مجموعة القواعد القانونية التى قررتها محكمة النقض والإبرام فى المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثانى (عن المدة بين 6 مارس سنة 1930 وبين 31 أكتوبر سنة 1932) - صـ 564

جلسة الاثنين 23 مايو سنة 1932

تحت رياسة حضرة صاحب السعادة عبد العزيز فهمى باشا.

(353)
القضية رقم 1677 سنة 2 القضائية

آثار. رخصة الاتجار بالآثار مطلقة من كل قيد زمنى. إذا كانت الرخصة موقوتة بزمن واعتبر التاجر هذا القيد معدوم الأثر فلا يصح اعتباره متجرا بالآثار بغير رخصة. تبرئة المحاكم له. لا تدخل فى نطاق ما نهت عنه المادة 15 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية.
(المادتان 12 و13 من القانون رقم 14 لسنة 1912 والقرار الوزارى الصادر فى 8 ديسمبر سنة 1912)
إن قانون الآثار رقم 14 لسنة 1912 لم يقيد الرخصة الخاصة بالاتجار بالآثار بأى قيد زمنى، وتقييدها بزمن معين مخالف لمراد القانون. فاذا منح شخص رخصة للاتجار بالآثار وكانت موقوتة بزمن على خلاف ما يقتضيه القانون كان لهذا الشخص أن يعتبر هذا القيد معدوم الأثر. فاذا قدّم للمحاكمة على زعم أنه اتجر بالآثار بغير رخصة بعد انتهاء الأجل المحدّد له وجب على المحاكم ألا تعتد إلا بحكم القانون وأن تحكم ببراءته من التهمة المقدّم إليها بها لأن رخصة الاتجار لا يمكن أن توقت بزمن. وسحب الرخصة من التاجر المرخص له بالاتجار لا يمكن أن يقع إلا على الوجه المرسوم بالقرار الوزارى الصادر تنفيذا لقانون الآثار، فاذا لم يثبت على المتهم ارتكاب مخالفة موجبة لسحب الرخصة فلا حق لأية سلطة من السلطات فى سحبها.
وما دامت رخصة الاتجار بطبيعتها غير موقوتة وما دام المتهم لم يرتكب مخالفة يحق من أجلها سحب رخصته فلا محل لأن توجه إليه تهمة الاتجار بالآثار على خلاف الشروط القانونية إذا ما رفضت مصلحة الآثار تجديد الرخصة له.
فاذا رفعت عليه الدعوى العمومية من أجل هذه التهمة وجب على المحكمة أن تحكم ببراءته. وحكم البراءة لا يدخل فى نطاق ما نهت عنه المادة (15) من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية لأن عمل المحكمة فى هذا الشأن ليس فيه تأويل لمعنى أمر إدارى أو إيقاف لتنفيذه وإنما هو مقصور على تفهم القانون الذى يطلب منها تطبيقه.
الطعن المقدّم من النيابة العامة فى دعواها رقم 711 سنة 1932 المقيدة بجدول المحكمة رقم 1677 سنة 2 قضائية ضد كامل عبد الله حموده.


