مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الأول (عن المدة من 12 نوفمبر سنة 1931 لغاية 29 أكتوبر سنة 1936) - صـ 674

جلسة 11 أبريل سنة 1935

تحت رياسة سعادة عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: مراد وهبة بك ومحمد فهمى حسين بك وحامد فهمى بك ومحمد نور بك المستشارين.

(246)
القضية رقم 70 سنة 4 القضائية

( أ ) قوّة الشىء المحكوم فيه. وجوب الاحتراس من توسيع مدى شمول هذه القاعدة.
(المادة 232 مدنى)
(ب) وارث. انتصابه خصما عن باقى الورثة فى الدعاوى التى ترفع من التركة أو عليها. شرطه. مناط تحقق هذه القاعدة.
(حـ) قوّة الشىء المحكوم فيه. مدى حجيتها.
(د) دين. ادّعاء شخص سداد دين عن الغير. مطالبته بهذا الدين. ثبوت أن التسديد المدّعى حصل تواطؤا وغشا مع الدائنين. عدم اشتراك الدائنين فى الخصومة. هذا الثبوت لا يحتج به على الكافة.
(هـ) وصى. دفعه مبالغ من ماله لمنفعة القصر. القضاء له بفوائد عن هذه المبالغ بعد خروجه من الوصاية من تاريخ المطالبة الرسمية. لا مانع.
1 - إن القواعد الخاصة بقوّة الشىء المحكوم فيه هى من القواعد الضيقة التفسير التى يجب الاحتراس من توسيع مدى شمولها منعا للأضرار التى قد تترتب على هذا التوسيع. وإذن فكلما اختل أى شرط من شروط تلك القاعدة كالسبب أو الموضوع أو الأخصام بأن اختلف أيها فى الدعوى الثانية عما كان عليه فى الدعوى الأولى وجب التقرير بأن لا قوّة للحكم الأوّل تمنع الدعوى الثانية.
2 - إن القواعد الشرعية التى تقضى بأن الوارث ينتصب خصما عن باقى الورثة فى الدعاوى التى ترفع من التركة أو عليها قد تكون صحيحة ممكنا الأخذ بها لو أن الوارث الواحد كان قد خاصم أو خوصم فى الدعوى طالبا الحكم للتركة نفسها بكل حقها، أو مطلوبا فى مواجهته الحكم على التركة نفسها بكل ما عليها. أما إذا كانت دعوى الوارث لم يكن مقصوده الأوّل منها سوى تبرئة ذمته من نصيبه فى الدين ذلك النصيب المحدّد المطلوب منه فى الدعوى، فان الواضح أنه يعمل لنفسه فقط فى حدود هذا النصيب المطلوب منه ولمصلحته الشخصية فقط فى تلك الحدود لا لمصلحة عموم التركة كنائب شرعى عنها وقائم فى الخصومة مقامها ومقام باقى الورثاء.
3 - المسألة الواحدة بعينها إذا كانت كلية شاملة وكان ثبوتها أو عدم ثبوتها هو الذى ترتب عليه القضاء بثبوت الحق الجزئى المطلوب فى الدعوى أو بانتفائه فان هذا القضاء يجوز قوّة الشىء المحكوم به فى تلك المسألة الكلية الشاملة بين الخصوم أنفسهم ويمنع الخصوم أنفسهم من التنازع بطريق الدعوى أو بطريق الدفع فى شأن حق جزئى آخر متوقف ثبوته أو انتفاؤه على ثبوت تلك المسألة الكلية السابق الفصل فيها بين هؤلاء الخصوم أنفسهم أو على انتفائها. ولكن وحدة المسألة فى الدعويين لا يجوز أمام نص القانون أن تمنع من الدعوى الثانية متى كان الخصمان فى الدعوى الأولى قد تغير أحدهما أو كلاهما.
