مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء السابع (عن المدة من 5 نوفمبر سنة 1945 لغاية 13 يونيه سنة 1949) - صـ 43

جلسة 7 من يناير سنة 1946

برياسة سعادة سيد مصطفى باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: أحمد علي علوبة بك وأحمد فهمي إبراهيم بك ومحمد توفيق إبراهيم بك وسليمان حافظ بك المستشارين.

(54)
القضية رقم 129 سنة 16 القضائية

دعوى مدنية مرفوعة إلى المحكمة الجنائية. مناط اختصاص المحكمة الجنائية بالفصل فيها. وجوب كون الضرر المطلوب تعويضه ناشئاً عن العمل الجنائي محل المحاكمة. مثال.
إنه لكي تخول المحكمة الجنائية الحكم في الدعوى المدنية المرفوعة على المتهم مع الدعوى العمومية بتعويض الضرر الذي تسبب في وقوعه للمدعي بالحقوق المدنية يجب أن يكون الضرر ناشئاً عن العمل الجنائي محل المحاكمة [(1)]. فإذا كانت الدعوى قد رفعت على المتهم بأنه سرق أوراقاً مملوكة لبنك معين فقضت المحكمة الابتدائية بعدم حصول سرقة ثم جاءت المحكمة الاستئنافية فأقرت ذلك، ولكنها حكمت في ذات الوقت على المتهم بتعويض على أساس أنه أستعمل بلا حق صور أوراق خاصة بالبنك المدعي بالحقوق المدنية بتقديمها إلى المحكمة الجنائية في دعوى مرفوعة عليه للاستفادة منها في براءته غير مبال بما يترتب على ذلك من الإضرار بمصلحة صاحبها فحكمها هذا يكون خاطئاً، إذ الاستعمال الذي أشارت إليه هو فعل آخر غير فعل السرقة المقامة بشأنه الدعوى العمومية والذي استقرت محكمة الموضوع على أنه منعدم من الأصل.


[(1)] الأصل في دعاوى الحقوق المدنية أن ترفع إلى المحاكم المدنية وإنما أباح القانون بصفة استثنائية رفعها إلى المحكمة الجنائية متى كانت تابعة للدعوى العمومية وكان الحق المدعي به ناشئاً عن ضرر حصل للمدعي من الجريمة المرفوع عنها الدعوى العمومية، ولكن متى يعتبر الضرر أنه ناشئ أو غير ناشئ عن الجريمة المرفوعة بها الدعوى؟ يقول الشراح الفرنسيون إن الضرر يعتبر ناشئاً عن الجريمة إذا كان نتيجة مباشرة لتنفيذها أو وقوعها (ڤيدال ومانيول نبذة 627 و636 وجارو تحقيق الجنايات جـ 1 ص 238 و239 ودوندييه دي فاير طبعة ثانية ص 579 نبذة 1139). وتتشدد الدائرة الجنائية لمحكمة النقض الفرنسية في تطبيق هذا الضابط إذ تقضي بعدم اختصاص القضاء الجنائي كلما كانت الجريمة ليست هي السبب المباشر للضرر المراد تضمينه بل كانت مجرد ظرف لهذا الضرر فقط فلا تختص محكمة الجنح التي رفع إليها جريمة قتل بإهمال نشأ عن تصادم سيارتين - لا تختص بالحكم بالتعويض عن الأضرار المادية التي لحقت السيارة اعتباراً بأن هذه الأضرار لم تنشأ عن جنحة القتل بإهمال (حكم محكمة النقض الفرنسية الصادر في 14 ديسمبر سنة 1928 المشار إليه في ڤيدال المرجع السابق). كذلك لا يجوز أن يختصم المجني عليه أمام المحاكم المدنية شركة التأمين التي أمنت المتهم لأن التزامها ناشئ عن عقد التأمين لا عن الجريمة التي وقعت (حكم محكمة النقض الفرنسية الصادر في 6 يونيه سنة 1932 المشار إليه في ڤيدال المرجع السابق) ولا يجوز لمصلحة عمومية أو خصوصية أن تدعي مدنياً قبل متهم بجريمة وقعت على أحد مستخدميها أو عمالها استناداً إلى التزامها بدفع تعويض أو معاش لهذا المستخدم أو لخلفائه طبقاً للوائح أو عملاً بالقانون (حكم محكمة النقض الفرنسية 21 نوفمبر سنة 1931 سيريه 1933 - 1 - 233). ولا تختص المحكمة الجنائية بدعوى رد قيمة الشيك الصادر بغير رصيد (حكم محكمة استئناف باريس 20 يوليه سنة 1926 سيريه 1926 - 2 - 102)، ولا بدعوى النفقة فيما يتعلق بجريمة هجر العائلة (ڤيدال المرجع السابق ص 764 حاشية 1). ولم يفت الشراح الفرنسيين ما في مذهب محكمتهم العليا من المغالاة في الشدة وإهمال الفائدة العملية المرجوة من نظر الدعويين معاً (المرجع السابق). وقد أدخل قانون 24 مايو سنة 1938 تعديلاً جزئياً فيما يتعلق بجريمة إصدار الشيك بغير رصيد، فإن القضاء الفرنسي كما قلنا كان لا يبيح لحامل الشيك أن يدعي مدنياً إلا بطلب التعويض عن الجريمة دون طلب قيمة الشيك ذاته لأن هذا الطلب ليس مصدره الجريمة (حكم محكمة النقض الفرنسية في 14 ديسمبر سنة 1936). وقد رخص القانون المشار إليه بنص صريح لحامل الشيك بأن يطالب بقيمته أمام المحكمة الجنائية تفادياً لتعقيد يقول الشراح إنه من غير طائل (دون دي ڤابر ص 579 هامش 7).
