مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء السابع (عن المدة من 5 نوفمبر سنة 1945 لغاية 13 يونيه سنة 1949) - صـ 294

جلسة 17 من فبراير سنة 1947

برياسة سعادة سيد مصطفى باشا رئيس المحكمة وحضور حضرات: محمد المفتي الجزائرلي بك وأحمد علي علوبة بك وأحمد فهمي إبراهيم بك ومحمد صادق فهمي بك المستشارين.

(304)
القضية رقم 444 سنة 17 القضائية

تشرد. معناه. لا يتحقق بالنسبة إلى الإناث. المادة 4 من المرسوم بقانون رقم 98 لسنة 1945. مدى تطبيقها على النساء. إباحة المرأة نفسها لمن يطلبها. لا يمكن بسبب ذلك وحده أخذها بأحكام التشرد.
(المرسوم بقانون رقم 98 لسنة 1945)
التشرد معناه القعود عن العمل والانصراف عن أسباب السعي الجائز لاكتساب الرزق. وهذا المعنى لا يتحقق بالنسبة إلى الإناث لأنهن، ولو كن كبيرات صحيحات الأبدان، لسن مطالبات بالتكسب والسعي إذ نفقتهن تلزم بعولتهن أو ذوي قرابتهن على الوجه المقرر بالقانون. ولا يغض من هذا النظر ما قضت به المادة 4 من المرسوم بقانون رقم 98 لسنة 1945 من أن أحكام التشرد تسري على النساء إذا ما اتخذن وسيلة غير مشروعة للتعيش. فإن هذا لا يراد به إلزام النساء قانوناً بما ألزم به الرجال، لا من جهة وجوب السعي والعمل في ذاته ولا من جهة كون السعي أو العمل مما ينتسب به صاحبه إلى مهنة أو صناعة أو حرفة معروفة جائزة تكفي حاجته وتكفي الناس شر تبطله، بل المراد به الضرب على أيدي النسوة اللاتي يرتزقن من الجريمة ويتخذنها وسيلة للتعيش، فأولئك أجرى عليهن القانون أحكام التشرد من إنذار ومراقبة وحبس، لا لأنهن عيال على سواهن فهذا قائم بالنسبة إلى الإناث كافة، بل لأنهن إذ يتكسبن من مخالفة القانون بالسرقة أو التحريض على الفجور أو غير ذلك مما هو من هذا القبيل يتأذى بمسلكهن الأمن والنظام حتماً. وإذ كانت إباحة المرأة نفسها لمن يطلبها أمراً لا يمكن عدِّه حرفة أو صناعة أو وسيلة ارتزاق بل هي مجرد استعانة من جانب الأنثى فاسدة الخلق بوضعها الطبيعي على إرضاء ميلها إلى الراحة والتبطل واستمرائها الكسل بالتعلق بأذيال رجل أو رجال ابتغاء المال فهي صورة منكرة من صور اعتماد المرأة في معاشها على سواها إلا أنها فعل ليس معاقباً عليه لذاته ولا باعتباره قعوداً عن العمل والسعي، ولذلك فلا يمكن بسببه وحده أخذ المرأة التي تسقط فيه بأحكام التشرد [(1)].


