مجموعة القواعد القانونية التى قررتها محكمة النقض والإبرام فى المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثانى (عن المدة بين 6 مارس سنة 1930 وبين 31 أكتوبر سنة 1932) - صـ 430

جلسة الاثنين 25 يناير سنة 1932

تحت رياسة حضرة صاحب السعادة عبد العزيز فهمى باشا.

(321)
القضية رقم 42 سنة 1 القضائية

حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن. استئنافه أو الطعن فيه بطريق النقض لا يشمل الحكم الغيابى المعارض فيه. يشمله إذا نص فى التقرير على ذلك.
(المادتان 177 و229 تحقيق)
1 - حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن هو حكم قائم بذاته مختلف اختلافا كليا عن الحكم الغيابى المعارض فيه، إذ هذا الحكم الغيابى إنما يقضى فى الموضوع بعد بحثه؛ أما حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن فيصدره القاضى بدون أى بحث فى الموضوع بل لمجرّد أن المعارض لم يحضر فى الجلسة، فهو فى الحقيقة عقاب للمعارض المهمل يحرمه من حقه فى نظر معارضته أمام قاضيها، ويؤذن بأن هذا القاضى قد فرغ قضاؤه من جهة موضوع الدعوى والمناقشة فيه، وبأن المعارض إن كانت له ظلامة من جهة الحكم الغيابى السابق صدوره فليرفع أمره بشأنه للسلطة العليا. وحق المعارضة فى الحكم الغيابى هو حق عادى أصيل والحكم بالحرمان منه وهو حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن قد يكون خاطئا فيجوز للصادر فى حقه هذا الحكم التظلم منه للسلطة العليا بطريق الاستئناف أو النقض بحسب الأحوال. ومتى اتضح خطؤه كان من المتعين إلغاؤه وإعادة القضية لقاضى المعارضة لنظر موضوعها. فإذا اقتصر التقرير المحرّر بقلم الكتاب سواء بالاستئناف أو بالطعن بطريق النقض على حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن فهذا الحكم وحده هو الذى يكون قد استؤنف أو طعن فيه بطريق النقض، ولا يمكن أن يطرح هذا التقرير على المحكمة الاستئنافية أو على محكمة النقض الحكم الغيابى الأصلى الذى حصلت فيه المعارضة لأن طبيعة الحكمين ليست واحدة. وللمحكوم عليه الحق فى قصر تظلمه على حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن حتى إذا ما أدلى للمحكمة العليا بخطأ هذا الحكم كان له الحق فى إعادة نظر معارضته لدى القاضى الذى حرمه منها. ولا يعترض على هذا الرأى بأن العمل به ربما يفوت على المستأنف أو الطاعن بطريق النقض مواعيد الطعن فى الحكم الغيابى. إذ ما على المستأنف أو الطاعن بطريق النقض - إذا أراد الاحتياط لنفسه - سوى أن يذكر فى تقرير الاستئناف أو تقرير الطعن بطريق النقض أنه يستأنف الحكم الغيابى الصادر فى الموضوع، أو يطعن فيه بطريق النقض، أو أنه يستأنف الحكمين الغيابى والصادر باعتبار المعارضة كأن لم تكن معا، أو أنه يطعن فيهما معا بالنقض [(1)].
الطعن المقدّم من عبد الرسول عبد المطلب ضدّ النيابة العامة فى دعواها رقم 186 سنة 1931 المقيدة بجدول المحكمة رقم 42 سنة 1 قضائية.


