مجموعة القواعد القانونية التى قررتها محكمة النقض والإبرام فى المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثانى (عن المدة بين 6 مارس سنة 1930 وبين 31 أكتوبر سنة 1932) - صـ 591

جلسة الاثنين 20 يونيه سنة 1932

تحت رياسة حضرة صاحب السعادة عبد العزيز فهمى باشا.

(360)
القضية رقم 2181 سنة 2 القضائية

إضراب. توقف عمال عن أداء عمل ذى منفعة عامة. عمال تابعون لمقاول. عقاب.
(المادتان 108 المكررة و327 المكررة ع).
إن المادة 327 ع المكررة تحظر على المستخدمين والأجراء التابعين لمصلحة خاصة حاصلة على امتياز بإدارة عمل من الأعمال ذات المنفعة العامة أن يتوقفوا عن العمل بكيفية يتعطل معها سير العمل فى تلك المصلحة وتفرض على هؤلاء المستخدمين والأجراء إذا أرادوا التوقف عن العمل أن يقوموا باجراءات خاصة فى موعد معين؛ وذلك كله حرصا على المنفعة العامة أن لا تضار بهذا التوقف. فمثلا عملية حمل البضائع ونقلها وشحن العربات بمحطة السكة الحديدية وتفريغها إذا أعطيت بطريق الامتياز لمقاول جاء بعمال ليقوموا بها وتوقف هؤلاء العمال عن العمل كانوا هم ومن حرضوهم واقعين تحت طائلة العقاب بمقتضى المادة 327 المكررة. ولا يحميهم من ذلك كونهم تابعين للمقاول ولا علاقة لهم بمصلحة السكة الحديدية مباشرة، إذ هذه المادة إنما وضعت لمثل هذه الصورة وهى صورة تبعية العمال لمصلحة خاصة - كالمقاول مثلا - حاصلة على امتياز بادارة عمل من الأعمال ذات المنفعة العامة، وإلا فلو أنهم كانوا تابعين مباشرة لمصلحة السكة الحديدية لانطبقت عليهم المادة 108 ع المكررة؛ كما لا يحميهم كونهم يتقاضون أجورهم يوميا، إذ هذا ليس معناه أن لهم حق التوقف جماعات فى أى وقت بدون إخطار وبكيفية يتعطل معها سير العمل، ولا كونهم لم يقصدوا الإضرار مباشرة بالمصلحة العامة فذلك لا يهم ما داموا قد توقفوا فجأة عن علم وإرادة، وهذا التوقف من شأنه تعطيل سير العمل وقد تعطل.
الطعن المقدّم من ديمترى أفندى فلتاءوس عوض ضد النيابة العامة فى دعواها رقم 1244 سنة 1932 المقيدة بجدول المحكمة رقم 2181 سنة 2 قضائية.


