مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء السابع (عن المدة من 5 نوفمبر سنة 1945 لغاية 13 يونيه سنة 1949) - صـ 426

جلسة 16 من ديسمبر سنة 1947

برياسة سعادة سيد مصطفى باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: أحمد علي علوبة بك وأحمد فهمي إبراهيم بك وأحمد حلمي بك وحسن إسماعيل الهضيبي بك المستشارين.

(456)
القضية رقم 1400 سنة 17 القضائية

أ - محاكمة. تشكيل محكمة الجنايات من مستشارين وقاض. جوازه. حالة السرعة التي أجاز فيها القانون ندب قاض بدلاً من مستشار. تشمل كل حالة يتعذر فيها انعقاد المحكمة في الوقت المقرر لانعقادها.
(المادتان 3 و4 من قانون تشكيل محاكم الجنايات)
ب - إثبات. طلب ندب. كبير الأطباء الشرعيين. عدم إجابته اكتفاءً بما في الدعوى من التقارير الطبية. لا غبار على المحكمة فيه.
1 - لا محل للقول بأن تشكيل محكمة الجنايات من مستشارين وقاض فيه انتقاص للضمانات التي تحراها القانون في محاكمة المتهمين ما دام القانون نفسه قد أجاز ندب قاض بدلاً من مستشار، وإلا لصح القول بأن الشارع فرط في حق المتهمين إذ أجاز أن يحاكموا أمام محكمة الجنايات مشكلة على هذا النحو، وهو ما لا يمكن التسليم به. وحالة السرعة التي أجاز القانون فيها ندب قاض بدلاً من مستشار لا يقصد بها الحالة التي يتعذر فيها وصول المستشار المنتدب إلى مقر محكمة الجنايات فحسب بل أيضاً كل حالة أخرى يتعذر فيها انعقاد المحكمة في الوقت المقرر لانعقادها.
2 - إذا كانت المحكمة قد عرضت في حكمها لتقارير الأطباء الثلاثة: الطبيب الذي قدم تقرير الصفة التشريحية، والطبيب الشرعي المساعد الذي ندبته النيابة بدلاً من كبير الأطباء الشرعيين الذي كان محامي المتهم قد طلب ندبه، والطبيب الذي قدم تقريراً استشارياً في الدعوى، ثم ذكرت رأي كل منهم وانتهت إلى الأخذ برأي الطبيب الشرعي المساعد، ولم ترَ حاجة إلى ندب كبير الأطباء الشرعيين لمناقشته في تلك التقارير كطلب الدفاع لما رأته فيها مما يوضح لها سبيل الفصل في الدعوى والوصول إلى الحقيقة، فلا غبار عليها في عدم استجابتها إلى ما طلبه الدفاع.