الوقائع

اتهمت النيابة الطاعن المذكور بأنه فى يوم 19 يوليه سنة 1926 بدائرة قسم الأزبكية فك ختما موضوعا على خزانة له تنفيذا لأمر حجز قضائى وطلبت عقابه بالمادة 131 من قانون العقوبات.
ومحكمة جنح الأزبكية الجزئية سمعت هذه الدعوى وحكمت فيها غيابيا بتاريخ 16 يناير سنة 1927 عملا بالمادة السابقة بحبس المتهم شهرا واحدا مع الشغل. فعارض فيه المتهم وحكم بتاريخ 14 أبريل سنة 1928 باعتبار المعارضة كأن لم تكن.
فاستأنف المتهم هذا الحكم فى 27 مايو سنة 1928.
ومحكمة مصر الابتدائية الأهلية نظرت هذه الدعوى استئنافيا وقضت فيها غيابيا بتاريخ 5 سبتمبر سنة 1928 بقبول الاستئناف شكلا وبرفضه موضوعا وتأييد الحكم المستأنف. فقرر المتهم بالمعارضة فيه وحكم بتاريخ 4 نوفمبر سنة 1930 بالتأييد.
فطعن حضرة المحامى بالتوكيل عن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض والإبرام بتاريخ 22 نوفمبر سنة 1930 وقدّم تقريرا بأسباب طعنه فى اليوم نفسه.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن قدّم وبينت أسبابه فى الميعاد فهو مقبول شكلا.
وحيث إن مبنى الطعن يتحصل فى خلو الحكم من الأسباب من جهة، ومن جهة أخرى فى أن المحكمة كلفت النيابة باستحضار محضر إخلاء، وأنه على الرغم من تأجيل الدعوى عدّة جلسات لتنفذ النيابة أمر المحكمة فانها لم تنفذه وترتب على ذلك أن المتهم الذى كان مصرحا له باعلان شهود نفى لم يتمكن من استحضارهم جميعا، وقد انتهت المحكمة بأن حكمت بتأييد حكمها الغيابى لأسبابه. ويقول الطاعن إن الحكم شابه عيب الخلو من الأسباب، وعيب الإخلال بحق الدفاع؛ وكلاهما جوهرى مبطل له.
وحيث إنه بالاطلاع على الحكم المطعون فيه وجد أنه أيد الحكم الاستئنافى الغيابى لأسبابه؛ وهذا الحكم الاستئنافى الغيابى لا أسباب خاصة فيه، بل هو اقتصر على تأييد الحكم الابتدائى الصادر فى المعارضة لأسبابه، وهذا الحكم الأخير صدر باعتبار المعارضة كأن لم تكن، ولا سبب فيه سوى أن المعارض لم يحضر؛ أما الحكم الابتدائى الغيابى المعارض فيه الصادر فى 26 يناير سنة 1927 فكل ما به من الأسباب هو أن التهمة ثابتة من التحقيقات.
وحيث إن الحكم المطعون فيه راجع فى النهاية بحسب ظاهر عبارته إلى الحكم المستأنف وهو حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن، وقضاؤه بالتأييد راجع فى النهاية إليه.
وحيث إن من أوجه الطعن ما يرجع فى النهاية إلى الحكم الابتدائى الغيابى الذى اعتبرت المعارضة فيه كأن لم تكن فمن المهم قبل الفصل فى هذا الطعن بحث النقطتين الآتيتين:
(1) هل استئناف حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن يستتبع بذاته استئناف الحكم الغيابى المعارض فيه؟
(2) ماذا يجب على المحكمة القضاء به فى هذه الدعوى بخصوصها؟
(1) عن النقطة الأولى:
حيث إن القضاء يتخصص بالطلب، وليس للقاضى أن ينظر فى غير ما هو معروض عليه، وإلا كان متجاوزا حدّه.
وحيث إن الطعن بطريق المعارضة أو الاستئناف أو النقض لا يمكن أن يطرح على قاضى هذا الطعن سوى الحكم الذى ورد بالتقرير المحرر بقلم الكتاب أنه هو المطعون فيه.