ويبدو أن القاعدة في القانون الإيطالي هي كما تقررت في القانون الفرنسي موجبة أن تكون الجريمة سبباً مباشراً لا ظرفاً للضرر المطلوب تضمينه (راجع مانسينى شرح قانون الإجراءات الجنائية الإيطالي الجديد جـ 1 ص 284 وحكم محكمة النقض الإيطالية الصادر في 21 مارس سنة 1923 المشار إليه في هذا المرجع حاشية 4). أما في القانون البلچيكي، ونصوصه متفقة مع نصوص القانون الفرنسي والمصري في هذه النقطة، فإن الفقه في إيراده للقاعدة لا يكاد يختلف عما يقوله الفقهاء الفرنسيون من ضرورة أن يكون الضرر ناتجاً بصورة مباشرة عن ذات الجريمة المرفوعة عنها الدعوى (راجع براس شرح قانون تحقيق الجنايات البلچيكي ص 90 و91 و92). ولكن واضع الموسوعة البلچيكية العملية لم يفته أن ينبه إلى أن في اشتراط هذه المباشرة بين الضرر وبين الجريمة، وفي القول بضرورة أن يقوم بينهما رابطة السببية أو العليِّة، ما قد يجر إلى مشكلة تحديد فكرة السببية نفسها ومتى يكون الفعل سبباً للنتيجة ومتى يكون ظرفاً لها فقط، فضلاً عن أنه قد يوهم بأن المتهم غير مطالب إلا بتعويض النتائج المباشرة فقط وهو غير صحيح، والقضاء البلچيكي لا يقبل الدعوى المدنية إذا كانت مؤسسة على جريمة أخرى غير الجريمة المرفوع بها الدعوى (حكم محكمة استئناف غنت في 12 فبراير سنة 1913). ويتفرع عن هذا أن الدعوى المدنية لا تقبل إذا كان مصدرها فعل لا يعاقب عليه القانون، وفي جرائم العادة كجريمة الاعتياد على الإقراض بالربا الفاحش لا تكفي واقعة واحدة لإقامة الدعوى المدنية إنما إذا أقامت النيابة الدعوى العمومية عن جملة أفعال فإن من أصابه ضرر من فعل واحد يجوز له في نظر القضاء البلچيكي الادعاء مدنياً، لأن ادعاءه يكون عندئذٍ مستنداً إلى جريمة قائمة أمام المحكمة الجنائية. وتقبل الدعوى المدنية من المضرور ولو كانت الجريمة المعروضة يسلكها القانون في عداد الجرائم الواقعة على النظام العام (حكم محكمة النقض البلچيكية في 4 أغسطس سنة 1878). وقد قضى هناك أيضاً بأنه يجوز في تهمة الإصابة الخطأ ولو لم تحدد النيابة مقدار الإصابة أن يدعي المضرور مدنياً عن العجز الذي لحقه أو عن العاهة (حكم محكمة النقض 19 فبراير سنة 1914). ولكن قضى بأن رفع الدعوى العمومية عن جريمة الصيد بغير رخصة لا يسمع بالادعاء المدني عن واقعة حصول هذا الصيد في أرض الغير، وبأن مشتري الشيء المحجوز من حارسه الذي بدده ليس له أن يتدخل مدعياً مدنياً عند نظر جريمة التبديد ليحكم له على المتهم برد الثمن والتعويضات. هذا وقد ثبت القضاء البلچيكي في حوادث القتل والإصابة بإهمال على أنه يجوز للمضرور أن يرفع دعواه أمام المحكمة الجنائية بالتعويض الكامل سواء عما أصاب النفس وعما أصاب المال نتيجة للحادث أي عن الخسائر والإتلافات المادية (راجع حكم محكمة النقض بالبلچيكية الصادر في 23 يناير سنة 1922 باسكريزى 1 - 139 وقد صدر في حادث إصابة خطأ نشأ عن تصادم سيارتين وقضى بأنه يجوز للمجني عليه أن يدعي مدنياً عن الضرر الذي أصاب سيارته ولو لم تكن تهمة مخالفة لوائح المرور موجهة إلى المتهم) "يراجع في ذلك كله الموسوعة العملية البلچيكية تحت عبارة دعوى