الوقائع

اتهمت النيابة العمومية كامل عبد الله حموده بأنه فى المدّة ما بين أول يوليه سنة 1930 و16 ديسمبر سنة 1930 بدائرة بندر الجيزة باع وعرض للبيع آثارا مخالفا بذلك الشروط القانونية، وطلبت معاقبته بالمواد 13 و16 و17/ 2 من القانون رقم 14 لسنة 1904.
ومحكمة جنح الجيزة الجزئية بعد أن سمعت الدعوى قضت فيها حضوريا بتاريخ 23 مايو سنة 1931 عملا بالمواد السابقة بتغريم المتهم عشرة جنيهات.
فاستأنف المتهم هذا الحكم فى ثانى يوم صدوره.
ومحكمة مصر الابتدائية الأهلية نظرت القضية استئنافيا وحكمت فيها حضوريا بتاريخ 30 يناير سنة 1932 عملا بالمادة 172 من قانون تحقيق الجنايات بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المستأنف وبراءة المتهم.
فطعن حضرة رئيس نيابة مصر بالتوكيل عن سعادة النائب العام فى هذا الحكم بطريق النقض فى 17 فبراير سنة 1932 وقدّم تقريرا بأسباب الطعن فى اليوم عينه.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
من حيث إن الطعن تقدّم وبينت أسبابه فى الميعاد فهو مقبول شكلا.
ومن حيث إن مبنى الوجه الأول من أوجه الطعن أن محكمة الموضوع أخطأت فى القول بأن رخص الاتجار بالآثار مؤبدة إذ ليس فى قانون الآثار ولا فى القرار الوزارى الصادر تنفيذا له ما يؤيد هذا الرأى. على أن الرخصة التى يتمسك بها المتهم موقوتة بزمن إذ ذكر فيها أنها تنتهى فى 30 يونيه سنة 1930 والمادة 13 من قانون الآثار تنص على أن لمصلحة الآثار وحدها الخيار فى إعطاء الرخصة أو رفضها. وظاهر أن تجديد الرخصة عند انتهائها هو كاعطاء رخصة جديدة فهو إذن خاضع لتقدير المصلحة ولها مطلق الخيار فى التجديد وعدمه. كذلك نصت المادة العاشرة من القرار الوزارى علاوة على ما تقدّم أن للمصلحة الحق فى سحب الرخصة قبل انتهاء مدّتها. هذا مبنى الطعن.
ومن حيث إن قانون الآثار رقم 14 لسنة 1912 نص فى المادة الثانية عشرة منه على أنه لا يجوز الحفر للبحث والتنقيب عن الآثار إلا بعد الحصول على رخصة بذلك من وزارة الأشغال بناء على طلب مصلحة الآثار، وهذه الرخصة يبين فيها مدّة العمل بها. وتنفيذا لحكم هذه المادة من القانون أصدر وزير الأشغال قرارا وزاريا بتاريخ 8 ديسمبر سنة 1912 نص فى المادة الثالثة منه على أن رخص الحفر لا تعطى إلا لفصل واحد بكامله أو لمدّة منه. ويراد بالفصل الكامل المدّة الواقعة بين الخامس عشر من شهر نوفمبر والرابع عشر منه فى السنة التالية. وقد نص هذا القانون أيضا فى المادة الثالثة عشرة منه على أن كل من يريد الاتجار بالآثار يجب أن يحصل على رخصة اتجار من مصلحة الآثار ولهذه المصلحة الخيار فى إعطاء الرخصة أو رفضها وعلى وزير الأشغال تقرير شروط هذه الرخصة. وتنفيذا لحكم هذه المادة أصدر أيضا وزير الأشغال قرارا وزاريا بتاريخ 8 ديسمبر سنة 1912 ولم يحدد فيه أجلا لرخصة الاتجار بالآثار كما حدد مدّة العمل برخصة الحفر للتنقيب عن الآثار فى القرار الوزارى الخاص بذلك.
ومن حيث إن مقابلة حكم المادة الثانية عشرة من القانون بالمادة الثالثة عشرة منه وأحكام القرار الوزارى الخاص بالحفر للبحث عن الآثار بأحكام القرار الخاص بالاتجار بها يتضح منها فى جلاء أن الشارع أراد توقيت مدّة العمل بالرخصة فى الحالة الأولى على حين أنه لم يقيد الرخصة الخاصة بالحالة الثانية بأى قيد زمنى، فلا القانون نفسه نص فى الحالة الثانية على أن تكون مدّة العمل برخصة الاتجار محدودة بزمن معين ولا هو فوّض إلى وزير الأشغال حق تحديد العمل بالرخصة بزمن معين بل ولا قرار وزير الأشغال ورد فيه إمكان هذا التوقيت. وحكمة التفريق بين الحالتين ظاهرة، فان أعمال الحفر تحصل دائما فى أرض مملوكة للحكومة أو عليها حق لها فتشوّهها يجعل سافلها عاليها وبتنكير أصل صورتها. فمبدأ حرية المالك فى التصرف فى ملكه مطلقا وحريته فى التصرف فى منافع ملكه تصرفا راجعا تحديد مداه من جهة الكم والكيف والزمن إلى مشيئته واختياره - هذا المبدأ يبيح للحكومة أن تحدّد مدّة إجازة الحفر بالزمن الذى تختاره مهما قصر هذا الزمن. يضاف إلى ذلك أن الحفر يحصل دائما لفائدة الحكومة ومريد الحفر معا إذ هو مبنى على أمل يقوم بخاطر الطرفين فى العثور على شىء من دفائن الأرض المرغوب فيها ثم هو يقتضى المراقبة المستمرة من جانب الحكومة للمحافظة على حقوقها فيما قد ينكشف من تلك الدفائن. فللحكومة أيضا من جهة أنها شريكة فى الأمل والفائدة وأنها مكرهة بحسب وظيفتها على استمرار المراقبة أن تحدّد