مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء السابع (عن المدة من 5 نوفمبر سنة 1945 لغاية 13 يونيه سنة 1949) - صـ 682

جلسة 20 من ديسمبر سنة 1948

برياسة سعادة سيد مصطفى باشا رئيس المحكمة وحضور حضرات: أحمد علي علوبة بك وأحمد فهمي إبراهيم بك وفهيم عوض بك والسعيد رمضان بك المستشارين.

(728)
القضية رقم 1632 سنة 18 القضائية

أ - قمار. لعب البصرة. اعتباره قماراً. ذكر الاعتبارات المؤدية إلى ذلك. سلامة الحكم.
ب - محال عمومية. صاحب المحل العمومي. مسؤوليته عما يقع من مخالفات ولو كان غائباً.
1 - متى كانت المحكمة قد اعتبرت أن لعبة "البصرة" قمار على أساس أن مهارة اللاعبين في الربح إنما تجئ في المحل الثاني بالنسبة إلى ما يصادفهم من الحظ، وذكرت الاعتبارات التي اعتمدت عليها في ذلك، فهذا حسبها ليكون حكمها سليماً.
2 - إن صاحب المحل العمومي مسؤول بمقتضى نصوص القانون رقم 38 لسنة 1941 عن كل مخالفة تقع به من المستخدمين فيه ولو كان هو وقت المخالفة غائباً عنه.


