مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء السابع (عن المدة من 5 نوفمبر سنة 1945 لغاية 13 يونيه سنة 1949) - صـ 7

جلسة 12 من نوفمبر سنة 1945

برياسة سعادة سيد مصطفى باشا رئيس المحكمة وحضور حضرات: جندي عبد الملك بك وأحمد نشأت بك وأحمد علي علوبة بك وأحمد فهمي إبراهيم بك المستشارين.

(9)
القضية رقم 1479 سنة 15 القضائية

وصف التهمة. متى يجوز للمحكمة تعديل الوصف دون لفت الدفاع؟ مثال.
يجوز، طبقاً للمادة 40 من قانون تشكيل محاكم الجنايات، أن تنزل المحكمة في حكمها بالجريمة المرفوعة بها الدعوى إلى نوع أخف منها متى ظهر لها عدم ثبوت بعض الأفعال المنسوبة إلى المتهم أو عدم ثبوت بعض الظروف المشددة، وليس للمتهم أن يتظلم من حصول مثل هذا التعديل بدون لفت نظره إليه ما دام الوصف الجديد لم يترتب على إضافة عناصر جديدة إلى الوقائع التي تناولها التحقيق ورفعت بها الدعوى العمومية. فإذا كان المتهم قد قدم مع متهمين آخرين إلى محكمة الجنايات بتهمة أنهم سرقوا ليلاً في الطريق العام وحالة كون أحدهم حاملاً سلاحاً زجاجتي كونياك طافياً من المجني عليه، واستولوا على مبلغ خمسين قرشاً منه بصفة رشوة للامتناع عن أداء عمل من أعمال وظيفتهم وهو اقتياده إلى مركز البوليس بتهمة حيازته طافياً في منطقة محرم فيها حيازتها، فرأت المحكمة أن أحدهم، وهو أومباشي منشآت ينحصر عمله في حراسة الطلمبات وليس من عمله ضبط الممنوعات أو إرسال حائزيها إلى النقطة، لا يكون حصوله على مبلغ الخمسين قرشاً جريمة رشوة لانعدام هذا الركن من أركانها، وإنما يكون جريمة نصب لاتخاذه صفة كاذبة [(1)] هي أن من حقه تفتيش الناس وضبطهم وإرسالهم إلى نقطة البوليس إذا وجدهم يحملون شيئاً ممنوعاً، وتوصله بذلك إلى سلب مبلغ الخمسين قرشاً، ثم حكمت عليه المحكمة من أجل ذلك بالحبس مع الشغل لمدة سنة تطبيقاً للمادة 336 من قانون العقوبات، فإنه لا تثريب عليها في النتيجة التي انتهت إليها. وليس لهذا الطاعن أن يحتج بأن ركن الاحتيال هو عنصر جديد أضيف إلى الوقائع التي رفعت بها الدعوى عليه، لأن هذه الوقائع نفسها وبذاتها تتضمن وجود هذا العنصر إذ هي تتضمن أن الطاعن وهو أومباشي بوليس أخذ نقوداً من المجني عليه حتى لا يتخذ معه إجراءً أوهمه بأنه يدخل في اختصاصه وهو اقتياده إلى مركز البوليس. فإذا استبعد من ذلك دخول هذا الإجراء في وظيفته فإن وقائع التهمة تظل متضمنة حصوله على النقود بطرق احتيالية من شأنها الإيهام بوجود واقعة مزورة وهي ادعاؤه، اعتماداً على ما توحي به وظيفته من الثقة في قوله، أن من اختصاصه تفتيش الناس وضبطهم.

[(1)] الرشوة كما يقولون جريمة وظيفة لا جريمة موظف والعقاب فيها وارد على الاتجار بالوظيفة ذاتها لا على الاتجار بجاهها وما تضفيه على صاحبها من نقود، ولذلك لا توجد الرشوة طبقاً للمادة 103 عقوبات إلا إذا كان الغرض من الوعد أو العطية أداء عمل من أعمال وظيفة المرتشي أو الامتناع عنه، والمراد بأعمال الوظيفة ما يباشره الموظف أو يستطيع مباشرته بحكم وظيفته أي كل ما يدخل في دائرة وظيفته قانوناً بغض النظر عن عدله فيه أو جوره (راجع جارسون مادة 177 ص 62، 74 وجارو عقوبات جـ 4 ص 1526 وأحمد بك أمين ص 15 وجندي بك عبد الملك جـ 4 ن 41 ون 45). فإذا كان الموظف لا اختصاص له من جهة النوع أو من جهة المكان بالعمل الذي تقاضى من أجله أو بسببه العطية فلا يمكن اعتبار فعلته ارتشاءً، ولكن يجوز إذا ساعدت ظروفها أن تعتبر نصباً أو حصولاً على مال بالتهديد.
وواقعة الحكم المذكور في المتن أن أومباشي منشآت سرق مع آخرين زجاجتي خمر واستولى من المجني عليه على خمسين قرشاً لكيلا يقتاده إلى مركز البوليس بتهمة حيازة هذا النوع من الخمر في منطقة محرم فيها حيازته. وقد رأت محكمة جنايات الزقازيق بحق أن الاستيلاء على هذا المبلغ ليس رشوة لأن الأومباشي المتهم ينحصر اختصاصه في حراسة الطلمبات (راجع بهذا المعنى حكم محكمة النقض في 5 فبراير سنة 1945 مجموعة جـ 6 رقم 485 ص 628)، بل اعتبرت فعلة المتهم نصباً باتخاذ صفة كاذبة هي أن من حقه تفتيش الناس وضبطهم وإرسالهم إلى نطقة البوليس إذ وجدهم يحملون شيئاً ممنوعاً. وإقامة جريمة النصب على هذا الأساس تستوقف النظر، لأنهم يقولون إن انتحال الحقوق لا يعتبر اتخاذاً لصفة كاذبة (جارو جـ 6 ن 546، 547). على أنه يجب أن يلاحظ أن محكمة النقض حين أبرمت حكم محكمة جنايات الزقازيق في هذه التهمة لم تذهب مذهبها في معنى الصفة الكاذبة بل قالت: "إن وقائع الدعوى تتضمن أن الطاعن حصل على النقود بطرق احتيالية من شأنها الإيهام بوجود واقعة مزورة وهي أن من اختصاصه تفتيش الناس وضبطهم وإرسالهم إلى نقطة البوليس وقد انخدع المجني عليه بأقوال الطاعن لأن وظيفته تحمل على الثقة فسلمه النقود". فالمحكمة العليا - كما يبدو - قد اعتبرت أن وظيفة المتهم الحقيقية في الظروف التي حصل فيها التسليم قد حملت المجني عليه على تصديقه فتوفر بذلك طريق من طرق الاحتيال Manoeuvres (راجع بهذا المعنى حكم محكمة النقض في 15 أكتوبر سنة 1945 المجموعة جـ 6 رقم 615 ص 765 وحكم الدوائر المجتمعة لمحكمة النقض الفرنسية الصادر في 31 مارس سنة 1827 وقد صدر في واقعة مشابهة للواقعة التي صدر فيها الحكم موضوع التعليق. وقد أورد نص ذلك الحكم جارو جـ 4 ن 1526 حاشية 39 وراجع في هذا المعنى أيضاً جارو جـ 6 ن 2554 ص 346 وحاشية 75).