مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء السابع (عن المدة من 5 نوفمبر سنة 1945 لغاية 13 يونيه سنة 1949) - صـ 530

جلسة 30 من مارس سنة 1948

برياسة سعادة سيد مصطفى باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: أحمد علي علوبة بك وأحمد حسني بك وحسن إسماعيل الهضيبي بك وفهيم إبراهيم عوض بك المستشارين.

(568)
القضية رقم 65 سنة 18 القضائية

غش البضاعة:
أ - لبن مغشوش. عرضه للبيع. إدانة المتهم في ذلك. إقامتها على دليل صحيح مستمد من تحليل صحيح. يكفي.
ب - استصدار أمر من القاضي لتأييد ضبط اللبن المغشوش. محله. أن يكون الضبط واقعاً على ما يتجاوز العينات.
(القانون رقم 48 لسنة 1941)
1 - متى كان الحكم قد أسس قضاءه بإدانة المتهم في جريمة عرضه لبناً مغشوشاً للبيع على ما اطمأنت إليه المحكمة من أن العينة المضبوطة هي التي صار تحليلها ومن نتيجة هذا التحليل فلا محل لأن ينعى عليه أن العينة التي أخذت واحدة أو أن المحضر الذي حرر لا يحتوي على جميع البيانات اللازمة للتثبت من ذات العينات والمواد التي أخذت منها.
2 - إن رجوع مفتش الأغذية إلى القاضي لاستصدار أمر منه لتأييد ضبط اللبن المغشوش لا محل له إلا أن يكون الضبط واقعاً على ما يتجاوز مقدار العينات لما يكون في ذلك من حبس للمال عن التداول. أما العينات فلا تدخل فيه [(1)].


المحكمة

وحيث إن الطاعن يقول في طعنه إن الحكم المطعون فيه حين دانه بعرض اللبن المغشوش للبيع مع علمه بذلك جاء مشوباً بما يبطله، فقد تمسك في التحقيق بأن اللبن "لبن فرز" مخصص لاستخراج الجبن، فلا يمكن اعتباره "لبن حليب مغشوش". وفضلاً عن هذا فقد طالب بإعادة التحليل لاحتمال أن يكون قد وقع خطأ في تحليل العينة، ولكن النيابة لم تلتفت إلى طلبه وقدمته إلى المحاكمة، فأعاد التمسك بما سبق أن تمسك به أمام النيابة، ولكمن المحكمة لم تجب الطلب، ولم تشر إليه، مع أن إعادة التحليل على العينة التي يقضي القانون بتسليمها إليه واجبة وإلا كانت الإجراءات باطلة. ويضيف الطاعن أنه لم تؤخذ سوى ثلاث عينات على خلاف ما يقضي به القانون من أخذ خمس، وأن المحضر الخاص بأخذها لم يشمل البيانات التي يتطلبها القانون من ناحية مقدار العينة ومقدار المضبوط وبيان الثمن، وأن مفتش الأغذية لم يتبع ما قضى به القانون من عمل محضر بالضبط وعرضه على القاضي لاستصدار أمر منه بتأييده هذه العملية في خلال سبعة أيام، فيكون إجراء الضبط لاغياً ويبطل بالتبعية ما ترتب عليه من أخذ العينة وحبس المادة المشتبه فيها. كما أن المحكمة - وقد دانت الطاعن - لم تستظهر في وضوح أركان الجريمة، فهو لم يعرض اللبن للبيع إذ لا يكون ذلك إلا إذا شرع صاحبه في كيله أو عرضه فعلاً على شخص من الأشخاص، ولا يكفي تركه في مكان معرض لنظر الجمهور، وهو لم يقم بتحضير اللبن بل قام به عماله، وما ذكره الحكم من أدلة على علمه بالغش ليس من شأنه أن يؤدي إلى ثبوته.
وحيث إن الحكم الابتدائي الذي دان الطاعن بيّن واقعة الدعوى فقال: "إنها تخلص في أن معاون الصحة تناول عينة من اللبن الحليب من حانوت المتهم (الطاعن) وبعث بها إلى التحليل الذي أثبت أنها من لبن الجاموس، وأنها مغشوشة بإزالة 60% من دسمها، وأن التهمة ثابتة قبله من واقعة ضبط ذلك اللبن المغشوش بمتجره عارضاً إياه للبيع، وما تبين من غشه، وأن علمه بالغش مستفاد من خبرته في تمييز الألبان كمتجر فيها ومما عساه يفيده من ربح غير حلال من جراء هذا الغش، ومن الفعل المادي الإيجابي بإزالة الدسم... وأن ما زعمه المتهم من أن اللبن لبن فرز قد كذبه محرر المحضر وتقرير التحليل....". وأيدت المحكمة الاستئنافية هذا الحكم آخذة بأسبابه وأضافت: "أن اللبن ضبط في مكيال على الطاولة المعدة للبيع، وقرر مفتش الأغذية بمحضر الجلسة أنه سأل المتهم عنه فأخبره أنه لين فرز، وأن لبن الفرز لا تزيد كمية الدسم فيه عن 0.5% على الأكثر، بينما أثبت تقرير التحليل أن نسبة الدسم في اللبن المضبوط 2%، وقرر أن المفروض أن المتهم لا يبيع لبن فرز، وأنه لا بد من وضعه في وعاء عليه بطاقة تميزه عن غيره الأمر الذي يحصل..." ولما كان الحكم المطعون فيه قد أسس قضاءه بالإدانة على ما اطمأنت إليه المحكمة من أن العينة المضبوطة هي التي صار تحليلها، وما اطمأنت إليه كذلك من نتيجة هذا التحليل، فلا محل للنعي عليها إذا ما هي حكمت في الدعوى بناءً على ذلك ولو كانت العينة واحدة أو كان المحضر الذي تحرر لا يحتوي على جميع البيانات المشار إليها، إذ أن القانون رقم 48 لسنة 1941 إذ تحدث في المادة 11 عن الموظفين الذين يعينون لإثبات مخالفات أحكامه، وإذ نص في المادة 12 منه عن ضبط المواد المشتبه فيها وأخذ خمس عينات منها وتحرير محضر بالعملية يحتوي على جميع البيانات اللازمة للتثبت من ذات العينات والمواد التي أخذت منها - إذ نص على ذلك فإنه لم يقصد أن يرتب أي بطلان على عدم اتباع إجراء بعينه. بل إن غرضه لم يكن إلا مجرد تنظيم وتوحيد الإجراءات التي تتخذ بمعرفة موظفين ليسوا في الأصل من رجال الضبطية القضائية، ولم يكن من غرضه أن يخضع مخالفات أحكام هذا القانون إلى قواعد إثبات خاصة، بل هو تركها خاضعة للقواعد العامة، فمتى اطمأن القاضي إلى صحة الدليل المستمد من التحليل ولم يساوره الشك في أية ناحية من نواحيه خصوصاً من جهة أخذ العينة أو من جهة عملية التحليل ذاتها، أصدر حكمه على هذا الأساس بغض النظر عن عدد العينات التي أخذت وبلا اعتبار لما يثيره الدفاع عن المتهم بشأنها. أما ما أثاره الطاعن عن طلب إعادة التحليل، فمردود بأنه وإن ذكر بالجلسة أنه طلب ذلك إلى النيابة، إلا أنه لم يذكر أن عينات اللبن الباقية كانت قابلة للتحليل ولم تفسد حتى يكون الطلب منتجاً، ولم يبن الطلب إلا على احتمال حصول الخطأ بعد أن قال في صراحة إن العينات أصبحت غير صالحة للتحليل - وأما ما أشار إليه عن بطلان الإجراءات بسبب عدم الرجوع إلى القاضي لتأييد الضبط، فلا وجه له إذ محل ذلك أن يقع الضبط على ما يتجاوز مقدار العينات لما يكون في ذلك من حبس للمال عن التداول، أما العينات فلا تدخل فيه. وأما عن عدم ثبوت العرض للبيع وتوفر العلم بالغش، فمردود بأن الحكم قد عنى باستظهارهما وأقام الدليل على توافرهما بما من شأنه أن يؤدي إلى ما رتبه عليه.