المحكمة

وحيث إن النيابة العمومية تقول في طعنها إن المحكمة أخطأت في حكمها ببراءة المتهمة لأن ما ذهبت إليه من اعتبار الدعارة مشروعة في حي العاهرات وأن كل ما يتطلبه القانون هو الحصول على ترخيص لمباشرتها - ما ذهبت إليه من هذا غير سديد إذ كان الأديان والقوانين الوضعية تعتبر الدعارة مهنة غير شريفة، أما تنظيم الإشراف على بيوت الدعارة بوضع لائحة للعاهرات فإنه لا يفيد إقرار المشرع بمشروعية الدعارة. هذا من جهة ومن جهة أخرى، فإن المرسوم بقانون رقم 98 لسنة 1945 الخاص بالمتشردين والأشخاص المشتبه فيهم غير مقصور على أشخاص معينين أو أمكنة معينة، فكل امرأة تحترف الدعارة بغير ترخيص تجب محاكمتها طبقاً للمادتين 2 و4 من المرسوم بقانون المذكور سواء باشرت الدعارة في بلد به حي للدعارة أو لا، وسواء كان ذلك داخل هذا الحي أو خارجه. وقد ورد كتاب المديرية المؤرخ في 11/ 12/ 1946 بأنه ابتداءً من 16/ 10/ 1945 وطبقاً لتعليمات الوزارة لا تمنح رخص جديدة للعاهرات بدائرتها فلا تملك أي امرأة من ذلك التاريخ احتراف الدعارة في الحي السابق تخصيصه لذلك.
وحيث إن الدعوى العمومية رفعت على المتهمة بأنها "في يوم 9/ 6/ 1946 اتخذت لنفسها وسيلة غير مشروعة للتعيش، الأمر المنطبق على المواد 1 و2 و4 من المرسوم بقانون رقم 98 لسنة 1945"، والحكم المطعون فيه قضى باعتبار الواقعة مخالفة لنصوص لائحة العاهرات فقط، وقال في ذلك: "إن وقائع هذه الدعوى تتلخص في أن الكونستابل محمد سعد الدين علي أفندي أثبت في محضره المؤرخ 9/ 6/ 1946 أن البوليس الملكي الحسيني فرج عامر من قوة مباحث البندر أحضر إليه المتهمة وأخبره أنه ضبطها ترتكب الفحشاء بمنزل للدعارة بنقطة المومسات إدارة أمينة المرسي دون رخصة، وأنها سيئة السير والسلوك وليس لها وسيلة مشروعة للتعيش. وحيث إن النيابة قدمت المتهمة للمحاكمة بتهمة أنها اتخذت لنفسها وسيلة غير مشروعة للتعيش وطلبت عقابها بالمواد 1 و2 و3 من المرسوم بقانون رقم 98 لسنة 1945. وحيث إن محكمة أول درجة قضت بتاريخ 1/ 10/ 1946 غيابياً بوضع المتهمة تحت مراقبة البوليس لمدة سنة، فاستأنفت النيابة بتاريخ 5/ 10/ 1946 طالبة الحكم بالعقوبة الصحيحة بتطبيق الفقرة الثانية من المادة الثانية من المرسوم بقانون رقم 98 لسنة 1945. وقد عارضت المتهمة وحكم في 2/ 11/ 1946 بالتأييد فاستأنفت المتهمة في 12/ 11/ 1946. وحيث إنه بالنسبة للتهمة فهي ثابتة ضد المتهمة: أولاً - من أقوال البوليس الملكي الحسيني فرج عامر الذي قرر أنه ضبطها ترتكب الفحشاء. وثانياً - من اعتراف المتهمة بوجودها بالمنزل، ولا عبرة بادعائها بأنها كانت فيه بقصد أخذ ملابسها منه. وحيث إنه بالنسبة للتطبيق القانوني فالمستفاد من وقائع الدعوى أن المتهمة ضبطت في منزل بنقطة المومسات وهي المكان المخصص لتعاطي مهنة الدعارة في البيوت القائمة بها والمرخص بها من جهة الإدارة المختصة. وحيث إن المفهوم عقلاً ومنطقاً من وجود مثل هذا الحي في بعض البلاد ومن الترخيص لمديري البيوت القائمة به بتشغيل بعض النسوة بتعاطي الفحشاء يستفاد من ذلك أن تعاطي هذا العمل أمر مشروع في هذه الأمكنة وتكون المتعاطية له فيها متخذة وسيلة مشروعة للتعيش. وكل ما أوجبه