إن الاستمارة (1 س) وإن كانت فى الأصل هى ورقة عرفية يتداولها الأفراد ويحرّرون فيها ما يشاءون وتبقى هكذا حتى تقدّم للجنة القرية للموافقة على صحة البيانات الواردة فيها إلا أنه إذا ما توقع عليها من أعضاء اللجنة أصبحت رسمية ككل ورقة يحرّرها موظف عمومى مختص بتحريرها.
وحيث إن الحكم المطعون فيه أثبت إثباتا جليا عدم مطابقة البيانات الواردة بالاستمارات (1 س) التى هى موضوع الدعوى للحقيقة فهذه المخالفة - وهى من عمل موظفين عموميين - فى محرّر أعدّ لتدوين هذه البيانات والتصديق عليها تعتبر تزويرا معاقبا عليه بمقتضى المادة 181 من قانون العقوبات.
وحيث إن شرطى الضرر والقصد الجنائى فى جريمة التزوير هذه قد بينهما الحكم المطعون فيه بيانا وافيا فاهماله الرد على بعض ما دفع به الطاعنون وعلى ما يشيرون إليه فى الوجه الثانى من طعنهم من جهة سوء النية ليس من شأنه أن يعيبه لأن قاضى الموضوع غير مكلف أن يتتبع الدفاع فى جميع ما يثيره من الأوجه بل يكفى أن يبين الأسباب التى كوّن منها اعتقاده وأن تكون هذه الأسباب صحيحة واقعيا وقانونا. وأسباب الحكم المطعون فيه من جهة الوقائع هى أسباب مستوفاة مدلل على صحتها، وهى من جهة القانون لا غبار عليها سواء فيما يتعلق بالفاعلين الأصليين أم بالشركاء.
وحيث إن الطاعنين دفعوا أخيرا فى هذا الصدد بأن الحكومة رأت لأسباب قامت لديها أن تعقد قروضا فى غير حدود قانون التسليف الزراعى وذلك باعطاء سلفيات لملاك أو مستأجرين يحوزون أطيانا مساحتها تتجاوز الحد الوارد بهذا القانون وأنه للتوفيق بين هذه الرغبة وبين نصوص القانون التجئ إلى بيانات ظاهرها متفق مع مقتضيات القانون ويقولون إن لجنة القرية استلهمت هذه الرغبة من المدير الذى تمثله هى بطريق الوكالة، وإنه قد عقدت على هذا النحو فى قرى أخرى ومدن متعدّدة قروض مع كبار الملاك وأرباب العشائر فى الوجهين القبلى والبحرى، وإنه فى هذه الحالة لا يمكن أن يقال إن البيانات مزوّرة لمجرّد أنها لا تطابق الواقع بل كل ما قد يمكن قوله هو أنها بيانات صورية وضعت هكذا برغبة جهة الإدارة ولا إجرام فيها ما دام وضعها كان باتفاق الطرفين.
وحيث إن هذا الدفاع فضلا عن أنه يتناقض مع الدفاع الأول لاختلافهما فى الأساس الذى بنى عليه كل منهما فانه فوق كونه متعلقا بالموضوع وقد جاء متأخرا هو دفاع مجرّد عن الدليل، لأن النظام الذى وضع للسير عليه كان بمقتضى تعليمات رسمية مكملة للقانون فالخروج عن هذا النظام كان يجب أن يكون بتعليمات رسمية معدّلة للأولى. ومع ذلك فقد ثبت من الاطلاع على الملف الإدارى الخاص بالتسليف الزراعى المضموم لأوراق هذه الدعوى أن وزارة المالية لم تعدّل تعليماتها الأولى فقد حررت لمديرية المنيا بتاريخ 12 فبراير سنة 1930 أى بعد تاريخ التوقيع على جزء كبير من الاستمارات المحكوم بتزويرها بأنه فى حالة ما "إذا ثبت للمديرية أن طالب السلفة فى حيازته أكثر من ثلاثين فدانا فلا يجوز إقراضه أصلا". فمما تقدّم يكون الوجه الأول متعين الرفض.
وحيث إن الوجه الثانى خاص بالطعن فى الحكم من جهة عدم رده على ما دفع به الطاعنون لإثبات حسن نيتهم فيما نسب إليهم فى التهمة الأولى. والرد على هذا الوجه ظاهر مما تقدّم فى الردّ على الوجه الأول.
وحيث إن الوجه الثالث خاص بالتهمة الثانية وهى جريمة استعمال الاستمارات المزوّرة والاشتراك فيها. ومبنى هذا الوجه أن هذه الاستمارات ليست سندات بالمعنى القانونى أى أنها ليست أوراقا منتجة فى ذاتها لحق أو واجب، فاستعمالها لا يكون استعمالا لأوراق مزوّرة بالمعنى القانونى. وبما أنه سبق الكلام على ماهية هذه الأوراق فيما تقدّم، فيتعين رفض هذا الوجه أيضا.