زمن الحفر بحسب قوّة أملها وضعفه وبحسب ما يوافقها من استمرار الاشتغال بالمراقبة وعدم الاستمرار فيها. أما الاتجار فما دام موضوعه أشياء قابلة للتداول بحسب قانون الآثار نفسه فهو من الأعمال الحرة التى يستطيع - بحسب الأصل - أن يتولاها كل فرد يختار مزاولتها كسبيل للارتزاق، وليست الرخصة التى تعطى له إلا وسيلة تحدّد بها الحكومة عدد المتجرين حتى تكون عارفة بهم قادرة على مراقبتهم فى تجارتهم حتى لا يخرجوا فيها عن التعامل بأصناف من الآثار جائز تداولها إلى أصناف أخرى ممنوع فيها التداول، ثم هى من جهة أخرى من شأنها أن تتضمن من البيان ما يذكر المرخص له تذكيرا خاصا بقانون الآثار وما فيه من الأوامر والنواهى حتى لا يخرج فى عمله على محارم هذا القانون. ومتى كان الأمر كذلك أى متى كان الاتجار بالآثار الجائز تداولها مباحا فى أصله فيكفى أن يكون للحكومة حق منع الترخيص به، لكنها متى رخصت كان ذلك إيذانا منها بأن المرخص له شخص مأمون فى مثل هذه التجارة لا يغش فيها ولا يخرج عن حدود القانون. ومن يثبت له حق الاتجار باعطائه الرخصة فلا يتصوّر خضوعه لأى قيد زمنى إذ البيع والشراء خاضعان لقانون العرض والطلب ولحالة السوق من رواج أو كساد ولا سلطان للتاجر على شىء من ذلك. فاذا لم يكن مرخصا له بالاتجار إلا لزمن معين كان معنى ذلك أنه يجب أن يستعد لتصفية أعماله التجارية قبل انقضاء أجل الرخصة فان لم يستطع هذه التصفية وبقى عنده شىء من الآثار غلق فى يده هذا الباقى وخرج من التداول فأصبح معدوما هالكا لأن كل تصرف فيه يعتبر اتجارا بغير رخصة مستوجبا للعقاب. ولا يمكن أن يتفق هذا وطبيعة التجارة وما تتطلبه من استعداد ونفقات بل هو عبث بأموال الناس وحرياتهم والشارع أنزه من أن ينسب له هذا العبث اعتباطا.
ومن حيث إنه يبين مما تقدّم أن رخصة الاتجار يجب أن تكون مطلقة من كل قيد زمنى وأن تقييدها بزمن معين مخالف لمراد القانون، فاذا منح شخص رخصة للاتجار بالآثار وكانت موقوتة بزمن على خلاف ما يقتضيه القانون كان لهذا الشخص أن يعتبر هذا القيد معدوم الأثر، فاذا قدّم للمحاكمة على زعم أنه اتجر بالآثار بغير رخصة بعد انتهاء الأجل المحدّد له وجب على المحاكم ألا تعتد إلا بحكم القانون وأن تحكم ببراءته من التهمة المقدّم إليها بها لأن رخصة الاتجار لا يمكن أن توقت بزمن ما كما سلف البيان.
ومن حيث إن سحب الرخصة من التاجر المرخص له بالاتجار لا يمكن أن يقع إلا على الوجه المرسوم بالقرار الوزارى الصادر تنفيذا لقانون الآثار، وقد نص هذا القرار فى المادتين التاسعة والعاشرة منه على أن حق سحب الرخصة يكون: (أولا) للقاضى جوازا وبطريق العقوبة التبعية إذا ارتكب التاجر لأول مرة مخالفة لحكم من أحكام القرار الوزارى ووجوبا إذا عاد التاجر إلى ارتكاب مخالفة أخرى فى خلال سنة من تاريخ المخالفة الأولى. (وثانيا) لمصلحة الآثار المصرية إذا صدر حكم القاضى بادانة التاجر لارتكابه مخالفة من المخالفات المذكورة فى قانون الآثار.
ومن حيث إنه لم يثبت على المتهم فى هذه القضية ارتكاب مخالفة من المخالفات المنصوص عليها فى قانون الآثار أو فى القرار الوزارى الصادر تنفيذا له فلا يحق لأية سلطة من السلطات سحب رخصته.
ومن حيث إنه ما دامت رخصة الاتجار بطبيعتها غير موقوتة وما دام المتهم لم يرتكب مخالفة يحق من أجلها سحب رخصته فلا محل لأن توجه إليه التهمة التى رفعت بها الدعوى العمومية عليه ويكون الحكم المطعون فيه قد أصاب إذ برأه مما أسند إليه.
ومن حيث إن محصل الوجه الثانى من أوجه الطعن أن محكمة الموضوع إذ قضت ببراءة المتهم واعتبرت مصلحة الآثار غير محقة فى عدم تجديد رخصته قد خالفت حكم المادة 15 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية التى تنهى المحاكم عن تأويل معنى أمر يتعلق بالإدارة أو إيقاف تنفيذه.
ومن حيث إن ما فعلته محكمة الموضوع لا يدخل بحال فى نطاق ما نهت عنه المادة 15 من اللائحة إذ ليس فيه تأويل لمعنى أمر إدارى أو إيقاف لتنفيذه وإنما كان عملها مقصورا على تفهم حكم القانون الذى طلب منها تطبيقه على المتهم لمعرفة ما إذا كان هناك محل لاعتبار المتهم مخالفا لشىء من أحكامه. فلما تبين لها أنه لم يرتكب مخالفة لأى حكم من أحكامه وأن عمل مصلحة الآثار هو الذى كان مخالفا للقانون لم تر بدا من الحكم بالبراءة؛ وهذا كله من حق محكمة الموضوع فلم تشذ فى شىء مما فعلت عن حدود سلطتها واختصاصها.
ومن حيث إنه لما تقدّم يتعين رفض الطعن.