القانون في هذا الصدد هو ما نص عليه في المادة 14 من لائحة بيوت العاهرات التي تقضي على كل مومسة تكون موجودة في بيت للعاهرات أن تكون حائزة لتذكرة تعطى لها من البوليس، ورتب على مخالفة ذلك جزاء نص عليه في المادة 23 من هذه اللائحة هو تغريم مرتكبي المخالفة غرامة لا تتجاوز مائة قرش. وحيث إن وجود المتهمة في بيت للعاهرات معد لتعاطي الفحشاء ليس فيه ما ينافي الغرض من إيجاد هذا البيت ويكون كل ما أتت به المتهمة مخالفاً أنها لم تستخرج تذكرة من البوليس، ومثلها في ذلك كمثل التي تتعاطى الفحشاء وهي حائزة لتذكرة من البوليس انتهت مدتها وضبطت في بيت للعاهرات قبل تجديد التذكرة، فهذه لا يمكن اعتبارها بأي حال أنها اتخذت لنفسها وسيلة غير مشروعة للتعيش، وبذلك يكون الحكم المستأنف إذ قضى على المتهمة طبقاً للمواد 1 و2 من المرسوم بقانون رقم 98 لسنة 1945 في غير محله ويتعين إلغاؤه واعتبار الواقعة مخالفة طبقاً للمادتين 14 و23 من لائحة بيوت العاهرات الصادرة في 16/ 11/ 1905".
وحيث إن معنى التشرد القعود عن العمل والرغبة عن أبواب السعي الجائز لاكتساب الرزق، وهذا لا يتحقق بالنسبة إلى الإناث لأنهن ولو كن كبيرات صحيحات البدن لسن مطالبات بالتكسب والسعي إذ نفقتهن تلزم بعولتهن أو قرابتهن على الوجه المقرر بالقانون. أما ما قضت به المادة 4 من المرسوم بقانون رقم 98 لسنة 1945 من أن أحكام التشرد تسري على النساء إذا اتخذن للتعيش وسيلة غير مشروعة فهو استثناء لا يراد به إلزام النساء قانوناً بما ألزم به الرجال لا من جهة وجوب السعي والعمل في ذاته، ولا من جهة كونه سعياً أو عملاً جدياً مما ينتسب به صاحبه إلى مهنة أو صناعة أو حرفة معروفة جائزة تكفي حاجته وتكفي الناس شر تبطله - لا يراد ذلك بهذا الاستثناء، وإنما المراد به الأخذ على يد النسوة اللاتي يرتزقن من الجريمة ويتخذنها وسيلة للتعيش، فإن أولئك أجرى عليهن القانون أحكام التشرد من إنذار ومراقبة وحبس، لا لأنهن عيال على سواهن فهذا كائن بالنسبة للإناث كافة، وإنما لأنهن إذ يتكسبن من مخالفة القانون بالسرقة أو التحريض على الفجور إلى غير ذلك يتأذى بمسلكهن الأمن والنظام حتماً.
وحيث إن إباحة المرأة نفسها لمن يطلبها مع قبح ذلك وبشاعته أمر في ذاته لا يعاقب عليه القانون ولا يمكن عدِّه حرفة أو صناعة أو وسيلة ارتزاق، بل هو من جانب الأنثى فاسدة الخلق مجرد استعانة بوضعها الطبيعي على إرضاء ميلها إلى الراحة والتبطل واستمراء الكسل بالتعلق بأذيال رجل أو رجال ابتغاء المال، فهو صورة منكرة من صور اعتماد المرأة على سواها في معاشها. ولما لم يكن ذلك معاقباً عليه في ذاته، ولا باعتباره قعوداً عن العمل والسعي، فلا يمكن بسببه وحده أخذ المرأة تسقط فيه بأحكام التشرد عملاً بالمادة 4 سالفة الذكر. والقول بغير ذلك يقتضي إجراء أحكام التشرد على كل أنثى مهما تكن إذا كانت تعتمد في معاشها على صلتها برجل لا تجمعها به علاقة شرعية سواء كان اتصالها به سافراً أو مستوراً متى لم يكن لديها وسيلة أخرى للتعيش، وهذا لا شك في أن قانون التشرد لم يقصد إلى المعاقبة عليه.


[(1)] قررت المحكمة هذه القاعدة أيضاً في حكمها الصادر في هذه الجلسة في القضية رقم 445 سنة 17 القضائية.