4 - إذا طالب شخص بعض الورثة بما يخصهم من مبلغ يدّعى أنه كان دينا على مورّثهم وسدّده للدّائنين من ماله ورفضت المحكمة طلبه على هذا البعض لثبوت أن التسديد الذى ادّعاه قد حصل بطريق التواطؤ والغش والتدليس مع الدائنين حالة كون هؤلاء الدائنين المنسوب لهم التواطؤ مع الطالب لم يكونوا فى الدعوى ولم يدافعوا عن أنفسهم فى هذه النسبة فثبوت ذلك لا يصح أن يتمسك به وارث آخر فى دعوى يطالبه فيها ذلك الشخص بما يخصه مما سدّده من دين المورّث زاعما أنه ثبوت ينصب على أمر متعلق بالنظام العام وأنه لذلك ينفع الكافة ويحتج به على الكافة.
5 - لا مانع قانونا من أن يقضى للوصى بعد خروجه من الوصاية بفوائد على المبالغ التى يدفعها من ماله لمنفعة القصر الذين كانوا تحت وصايته من تاريخ المطالبة الرسمية.


الوقائع

تتحصل وقائع هذه الدعوى - بحسب ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه ومن المستندات والأوراق المقدّمة لهذه المحكمة وكانت مقدّمة لمحكمة الاستئناف من قبل - فيما يأتى:
توفى المرحوم محمد أفندى إسماعيل صدقى عن زوجته الست سان صفا وعن ولده القاصر منها محيى الدين محمد إسماعيل وعن أنور ومنيرة وزينب القصر من زوجته المرحومة نعمات كريمة الست أمان بنت عبد النبى. وقد أقيم إبراهيم أفندى فؤاد وصيا على هؤلاء القصر الأربعة ثم عزل من الوصاية وتعينت بدله الست سان صفا وصيا على ابنها محيى الدين والست أمان وصيا على القصر الباقين أولاد بنتها المتوفاة. وقد قدّم إبراهيم أفندى فؤاد حسابا عن وصايته لمجلس حسبى مصر من ضمن ما به مبلغ 300 جنيه ذكر فى الحساب أنه كان دينا برهن على المرحوم محمد أفندى إسماعيل صدقى مورّث القصر لأحمد أفندى مختار يوسف وإسماعيل أفندى زكى يوسف ومحمد أفندى مراد يوسف، وأنه سدّد هذا المبلغ للدائنين المذكورين بمقتضى مخالصة منهم على ورقة الاستدانة والرهن وذلك لعدم تسديد المورّث إياه قبل وفاته. وقد اعتمد المجلس الحسبى هذا الحساب.
وبعد ذلك رفع إبراهيم أفندى فؤاد دعوى ضدّ الست أمان طلب الحكم بإلزامها بصفتها أن تدفع له ما على القصر الثلاثة محجوريها من نتيجة هذا الحساب فدفعت الست أمان دعواه بأنه لا صحة لما يدّعيه من تسديده مبلغ الـ 300 جنيه لأحمد أفندى مختار يوسف ومن معه لأن هذا المبلغ قد سدّده المورّث والد القصر قبل وفاته، وأن المخالصة التى يدّعى إبراهيم أفندى فؤاد أخذها من الدائنين هى مخالصة وضعت بطريق الغش والتدليس بينه وبينهم. وقد انتهت هذه الدعوى برفضها بحكم نهائى من محكمة استئناف مصر الأهلية صدر بتاريخ 30 يونيه سنة 1931 فى الاستئناف المقيد بجدولها العمومى برقم 738 سنة 48 قضائية، وكان رفض الدعوى مبنيا على سبق سداد هذا الدين من قبل المورّث، وهذه الدعوى لم يصر إدخال أحمد أفندى مختار يوسف ومن معه من الدائنين فيها لا من قبل إبراهيم أفندى فؤاد ولا من قبل الست أمان.
