مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء السابع (عن المدة من 5 نوفمبر سنة 1945 لغاية 13 يونيه سنة 1949) - صـ 839

جلسة 18 من إبريل سنة 1949

برياسة سعادة سيد مصطفى باشا رئيس المحكمة وحضور حضرات: أحمد حسني بك وحسن الهضيبي بك وفهيم عوض بك والسعيد رمضان بك المستشارين.

(877)
القضية رقم 553 سنة 19 القضائية

أ - غش البضاعة. بيع سمن تزيد حموضته على القدر المتفق عليه مع المشتري. هذا ليس غشاً مما نص عليه في المادة الثانية من القانون رقم 48 لسنة 1941 وإنما هو خدع للمشتري في صفات المبيع وما يحتويه من عناصر. العقاب عليه يكون بالمادة الأولى من القانون المذكور.
ب - نقض. آثار النقض. طعن مرفوع من المتهم وحده. قبوله. لا يجوز عند إعادة نظر القضية تشديد الحكم عليه.
1 - إذا كانت الواقعة الثابتة بالحكم هي أن المتهم باع سمناً تزيد حموضته على القدر المتفق عليه مع من تعاقد معه من المشترين، فإنها لا تعتبر غشاً في حكم المادة الثانية من القانون رقم 48 لسنة 1941، إذ زيادة الحموضة ليست من عمل المتهم وإنما هي ناتجة عن تفاعل المواد التي يتكون منها السمن، بل هي تعتبر خدعاً للمشتري في صفات المبيع الجوهرية وما يحتويه من عناصر نافعة - الأمر المعاقب عليه بالمادة الأولى من القانون المذكور. لكن خطأ الحكم في ذلك هو خطأ في تسمية الجريمة لا يقتضي نقضه ولمحكمة النقض أن تصححه.
2 - إذا كان الطعن في الحكم لأول مرَّة مرفوعاً من المتهم وحده فإنه لا يجوز عند قبوله أن تشدد محكمة الموضوع الحكم عليه.