وحيث إن حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن هو حكم قائم بذاته مختلف اختلافا كليا عن الحكم الغيابى المعارض فيه؛ إذ هذا الحكم الغيابى إنما قضى فى الموضوع بعد بحثه. أما حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن فيصدره القاضى بدون أى بحث فى الموضوع، بل بمجرّد أن المعارض لم يحضر فى الجلسة التى حدّدت لنظر معارضته؛ فهو فى الحقيقة عقاب للمعارض المهمل يحرمه من حقه فى نظر معارضته أمام قاضيها، ويؤذن بأن هذا القاضى قد فرغ قضاؤه من جهة موضوع الدعوى والمناقشة فيه، وبأن المعارض إن كانت له ظلامة من جهة الحكم الغيابى السابق صدوره فليرفع أمره بشأنه للسلطة العليا.
وحيث إن حق المعارضة فى الحكم الغيابى ابتدائيا كان أو استئنافيا هو حق عادى أصيل، والحكم بالحرمان منه وهو حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن قد يكون خاطئا فيجوز للصادر فى حقه هذا الحكم التظلم منه للسلطة العليا بطريق الاستئناف أو النقض بحسب الأحوال، ومتى اتضح خطؤه كان من المتعين إلغاؤه وإعادة القضية لقاضى المعارضة للنظر فى موضوعها والفصل فيه.
وحيث إنه متى علم ذلك وكان التقرير المحرّر بقلم الكتاب سواء بالاستئناف أو بالطعن بطريق النقض قد اقتصر فى بيانه للحكم المطعون فيه على حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن، فهذا الحكم وحده هو الذى يكون قد استؤنف، أو طعن فيه بطريق النقض؛ ولا يمكن أن يطرح هذا التقرير مع نصه الصريح على المحكمة الاستئنافية أو محكمة النقض الحكم الغيابى الأصلى الذى حصلت فيه المعارضة، والذى لم يرد له أى ذكر فيه.
وحيث إن القول بأن استئناف حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن أو الطعن فيه بطريق النقض يشمل حتما وبطبيعة الحال استئناف الحكم الغيابى الذى كان معارضا فيه، أو يشمل الطعن فيه بطريق النقض على اعتبار أن هذا الحكم الأخير اندمج فى الأوّل - هذا القول غير منطقى؛ فان طبيعة الحكمين كما تقدّم ليست واحدة، وللمحكوم عليه الحق كل الحق فى قصر تظلمه على الأول وهو حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن حتى إذا ما أدلى للمحكمة العليا بخطأ هذا الحكم كان له الحق فى إعادة نظر معارضته لدى القاضى الذى حرمه منها.
وحيث إن السير على هذا المنهاج هو الأقرب للمنطق، والأكثر انطباقا على قاعدة عدم اتصال القضاء إلا بما يطرح لديه من الطلبات.
وحيث إنه لا يمكن الاعتراض بأن قصر مدى الطعن فى حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن على هذا الحكم وحده، وعدم شموله بطريق اللزوم للطعن فى الحكم الغيابى ربما فوّت على المستأنف أو الطاعن بطريق النقض مواعيد الطعن فى الحكم الغيابى المذكور - لا يمكن الاعتراض بذلك؛ إذ الواقع أن ميعاد استئناف الحكم الغيابى لا يبدأ إلا من اليوم الذى لا تكون فيه المعارضة مقبولة (177 تحقيق جنايات) فهو إذن يتحد فى مبدئه ونهايته مع ميعاد استئناف حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن؛ لأن تاريخ هذا الحكم هو تاريخ تصبح فيه المعارضة غير مقبولة؛ وكذلك الحال فيما يتعلق بميعاد النقض فى الحكم الاستئنافى الغيابى؛ إذ تاريخ حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن هو التاريخ الذى يصبح فيه ذلك الحكم الاستئنافى الغيابى نهائيا قابلا للطعن بمقتضى المادة 229 تحقيق جنايات؛ وإذن فما على المستأنف أو الطاعن بطريق النقض - إن كان يريد الاحتياط لنفسه - سوى أن يذكر فى تقرير الاستئناف أو فى تقرير الطعن بطريق النقض أنه يستأنف الحكم الغيابى الصادر فى الموضوع، أو يطعن فيه بطريق النقض، أو أنه يستأنف الحكمين الغيابى والصادر باعتبار المعارضة كأن لم تكن معا، أو أنه يطعن فيهما معا بالنقض. بهذه الوسيلة السهلة يحفظ حقوقه، ثم هو لدى المحكمة الاستئنافية أو محكمة النقض مختار؛ إن شاء ترك استئنافه أو طعنه فيما يتعلق بحكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن فى صورة ما إذا وجد نفسه عاجزا عن إقامة الدليل على بطلانه - إن شاء تركه وتناول حكم الموضوع الغيابى، وإن شاء تناول الحكمين معا: أوّلهما من طريق أصلى، والثانى هو حكم الموضوع الغيابى من طريق احتياطى؛ والمحكمة تنظر فى طلبه، وتحكم بما يقتضيه المقام، أما إذا لم يحتط المستأنف أو الطاعن بطريق النقض بل اقتصر فى تقريره المحرّر بقلم الكتاب على استئناف حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن، أو على الطعن فيه بطريق النقض، فليس للمحكمة الاستئنافية أو محكمة النقض أن تنظر إلا فيما يتعلق بصحة حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن أو بطلانه بحيث إذا رفض الاستئناف أو الطعن بالنقض وكان ميعاد استئناف الحكم الغيابى الصادر فى الموضوع أو ميعاد الطعن فيه بالنقض قد انقضى فان هذا الحكم يصبح نهائيا؛ والمتهم وحده هو الملوم لتقصيره فى حق نفسه.
(2) عن النقطة الثانية:
وحيث إن هذه الدعوى بخصوصها قد سارت فيها المحكمة الاستئنافية على المبدأ الذى كان معمولا به من أن استئناف حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن يندمج فيه استئناف الحكم الغيابى؛ ولذلك سمعت من المستأنف (الطاعن الآن) طلبات له خاصة بالموضوع فصرحت له باعلان شهود نفى، ثم كلفت النيابة باستحضار أصل محضر إِخلاء، وما زالت الدعوى تتأجل أمامها إلى أن قضت فيها أخيرا بتأييد الحكم المستأنف؛ ولا شك أن حقيقة مرادها بالحكم المستأنف هو حكم الموضوع الغيابى الصادر من المحكمة الجزئية فى 26 يناير سنة 1927 المفهوم أنها اعتبرته مندمجا فى حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن؛ وإذن فليس من العدل مؤاخذة الطاعن بتفسير للقانون كان العمل سائرا على خلافه، ويكون من الوجوب استماع ظلامته، واعتبار أن الحكم المطعون فيه راجع ما صدر به من التأييد إلى الحكم الغيابى الأوّل الصادر فى 26 يناير سنة 1927 كما هو الواقع فى الحقيقة، وأن أسباب التأييد هى فى النهاية أسباب هذا الحكم الغيابى الأوّل.
وحيث إن كل ما ورد بالحكم الغيابى الابتدائى المذكور من الأسباب هو قول المحكمة "إن التهمة ثابتة من التحقيقات" وهى عبارة مجملة مبهمة لا تصلح سببا للحكم كما يقول الطاعن فى الوجه الأوّل من تقريره؛ إذ لا تستطيع معها محكمة النقض مراقبة توافر أركان الجريمة المحكوم فيها على الطاعن، فيتعين إذن نقض الحكم بلا حاجة إلى البحث فى المطاعن الأخرى.


[(1)] ملحوظة - قرّرت المحكمة أنها فى هذه الدعوى بخصوصها لا ترى الأخذ بهذا المبدأ لأن المحكمة الاستئنافية قد سارت فيها على المبدأ الذى كان معمولا به من أن استئناف حكم اعتبار المعارضة كأن لم تكن يندمج فيه استئناف الحكم الغيابى وليس من العدل مؤاخذة الطاعن بتفسير للقانون كان العمل سائرا على خلافه.