مجموعة القواعد القانونية التى قررتها محكمة النقض والإبرام فى المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثانى (عن المدة بين 6 مارس سنة 1930 وبين 31 أكتوبر سنة 1932) - صـ 422

جلسة الاثنين 4 يناير سنة 1932

تحت رياسة حضرة صاحب السعادة عبد العزيز فهمى باشا.

(316)
القضية رقم 968 سنة 2 القضائية

ردّ الاعتبار. وجوب الأخذ بعموم نص القانون لا بخصوص سببه. إعادة الاعتبار تجوز لكل محكوم عليه لجناية أو جنحة ولو كانت الجريمة المحكوم عليه بسببها غير ماسة بالشرف.
(المادتان 1 و10 من المرسوم بقانون رقم 41 لسنة 1931)
إن المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 41 سنة 1931 صريحة فى إجازة ردّ الاعتبار إلى كل محكوم عليه لجناية أو جنحة ونصها مطلق من كل قيد يمكن أن يرد على الجريمة التى صدر من أجلها الحكم أو على العقوبة المحكوم بها. فسواء أكانت الجريمة ماسة بالشرف أم غير ماسة به، وسواء أكانت العقوبة مالية أو مقيدة للحرّية أم غير ذلك، وسواء أترتب عليها فقد الأهلية أو الحرمان من الحقوق أم لم يترتب عليها شىء من ذلك فالنص يشملها جميعا ولا يفرق بين نوع وآخر منها. وتقييد النص الوارد بصيغة الإطلاق لا يجوز إلا إذا وجد ما يدعو إليه كلبس فى صيغة النص أو غموض فى عبارته يجعل النص غير مفهوم إلا على صورة التقييد أو يذهب بحكمته إذا أخذ على إطلاقه. أما إذا لم يكن شىء من ذلك بل كان النص صريحا فى عبارته لا لبس فيه ولا إبهام فلا يجوز أن تضاف إليه قيود أجنبية عنه ولا أصل لها فى نفس التشريع. وإذن فلا يستقيم القول بأن قصد الشارع من وضع هذا القانون إنما هو فقط إعادة الاعتبار للمحكوم عليهم بعقوبة من شأنها أن يترتب عليها فقد الأهلية أو الحرمان من الحقوق وأن الذى حدا بالشارع إلى التفكير فى وضعه ليس إلا الرغبة فى تنظيم طريقة قانونية للحالات التى كانت تقدّم من أجلها الطلبات إلى وزارة الحقانية بالتماس العفو لرفع عدم الأهلية المقرّر كعقوبة تبعية فى قانون العقوبات أو المنصوص عليه فى قانون الانتخاب - لا يستقيم القول بهذا حتى مع التسليم بأن هذه الحالات هى التى حفزت الشارع إلى التفكير فى وضع هذا القانون ما دام نصه يتسع لهذه الحالات ولغيرها مما يصح أن يطلب فيها ردّ الاعتبار عند توفر شرائطه. إذ المعلوم أنه متى كان النص عاما وجب الأخذ بعمومه لا بخصوص سببه.
الطعن المقدّم من النيابة العامّة المقيد بجدولها رقم 2343 سنة 1931 وبجدول المحكمة برقم 968 سنة 2 قضائية عن طلب ردّ الاعتبار المقدّم من أحمد أحمد المرشدى.


