مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء السابع (عن المدة من 5 نوفمبر سنة 1945 لغاية 13 يونيه سنة 1949) - صـ 239

جلسة 2 من ديسمبر سنة 1946

برياسة سعادة سيد مصطفى باشا رئيس المحكمة وحضور حضرات: محمد المفتي الجزايرلي بك وأحمد علي علوبة بك وأحمد فهمي إبراهيم بك ومحمد توفيق إبراهيم بك المستشارين.

(243)
القضية رقم 1890 سنة 16 القضائية

تجمهر. وقوع جريمة تنفيذاً لقصد آخر غير القصد من التجمهر. لا يسأل عنها غير مقارفها ولو كان ارتكابه إياها بقصد تنفيذ الغرض من التجمهر متى تبين أن الالتجاء إليها لتنفيذ الغرض لا يصح أن يفترض مع أن غير مقارفها قد توقعه. مثال.
إن الفقرة الثانية من المادة 3 من القانون رقم 10 لسنة 1914 بشأن التجمهر قد نصت على أنه "إذا وقعت جريمة بقصد تنفيذ الغرض المقصود من التجمهر فجميع الأشخاص الذين يتألف منهم التجمهر وقت ارتكاب هذه الجريمة يتحملون مسؤوليتها جنائياً بصفتهم شركاء إذا ثبت علمهم بالغرض المذكور". فيجب لأخذ المشتركين في التجمهر بهذه المادة، فضلاً عن ثبوت علمهم بالغرض الممنوع ووقوع الجريمة أثناء اشتراكهم في التجمهر، أن يثبت أن وقوعها كان بقصد تنفيذ الغرض من التجمهر، فإن كانت وقعت تنفيذاً لقصد آخر سواء أكان بيّته مقارفها أم كان قد نبت عند أحد المتجمهرين فجأة فلا يسأل عنها باقي المشتركين في التجمهر، كما لا يسألون عنها إذا ارتكبها مقارفها بقصد تنفيذ الغرض من التجمهر في رأيه متى تبين أن الالتجاء إليها لتنفيذ ذلك الغرض كان بعيداً عن المألوف الذي يصح أن يفترض معه أن غيره من المشتركين في التجمهر قد توقعوه بحيث تصح لذلك محاسبتهم عليه باعتباره من النتائج المحتملة من الاشتراك في تجمهر محظور عن إرادة وعلم بغرضه.
فإذا كان الحكم قد أثبت أن الاحتشاد كان أول أمره مظاهرة سارت لمناسبة معينة (يوم الإضراب من أجل عرب فلسطين) فتصدى لها البوليس بالتفريق والمطاردة فتخلفت عنها شراذم أفلتت من المطاردة وسارت في جهات مختلفة وقام أفراد من بعض الشراذم بإتلاف المحلات أو اختلاس ما فيها فلا تكون هذه الواقعة محلاً لتطبيق المادة 3 من قانون التجمهر، إذ لا يمكن ربط هذه الشراذم المتفرقة بتلك المظاهرة ولا ربط ما وقع من حوادث الإتلاف والسرقة بالغرض الذي قامت من أجله قبل تفريقها أو تشتيتها. ولا يكفي لمحاسبة المتهم عن النهب أن يثبت أنه ارتكب إتلافاً في أعقاب المظاهرة ما دام لم يثبت أنه كان ضمن شرذمة معينة من تلك الشراذم التي اتخذت الإجرام السافر غرضاً لها وأن ما حصل من الإتلاف والسرقة كان بقصد تنفيذ هذا الغرض الإجرامي.


الوقائع

اتهمت النيابة العمومية في قضية الجناية رقم 297 منشية سنة 1946: 1 - عبد الفتاح عبد الوهاب علي (الطاعن) و2 - السيد عبد الحميد مرسي - بأنهما في يوم 2 نوفمبر سنة 1945 الموافق 27 القعدة سنة 1364 بدائرة قسم المنشية محافظة الإسكندرية: أولاً - اشتركا مع مجهولين في تجمهر مؤلف من مئات الأشخاص من شأنه أن يجعل السلم العام في خطر وأمرهم رجال السلطة بالتفرق فرفضوا الطاعة رغم علمهم بهذا الأمر وقد كان الغرض من هذا التجمهر التأثير على السلطات في أعمالها وحرمان الناس من حرية العمل باستعمال القوة والعنف، الأمر الذي يعلمه جميعهم. ثانياً - ارتكبوا بقصد تنفيذ الغرض المقصود من هذا التجمهر الجريمة الآتية بعد والتي يتحملان مسؤوليتها جنائياً بصفتهما شركاء ثبت علمهم بالغرض المذكور وهي أنهم نهبوا وأتلفوا بالقوة الجبرية الأمتعة والملابس والمنقولات المبينة بالمحضر بمحل تجارة فكتور روتنبرج بأن كسروا وجهتي حانوته قهراً وبكثرة تبعث الرعب في نفس من يعترضهم وخربوا ما خربوا ونهبوا ما استطاعوا، وطلبت إلى حضرة قاضي الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهما بالمواد 1 و2 و3 من القانون رقم 10 سنة 14 الخاص بالتجمهر والمادة 366 عقوبات فقرر حضرته بتاريخ 3 فبراير سنة 1946 إحالتهما إليها لمحاكمتهما بالمواد سالفة الذكر.
ومحكمة جنايات الإسكندرية سمعت هذه الدعوى وقضت فيها حضورياً عملاً بمواد الاتهام مع تطبيق المادة 32 عقوبات بالنسبة للاثنين والمادة 17 عقوبات بالنسبة للثاني بمعاقبة عبد الفتاح عبد الوهاب بالسجن لمدة ثلاث سنوات وبمعاقبة السيد عبد الحميد مرسي بالحبس مع الشغل لمدة سنتين.
فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض في ثاني يوم صدوره إلخ إلخ.