مدنية جـ 1 ص 147 ن 9". على أنه وإن كان القضاء البلچيكي من الوجهة العملية أوسع صدراً لقبول الدعوى المدنية من القضاء الفرنسي إلا أن ضوابطه لم تسلم من بعض الغموض. فمن ذلك أنه لا يقبل المطالبة بتعويض الضرر الواقع على النفس من جريمة وقعت على المال إذا كانت هذه الجريمة وحدها هي المعروضة على المحكمة الجنائية (راجع حكم محكمة شارلروا الصادر في 31 مايو سنة 1902 باسكريزى سنة 1903 - 3 - 110 قد صدر بعدم قبول الادعاء مدنياً من شخص أصيب بصدمة عصبية نتيجة إتلاف نافذة وكانت الدعوى العمومية مرفوعة ففقط عن جريمة الإتلاف).
أما محكمة النقض المصرية فإنها تساير الفقه والقضاء الفرنسي في اشتراط الصلة المباشرة بين الضرر وبين الجريمة المعروضة على المحكمة الجنائية، وقد سوغ لها ذلك أن تأبى على المضرور من الربا الفاحش الادعاء مدنياً قبل المتهم في جريمة الاعتياد على الإقراض فقالت في حكمها الصادر في 3 يناير سنة 1930: "إن نص المادة 54 من قانون تحقيق الجنايات يقضي بأن رفع الدعوى المدنية لا يكون إلا في صورة ما إذا كان الحق المدعي به ناشئاً عن ضرر حصل للمدعي من الجريمة المرفوع عنها الدعوى العمومية وإن مفهوم هذا النص أن الضرر إذا لم يكن ناشئاً عن هذه الجريمة سقط اختصاص المحكمة الجنائية بنظر دعوى الحق المدني، وإن الإقراض في ذاته لا عقاب عليه وإنما العقاب على الاعتياد نفسه أي على وصف خلقي اتصف به المقرض، وإن الواقع في الضرر الذي يصيب المقترضين إنما ينشأ عن عملية الإقراض المادية وينحصر في قيمة ما يدفعه كل منهم زائداً عن الفائدة القانونية، والدعوى به إنما هي دعوى استرداد هذا الزائد وهي دعوى مدنية ناشئة عن شبة جنحة وليست ناشئة عن جنحة حتى يسوغ رفعها بالتبعية إلى المحكمة الجنائية، وإن هذا النظر يصدق على كل صور الإقراض بالربا الفاحش فهو يتمشى في صورة تعدد القروض والمقترضين, كما يتمشى في صورة تعدد القروض للشخص الواحد، ويصدق على آخر إقراض تحققت به العادة، كما يصدق على إقراض سبقه (مجموعة القواعد جـ 1 رقم 382). وقالت في حكم آخر بأنه ليس للمحكمة وهي تقضي في جريمة إتلاف زراعة قائمة على أرض مؤجرة أن تقبل الدعوى المدنية من مالك هذه الأرض لأن الضرر المباشر الناشئ عن الإتلاف إنما يصيب صاحب الزراعة التي أتلفت وهو المستأجر أما مالك الأرض فإن كان هو الآخر يصيبه ضرر فإن ذلك يكون عن طريق غير مباشر وبذلك لا تكون له صفة في رفع الدعوى المدنية مع الدعوى العمومية، لأن حق الادعاء المدني مقصور على من يكون قد أصابه ضرر من الجريمة مباشرة وشخصياً دون غيره (راجع حكم 8 يونيه سنة 1942 مجموعة القواعد جـ 5 رقم 47) وانظر بعكس هذا الرأي حكم محكمة النقض الصادر في 7 مايو سنة 1931 في القضية المعروفة بقضية أخطاب وقد أقرَّ ما ذهبت إليه محكمة الجنايات من قبول الدعوى المدنية من شخصين من الأعيان بالتعويض عما أصاب أتباعهم من وقائع التعذيب والحبس وذهبت إلى أن المادة 54 واسعة النص ترخص لكل من ادعى إصابته بضرر من الجريمة أن يدعي مدنياً أمام القضاء الجنائي وأنها لم تفرق بين الضرر المباشر وغير المباشر (مجموعة القواعد جـ 2 رقم 253). ولعل