الوقائع

بتاريخ 12 أبريل سنة 1931 قدّم أحمد أحمد المرشدى طلبا لحضرة النائب العمومى يطلب فيه إعادة اعتباره إليه لأنه سبق الحكم عليه بالعقوبات الآتية:
1 - من محكمة المنصورة بتاريخ 19 ربيع آخر سنة 1337 الموافق 22 يناير سنة 1919 فى القضية رقم 1420 جنح مستأنفة سنة 1918 حضوريا طبقا للمادة 208 من قانون العقوبات بحبسه شهرين بسيطا لتسببه فى فقد إبصار عين طفلة بغير قصد.
2 - من محكمة المنصورة الابتدائية بتاريخ 24 ديسمبر سنة 1919 فى القضية رقم 810 جنح أجا سنة 1918 حضوريا طبقا للمادة 208 من قانون العقوبات بغرامة 500 قرش لتسببه خطأ فى إصابة أخرى بجروح فى عينها بأن عمل لها عملية وهو غير مصرح له.
3 - من محكمة المنصورة بتاريخ 2 ربيع آخر سنة 1338 الموافق 24 ديسمبر سنة 1919 فى القضية رقم 150 جنح مستأنفة سنة 1919 حضوريا طبقا للمادة 208 من قانون العقوبات بحبسه خمسة وأربعين يوما بسيطا لتسببه بجرح أخرى بإهماله. وبعد أن أجرت النيابة تحقيقا بشأن هذا الطلب رفعته بتقرير مؤرّخ فى 14 يوليه سنة 1931 إلى محكمة استئناف مصر الأهلية طالبة عدم قبوله للأسباب المدوّنة بهذا التقرير.
ومحكمة جنايات مصر بعد أن نظرت هذا الطلب بغرفة مشورتها قضت فيه بتاريخ 3 أكتوبر سنة 1931 عملا بالمواد 2 و3 و4 و10 من المرسوم بقانون رقم 41 سنة 1931 الصادر فى 5 مارس سنة 1931 بقبول الطلب وبإعادة الاعتبار إلى أحمد أحمد المرشدى.
فطعن حضرة النائب العام فى هذا الحكم بطريق النقض والإبرام بتاريخ 14 أكتوبر سنة 1931 وقدّم حضرته تقريرا بأسباب الطعن فى اليوم عينه.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
من حيث إن الطعن قدّم وبينت أسبابه فى الميعاد فهو مقبول شكلا.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه أخطأ فى تفسير القانون فان المادة الأولى من قانون إعادة الاعتبار وإن نصت بطريقة عامة على أنه تجوز إعادة الاعتبار إلى كل محكوم عليه لجناية أو جنحة إلا أنه يتبين من مراجعة المذكرة الإيضاحية أن الشارع قد قصد من وضع هذا القانون إعادة الاعتبار للمحكوم عليهم بعقوبة من شأنها أن يترتب عليها فقد الأهلية أو الحرمان من الحقوق وأما العقوبة التى لا يترتب عليها شىء من ذلك فما كانت محل نظر الشارع ويؤيد ذلك الفقرة الأخيرة من المادة العاشرة من القانون المذكور. وبما أن العقوبات التى حكم بها على طالب ردّ الاعتبار إنما كانت فى جرائم إصابات خطأ ولا يترتب عليها عدم الأهلية أو الحرمان من الحقوق فلا محل للحكم بإعادة الاعتبار من أجل هذه العقوبات.
ومن حيث إن المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 41 لسنة 1931 صريحة فى إجازة ردّ الاعتبار إلى كل محكوم عليه لجناية أو جنحة. ونصها مطلق من كل قيد يمكن أن يرد على الجريمة التى صدر من أجلها الحكم أو على العقوبة المحكوم بها فسواء أكانت الجريمة ماسة بالشرف أم غير ماسة به وسواء أكانت العقوبة مالية أو مقيدة للحرّية أم غير ذلك وسواء أترتب عليها فقد الأهلية أو الحرمان من الحقوق أم لم يترتب عليها شىء من ذلك فالنص يشملها جميعا ولا يفرق بين نوع وآخر منها.
ومن حيث إن تقييد النص الوارد بصيغة الإطلاق لا يجوز إلا إذا وجد ما يدعو إليه كلبس فى صيغة النص أو غموض فى عبارته يجعل النص غير مفهوم إلا على صورة التقييد أو يذهب بحكمته إذا أخذ على إطلاقه أما إذا لم يكن شىء من ذلك وكان النص صريحا فى عبارته لا لبس فيها ولا إبهام فلا يجوز أن تضاف إليه قيود أجنبية عنه ولا أصل لها فى نفس التشريع.
ومن حيث إن النيابة العمومية تستند فى طعنها إلى ما فهمته من المذكرة الإيضاحية من أن التشريع لم يوضع إلا لتنظيم طريقة قانونية للحالات التى كانت تقدّم من أجلها الطلبات إلى وزارة الحقانية بالتماس العفو لرفع عدم الأهلية المقرر كعقوبة تبعية فى قانون العقوبات أو المنصوص عليه فى قانون الانتخاب. ومع التسليم بأن هذه الحالات هى التى حفزت الشارع إلى التفكير فى وضع قانون لرد الاعتبار فالواجب ألا يقصر حكم القانون على هذه الحالات إذا كان نصه يتسع لها ولغيرها من الحالات التى يصح أن يطلب فيها رد الاعتبار عند توفر شرائطه. إذ المعلوم أنه متى كان النص عاما وجب الأخذ بعمومه لا بخصوص سببه.
