مجموعة القواعد القانونية التى قررتها محكمة النقض والإبرام فى المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثانى (عن المدة بين 6 مارس سنة 1930 وبين 31 أكتوبر سنة 1932) - صـ 436

جلسة الاثنين 25 يناير سنة 1932

تحت رياسة حضرة صاحب السعادة عبد العزيز فهمى باشا.

(322)
القضية رقم 44 سنة 1 القضائية

نقض. حكم غيابى صادر فى المعارضة. الطعن فيه بطريق النقض. ميعاده يبتدئ من يوم صدوره لا من يوم إعلانه.
(المادتان 229 و231 تحقيق)
1 - الطعن بطريق النقض فى الحكم الغيابى الصادر فى المعارضة يبتدئ ميعاده من يوم صدوره لا من يوم إعلانه. ذلك لأن نص المادة 231 تحقيق جنايات صريح فى أن ميعاد الطعن بطريق النقض يبتدئ من يوم صدور الحكم بلا تفريق بين الحكم الغيابى والحكم الحضورى. والمراد بالحكم هو الحكم النهائى الذى انسد فيه طريق الطعن العادى وأصبح قابلا للطعن بطريق النقض كمقتضى المادة 229 من القانون المذكور. ولا شك فى أن الحكم الغيابى الصادر فى المعارضة هو حكم نهائى من وقت صدوره لأنه غير قابل لمعارضة أخرى فمثله مما يصدق عليه نص المادة 229 من جهة كونه من وقت صدوره نهائيا قابلا للطعن بطريق النقض ومما يجرى عليه عموم نص المادة 231 من جهة ابتداء ميعاد الطعن فيه من وقت صدوره لا من يوم إعلانه. ولا يجوز قياس الحكم الغيابى الصادر فى المعارضة على الحكم الغيابى الأوّل من جهة أن مواعيد الطعن فى هذا الحكم الأوّل لا تبتدئ إلا بعد الإعلان، إذ الحكم الغيابى الأوّل لا يكون نهائيا إلا إذا انقضى ميعاد المعارضة فيه. وميعاد المعارضة لا يبتدئ إلا بعد إعلانه فالإعلان إذن لازم لاستيفاء شرط النهائية الواجب توفره بمقتضى المادة 229. وكذلك لا يجوز الاعتراض بأن فقهاء القانون الفرنسى أوجبوا إعلان الأحكام الغيابية الصادرة فى المعارضة، لأن نص قانونهم فيما يختص بمبدأ الميعاد يخالف نص القانون المصرى، إذ هو عندهم يبتدئ من يوم النطق بالحكم للمتهم لا من يوم صدوره إطلاقا كما عندنا. كما أنه لا يصح الاعتراض أيضا بأن العدل يقضى بإعلان الأحكام الغيابية الصادرة فى المعارضة حتى تبدأ مواعيد الطعن فيها، لأن العدل أمر نسبى غالبا ولا محل للاعتراض به ما دام نص القانون صريحا، ولا الاعتراض بأن الشارع فى قانون إنشاء محكمة النقض والإبرام قد نص على أن ميعاد الطعن بالنقض فى الأحكام المدنية الغيابية الصادرة فى المعارضة لا يبدأ إلا من وقت إعلانها مما يدل على أن الروح السارية فى التشريع المصرى ترمى إلى تبصير المحكوم عليهم بما صدر فى غيبتهم حتى لا يباغتوا - لا يصح الاعتراض به لأن نظام الطعن فى الأحكام المدنية غيره فى الأحكام الجنائية، ولا يمكن الاستدلال بالقواعد الخاصة بأحدهما على ما يجب أن يعمل به فى الآخر. على أن الواقع أن روح التشريع فى مصر فيما يختص بمبدأ مواعيد الطعن بطريق النقض فى الأحكام الجنائية الغيابية ظاهر فيها الميل إلى التضييق على المحكوم عليهم. ويبدو أن سبب هذا الميل هو ما شوهد من كثرة القضايا، وما لوحظ من أن المتهمين كثيرا ما يسرفون فيها بلا وجه حق، وما رئى من ضرورة أخذهم فى هذا السبيل بشىء من الشدّة لسرعة إنجاز الأعمال وتقصير أمد المشاغبات الباطلة.
الطعن المقدّم من على محمود سلو ضد النيابة العامة فى دعواها رقم 323 سنة 1931 المقيدة بجدول المحكمة رقم 44 سنة 1 قضائية.


