مجموعة القواعد القانونية التى قررتها محكمة النقض والإبرام فى المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثانى (عن المدة بين 6 مارس سنة 1930 وبين 31 أكتوبر سنة 1932) - صـ 577

جلسة الخميس 26 مايو سنة 1932

تحت رياسة حضرة صاحب السعادة عبد الرحمن إبراهيم سيد احمد باشا وكيل المحكمة.

(356)
القضية رقم 1601 سنة 2 القضائية

إهانة المحكمة أثناء انعقاد الجلسة:
( أ ) قاضى الإحالة. سلطته فيما يقع من الجنح بالجلسة.
(ب) حكم. إصداره فى نفس الجلسة. لا وجوب.
(جـ) محام. وقوع الاعتداء منه. عدم استثنائه من المحاكمة فورا.
(د) هيئة المحكمة. عضو النيابة متمم لها.
(المواد 117 ع و11 من قانون تشكيل محاكم الجنايات و89 و90 مرافعات)
1 - لقاضى الإحالة سلطة الحكم فيما يقع من الجنح فى الجلسة التى يعقدها.
2 - لم يحتم القانون إصدار الحكم فى نفس الجلسة التى وقعت فيها جنحة الإهانة ما دام قد بدئ فى نظرها فى تلك الجلسة، بل إن المادة 90 مرافعات أجازت للمحكمة فى هذه الحالة أن تؤجل الحكم إلى جلسة أخرى.
3 - لم يستثن القانون المحامى من المحاكمة فورا إذا وقعت منه جنحة على المحكمة أو أحد أعضائها أو أرباب الوظائف فيها. والقيد الوحيد الذى ورد فى المادة 89 مرافعات خاص بصفة المعتدى عليه لا بصفة المعتدى، فأيا كان هذا المعتدى فانه يقع تحت حكمها. والحكمة فى هذا ظاهرة لأن الغرض من تخويل المحكمة حق الحكم فيما يقع فى الجلسة من الجنح المشار إليها هو صون كرامة القضاء وهيبته والمحافظة على ما يجب له من الاحترام فى أعين الجمهور. أما القول بأنه إذا وقعت الجنحة من محام فلا تجوز محاكمته من أجلها قبل أن تنظر محكمة النقض فى أمره تأديبيا فهو قول فيه تفويت للغرض المذكور [(1)].
4 - المراد من لفظ "المحكمة" الوارد فى المادة 117 عقوبات هو هيئة المحكمة أى القضاة ومن يعتبرون جزءا متمما لهيئتهم. ولا جدال فى أن عضو النيابة متمم لتلك الهيئة فى الجلسات الجنائية ومنها جلسات الإحالة، فالاعتداء عليه هو اعتداء موجه إلى المحكمة.
الطعن المقدّم من أحمد فهمى ابراهيم أفندى محام ضدّ النيابة العامة فى قضيتها رقم 631 سنة 1932 المقيدة بجدول المحكمة برقم 1601 سنة 2 قضائية.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه فى يوم 8 ديسمبر سنة 1931 أثناء نظر قضية الجناية رقم 114 بولاق سنة 1932 أمام حضرة قاضى الإحالة بدائرة قسم الدرب الأحمر أهان علنا بالقول والإشارة هيئة المحكمة بأن نسب إلى حضرة رئيس النيابة أنه يتكلم بما يطالعه فى جريدة الكشكول وبما يقال فى الشوارع. وطلبت معاقبته بالفقرة الثانية من المادة 117 من قانون العقوبات.
وأثناء نظر الدعوى أمام حضرة قاضى الإحالة بمحكمة مصر الأهلية دفع الطاعن أولا بعدم جواز رفع الدعوى العمومية على محام أثناء انعقاد الجلسة وهو يباشر عمله أمامها ودفع ثانيا بمذكرة قدّمها بعدم اختصاص قاضى الإحالة بالفصل فى الجنح التى تقع فى الجلسات.
وحضرة قاضى الإحالة بالمحكمة المذكورة حكم بتاريخ 10 ديسمبر سنة 1931 حضوريا وعملا بالمادة 115/ 2 من قانون العقوبات: (أولا) برفض الدفعين الفرعيين وباختصاص قاضى الإحالة بالفصل فى هذه الدعوى. (ثانيا) بتغريم الطاعن خمسين جنيها مصريا مع إعفائه من المصاريف الجنائية.