[(1)] تنص المادة 12 من قانون قمع التدليس والغش على أنه "إذا وجدت لدى الموظفين المشار إليهم في المادة السابقة أسباب قوية تحملهم على الاعتقاد أن هناك مخالفة لأحكام هذا القانون جاز لهم ضبط المواد المشتبه فيها بصفة وقتية. وفي هذه الحالة يدعى أصحاب الشأن للحضور وتؤخذ خمس عينات على الأقل بقصد تحليلها لتسلم اثنتان منها لصاحب الشأن، ويحرر بهذه العملية محضر يحتوي على جميع البيانات اللازمة للتثبيت من ذات العينات والمواد التي أخذت منها ومع عدم الإخلال بحق المتهم في طلب الإفراج عن البضاعة المضبوطة من القاضي الجزئي أو قاضي التحقيق بحسب الأحوال يفرج عنها بحكم القانون إذا لم يصدر أمر من القاضي بتأييد عملية الضبط في خلال السبعة الأيام التالية ليوم الضبط.
وكان الطاعن في القضية التي صدر فيها الحكم المطعون فيه قد شكا من أنه لم يستصدر إذْن بتأييد ضبط اللبن الذي ضبط في هذه القضية، فردت محكمة النقض بأن هذا الإذن لا محل له إلا أن يكون الضبط واقعاً على ما يتجاوز مقدار العينات. ويبدو أن محكمة النقض قد حملت تشريع هذا الإذن على أنه ضمان لحماية حق الملكية الذي لا تجوز مصادرته إلا في حدود القانون وعن طريق القضاء باعتباره الأمين على الحريات الفردية التي كفلها الدستور ومنها الملكية ورأت بحق أن القدر الضئيل الذي يؤخذ عينة للفحص لا يتحقق فيه معنى المساس بحق الملكية وذلك لا يستوجب إذْن القاضي بتأييد ضبطه.