من أهم الأحكام التي أصدرتها محكمتنا العليا في هذا الشأن حكمها الصادر في 3 إبريل سنة 1944 الذي قررت فيه أن الأصل في دعاوى الحقوق المدنية أن ترفع إلى المحاكم المدنية وإنما أباح القانون بصفة استثنائية رفعها إلى المحكمة الجنائية متى كانت تابعة للدعوى العمومية وكان الحق المدعي به ناشئاً عن ضرر حصل للمدعي من الجريمة المرفوع عنها الدعوى العمومية، فإذا لم يكن الضرر ناشئاً عن هذه الجريمة بل كان نتيجة لظرف آخر ولو كان متصلاً بالجريمة سقطت تلك الإباحة وسقط معها اختصاص المحكمة الجنائية بنظر الدعوى... فإذا كانت الدعوى العمومية قد رفعت على المتهم عن ارتكابه تزويراً في أوراق منها شيكات مسحوبة على بنك مصر، وكان المجني عليه قد ادعى مدنياً وطلب إلزام المتهم وبنك مصر بالتضامن معه بقيمة تلك الشيكات وطلب البنك إخراجه من الدعوى، فحكمت المحكمة بالعقوبة على المتهم وبإلزامه بالتضامن مع البنك بالمبلغ المطلوب، واستندت في ذلك إلى خطأ البنك في عدم التحقق من صحة الإمضاءات الموقع بها على الشيكات قبل صرف قيمتها، فإن هذا الحكم يكون خاطئاً. لأن الضرر الذي قضى بتعويضه ليس ناشئاً عن الجريمة المرفوع بها الدعوى بل منشؤه الخطأ الذي وقع من البنك، وهذا الخطأ وإن كان متصلاً بالوقائع المرفوع بها الدعوى إلا أنه لا يدخل فيها. وإذا كان ذلك، وكان البنك غير مسؤول بمقتضى أي نص عما وقع من المتهم فإن المحكمة إذ حكمت عليه تكون قد تجاوزت اختصاصها، وإن عدم اختصاص المحكمة الجنائية بنظر الدعوى المدنية عن تعويض ضرر ليس ناشئاً عن الجريمة هو مما يتعلق بولايتها القضائية، فهو من النظام العام ويجب على المحكمة أن تحكم به ولو من تلقاء نفسها، ويجوز الدفع به في أية حالة تكون عليها الدعوى ولو أمام محكمة النقض (حكم 3 إبريل سنة 1944 مجموعة القواعد جـ 6 رقم 325: عبارته الأولى هي عبارة الحكم الصادر في 30 يناير سنة 1930 مجموعة القواعد جـ 1 رقم 382).
ويبين مما صرحت به محكمتنا العليا أنها تتشدد تشدد الدائرة الجنائية لمحكمة النقض الفرنسية في اشتراط السببية المباشرة بين الجريمة وبين الضرر المطلوب تضمينه من المحكمة الجنائية وأنها تستلزم أن يكون التعويض مطلوباً من المتهم المقامة عليه الدعوى العمومية أو من المسؤول عنه مدنياً وأن يكون هذا التعويض ناشئاً عن الجريمة التي هي موضوع التهمة الموجهة إليه، فإذا كان التضمين مطلوباً من شخص آخر غير المتهم أو غير المسؤول عنه مديناً كان الضرر غير مباشر وكان الادعاء به خارجاً عن اختصاص المحكمة الجنائية، كذلك الشأن إذا كان التضمين مطلوباً من المتهم نفسه أو من المسؤول عنه مدنياً وإنما عن فعل آخر غير الجريمة المرفوعة بها الدعوى العمومية. على أن المتتبع لأحكام القضاء المصري وبخاصة محاكم الموضوع يجد مع ذلك اتجاهاً إلى قبول الادعاء المدني قبل المتهم أو قبل غيره وبخاصة في حوادث السيارات استجابة لدواعي عملية أساسها الرغبة في اقتصاد الوقت والمال، إلا أن ذلك الاتجاه لم يظهر بعد بشكل صريح في أحكام محكمتنا العليا التي ما زالت تردد القاعدة على صورتها الأصلية كما يشهد بذلك الحكم المشار إليه في المتن.