فاستأنف الطاعن هذا الحكم فى 13 ديسمبر سنة 1931 أمام محكمة الجنح والمخالفات المستأنفة بمحكمة مصر الأهلية. وفى أثناء نظر الاستئناف دفع الطاعن فرعيا:
(أوّلا) ببطلان الحكم لإسناده إلى محكمة لا وجود لها.
(ثانيا) عدم ولاية قاضى الإحالة للحكم فى جنحة الجلسة.
(ثالثا) إن الحادثة ليست جنحة جلسة بتأجيل الحكم فيها.
(رابعا) عدم جواز انتزاع جنحة من مرافعة المحامى.
(خامسا) إن الجنحة على فرض وقوعها لم تحدث أثناء الجلسة.
(سادسا) لا مسئولية على الطاعن لأنه كان يرد الإهانة.
(سابعا) تجاوز الموظف حدود وظيفته يحرمه من حماية القانون له ويصبح فى حكم الأفراد.
وبتاريخ 21 يناير سنة 1932 قضت المحكمة المذكورة حضوريا وعملا بالمادة المتقدّم ذكرها بقبول الاستئناف شكلا وبرفض الدفوع الفرعية وفى الموضوع بتعديل الحكم المستأنف والاكتفاء بتغريم الطاعن عشرين جنيها مصريا بلا مصاريف ورفض ما عدا ذلك من الطلبات.
فقرّر المحكوم عليه بالطعن فى هذا الحكم بطريق النقض والإبرام فى 11 فبراير سنة 1932 وقدّم تقريرا بوجوه طعنه فى اليوم نفسه.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
من حيث إن الطعن قدّم وبينت أسبابه فى الميعاد القانونى فهو مقبول شكلا.
ومن حيث إن مبنى الوجه الأوّل من أوجه الطعن بطلان الحكم الابتدائى لأنه مسند إلى ما سمى فيه محكمة مصر الأهلية حين أنه لا توجد سلطة قضائية بهذا الاسم وقاضى الإِحالة ليس هو محكمة مصر.
ومن حيث إن قاضى الإحالة الذى أصدر الحكم المشار إليه هو أحد قضاة محكمة مصر الأهلية انتدب لنظر قضايا الإحالة فيها، فجلسته تعتبر من جلسات محكمة مصر. على أنه ظاهر من الحكم ظهورا بينا يمنع كل شك أن القاضى أصدره بصفته قاضيا للإحالة. فاذا ذكر فى ديباجته أنه صدر من محكمة مصر الأهلية فى جلسة معقودة برياسة ذلك القاضى فليس فى هذا التعبير ما يوجب البطلان قط. وفضلا عما تقدّم فقد أشار الحكم الاستئنافى إلى سقوط الحق فى هذا الدفع طبقا للمادة 236 من قانون تحقيق الجنايات لأنه لم يحصل إبداؤه أمام محكمة ثانى درجة إلا بعد أن ترافع اثنان من المحامين عن المتهم فى موضوع الدعوى. ولذلك يتعين رفض هذا الوجه.
ومن حيث إن مبنى الوجه الثانى أن قاضى الإحالة ليست له سلطة الحكم فيما يقع من الجنح فى الجلسة التى يعقدها.
ومن حيث إن قاضى الإحالة نفسه قد بحث هذه المسألة فى حكمه كما بحثتها المحكمة الاستئنافية بحثا مستفيضا، وانتهى كلاهما من البحث إلى أن ولاية قاضى الإحالة فى هذا الشأن ثابتة ثبوتا قاطعا من النصوص القانونية التى أشير إليها فى الحكمين؛ وهو ما تقرهما عليه هذه المحكمة تماما. ولذلك يكون هذا الوجه مرفوضا.
ومن حيث إن الوجه الثالث مبناه أن الواقعة ليست جنحة جلسة بالمعنى القانونى.
ومن حيث إن المتهم سبق أن دفع بهذا الدفع أمام المحكمة الاستئنافية مستندا فى ذلك إلى أن لجنحة الجلسة صفة خاصة وأنها عبارة عن الواقعة التى تقع على المحكمة أو على أحد الناس حيث يدركها الجمهور إدراكا تاما وعندئذ يجب الحكم فيها فورا بلا إمهال، فى حين أن قاضى الإحالة فى هذه القضية بعد أن وجه الاتهام وسمع الدفاع أجل الحكم فيها إلى جلسة أخرى.
