مجموعة القواعد القانونية التى قررتها محكمة النقض والإبرام فى المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثانى (عن المدة بين 6 مارس سنة 1930 وبين 31 أكتوبر سنة 1932) - صـ 397

جلسة الاثنين 4 يناير سنة 1932

تحت رياسة حضرة صاحب السعادة عبد العزيز فهمى باشا.

(311)
القضية رقم 52 سنة 2 القضائية

( أ ) إهانة الموظفين العموميين. النقد المباح. الإعفاء المنصوص عليه فى المادة 261 ع والإعفاء المنصوص عنه فى المادة 265 ع. الفرق بين الحالتين.
(ب) دعوى عمومية. دعوى القذف والسب وإهانة الموظفين العموميين. عدم اشتراط رضا المجنى عليه برفعها.
(جـ) قذف وسب وإهانة. القصد الجنائى فى هذه الجرائم. سوء النية.
(المادتان 261/ 2 و265 فقرة أخيرة ع)
1 - إن الفقرة الثانية من المادة 261 والفقرة الأخيرة من المادة 265 ع لم تتعرّضا لبيان حكم النقد المباح وإنما نصتا على إعفاء مرتكب القذف والسب من العقاب إذا كان طعنه موجها إلى موظف عمومى بسبب أمر يتعلق بأعمال وظيفته متى كان الطاعن سليم النية واستطاع أن يثبت صحة ما نسبه إلى المجنى عليه. والفرق بين الأمرين كبير، فالنقد المباح لا عقاب عليه أصلا إذ المفهوم منه أن الناقد لم يخرج فى نقده إلى حدّ القذف والسب. وأما الحالة التى تشير إليها الفقرة الثانية من المادة 261 والفقرة الأخيرة من المادة 265 فالأصل فيها العقاب لأن شروط القذف أو السب متوفرة فيها ولكن مرتكب الفعل - قذفا كان أو سبا - يعفى من العقاب الذى كان يستحقه بحسب الأصل إذا توفرت الشروط السابق بيانها.
2 - الدعوى العمومية فى كافة الجرائم القولية والكتابية وفى جميع الجرائم - إلا ما استثنى منها بنص خاص - لا يتوقف رفعها على رضاء المجنى عليه أو شكواه مما وقع له وليس لتقدير المجنى عليه أى تأثير على ما للنيابة من الحق المطلق فى رفع الدعوى العمومية فى هذه الأحوال.
3 - القصد الجنائى فى جرائم القذف والسب والإهانة يتحقق متى كانت الألفاظ الموجهة إلى المجنى عليه شائنة بذاتها، ولا حاجة فى هذه الحالة إلى الاستدلال عليه بأكثر من ذلك.
4 - متى تحقق القصد الجنائى فى جرائم القذف والسب والإهانة فلا محل للخوض فى مسألة النية إلا فى صورة ما يكون الطعن موجها إلى موظف عمومى. ففى هذه الصورة إذا أفلح المتهم فى إقناع المحكمة بسلامة نيته فى الطعن بأن كان يبغى به الدفاع عن مصلحة عامة واستطاع مع ذلك أن يثبت حقيقة كل فعل أسنده إلى المجنى عليه فلا عقاب عليه برغم ثبوت قصده الجنائى. أما إذا تبين أن قصده من الطعن إنما هو مجرّد التشهير والتجريح فالعقاب واجب ولو كان فى استطاعته أن يثبت حقيقة كل ما أسنده إلى المجنى عليه. فالفرق بين سوء النية والقصد الجنائى فى مسائل القذف والسب كبير.
الطعن المقدّم من محمد حسين هيكل بك ضد النيابة العامة فى دعواها رقم 1288 سنة 1931 المقيدة بجدول المحكمة برقم 52 سنة 2 قضائية.