المحكمة

وحيث إن أوجه الطعن تتحصل في أن النيابة العمومية رفعت الدعوى على الطاعن بأنه باع مسلياً مغشوشاً وطلبت عقابه بالمادتين الأولى والثامنة من القانون رقم 48 لسنة 1941، والمحكمة دانته ولم تبين الواقعة وطبقت القانون تطبيقاً خاطئاً, وعاقبته بمواد غير التي طلبتها النيابة، ولم ترد على ما طلبه الدفاع من ضم القضية المستعجلة التي ثبت منها أن السمن المبيع غير مغشوش، وأن الحكم المطعون فيه قد أخطأ كذلك إذ شدد العقوبة على الطاعن بعد قبول الطعن المرفوع منه لأول مرَّة.
وحيث إنه جاء بالحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه "أن وقائع هذه الدعوى أن المتهم الأول والثاني تعهدا بتوريد مسلى لمستشفى القصر العيني، فاشترى المتهم الأول بموجب عقد قدمه تاريخه 13/ 3/ 1946, 200 صفيحة من المتهم الأخير وأرسل مندوبه وهو المتهم الثالث لاستلام هذا المسلى لتوريده للمستشفى المذكور. وعند التوريد وتحليل عينة المسلى تبين أن خمس عينات منها تالفة لارتفاع الحموضة، وخمس عينات أخرى غير مطابقة لمواصفات المستشفى. وقد أرسل المتهم الأخير عباس أحمد الموصلي خطاباً لمفتش صحة القاهرة صورته مرفقة وورد من مفتش صحة القاهرة ما يفيد صحتها. وفي هذا الخطاب يعترف أنه هو البائع لهذا المسلى ويظهر استعداده لاستلام الصفائح التي تبين أن المسلى فيها تالف أو غير مطابق للمواصفات. وحيث إنه لما تقدم تكون التهمة ثابتة قبل المتهم الأخير عباس أحمد الموصلي باعترافه في الخطاب المرسل منه للصحة ومن عقد البيع وعليه يتعين عقابه بالمواد المطلوبة. أما باقي المتهمين فلا محل للتهمة الموجهة إليهم وعليه يتعين براءتهم عملاً بالمادة 172 من قانون تحقيق الجنايات". وجاء في الحكم المطعون فيه: "أن الغش المقصود في أحكام القانون رقم 48 لسنة 1941 إنما يتحقق بالتغيير في تركيب الصنف سواء لحق هذا التغيير طبيعة الصنف أو صفاته. والتغيير على نوعين مادي وهو ما يحدث بفعل الإنسان بإضافة شيء أو انتزاع شيء من الصنف المغشوش، وإما طبيعي وهو ما يحدث بفعل الزمن فهو النقص الذي يفسد ويغير تركيب المأكولات والأشربة والأدوية وينتج من انحلال عضوي للأجسام لا تمكن نسبته إلى أي إنسان. على أنه إذا أقدم المالك على بيع الأشياء المذكورة فإنه يغش المشتري ببيعه له ما يعلم أنه فاسد على اعتبار أنه جيد (الموسوعة الجنائية لجندي عبد الملك جـ 5 ص 341 - 346). وقد ثبت باعتراف المتهم أنه باع المسلى موضوع المحاكمة لعلي عبد المعطي وسيد شلتوت اللذين ورداه لوزارة الصحة وأقرَّ بملكيته له، كما ثبت أيضاً من التحليل الكيماوي أن بعضه تالف لارتفاع درجة الحموضة وبعضه غير مطابق لمواصفات المستشفى التي تم الاتفاق عليها بينها وبين الموردين ثم اتفق عليها أيضاً بين الموردين والمتهم وألا تزيد نسبة الحموضة على 7 و8%. وحيث عن القصد الجنائي فليس ثمة شك في أن المتهم باع المسلى موضوع المحاكمة وهو يعلم ما فيه من غش، وذلك من كونه تاجراً في هذا الصنف وله خبرة فيه، ولا يخفى عليه معرفة الحموضة بطريق التذوق، خصوصاً وقد قرر فرج أفندي السعدني الكيماوي عند مناقشته بالجلسة أن الشخص المتمرن يمكنه أن يتبين الحموضة إذا زادت عن 10%، وأن الشخص العادي يتبينها إذا زادت عن 15%. فإذا اتضح من ظروف الدعوى أن المتهم هو الذي قام بتجهيز المسلى المبيع وتعبئته إذ لم يذكر أنه استورده من مكان آخر, والواضح مما التزم به أنه كان بشرط العقد قد قام باختباره قبل تسليمه، مما لا يدع مجالاً للشك في أنه كان على علم تام بحقيقة ما يبيعه وما فيه من غش، ولا يمكن القول بأن الفترة القصيرة التي انقضت بين البيع وأخذ العينة والتي لم تمتد أكثر من أسبوعين أثرت في زيادة الحموضة زيادة بلغت في بعض العينات 19% إذا ما لوحظ أن هذه الفترة كانت في فصل الشتاء وبدء موسم تخزين المسلى الجديد وهو ما لا يتفق مع هذا الفصل، فعلمه بفساد المسلى وعدم مطابقته للشروط قائم ولو كان شخصاً عادياً غير محترف صناعة السمن وتجارته على ما تقدم في أسباب هذا الحكم من شهادة المحلل الكيماوي من أن الشخص العادي يتبين بحاسة مذاقه الحموضة التي تزيد على 15% وهو ما تجاوزتها حموضة السمن موضوع الاتهام. فإذا أضيف إلى هذا فضلاً عن خبرة المتهم أنه أثبت بخطابه إلى مفتش صحة مصر استعداده لاسترداد السمن الفاسد وقدرته على إزالة فساده بمزجه وتسخينه في زبد جديد كان هذا أوضح في الدلالة على تملصه وعلمه بالغش". ويظهر من ذلك أن الواقعة التي أدين الطاعن من أجلها هي أنه باع مسلياً تزيد حموضته على القدر المتفق عليه بين المتعاقدين معه اللذين اشترياه منه وورداه لوزارة الصحة، ولما كانت زيادة الحموضة هذه ليست من عمل الطاعن وإنما نتجت عن تفاعل المواد التي يتكون منها المسلى، فلا يمكن اعتبارها والحال كذلك غشاً مما نص عليه في المادة الثانية من القانون رقم 48 لسنة 1941، ولكنها تعتبر - كما قال الحكم المطعون فيه فيما قاله - خدعاً للمتعاقدين معه في صفات المبيع الجوهرية وما يحتويه من عناصر نافعة - الأمر المعاقب عليه بالمادة الأولى من القانون المذكور، ومتى كان الأمر كذلك، وكانت الواقعة مبينة في الحكم، فلا يعيبه أن تخطئ المحكمة في تسمية الجريمة، وأن تعتبر السمن ذاته مغشوشاً، ولمحكمة النقض أن تطبق القانون تطبيقاً صحيحاً على الواقعة الثابتة بالحكم، وإذن فلا محل لطلب نقض الحكم للسبب المذكور.
وحيث إنه تبين من الاطلاع على الحكم الابتدائي أنه قضى على الطاعن بعشرة جنيهات غرامة، فاستأنف، كما استأنفت النيابة، فقضت المحكمة الاستئنافية بتأييد الحكم فيما قضى به من الغرامة وأمرت بالمصادرة, فطعن الطاعن في هذا الحكم، وقبل طعنه، وأعيدت القضية للمحكمة الاستئنافية للحكم فيها، فحكمت بحبسه شهراً مع الشغل ونشر الحكم على حسابه بجريدة الأهرام والمصادرة. ولما كان الطعن في الحكم الأول مرفوعاً من الطاعن وحده، فإنه لا يجوز عند قبول طعنه وإعادة القضية لمحكمة الموضوع أن تشدد الحكم عليه، وإذن فإن المحكمة تكون قد أخطأت إذ حكمت على الطاعن عند إعادة المحاكمة بعقوبة أشد مما كان محكوماً عليه به، لذلك ينبغي تصحيح الحكم على الأساس المتقدم.