المحكمة

حيث إن الوجه الأول من أوجه الطعن الواردة بالتقرير الأول المؤرخ 21 مايو يتحصل في أن محكمة الجنايات التي أصدرت الحكم المطعون فيه لم تكن مشكلة تشكيلاً قانونياً. وفي ذلك يقول الطاعنان إن القانون رقم 4 لسنة 1905 يقضي بأن تشكل محكمة الجنايات من ثلاثة من مستشاري محكمة الاستئناف (مادة 3)، وقد نصت الفقرة الثالثة من المادة 4 على أنه إذا حصل مانع لأحد المستشارين المعينين لدور معين من أدوار انعقاد محكمة الجنايات يستبدل بآخر من المستشارين الملحقين بمحاكم الجنايات "يعينه رئيس محكمة الاستئناف" أو عند السرعة يستبدل بقاض من قضاة المحكمة الابتدائية الكائنة بالجهة التي تنعقد بها محكمة الجنايات ينتخبه رئيس هذه المحكمة بالاتفاق مع رئيس المحكمة الابتدائية. فالأصل أنه يجب أن تشكل محكمة الجنايات من ثلاثة مستشارين، ولا يجوز تشكيلها من اثنين من المستشارين وقاض إلا عند السرعة، وهي الحالة التي يتعذر فيها ندب مستشار يستطيع الوصول إلى الجهة التي تنعقد بها المحكمة في الوقت المناسب، فإذا انتدب قاض من المحكمة الابتدائية للعمل بمحكمة الجنايات في غير هذه الحالة كان تشكيل المحكمة غير قانوني لما يترتب عليه من الإخلال بالضمانات التي تحراها الشارع في تشكيل المحكمة وإيجابه أن تكون مكونة من ثلاثة مستشارين. وقد جرى العمل ابتداءً من شهر يناير سنة 1947 حتى شهر مايو سنة 1947 على أن تشكل محكمة جنايات سوهاج من اثنين من المستشارين وقاض منتدب من محكمة سوهاج الابتدائية. وذلك بسبب نقص عدد المستشارين وتأخير إجراء الحركات القضائية في وقتها المناسب، ولا يمكن اعتبار هذه الحالة من حالات السرعة التي أجاز القانون فيها ندب قاض بدل مستشار.
وحيث إنه لا محل للقول بأن تشكيل المحكمة من مستشارين وقاض فيه انتقاص للضمانات التي تحراها القانون في محاكمة المتهمين ما دام القانون نفسه قد أجاز ندب قاض بدل مستشار وإلا لصح القول بأن الشارع فرط في حق المتهمين الذين أجاز أن يحاكموا أمام محكمة الجنايات وهي مشكلة على هذا النحو، وهو ما لا يمكن التسليم به. وحالة السرعة التي أجاز القانون فيها ندب قاض بدل مستشار ليس الغرض منها فقط الحالة التي يتعذر معها وصول المستشار المنتدب إلى مقر محكمة الجنايات بل إنها تشمل هذه الحالة وكل حالة أخرى يتعذر معها انعقاد المحكمة في الوقت المقرر لانعقادها، فتشكيل المحكمة على هذه الصورة في هذه الأحوال لا يترتب عليه بطلان الحكم.
وحيث إنه عن الوجه الثاني فبعضه خاص بالطاعن الأول، ويتحصل في أن دفاعه قام على أن شهود الإثبات الذين أخذت المحكمة بأقوالهم لم يروا ضرب هذا الطاعن للمجني عليه لأنهم قرروا أنه ضربه بعصا مرة واحدة على حين أنه وجد برأس المجني عليه عدة كسور لا تنشأ إلا من ضربات متعددة، وقد أثبت الطبيب الأول لمستشفى البلينا في تقرير الصفة التشريحية أن إصابة الرأس نتجت عن مصادمة شديدة بجسم صلب راض وأنه يجوز حدوث الإصابات من الضرب بالعصي الغليظة وأنه لا يمكن الجزم بعدد الضربات التي وقعت على الرأس وأنه من الممكن حدوث تلك الإصابات من ضربة واحدة. فطلب محامي الطاعن من النيابة ندب كبير الأطباء الشرعيين لكي يبين كيفية حصول الإصابات فندبت الطبيب الشرعي المساعد بسوهاج، ولما جاء رأيه غير متفق مع ما أبداه المتهم من دفاع قدم الطاعن تقريراً استشارياً من محمود ماهر بك كبير الأطباء الشرعيين سابقاً بيَّن فيه بأدلة فنية أن الطبيب المساعد أخطأ وأن بالمجني عليه إصابتين بالرأس وأخرى بالإصبع. وقد عرض الدفاع لهذه التقارير الثلاثة أمام المحكمة وبيَّن لها أن الطبيب الشرعي المساعد أهمل نقطة هامة وهي وجود كسور متعددة ومتشعبة بالجداريتين والصدغيتين مما يستلزم وجود إصابتين إحداهما بالجدارية اليمنى والأخرى بالجدارية اليسرى، ولا يتأتى أن تحدث إصابة الجدارية اليسرى كسوراً في الجدارية اليمنى إلا إذا كانت الرأس متكئة على جسم صلب كحائط أو نحوه، الأمر الذي لم يقل به الشهود، فلم تلتفت المحكمة إلى ذلك، وكان يجب أن تأخذ برأي حضرة محمود بك ماهر ولكنها لم تناقش التقريرين. كما أن الطاعن طلب ندب كبير الأطباء الشرعيين لمناقشته في هذه التقارير فلم تجبه المحكمة إلى ما طلب.
وحيث إن المحكمة عرضت لتقارير الأطباء الثلاثة وذكرت رأي كل منهم وانتهت إلى الأخذ برأي الطبيب الشرعي المساعد ولم ترَ حاجة إلى ندب كبير الأطباء الشرعيين، ومتى كان الأمر كذلك وكانت المحكمة قد رأت فيما تقدم لديها من التقارير الطبية الشرعية ما يوضح لها سبيل الفصل في الدعوى والوصول إلى الحقيقة فليس عليها بعد ذلك أن تستجيب إلى ما طلبه الدفاع من ندب كبير الأطباء الشرعيين, والجدل فيما أخذت به واطمأنت إليه من تقرير الطبيب الشرعي المساعد موضوعي لا شأن لمحكمة النقض به.
وحيث إن ما يتعلق من هذا الوجه بالطاعن الثاني إلخ إلخ.