ومن حيث إن المحكمة الاستئنافية قد رفضت بحق هذا الدفع لأن القانون لم يحتم إصدار الحكم فى نفس الجلسة التى وقعت فيها الجنحة ما دامت قد بدأت فى نظرها فى تلك الجلسة، بل أجازت المادة (90) من قانون المرافعات للمحكمة فى هذه الحالة أن تؤجل الحكم إلى جلسة أخرى. على أنه ثابت فى هذه الدعوى أن القاضى لم يؤجل الحكم إلا بناء على طلب المتهم نفسه ليقدّم مذكرة بدفاعه. ولذلك يكون هذا الوجه على غير أساس.
ومن حيث إن محصل الوجه الرابع أن المحامى وهو يترافع إنما يؤدّى واجبا هو خاضع فى أدائه لسلطة محكمة النقض فلا تجوز محاكمته قبل أن تنظر تلك السلطة فى هل تجاوز حدود وظيفته أو لم يتجاوزها.
ومن حيث إن الحكم الاستئنافى قد بين أن نصوص القانون لم تستثن المحامى من المحاكمة فورا إذا وقعت منه جنحة على المحكمة أو أحد أعضائها أو أرباب الوظائف فيها، وأن القيد الوحيد الذى ورد فى المادة (89) من قانون المرافعات خاص بصفة المعتدى عليه لا بصفة المعتدى. فأيا كان هذا المعتدى فانه يقع تحت حكمها. والحكمة فى ذلك ظاهرة، لأن الغرض من تخويل المحكمة حق الحكم فيما يقع فى الجلسة من الجنح المشار إليها هو صون كرامة القضاء وهيبته والمحافظة على ما يجب له من الاحترام فى أعين الجمهور. فاذا قيل بأنه إذا وقعت الجنحة من محام فلا تجوز محاكمته من أجلها قبل أن تنظر محكمة النقض فى أمره من الوجهة التأديبية لكان فى ذلك تفويت للغرض المذكور. وقد سبق لمحكمة النقض أن فصلت فى هذه المسألة بحكمها المؤرّخ فى 30 يناير سنة 1930، وعليه يكون هذا الوجه مرفوضا.
ومن حيث إن مبنى الوجه الخامس أن عضو النيابة لا يمثل فى الجلسة الجنائية غير وظيفة الاتهام، ومركزه فيها كمركز المحامى، فما يدور بينهما من الكلام لا يعتبر موجها إلى المحكمة ولا إلى موظف له ميزة على المحامى فى أمر من الأمور.
ومن حيث إن هذا الوجه مردود بأن المراد من (المحكمة) فى المادة (117) من قانون العقوبات هو هيئة المحكمة أى القضاة ومن يعتبرون جزءا متمما لهيئتهم، ولا جدال فى أن عضو النيابة العمومية متمم لتلك الهيئة فى الجلسات الجنائية ومنها جلسات الإحالة؛ ويلاحظ فوق هذا أن قاضى الإحالة بعد ما أشار فى حكمه إلى العبارة التى وجهها الطاعن إلى رئيس النيابة قال ما نصه "إن المتهم ذكر أيضا هذه العبارة فى الجلسة بصوت عال وبدون أن يؤذن له بالكلام وباستعمال إشارات تدل على الإهانة وتشعر من جانبه باستخفاف عظيم بالمحكمة مما يحط من كرامتها فى نظر الجمهور". ويؤخذ من هذا أن قاضى الإحالة رأى أن الإهانة قد لحقته هو أيضا ولم تقتصر على رئيس النيابة.
ومن حيث إن الأوجه الثلاثة الأخيرة تتلخص فى أن رئيس النيابة بدأ بالاعتداء على المحامين فكان من حق المحامى أن يعترض على هذا الاعتداء، وأن الكلام الذى صدر من المحامى لم يكن اعتداء بل استنكارا للإهانة، وأنه يشترط لتطبيق المادة "117" من قانون العقوبات أن يكون الموظف يؤدى وظيفته فى ذات العمل الذى صدر منه فاستنكره الغير وأن خطبة رئيس النيابة لم تكن تأدية لوظيفة من وظائفه.
ومن حيث إن الطاعن سبق أن دفع بهذه الدفوع أمام المحكمة الاستئنافية فرفضتها للأسباب الوجيهة التى وردت فى حكمها والتى تأخذ بها هذه المحكمة وعلى ذلك يجب رفض هذه الأوجه أيضا.


[(1)] يراجع الحكم الصادر بتاريخ 30 يناير سنة 1930 فى القضية رقم 1175 سنة 46 القضائية المنشور بالجزء الأوّل.