الوقائع

اتهمت النيابة العمومية الطاعن المذكور بأنه فى يوم الجمعة 31 يناير سنة 1930 الموافق أول رمضان سنة 1348 بدائرة قسم عابدين بمحافظة مصر بصفته المدير المسئول لتحرير جريدة السياسة التى تطبع فى مصر وتنشر فى أنحاء القطر المصرى نشر فى العدد رقم 2257 من الجريدة المذكورة مقالا تحت عنوان "النحاس رئيس أوحد" شمل إهانة وسبا فى حق حضرة على بك سالم بصفته قائما فى خدمة عامة أى عضوا بمجلس النوّاب ورئيسا للجنة الرد على خطاب العرش بأن نسب إليه الاستجداء والصغار وتلويث القضاء وهضم الحقوق ونصرة الظالم على المظلوم مذ كان مستشارا.
وطلبت معاقبته بالمواد 159 و158 و148 من قانون العقوبات.
وأثناء نظر الدعوى أمام محكمة جنايات مصر طلبت النيابة معاقبة الطاعن بالمادة 159 من القانون المشار إليه وبعد أن سمعت الدعوى قضت حضوريا بتاريخ 25 مارس سنة 1931 عملا بالمواد 148 و159 و167 من القانون المذكور بمعاقبة الطاعن بغرامة قدرها خمسمائة قرش وبإلزامه بنشر الحكم فى جريدتين بمصاريف من طرفه.
فطعن المحكوم عليه على هذا الحكم بطريق النقض بتاريخ 9 أبريل سنة 1931 وقدم حضرة المحامى عنه تقريرا بالأسباب بتاريخ 12 أبريل سنة 1931.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
من حيث إن الطعن قدّم وبينت أسبابه فى الميعاد فهو مقبول شكلا.
ومن حيث إن محصل الوجه الأول من أوجه الطعن أن الواقعة كما أثبتها الحكم المطعون فيه لا عقاب عليها قانونا إذ هى نقد مباح طبقا لحكم الفقرة الثانية من المادة 261 والفقرة الأخيرة من المادة 265 من قانون العقوبات وطبقا لما قررته محكمة النقض والإبرام المصرية فى أحكامها العديدة. والمفهوم من المبادئ التى تقررت بهذه الأحكام أن القضاء لا ينبغى أن يتدخل فى المنازعات السياسية بين الأحزاب إلا إذا مست مصلحة حقيقية لأحد الأشخاص ويتفرّع على هذا أن تدخل القضاء موقوف على تقدير الشخص صاحب المصلحة الذى مسه النقد. وحضرة على بك سالم الذى وجه إليه النقد فى المقال الذى هو موضوع المحاكمة قرر أمام محكمة الجنايات أنه لم يشك وأنه يرى أن ما وجه إليه إنما هو نقد مباح وأنه لا محل للمؤاخذة عليه ولو كان شديدا.
ومن حيث إن الشق الأوّل من هذا الوجه مردود بأن الفقرة الثانية من المادة 261 والفقرة الأخيرة من المادة 265 عقوبات لم تتعرّضا لبيان حكم النقد المباح كما يقول الطاعن وإنما نصتا على إعفاء مرتكب القذف والسب من العقاب إذا كان طعنه موجها إلى موظف عمومى بسبب أمر يتعلق بأعمال وظيفته متى كان الطاعن سليم النية واستطاع أن يثبت صحة كل فعل أسنده إلى المطعون فى حقه. والفرق بين الأمرين كبير فالنقد المباح لا عقاب عليه أصلا إذ المفهوم منه أن الناقد لم يخرج فى نقده إلى حدّ القذف أو السب. وأما الحالة التى تشير إليها الفقرة الثانية من المادة 261 والفقرة الأخيرة من المادة 265 عقوبات فالأصل فيها العقاب لأن شروط القذف أو السب متوفرة فيها ولكن مرتكب الفعل - قذفا كان أو سبا - يعفى من العقاب الذى كان يستحقه بحسب الأصل إذا توفرت الشروط التى نصت عليها الفقرة الثانية من المادة 261 عقوبات والتى سبق ذكرها فيما تقدّم.
ومن حيث إن الطاعن فى القضية الحالية إنما يتمسك بأنه كان فى حدود النقد المباح وقد أثبت عليه الحكم المطعون فيه عكس ذلك وذكر بأسبابه العبارات التى رأى فيها الحكم شططا وخروجا عن دائرة النقد الذى يجيزه القانون وهذه المحكمة ترى عين ما رأته محكمة الموضوع فى هذا الصدد وأن لا محل مطلقا لما يقوله الطاعن من أنه كان فى حدود القانون فيما أسنده إلى المجنى عليه. أما الاستناد فى هذا المقام إلى المادتين 261 و265 عقوبات وما جاء بهما عن حكم الإعفاء فلا محل له لأن الطاعن لم يتمسك أمام محكمة الموضوع ولا فى مرافعته أمام هذه المحكمة بأن حكم الإعفاء ينطبق عليه ولم يبد استعداده لإثبات حقيقة كل فعل أسنده إلى المجنى عليه كاتهامه مثلا بأنه لوث القضاء المصرى وهضم الحقوق ونصر الظالم على المظلوم إلى غير ذلك مما جاء بالمقال موضوع المحاكمة.