ومن حيث إن محكمة الاستئناف قد بينت بحق أن فى المذكرة الإيضاحية نفسها ما يفيد أن الشارع إنما أراد باطلاق نص المادة الاولى من القانون أن يشمل حكمها كل حالة محكوم فيها على طالب رد الاعتبار بعقوبة جناية أو جنحة بغض النظر عما إذا كانت هذه العقوبة قد استتبعت فقدان الأهلية أو الحرمان من بعض الحقوق أو لم يترتب عليها شىء من ذلك. فأشارت إلى ما جاء بالمذكرة من أن "الحكم بعقوبة جناية أو جنحة يؤدى إلى الانتقاص من شخصية المحكوم عليه ويحول دون استعادة مكانته السابقة فى الهيئة الاجتماعية ودون الوصول إلى مركز شريف لأن الحكم بالعقاب فى غالب الأحوال يتبعه الحرمان من بعض الحقوق السياسية والمدنية ويسجل فى قلم السوابق فيتعذر على المحكوم عليه الاندماج ثانية فى الهيئة الاجتماعية" فهذه العبارة ناطقة بنفسها بأن الشارع لم يقصر نظره على المحكوم عليهم بعقوبة ترتب عليها الحرمان من بعض الحقوق السياسية أو المدنية وإنما رمى بنظره إلى كل حكم بعقوبة جناية أو جنحة لما يؤدّى إليه ذلك الحكم على وجه العموم "من الانتقاص من شخصية المحكوم عليه والحيلولة بينه وبين استعادة مكانته السابقة فى الهيئة الاجتماعية والوصول إلى مركز شريف" ولو لم ينتقص ذلك الحكم من حقوق المحكوم عليه السياسية أو المدنية.
ومن حيث إن استناد النيابة إلى الفقرة الأخيرة من المادة العاشرة من قانون رد الاعتبار - التى تنص على أن الحكم باعادة الاعتبار يزيل من تاريخ صدوره كل ما ترتب على حكم الإدانة من وجوه انعدام الأهلية أو الحرمان من الحقوق - واستنتاجها منه أن القانون لم يقصد إلا الأحكام التى ترتبت عليها تلك النتيجة المنصوص عليها فى الفقرة المذكورة - هذا الاستنتاج يرد عليه أن القانون عدّد فى المادة العاشرة الآثار التى تترتب على إعادة الاعتبار فنص فى الفقرة الأولى منها على الأثر المباشر لكل حكم باعادة الاعتبار وهو محو الحكم بالإدانة بالنسبة للمستقبل ثم نص فى الفقرة الثانية على ما يمكن أن يترتب أيضا على رد الاعتبار وهو محو الآثار التبعية إن وجدت وليس فى النص ما يقطع بأن الشارع أشار إلى هذا الأثر الثانى باعتباره نتيجة لازمة لكل حكم برد الاعتبار كالأثر المنصوص عليه فى الفقرة الأولى. ومتى كان الأمر كذلك فلا يجدى الاعتماد على هذا النص فى القول بأن القانون أراد فى مادته الأولى أحكاما دون أخرى.
ومن حيث إن ما تعترض به النيابة من أنه لا مصلحة لطالب إعادة الاعتبار فى هذه القضية بالذات ما دامت العقوبة المحكوم عليه بها قد امحت من صحيفة سوابقه من تاريخ سابق على تاريخ انقضاء المدّة المنصوص عليها فى المادة الثانية من قانون رد الاعتبار وذلك عملا بأحكام المادة الرابعة عشرة من القرار الوزارى الصادر فى 2 أكتوبر سنة 1911 بشأن قلم السوابق - هذا الاعتراض مردود بأن محو السابقة ليس هو المزية الوحيدة التى يمكن أن تترتب على إعادة الاعتبار. فضلا عن أن المذكرة الإيضاحية عند كلامها على المادة 12 من القانون قد أشارت إلى ما يمكن أن يقع بين نظام قلم السوابق والقانون الجديد من التعارض. ولذلك وعدت وزارة الحقانية بتعديل نظام القلم المذكور ليتوافق مع أحكام قانون إعادة الاعتبار.
ومن حيث إن المادة الأولى من قانون رد الاعتبار تقابل المادة 619 من قانون تحقيق الجنايات الفرنسى وتساويها فى المعنى وإن اختلفت عنها قليلا فى اللفظ. ونص المادة الفرنسية مطلق كنص المادة المصرية وإجماع الشراح والمحاكم الفرنسية على أن إطلاق النص يفتح باب طلب رد الاعتبار لكل محكوم عليه لجناية أو جنحة ولو لم يترتب على حكم الإدانة انعدام أهليته أو حرمانه من شىء من الحقوق بل ولو كان الحكم صادرا بالغرامة فقط.
ومن حيث إنه مما تقدّم يبين أن الحكم المطعون فيه لم يخطئ فى تطبيق القانون ولا فى تفسيره وأن الطعن المرفوع عنه غير سديد ويتعين رفضه.