الوقائع

اتهمت النيابة الطاعن بأنه فى يوم 7 يونيه سنة 1928 بالسنبلاوين بدّد مبلغ 210 قروش سلم إليه من عبد السلام السيد بطاح على سبيل الوكالة على ذمة رفع دعوى وسحب صورة حكم وطلبت معاقبته بالمادة 296 من قانون العقوبات.
ومحكمة جنح السنبلاوين الجزئية سمعت هذه الدعوى وحكمت فيها غيابيا بتاريخ 10 يناير سنة 1929 عملا بالمادة السابقة بحبس المتهم شهرين حبسا بسيطا. فعارض وحكم فى 25 أبريل سنة 1929 باعتبار المعارضة كأن لم تكن وألزمته بالمصاريف الجنائية فقرر باستئناف هذا الحكم فى الميعاد.
ومحكمة المنصورة الابتدائية الأهلية نظرت هذه الدعوى استئنافيا وقضت فيها غيابيا بتاريخ 17 يوليه سنة 1929 بقبول الاستئناف شكلا وبرفضه موضوعا وتأييد الحكم المستأنف. فعارض أيضا المتهم فى هذا الحكم وحكم بتاريخ 4 سبتمبر سنة 1929 بقبول المعارضة شكلا وبرفضها موضوعا وتأييد الحكم المعارض فيه.
فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض والإبرام وحكمت محكمة النقض والإبرام بتاريخ 22 مايو سنة 1930 بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة الدعوى لمحكمة جنح المنصورة الاستئنافية للحكم فيها مجدّدا من هيئة أخرى.
بعد ذلك نظرت محكمة المنصورة الابتدائية هذه الدعوى استئنافيا وقضت فيها بتاريخ 22 أكتوبر سنة 1930 بقبول المعارضة شكلا وبرفضها موضوعا وتأييد الحكم المعارض فيه.
فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض والإبرام فى 26 نوفمبر سنة 1930 وقدّم تقريرا بأسباب طعنه هذا فى 7 ديسمبر سنة 1930.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
حيث إن الحكم المطعون فيه صدر فى 22 أكتوبر سنة 1930 والطعن لم يقرر به فى قلم الكتاب إلا فى 26 نوفمبر سنة 1930 أى بعد زيادة عن ثمانية عشر يوما من تاريخ الحكم والأسباب لم تبين إلا بعد ذلك فى 7 ديسمبر سنة 1930 فالطعن غير مقبول شكلا.
وحيث إن الاعتراض بأن الحكم المطعون فيه هو حكم غيابى صادر فى موضوع المعارضة برفضها وبتأييد الحكم المعارض فيه وأن مثله لا يبدأ ميعاد الطعن فيه إلا من تاريخ إعلانه وأن هذا الإعلان ما دام لم يحصل إلا فى 20 نوفمبر سنة 1930 بالتقرير بالطعن ثم بيان أسبابه يكونان حصلا فى الميعاد الذى لا ينتهى إلا فى 9 ديسمبر سنة 1930 - هذا الاعتراض فى غير محله لأن نص المادة 231 من قانون تحقيق الجنايات صريحة فى أن ميعاد الطعن بطريق النقض يبتدئ من يوم صدور الحكم بلا تفريق بين الحكم الغيابى والحكم الحضورى. والمراد بالحكم فى هذه المادة هو الحكم النهائى الذى انسدّ فيه طريق الطعن العادى وأصبح قابلا للطعن بطريق النقض كمقتضى المادة 229 من القانون المذكور. ولا شك فى أن الحكم الغيابى الصادر فى المعارضة هو حكم نهائى من وقت صدوره لأنه غير قابل لأى معارضة أخرى فمثله مما يصدق عليه نص المادة 229 من جهة كونه من وقت صدوره نهائيا قابلا للطعن بطريق النقض ومما يجرى عليه عموم نص المادة 231 من جهة ابتداء ميعاد الطعن فيه من وقت صدوره.
وحيث إن قياس الحكم الغيابى الصادر فى المعارضة على الحكم الغيابى الأوّل من جهة أن مواعيد الطعن فى هذا الحكم الأوّل لا تبتدئ إلا بعد إعلانه قياس غير صحيح لأن الحكم الغيابى الأوّل بمجرّد صدوره لا يكون نهائيا فلا يجوز إذن بحسب المادة 229 الطعن فيه. وهو لا يكون نهائيا إلا إذا انقضى ميعاد المعارضة فيه وميعاد المعارضة لا يبتدئ بنص القانون إلا بعد إعلانه. ومن هنا كان من الضرورى إعلانه حتى يصبح نهائيا بانقضاء ميعاد المعارضة فيه وحتى تكون نهائيته مجيزة للطعن فيه بالنقض. فصورة هذا الحكم الغيابى الأول هى صورة خاصة تخرج من عموم نص المادة 231 وتقتضى الإعلان للعلة المذكورة وهى استيفاء شرط النهائية الواجب توفره بمقتضى المادة 229.