الوقائع

اتهمت النيابة العمومية شاكر معبدى عمر وآخرين بأنهم فى ليلة 20 يناير سنة 1928 بدائرة قسم مينا البصل بعضا منهم - بصفتهم عمالا مكلفين بنقل البضائع من عربات مصلحة السكة الحديد والقيام بما يتبع ذلك من الأعمال - توقفوا جميعهم فجأة عن العمل بكيفية يتعطل معها سير العمل فى تلك المصلحة وذلك بدون إخطار المحافظة عن ذلك فى الميعاد القانونى وبأن البعض الآخر بصفتهم رؤساء للعمال المذكورين حرضوهم على هذا التوقف عن العمل بدون مراعاة الإخطار وطلبت من محكمة جنح اللبان الجزئية عقاب الفريق الأوّل بالفقرة الأولى من الماده 327 من قانون العقوبات وعقاب الفريق الثانى بالفقرة الثانية من هذه المادة. وأدخل محمود خليل إبراهيم ديمترى أفندى فلتاءوس عوض فى الدعوى بأن طلب مباشرة إلى المحكمة عقابه مع المتهمين بتهمة التحريض والحكم له عليه بمبلغ 400 جنيه تعويضا. سمعت المحكمة هذه الدعوى وحكمت حضوريا بالنسبة للطاعن فى 2 ديسمبر سنة 1929 عملا بالفقرة الثانية من المادة 327 من قانون العقوبات بتغريمه أربعمائة قرش وبعدم قبول الدعوى المدنية. فاستأنف هذا الحكم فى 18 ديسمبر سنة 1929 واستأنفه المدعى المدنى فى 8 منه.
ومحكمة إسكندرية الابتدائية الأهلية بعد أن سمعت الدعوى بهيئة استئنافية حكمت غيابيا للطاعن وحضوريا للمدعى بالحق المدنى فى 24 فبراير سنة 1932 بقبول الاستئنافين شكلا وفى الموضوع بتأييد الحكم المستأنف فيما يختص بالعقوبة وفيما يختص بالدعوى المدنية بتعديل الحكم ورفض الدعوى. عارض الطاعن فى هذا الحكم وقضى فى المعارضة بتاريخ 27 أبريل سنة 1932 بقبولها شكلا وبرفضها موضوعا وتأييد الحكم المعارض فيه.
فطعن فى هذا الحكم بطريق النقض فى 11 مايو سنة 1932 وقدّم حضرة المحامى عنه تقريرا بالأسباب فى 15 منه.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
من حيث إن الطعن قدّم وبينت أسبابه فى الميعاد فهو مقبول شكلا.
ومن حيث إن محصل الوجه الأوّل من أوجه الطعن أن المادة 327 مكررة من قانون العقوبات لا تنطبق على صورة هذه الدعوى لأن العمال مرتبطون مع المقاول ولا علاقة قانونية بينهم وبين مصلحة السكة الحديدية ولأنهم يتقاضون أجورهم يوميا من نفس المقاول ولا يمتعون بالضمانات التى يتمتع بها العمال التابعون للشركات والمصالح ولأن نية الإضرار بالمصلحة العامة غير متوفرة لأن سبب امتناعهم عن العمل هو حرمانهم من جزء من أجورهم ولأن العقد الذى يربط العمال - ومنهم الطاعن - بالمقاول رتب جزاءات مالية عند الإخلال بشرائطه ولأن المصلحة التى تعاقدت مع المقاول لم يغب عن بالها أنها عرضة لوقف حركة شحن البضائع وتفريغها لأسباب كثيرة.
ومن حيث إن المادة 327 عقوبات مكررة حظرت على المستخدمين والأجراء التابعين لمصلحة خاصة حاصلة على امتياز بإدارة عمل من الأعمال ذات المنفعة العامة أن يتوقفوا عن العمل كلهم معا أو جماعات منهم بكيفية يتعطل معها سير العمل فى تلك المصلحة وفرضت على هؤلاء المستخدمين والأجراء - إذا أرادوا التوقف عن العمل - أن يقوموا باجراءات نصت عليها المادة المذكورة فى مواعيد عينتها؛ وذلك كله حرصا على المنفعة العامة ألا تضارّ بهذا التوقف. ولا ريب فى أن المادة 327 مكررة منطبقة على الدعوى الحالية لأن عملية حمل البضائع ونقلها وشحن العربات بمحطة القبارى التابعة لمصلحة السكة الحديدية وتفريغها - كل ذلك عمل من الأعمال ذات المنفعة العامة وقد أعطى بطريق الامتياز إلى المقاول المجنى عليه فى هذه القضية، والعمال المتهمون بالتوقف عن العمل وكذلك من حرضوهم على هذا التوقف - ومنهم الطاعن - هم أجراء عند المقاول المذكور؛ فما اقترفوه من أعمال التوقف والتحريض عليه بغير مراعاة الشروط التى فرضتها المادة 327 مكررة يقع ولا شك تحت طائلة العقاب طبقا للمادة المذكورة. ولا محل للاحتجاج بأن العمال تابعون للمقاول ولا علاقة لهم بمصلحة السكة الحديدية مباشرة، لأن المادة 327 مكررة إنما وضعت لمثل هذه الصورة بالذات وهى صورة تبعية العمال لمصلحة خاصة - كالمقاول فى القضية الحالية - حاصلة على امتياز بادارة عمل من الأعمال ذات المنفعة العامة كعملية نقل البضائع فى محطة القبارى وإلا لو أنهم كانوا تابعين مباشرة لمصلحة عامة - كمصلحة السكة الحديدية الأميرية - لانطبقت على حالتهم المادة 108 مكررة من قانون العقوبات بدلا من المادة 327 مكررة. وأما أنهم يتقاضون أجورهم يوميا فليس معناه أن لهم حق التوقف عن العمل جماعات فى أى وقت شاءوا وبغير إخطار وبكيفية يتعطل معها سير العمل فى المصلحة التابعين هم لها. وأما أنهم لم يقصدوا الإضرار مباشرة بالمصلحة العامة فذلك لا يهم ما داموا قد توقفوا فجأة عن علم وإرادة وهذا التوقف من شأنه تعطيل سير العمل بالمصلحة (وقد تعطل وحاق الضرر فعلا بالمصلحة من جراء هذا التوقف). وأما أن العقد الذى بينهم وبين المقاول يرتب جزاءات مالية عند الإخلال بشروطه فهذا مرجعه إلى علاقتهم بالمقاول رأسا ولكن المادة 327 مكررة إنما تعاقبهم على الضرر الذى يلحقونه بالمصلحة العامة بسبب توقفهم عن العمل فجأة. وأما أن المصلحة التى تعاقدت مع المقاول لا يغيب عن بالها أنها عرضة لمثل هذا التوقف فجوابه أن ذلك هو الذى حدا بالشارع إلى وضع المادة 327 عقوبات مكررة كيما يحمى المصلحة العامة من أخطار هذه المفاجآت.
ومن حيث إن محصل الوجه الثانى أن المادة 327 مكررة عقوبات غير منطبقة لانعدام القصد الجنائى لأنه لا يد للطاعن فى التوقف عن العمل بل مصلحته تقتضى استمرار العمال فى أعمالهم - فضلا عن انعدام الضرر سواء للمدعى المدنى أو للمصلحة المتعاقد هو معها.
ومن حيث إنه بالاطلاع على الحكم الابتدائى الذى أيده الحكم المطعون فيه أخذا بأسبابه تبين أنه أثبت على الطاعن تهمة تحريض العمال على الإضراب بدافع الانتقام من المجنى عليه لسبق اتهام المجنى عليه إياه بتهمة تبديد مبالغ وتزوير فى الدفاتر. فهذا الوجه لا يعدو أن يكون إثارة لمسألة موضوعية فصلت فيها محكمة الموضوع نهائيا ولا محل لطرحها من جديد على محكمة النقض.
ومن حيث إن الوجه الثالث متعلق كله بالموضوع لأنه قائم على مناقشة بعض أدلة الإدانة التى أخذ بها الحكم المطعون فيه إلى غير ذلك مما لا محل للخوض فيه أمام هذه المحكمة.
ومن حيث إنه لما تقدّم يتعين رفض الطعن.