المحكمة

وحيث إن حاصل أوجه الطعن هو أن الحكم حين دان الطاعن طبق المادة 366 من قانون العقوبات مع مواد قانون التجمهر رقم 10 لسنة 1914 على الرغم من أن أركان الجرائم التي تعاقب عليها هذه المواد غير متوافرة في واقعة الدعوى.
وحيث إن الدفاع عن الطاعن تمسك بأن الواقعة لا تدخل في متناول أي نص من النصوص المذكورة المطلوب معاملته بها، وطلب البراءة أو تطبيق المادة 361 فقرة أولى عقوبات. وقد رد الحكم على ذلك في قوله: "إن قانون التجمهر قد توافرت شرائطه فقد وقع التجمهر من مئات من الأشخاص وكان من شأنه تعريض السلم العام للخطر ومن أغراضه التأثير على السلطات وتوجيهها وجهة خاصة في مسألة معينة ومن مظاهره ارتكاب الجرائم، فكل من اشترك في مثل هذا التجمهر يتحمل مسؤولية ما يترتب عليه وما يؤدي إليه من اجتراء على قانون العقوبات ومخالفة لأحكامه". ثم دان الطاعن وعاقبه بمقتضى المادة 366 عقوبات على أساس أنه وآخرين "ارتكبوا بقصد تنفيذ الغرض المقصود من التجمهر جناية النهب والإتلاف التي يتحملان مسؤوليتها جنائياً بصفتهما شركاء ثبت علمهم بالغرض المذكور".
وحيث إن الحكم حين قال بتوافر مسؤولية الطاعن بناءً على القانون رقم 10 لسنة 1914 قد بنى قوله على أن التجمهر كان الغرض منه "التأثير على السلطات وتوجيهها وجهة خاصة في مسألة معينة".
وحيث إن الفقرة الثانية من المادة 3 من القانون رقم 10 لسنة 1914 بشأن التجمهر قد نصت على أنه "إذا وقعت جريمة بقصد تنفيذ الغرض المقصود من التجمهر فجميع الأشخاص الذين يتألف منهم التجمهر وقت ارتكاب هذه الجريمة يتحملون مسؤوليتها جنائياً بصفتهم شركاء إذا ثبت علمهم بالغرض المذكور". فيجب لأخذ المشتركين في التجمهر بهذه المادة - فضلاً عن علمهم بالغرض الممنوع، وأن تكون الجريمة قد وقعت أثناء اشتراكهم في التجمهر - أن يكون وقوعها بقصد تنفيذ الغرض منه، فإن وقعت تنفيذاً لقصد آخر سواء بيَّته مقارفها أو نبت عنده فجأة فلا يسأل عنها باقي المشتركين في التجمهر، كما لا يسألون عنها إذا ارتكبها مقارفها بقصد تنفيذ الغرض من التجمهر في رأيه متى تبين أن الالتجاء إليها لتنفيذ ذلك الغرض كان بعيداً عن المألوف الذي يصح أن يفترض معه أن غيره من المشتركين في التجمهر قد توقعوه بحيث تصح لذلك محاسبتهم عليه باعتباره من النتائج المحتملة من الاشتراك في تجمهر محظور عن إرادة وعلم بغرضه.
وحيث إنه متى تقرر هذا وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت أن الاحتشاد الذي نظرت إليه المحكمة على ضوء قانون التجمهر كان أول أمره مظاهرة سارت بمناسبة يوم الإضراب من أجل عرب فلسطين وقد تصدى لها البوليس بالتفريق والمطاردة فتخلفت عنها شراذم أفلتت من المطاردة وسارت في جهات مختلفة وقام أفراد من بعض الشراذم بإتلاف المحلات أو اختلاس ما فيها، فلا تكون واقعة هذه الدعوى محلاً لتطبيق المادة 3 من قانون التجمهر، إذ لا يمكن ربط هذه الشراذم المتفرقة بتلك المظاهرة ولا ربط ما وقع من حوادث الإتلاف والسرقة بالغرض الذي قامت من أجله المظاهرة قبل تفريقها أو تشتيتها على النحو المتقدم ذكره. ولا يكفي أن يثبت على الطاعن أنه اشترك في المظاهرة لتصح مساءلته عن الجرائم التي وقعت بعد تشتيتها، كما لا يكفي أن يثبت عليه أنه ارتكب إتلافاً في أعقاب تلك المظاهرة لمحاسبته عن النهب ما دام لم يثبت أنه كان ضمن شرذمة معينة من تلك الشراذم اتخذت الإجرام السافر غرضاً لها وأن ما حصل من الإتلاف والسرقة كان بقصد تنفيذ هذا الغرض الإجرامي، وبذلك فلا يمكن أن يحاسب الطاعن إلا عما قارفه هو وفي حدود ما قارفه، أي عن إتلافه واجهة محل تجارة فيكتور روتنبرج، وهو جنحة منطبقة على المادة 361 فقرة ثانية نظراً لما ثبت من أن قيمة الضرر تزيد على عشرة جنيهات.