وحيث إن الوجه السابع خاص بالتهمة الرابعة وهى التزوير فى أوراق رسمية هى محاضر حجز وضم. ووجه الطعن فى الحكم من هذه الجهة ينحصر فى أن الدفاع لم يكن قائما على إنكار تغيير الحقيقة فى تلك المحاضر بل كان مداره إثبات حسن نية الصراف والتدليل على ذلك باعترافه على الفور وفى أن المحكمة لم تلتفت لهذا الدفاع فحكمها يعتبر غير مسبب من هذه الناحية، كما أن المحكمة اعتبرت باقى الطاعنين شركاء فى هذا التزوير بدون أن تبدى الأسباب التى كوّنت منها اعتقادها.
وحيث إنه فضلا عن أن الاعتراف بعد وقوع الجريمة لم يكن دليلا فى وقت من الأوقات على حسن النية، فان هذه المسألة موضوعية بحتة متروكة لتقدير قاضى الموضوع ولا رقابة لمحكمة النقض على ما يقرره فيها. وقد أفاض الحكم فى بيان وجهة نظر المحكمة فى هذا الصدد. أما من جهة جريمة الاشتراك فقد بينت المحكمة الأسباب التى بنت عليها حكمها بيانا كافيا، ولذا يتعين رفض هذا الوجه أيضا.
وحيث إن الأوجه الرابع والخامس والسادس خاصة بالتهمة الثالثة وحاصلها أن لا عقاب على رافعى النقض بالمادة 103 من قانون العقوبات لأن المال لم يكن وديعة لدى واحد منهم وإنما أعطته المديرية بأمرها لحسابهم على أنهم سيردونه لها وأن حسن نيتهم ظاهر والقصد الجنائى منعدم.
وحيث إن النظر فى هذه الأوجه يقتضى معرفة كنه الجريمة المنصوص عليها بالمادة 103 عقوبات وما أراده الشارع بها. وقد تضاربت الآراء فى تفسير هذه المادة، ففريق يقول بأن الشارع قد استعمل عبارة "أدخل فى ذمته" دون لفظ "اختلس" وأن الإدخال فى الذمة كما يتحقق بشغل الذمة بالمال المأخوذ على نية إضاعته نهائيا على مالكه يتحقق أيضا بشغلها بهذا المال مأخوذا على نية رده وإذن فيكون الشارع أراد باستعمال تلك العبارة حماية نقود الحكومة وصونها من العبث ولو كان آخذها ينوى ردّها ولم يقصد عند أخذها إلا مجرّد الانتفاع بها انتفاعا وقتيا. ويقول هذا الفريق ومنهم النيابة العمومية أن القانون أراد بقوله "بأى كيفية كانت" تأكيد هذا المعنى الشامل لصور الإدخال فى الذمة ثم يعزز رأيه بالرجوع للقانون العثمانى المأخوذة هذه المادة منه أصلا.
وفريق ثان يقول إن الشارع أورد فى الباب الرابع من الكتاب الثانى من قانون العقوبات بيان جرائم الاختلاس الذى يقع فى أموال الحكومة أو الأموال الخصوصية التى تحت يدها وكذلك جرائم الغدر الذى يقع من الموظفين فى المعاملات الحكومية، وإنه بالاطلاع على جرائم الاختلاس التى وردت فى هذا الباب وهى المشار إليها فى المواد 97 و98 و101 و103 يرى أن الشارع وجد أن الموظف إما أن يكون مسلطا من قبل وظيفته على المال الذى اختلسه وإما أن لا يكون مسلطا عليه؛ فان كان مسلطا عليه فقد بين عقابه فى المواد 97 و98 و101 معينا فى كل مادة منها كنه سلطة الموظف وموضوع الاختلاس ومنزلا العقاب على قدر جسامة الجريمة وإن الأحوال الواردة فى المواد الثلاث المذكورة هى أظهر ما يجول بالفكر من مواطن تسليط الموظف على المال المختلس ولذلك نص عليها القانون نصا تفصيليا خاصا. أما إن كان الموظف غير مسلط أصلا من قبل وظيفته على المال المختلس أو مسلطا عليه تسليطا غير ما نص عليه فى تلك المواد فالشارع وجد أن الصورة التى يجب الاهتمام بها هى صورة ما إذا كان المختلس هو نقودا من نقود الحكومة أخذها الموظف لنفسه أو سهل لغيره أخذها فلم يشأ تركه فى هذه الصورة يعاقب كما يعاقب الأفراد بل غلظ العقاب عليه بسبب كونه موظفا ونص على ذلك فى المادة 103. ولكون المواد 97 و98 و101 واردا بها كيفيات وأوضاع خاصة للجرائم المنصوص عليها فيها وكل تلك الكيفيات والأوضاع راجعة