وبعد ذلك رفع إبراهيم أفندى فؤاد الدعوى الصادر فيها الحكم المطعون فيه الآن على الدائنين أحمد أفندى مختار يوسف ومن معه أمام محكمة مصر الابتدائية وقيدت بجدولها تحت رقم 514 سنة 1932، وقد طلب فيها الحكم على هؤلاء الدائنين بردّ مبلغ الـ 300 جنيه وفوائده من تاريخ المطالبة الرسمية مع إلزامهم بمبلغ 200 جنيه على سبيل التعويض، وذلك بعلة أنهم استولوا على مبلغ الـ 300 جنيه منه بدون وجه حق. وفى أثناء سير الدعوى أدخل فيها الست أمان بصفتها، كما أدخل فيها الست سان صفا بصفتها الشخصية وبصفتها وصيا على ابنها محيى الدين، وطلب من المحكمة إلزامهما بصفاتهما المذكورة بالمبالغ المطلوبة من الدائنين وذلك فى حالة عجزهما عن إثبات سبق تسديد المورّث لمبلغ 300 جنيه المذكورة قبل وفاته. ودفعت السيدتان بعدم جواز سماع الدعوى لسبق الفصل فيها، فقضت المحكمة بقبول هذا الدفع بالنسبة لما يخص قصر الست أمان من مبلغ الـ 300 جنيه المذكورة، وأما بالنسبة لما يخص الست سان صفا بصفتيها فقد حكمت برفض هذا الدفع من جانبها وبإلزامها بأن تدفع إلى إبراهيم أفندى فؤاد مبلغ 37 جنيها و500 مليم قيمة ما يخصها بصفتها الشخصية فى المبلغ المذكور، ومبلغ 87 جنيها و500 مليم قيمة ما يخص محجورها فى هذا المبلغ. ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات.
استأنف إبراهيم أفندى فؤاد هذا الحكم لدى محكمة استئناف مصر وقيد بجدولها برقم 1100 سنة 50 قضائية. وطلب الحكم بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به بالنسبة لأحمد مختار يوسف أفندى ومن معه والحكم بما قدّمه من الطلبات ضدّهم لدى محكمة أوّل درجة. وفى حالة ما إذا رأت المحكمة تأييد الحكم بالنسبة لهم فتلغى الحكم المستأنف فيما قضى به من عدم جواز سماع الدعوى بالنسبة للست أمان وأن تلزمها هى والست سان صفا بطلباته فى الدعوى، كما استأنفته الست سان صفا بصفتيها استئنافا فرعيا قيد برقم 247 سنة 51 قضائية طلبت به الحكم بإلغاء الحكم المستأنف.
وبتاريخ 14 يونيه سنة 1934 قضت محكمة الاستئناف برفض الاستئناف الفرعى وبإلزام المستأنف عليهما (الطاعنتين) بصفاتهما بأن تدفعا من تركة المرحوم محمد إسماعيل صدقى أفندى للمستأنف (المطعون ضدّه) مبلغ 300 جنيه وفوائده 5% من يوم المطالبة الرسمية الحاصلة فى 29 من نوفمبر سنة 1931 للسداد وألزمتهما بجميع المصاريف عن الدرجتين ومبلغ 500 قرش مقابل أتعاب المحاماة عنهما ورفض ما خالف ذلك من الطلبات.
وقد أعلن هذا الحكم للطاعنتين فى 4 يوليه سنة 1934، فطعنتا فيه بطريق النقض فى 23 منه، وأعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضدّه فى أوّل أغسطس سنة 1934، وقدّم طرفا الخصومة المذكرات الكتابية فى الميعاد القانونى، وقدّمت النيابة مذكرتها فى 6 فبراير سنة 1935.
وبجلسة اليوم المحدّدة لنظر هذا الطعن سمعت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن رفع صحيحا فى الميعاد عن حكم قابل له فهو مقبول شكلا.