وحيث إن الاعتراض بأن فقهاء القانون الفرنساوى أوجبوا إعلان الأحكام الغيابية الصادرة فى المعارضة سواء برفضها أو باعتبارها كأن لم تكن حتى يبدأ ميعاد الطعن فيها بطريق النقض - هذا الاعتراض غير وجيه لأن نص قانونهم (مادة 373) فيما يختص بمبدأ الميعاد يخالف نص قانوننا. إذ هو يقرّر بأن الميعاد يبتدئ "من يوم النطق بالحكم للمتهم" فورود نصهم بهذه الصيغة اضطرهم حتما إلى أن يقولوا بوجوب إعلان تلك الأحكام الغيابية - التى لم ينطق بها للمتهم - حتى يكون المتهم عالما بها كما لو كان قد نطق بها له وبحضرته. أما قانوننا فهو أن الميعاد يبتدئ من يوم صدور الحكم بلا تفريق بين الحضورى والغيابى وبين المنطوق به للمتهم وغير المنطوق به له.
وحيث إن الاعتراض أيضا بأن العدل يقضى باعلان الأحكام الغيابية حتى تبدأ مواعيد الطعن فيها وحتى لا يؤخذ ذوو الشأن فيها على غرة - هذا الاعتراض غير وجيه. لأن العدل أمر نسبى غالبا ولا محل للاعتراض به ما دام نص القانون صريحا والقانون قضى بأن ميعاد الطعن بالنقض يبدأ من يوم صدور الحكم مطلقا لا من يوم صدوره إن كان حضوريا ومن يوم إعلانه إن كان غيابيا.
وحيث إن الاعتراض أيضا بأن الشارع فى قانون إنشاء محكمة النقض والإبرام قد نص على أن ميعاد الطعن بالنقض فى الأحكام المدنية الغيابية الصادرة فى المعارضة لا يبدأ إلا من وقت إعلانها وبأن هذا يدل على الروح السارية فى التشريع المصرى وأنها ترمى إلى تبصير المحكوم عليهم بما صدر عليهم فى غيبتهم من الأحكام وعدم ابتداء مواعيد الطعن إلا بعد تبصيرهم هذا حتى لا يباغتوا - هذا الاعتراض أيضا فى غير محله لما سلف فى الردّ على الاعتراض السابق من جهة ومن جهة أخرى لأن نظام الطعن فى الأحكام المدنية غيره فى الأحكام الجنائية. ولا يمكن الاستدلال بالقواعد الخاصة بأحدهما على ما يجب أن يعمل به فى الآخر فان استئناف الأحكام المدنية مثلا لا يبدأ ميعاده إلا من تاريخ إعلان الحكم ولو كان حضوريا والأمر بخلاف ذلك بالنسبة لاستئناف الأحكام الجنائية الحضورية.
وحيث إن الواقع أن روح التشريع فى مصر فيما يختص بمبدأ مواعيد الطعن بطريق النقض فى الأحكام الجنائية الغيابية ظاهر فيها الميل إلى التضييق على المحكوم عليهم. ويبدو أن سبب هذا الميل هو ما شوهد من كثرة القضايا وما لوحظ من أن المتهمين كثيرا ما يسرفون فى نظرها بلا وجه حق وما رئى من ضرورة أخذهم فى هذا السبيل بشىء من الشدّة لسرعة إنجاز الأعمال وتقصير أمد المشاغبات الباطلة. يدل لذلك أن الشارع قد عدل نصوص قانون تحقيق الجنايات لدى المحاكم المختلطة بالقانون نمرة 11 الصادر فى سنة 1917 فأوجب بالمادة 153 مكررة الواردة فى باب محاكم المخالفات وبالمادة 175 الواردة فى باب محاكم الجنح أن العشرة الأيام التى قرّرها للطعن بطريق النقض يكون ابتداؤها بالنسبة للأحكام الغيابية من يوم صدور الحكم الغيابى فى المعارضة (أى لا من يوم إعلانه) أو من بعد انقضاء ميعاد المعارضة فى الحكم الغيابى - وهذا النص صريح فى بيان ميول الشارع المصرى ولا يمكن الاعتراض عليه بمخالفته لقواعد العدل.
وحيث إنه يتحصل مما تقدّم أن نص القانون وروح التشريع ترمى إلى أن الأحكام النهائية يبتدئ ميعاد الطعن فيها بطريق النقض من يوم صدورها لا من يوم إعلانها إن كانت غيابية.
وحيث إن هذا النظر هو المتعين الأخذ به خصوصا متى لوحظ أن طريق الطعن بالنقض هو طريق غير عادى وأن لا محل للتوسعة فى تفسير النصوص الخاصة بقبوله احتراما للأحكام النهائية.
وحيث إنه لذلك يتعين عدم قبول الطعن الحالى شكلا لحصوله بعد الميعاد.