المحكمة

وحيث إن الطاعن يقول في طعنه إن الواقعة كما هي ثابتة بالحكم المطعون فيه لا يعاقب عليها القانون، لأن المادة 19 من القانون رقم 38 لسنة 1941 بشأن المحال العمومية ذكرت الألعاب المحظورة في هذه المحال ولم تكن من ضمنها لعبة "البصرة" لكن الحكم المطعون فيه أسس الإدانة على قوله بأن الطاعن ترك أشخاصاً يلعبون البصرة في مقهاه باعتبارها من ألعاب القمار لأن الربح فيها موكول للحظ أكثر من المهارة فقال بالنص "إن لعبة البصرة من الألعاب التي وإن كان فيها للمهارة بعض الأثر إلا أن للحظ فيها النصيب الأوفر، والكسب مضمون لمن ساعده الحظ بتوافر بعض الأوراق له". مع أن أحداً من الشهود لم يقل بأن الأشخاص الذين ضبطوا في المقهى كانوا يلعبون "البصرة" وقال بعضهم أنهم كانوا يلعبون الورق لمجرد التسلية. والحكم نفسه يقول إن الثابت من أقوال بعض الشهود أن بعض أشخاص كانوا يلعبون الورق في مقهى الطاعن، ولم يذكر أحد نوع اللعب. وإذن فقول المحكمة إن الأشخاص كانون يلعبون "البصرة" لا يكون له من سند في أوراق الدعوى. هذا وما قاله الحكم من أن للحظ الشأن الأول والنصيب الأوفر ومن أن للمهارة شأناً ثانوياً في ربح لعب "البصرة" يخالف الواقع إذ أن الثابت والمعروف أن مهارة اللاعب ومسلكه ويقظته كل ذلك له الشأن الأول والنصيب الأوفر، وما كان للمحكمة أن تقطع بهذا قبل أن ترجع إلى الأخصائيين وتستطلع رأيهم. وفضلاً عن ذلك فقد جاء في الحكم المطعون فيه أن الطاعن بوصف كون صاحب المقهى مسؤول عن جميع المخالفات التي تقع بناءً على المادة 36 من القانون المشار إليه، ولا يعفيه من العقاب عدم وجوده في المقهى وقت وقوع المخالفة. وهذا خطأ لأن ثبوت غياب الطاعن لا يصح مع القول بأنه ترك الغير يلعب القمار كما هو وصف التهمة المرفوعة بها الدعوى.
وحيث إن الدعوى العمومية رفعت على الطاعن بأنه "ترك أشخاصاً يلعبون القمار في القهوة ملكه". ومحكمة أول درجة قضت له بالبراءة على أساس أنه لم يكن بالمقهى وقت ضبط المخالفة، والمحكمة الاستئنافية دانته وقالت في ذلك: "إن واقعة الدعوى حسبما استظهرته المحكمة من الأوراق تخلص في أنه حوالي الساعة 11.30 مساء يوم 10 مارس سنة 1946 أبلغ الكونستابل محمد محمد الروبي أفندي أنه كان يمر بداوريته بقسم السوق وأثناء تواجده أمام باب المحطة حضر إليه وكيل الأومباشي محمد شاهين المعين بنقطة مرور المحطة وأبلغه أن الكونستابل صبحي أبو زيد ضبط أربعة أشخاص يلعبون القمار في مقهى المتهم الأول فتوجه إلى المقهى فوجد الكونستابل صبحي بها وقد سلمه لدى وصوله مبلغ 21.5 قرشاً وكوتشينة عدد أوراقها 52 وقد شاهد أربعة أشخاص يجلسون حول منضدة وهم حسن خطاب ومحمد مسامير وعرفه عبد البر وعلي الوالي فسألهم فاعترفوا له بأنهم كانوا يلعبون الورق، وأن المبلغ المضبوط لهم، فكلف اثنين من عساكر البوليس تصادف مرورهما بتوصيلهم للبندر وأخرج الكراسي والمنضدة من المقهى، وأحضر عربة يد لنقلها إلى البندر، ثم طلب من جرسون المقهى رخصتها فأخبره أنها طرف صاحبها المتهم الأول، وفي هذه الأثناء حضر المتهم الأول واعترض على إخراج الكراسي والمنضدة ومنع إخراجها، وحضر أخوه المتهم الثاني وأمسك بملابسه وحاول إدخاله إلى المقهى، فحال دون ذلك الجاويش حسين عبد الحق وعسكري من قوة بوليس المحطة لا يعرف اسمه وأمر رجال القوة باقتيادهما للبندر وترك الكراسي والمنضدة بالمقهى. وحيث إنه بسؤال الكونستابل صبحي أبو زيد قرر أنه كان ماراً أمام المقهى ومعه وكيل الأومباشي محمد شاهين ودخل المقهى ليشرب فشاهد الأربعة أشخاص سالفي الذكر ومعهم خامس، خرج عند دخوله، يجلسون حول منضدة ويلعبون الورق ويتبادلون النقود أثناء اللعب، فضبطهم ثم كلف وكيل الأومباشي بإحضار من يعاونه في عملية الضبط فأحضر الكونستابل