لبيان وجه تسليط الموظف فالشارع فى المادة 103 بين بقوله "بأى كيفية كانت" أنه يريد العقاب بمقتضاها مهما تكن الكيفية أى الوسيلة التى توصل بها الموظف لاختلاس نقود الحكومة أو لتسهيل اختلاسها لغيره. وإنه لما كان الاختلاس بمعناه القانونى هو أخذ المختلس للشىء بنية إضافته إلى ملكه إضافة نهائية خالية من كل مقابل وكانت جميع مواد الاختلاس التى قبل المادة 103 لا يشم منها رائحة إمكان تحقق الجرائم المشار إليها فيها بغير هذا المعنى الكامل المطلق فلا محل للقول بشذوذ المعنى فى المادة المذكورة عنه فى غيرها من المواد ولا محل للاعتراض بأن القانون لم يعبر فى تلك المادة بلفظ الاختلاس فانه أيضا لم يعبر به إلا فى المادة 97 وأما فى المادتين 98 و101 فعبر عن معناه بألفاظ أخرى. هكذا يقول الفريق الثانى.
وحيث إن المادة 106 من قانون العقوبات القديم الصادر فى 13 نوفمبر سنة 1883 التى حلت محلها المادة 103 من قانون العقوبات الحالى كان نصها ما يأتى "الموظفون فى الخدمات الملكية الذين أدخلوا فى ذمتهم بأى وجه كان نقودا للميرى أو سهلوا لغيرهم فعل جنحة من هذا القبيل يعزلون من وظائفهم ويعاقبون بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين أو بالنفى من ستة أشهر إلى ثلاث سنين فضلا عن العقوبة المقرّرة للتزوير إن وجد".
وحيث إن هذه المادة لو كانت بقيت عبارتها على حالها لرجحت هذه المحكمة الأخذ برأى الفريق الأوّل، ذلك بأنها استعملت عبارة "بأى وجه كان" وهذه العبارة صريحة لا يفهم منها إلا أنها وصف لدخول النقود فى الذمّة فمعناها أنه على أى وجه (à quelque titre que ce soit) يأخذ الموظف نقود الحكومة أى سواء أخذها على وجه التملك الذى لا ردّ فيه أو أخذها على وجه العارية المنوى فيها الرد فانه يكون مستحقا للعقاب. ويتناسب مع هذا الفهم أن الجريمة كانت معتبرة جنحة لا يحكم فيها إلا بالحبس لغاية سنتين أو بالنفى لغاية ثلاث سنين وذلك مراعاة لانطباق المادة على حالة من يأخذ شيئا من نقود الحكومة ناويا ردّه. ولكن يظهر للمحكمة أنه عند تعديل القانون فى سنة 1904 قد حصلت غيهبة فى تعرف مدى جريمة المادة 106 القديمة المذكورة وأساس الغيهبة على ما يظهر أن واضعى التعديل كان نظرهم غير واقع إلا على النص الفرنسى لتلك المادة وقد كانت قبل التعديل كما بقيت من بعده فى نصها الجوهرى كما يأتى "tout fonctionnaire" "qui‚ ďune manière quelconque‚ aura fait passer à son compte" "les deniers de l’Etat ou facilité etc…………".
وهذا النص الفرنسى غامض حقيقة فان ترجمته الحرفية هى "كل موظف نقل لحساب نفسه نقودا من نقود الحكومة بأى كيفية كانت أو سهل ذلك لغيره.... الخ" وإذا أخذت كلمة "Compte" بمعنى "Avantage" - كما يظهر أنه هو المراد - كانت الترجمة "كل موظف توصل بأى كيفية كانت لأخذ نقود من نقود الحكومة لمصلحة نفسه أو سهل ذلك..... الخ" ومع هذا الفهم فإن عبارة "بأى كيفية كانت" ليست وصفا للوجه الذى عليه أخذ الموظف النقود لمصلحة نفسه بل هى وصف للوسيلة التى توصل بها لأخذ النقود. ويبقى بعد ذلك معرفة مدى معنى "لمصلحة نفسه" أيكون هذا المعنى شاملا للأخذ مع نية الرد أم قاصرا على الأخذ مع نية الإضاعة على المالك؟
وحيث إن واضعى تعليقات الحقانية على المادة 103 المذكورة لم يرد فى عبارتهم عنها سوى ما يأتى "المادة 103 - (المادة 106 القديمة) - قد حالت صعوبات جمة فى العمل دون التمييز بين هذه المادة والمادة 97 (المادة 100 القديمة) ولا يلوح أن هناك فرقا ما بين جسامة الجرائم المنصوص عنها فى كلتا المادتين وقد تشابهت العقوبات لذلك".