ومن حيث إن الشق الثانى من هذا الوجه مردود بما أجاب به الحكم المطعون فيه على دفاع الطاعن أمام محكمة الموضوع فى هذا الصدد إذ قال ما ملخصه أن القانون المصرى لم يأخذ بما أخذ به القانون الفرنسى من اشتراط رضا المجنى عليه فى دعاوى القذف والسب برفع الدعوى العمومية. والواقع أن الدعوى العمومية فى كافة الجرائم القولية والكتابية وكذا فى سائر الجرائم - إلا ما استثنى منها بنص خاص - لا يتوقف رفعها على رضا المجنى عليه أو شكواه مما وقع له وليس لتقدير المجنى عليه أى تأثير على ما للنيابة من الحق المطلق فى رفع الدعوى العمومية فى هذه الأحوال.
ومن حيث إن محصل الوجه الثانى أن الحكم المطعون فيه استنتج ركن سوء النية من بعض العبارات الواردة بالمقال الذى قامت عليه التهمة مرتكنة فى هذا إلى حكم محكمة النقض الصادر فى 28 مارس سنة 1908 مع أن هذا المبدأ قد عدلت عنه محكمة النقض منذ سنة 1924 وقررت مبدأ ينطبق من كل الوجوه على الحالة التى هى موضوع المحاكمة اليوم.
ومن حيث إن هذا الوجه مردود بأن المتفق عليه علما وقضاء أن القصد الجنائى فى جرائم القذف والسب والإهانة يتحقق متى كانت الألفاظ الموجهة إلى المجنى عليه شائنة بذاتها ولا حاجة فى هذه الحالة إلى الاستدلال عليه بأكثر من ذلك. والظاهر أن الطاعن يخلط فى طعنه هذا بين أمرين هما: (أوّلا) البحث الخاص بالقصد الجنائى وهو الركن الأدبى الواجب توفره فى الجرائم العمدية إطلاقا ومنها جرائم القذف والسب والإهانة، (والثانى) البحث الخاص بسوء النية أو سلامتها وهو ما لا يكون للخوض فيه محل إلا عندما يكون الطعن موجها إلى موظف عمومى. ويريد المتهم أن يحتمى وراء الفقرة الثانية من المادة 261 عقوبات أو الفقرة الأخيرة من المادة 265 عقوبات اللتين تنصان على حكم الإعفاء الذى سبقت الإشارة إليه عند الكلام على الوجه السابق. وهذا الإعفاء يكون واجبا برغم توفر القصد الجنائى لدى مرتكب القذف أو السب إذا أفلح هو فى إقناع المحكمة بسلامة نيته أى بأنه كان يبغى بطعنه الدفاع عن مصلحة عامة واستطاع فوق ذلك أن يثبت حقيقة كل فعل أسنده إلى المجنى عليه، فاذا توفر الشرطان وجب على المحكمة أن تحكم ببراءة الطاعن برغم ثبوت قصده الجنائى ويكون العقاب واجبا متى استبان للمحكمة سوء نية المتهم أى أنه كان يقصد بطعنه مجرّد التشهير والتجريح ولو كان فى استطاعته إثبات حقيقة ما أسنده إلى المجنى عليه. فالفرق بين سوء النية والقصد الجنائى فى مسائل القذف والسب كبير.
وبما أن البحث فى هذا المطعن يدور حول القصد الجنائى فقط وهو يتوفر متى ثبت علم المتهم بأن العبارات التى وجهها إلى المجنى عليه من شأنها أن توجب عقابه أو احتقاره أو تغض من شرفه وكرامته الخ. ويمكن أن يستفاد هذا العلم من كون الألفاظ والعبارات المستعملة شائنة بذاتها كما تقدّم. وقد أثبت الحكم المطعون فيه ذلك بقوله (وحيث إنه لا شك أن هذا الشطر من المقال فيه إهانة لرجل كان موظفا عموميا نسب إليه مذ كان قاضيا بمحكمة الاستئناف تلويث القضاء وهضم الحقوق ونصرة الظالم على المظلوم وسوء القصد (أى القصد الجنائى) هنا ظاهر لأن العبارات فى ذاتها شائنة ولا موجب للإتيان بدليل آخر عليه) فلا محل بعد ذلك للقول بأن محكمة الموضوع ارتكنت فى إثبات القصد الجنائى على مبدأ تقرر بحكم محكمة النقض الصادر فى 28 مارس سنة 1908 وأن هذا المبدأ قد عدلت عنه محكمة النقض والإبرام منذ سنة 1924 لأن المبدأ المذكور لم يبتدعه حكم النقض الصادر فى سنة 1908 وإنما هو مبدأ مجمع على التسليم به فى جميع الأزمان. أما حكم محكمة النقض الصادر فى 6 نوفمبر سنة 1924 فقد بحث فى حسن النية بالمعنى الذى تقدّم ذكره وهو بحث لا محل للتصدّى له فى القضية الحالية لأن الطاعن لم يلجأ فى دفاعه إلى الاحتماء بالفقرة الثانية من المادة 261 أو الفقرة الأخيرة من المادة 265 عقوبات.
ومن حيث إنه لذلك يتعين رفض الطعن.