محمد محمد الروبي، ثم جمعوا الكراسي والمنضدة فحضر المتهم الأول وتشاحن مع الكونستابل الروبي. ثم حضر المتهم الثاني وأمسك بتلابيبه فتدخلت القوة وأمرهم باقتيادهم للبندر. وحيث إنه بسؤال وكيل الأومباشي محمد محمد شاهين أيَّد أقوال سابقيه. وحيث إنه بسؤال... أنكر اللعب وقرر أن من كانوا يجلسون معه كانوا يلعبون الورق بالنقود. وحيث إنه بسؤال محمد إبراهيم حسان أنكر أيضاً اللعب وقرر أن زملاءه هم الذين كانون يلعبون الورق. وحيث إنه بسؤال عرفة عبد البر اعترف بلعبه الورق مع زملائه وقرر أنهم كانوا يلعبون لعبة العشرات أي البصرة بالشاي وكان المغلوب يدفع النقود. وحيث إن علي محمد الوالي اعترف أيضاً باشتراكه في لعبة البصرة. وحيث إنه بسؤال المتهم الأول قرر أنه لم يكن بالمقهى ولكنه توجه إليها فوجد رجال القوة يخرجون المنضدة والكراسي فحال دون ذلك. وأضاف أن الكونستابل الروبي كان قد طلب منه مترين مشمع فرفض فاغتاظ منه من أجل ذلك. وحيث إن المتهم الثاني نفى وجوده بالمقهى وقت الضبط وقرر أنه توجه إليها لما سمع بأن رجال القوة يخرجون الكراسي والمناضد وأنه حال دون ذلك. وحيث إن الدفاع عن المتهمين دفع بأن لعبة البصرة غير معاقب عليها لأن الحظ ليس له الحظ الأوفر فيها - كما دفع بعدم وجود المتهمين وقت وقوع الجريمة ومن ثم فلا مسؤولية عليهما. وقد أخذت المحكمة بالدفع الأخير وقضت ببراءة المتهمين استناداً إلى أنه لم يثبت وجودهما بالمقهى وسماحهما لرواد المقهى بلعب الورق. وحيث إنه يتبين للمحكمة أن الثابت من أقوال الشهود أن بعض أشخاص كانوا يلعبون الورق في مقهى المتهم الأول "الطاعن" وقد أقرَّ الأخير بأن المقهى له.. وحيث إن المتهم الأول صاحب المقهى مسؤول عن جميع المخالفات التي تقع مخالفة للقانون رقم 38 لسنة 1941 طبقاً للمادة (36) منه، ولا يعفيه من ذلك عدم وجوده في المقهى في ذلك الوقت. وحيث إن المادة 19 من القانون قد نصت على بعض ألعاب القمار على سبيل التمثيل فيدخل تحت نص هذه المادة كل لعبة يكون الربح موكولاً فيها للحظ أكثر من المهارة. وحيث إن لعبة "البصرة" من الألعاب التي وإن كان فيها للمهارة بعض الأثر إلا أن للحظ فيها النصيب الأوفر والمكسب فيها مضمون لمن ساعده الحظ بتوافر بعض الأوراق له، وليس للمهارة من الأثر إلا بقدر ما تعيه الذاكرة عند توزيع الأوراق الأخيرة, ومن ثم يكون الحظ في هذه اللعبة له الشأن الأول والنصيب الأوفر أكثر من المهارة, وبالتالي تدخل هذه اللعبة ضمن ألعاب القمار المعاقب عليها طبقاً للمادة 19 من القانون. وحيث إنه فيما اتضح تكون التهمة المسندة إلى المتهم متوافرة الأركان وعقابه طبقاً للمواد 1 و19 و20 و22/ 2 و35/ 7 و39/ 1 ب و38 و42 و24 من القانون رقم 38 لسنة 1941".
وحيث إنه لما كانت ألعاب القمار الوارد ذكرها في المادة 19 من القانون رقم 38 لسنة 1941 بشأن المحال العمومية هي ما يكون ربح اللاعبين فيها متروكاً للحظ والصدفة أكثر من المهارة والفطنة, وكان القانون المذكور قد نص في المادة 36 على أن يكون "مستغل المحل ومديره ومباشر أعماله ومسؤولين معاً عن أية مخالفة له"، وعلى أنه في الأحوال المنصوص عليها في المواد من 17 إلى 19 و26 و27 يعتبر مسؤولاً كذلك كل من ارتكب المخالفة من الأشخاص التابعين للمحل", وكانت المحكمة - على ما هو مستفاد من حكمها المطعون فيه - قد قضت في الدعوى بناءً على هذين النصين فذكرت أن لعب "البصرة" قمار على أساس أن مهارة اللاعبين في الربح إنما تجئ في المحل الثاني بالنسبة إلى ما يصادفهم من الحظ, وذلك للاعتبارات التي ذكرتها، وأن صاحب المحل العمومي مسؤول عن كل مخالفة تقع فيه من المستخدمين فيه ولو كان غائباً عنه وقت المخافة، فإن الحكم المطعون فيه لا يكون قد وقع منه أي خطأ مما يزعمه الطاعن.