وحيث إن واضعى التعليقات مع إثباتهم فيها قيام صعوبات فى العمل للتمييز بين جريمة هذه المادة وجريمة المادة 97 قد تركوا الغموض على حاله ولم يشاءوا بيان وجه الفرق بين الجريمتين ولكنهم مع ذلك يظهر أنه للعلة السابق إيرادها من انبهام النص الفرنسى للمادة قد فهموا أن جريمة المادة 103 تقتضى أخذ المال بلا نية ردّه كما تقتضيها جريمة المادة 97؛ ولذلك قالوا إنهم لا يرون فرقا ما بين جسامة الجرائم فى كلتا المادتين وإلا لو كانوا يفهمون أن جريمة المادة 103 قد تتحقق ولو كان أخذ المال هو على سبيل الانتفاع فقط بنية ردّه لما وسعهم مطلقا أن يقولوا إن الجريمتين لا فرق بينهما فى الجسامة إذ كل يدرك أن هناك فرقا شاسعا بين إجرام من يأخذ الشىء بلا وجه حق ناويا اختصاص نفسه به وإضاعته على مالكه وبين من يأخذه بلا وجه حق ولكن ناويا مجرّد الانتفاع به وردّه لصاحبه - فهم واضعو التعليقات ذلك الفهم ومن أجله نقلوا عقوبة المادة 103 من عقوبة جنحة إلى عقوبة جناية وهم إذا كانوا جعلوا أقصى العقوبة فى المادة 103 هو السجن لغاية سبع سنوات بينما عقوبة المادة 97 تصل إلى السجن خمس عشرة سنة فما ذلك بالبداهة إلا لأن فى جريمة المادة 97 ظرفا زائدا هو كون الموظف أمينا على ما تحت يده من الودائع والنقود وقد خان أمانته.
وحيث إن هذا النظر ثم استعمال المادة 103 لعبارة "بأى كيفية كانت" دون عبارة "بأى وجه كان" يجعل هذه المحكمة ترجح الرأى الثانى على الرأى الأول وترى من الأحوط لمصلحة الطاعنين أن المادة 103 لا تنطبق فى الدعوى الحالية التى لم يأخذ الطاعنون فيها النقود إلا بعقود قرض ضمنوا فيها الدفع. وخصوصا إذا لوحظ أن أصل المال مقرّر لإقراض المزارعين وكل ما فى الأمر أن الطاعنين ما كان لهم أن يأخذوا منه شيئا لأن إقراضه مشترط فيه كون المزارعين من الفقراء لا مثلهم من الأغنياء. وعلى ذلك يتعين نقض الحكم من جهة إدانته للطاعنين فى التهمة الثالثة وعقابه إياهم عليها والتقرير ببراءتهم منها وتعديل عقوبتهم بسبب التبرئة من هذه التهمة.
وحيث إن المحكمة لا يفوتها فى هذا المقام أن تلاحظ أن من الخطر على أموال الحكومة أن تبقى المادة 103 على نصها الحالى الذى رجحت المحكمة معه عدم إمكان معاقبة الموظف الذى يأخذ شيئا من نقود الحكومة قاصدا مجرّد الانتفاع به انتفاعا وقتيا وردّه من بعد - تلاحظ ذلك وترى أنه يحسن النظر فى تعديل هذا النص تعديلا يضمن معه بكيفية أكيدة عدم استعمال الموظفين لمال الحكومة فى مصالحهم الخاصة ولو استعمالا مؤقتا منويا فيه الرد.


[(1)] يلاحظ أن المحكمة قد ذهبت إلى هذا الرأى من طريق الترجيح والأخذ بالأحوط لمصلحة المتهم. هذا وقد لاحظت المحكمة أن من الخطر على أموال الحكومة أن تبقى المادة 103 على نصها الحالى الذى رجحت المحكمة معه عدم إمكان معاقبة الموظف الذى يأخذ شيئا من نقود الحكومة قاصدا مجرّد الانتفاع به وقتيا ورده من بعد، وأشارت إلى أنه يحسن النظر فى تعديل هذا النص تعديلا يضمن معه بكيفية أكيدة عدم استعمال الموظفين لمال الحكومة فى مصالحهم الخاصة ولو استعمالا مؤقتا منويا فيه الرد.