وحيث إن وجوه الطعن وردّ هذه المحكمة عليها سيتبين مما يلى:
عن طعن الست أمان
حيث إن الدعوى الأولى التى رفعت من المطعون ضدّه على الطاعنة الأولى بصفتها كان موضوعها المطالبة بنصيب محجوريها فى نتيجة حساب وصاية من ضمنه مبلغ 300 جنيه قيمة دين قال المطعون ضدّه إنه كان مطلوبا من المورّث المرحوم محمد أفندى إسماعيل صدقى، وإنه دفعه للدائنين واستحق بهذا أن يرجع به على ورثة المدين. فموضوع الدعوى المذكورة هو النصيب فى المبلغ المذكور، وسببها وفاء هذا المبلغ من قبل الوصى، وخصومها هم المطعون ضدّه من جهة والطاعنة الأولى بصفتها من جهة أخرى. أما الدعوى الحالية فانها تنقسم قسمين: (الأوّل) ما وجهه المطعون ضدّه على الدائنين من الطلبات وموضوع هذا القسم مبلغ الـ 300 جنيه نفسه. ولكن سبب الدعوى بهذا المبلغ وطلبه هو أخذ هؤلاء الدائنين للمبلغ بدون وجه حق. فهذا القسم لا شك أنه لا تأثير فيه للحكم الصادر فى الدعوى الأولى لاختلاف الدعويين أشخاصا وسببا. وأما القسم الثانى من الدعوى الثانية - وهو المختص بالطلبات التى وجهت فيها على الطاعنتين بصفاتهما - فان مما تجب ملاحظته أن المطعون ضدّه أدخلهما فى دعواه الثانية وطلب أنهما فى حالة عجزهما عن إثبات استلام الدائنين لدينهم مرة أولى من المورّث فتكونان ملزمتين بدفعه له على سبيل التعويض. وتوجيه الطلبات عليهما بهذه الكيفية لا يفهم له أساس قانونى بالنسبة للست أمان الطاعنة الأولى لأن الدعوى الأصلية هى دعوى استرداد مبلغ دفع بغير حق وليس على هذه الطاعنة الأولى أية مسئولية قانونية فيها لمدّعيها المطعون ضدّه لأن الحكم الصادر لمصلحتها فى الدعوى الأولى فى مواجهة المطعون ضدّه لم يقض فقط بأن الدين سبق تسديده من مورّثها قبل وفاته، بل قضى أيضا بأن المطعون ضدّه لم يدفع شيئا للدائنين وأن ما يدّعيه من الدفع لهم غير صحيح وأن المخالصة التى أخذها عليهم هى مخالصة صورية لا تطابق الواقع. فحقيقة الدعوى الموجهة عليها الآن هى إذن إعادة لنفس الدعوى المحكوم فيها لمصلحتها من قبل بأن المطعون ضدّه لم يدفع شيئا، وكل ما فى الأمر أن وصف المبلغ المطالب به تغير لفظا فقيل عنه إنه تعويض بعند أن كان مطلوبا كدين حقيقى فى الدعوى الأولى. ويبقى أن موضوع الدعوى الحالية بالنسبة لها هو هو موضوع الدعوى الأولى وهو نصيبها فى الدين الذى يدعى المطعون ضدّه تسديده للدائنين مع أن الحكم الأوّل أثبت أنه لم يسدّد شيئا، وسببها هو هو هذا التسديد عنها للدائنين ذلك التسديد الذى ثبت بالحكم الأوّل أنه لم يحصل، وخصومها هما الخصمان فى الدعوى الأولى بذاتهما. ومتى كان الأمر كذلك فان قوّة الشىء المحكوم به تمنع من هذه الدعوى الجديدة بالنسبة للست أمان بنت عبد النبى. على أنه يمكن القول بعبارة أخرى مجملة إن مجرّد توجيه طلبات المطعون ضدّه على السيدة المذكورة بالكيفية السابقة ليس له معنى لأوّل وهلة إلا أنه فى صورة ما إذا عجزت عن إثبات دفع الدين مرة أولى تكون كاذبة فى ادّعائها فى الدعوى الأولى أن المطعون ضدّه لم يدفع شيئا، ويكون الحكم الأوّل بالنسبة لها حكما خاطئا لأنه أساء التقدير فقبل منها هذا الكذب وأخذ به، وتكون ملزمة بنفس المبلغ الذى أعفاها ذلك الحكم منه وذلك على سبيل التعويض. وهذا التصوير المختصر واضح فى إفادة أن المراد بالدعوى الثانية إعادة النظر فيما قضى فيه نهائيا بين الطرفين من عدم تسديد المطعون ضدّه شيئا للدائنين بدعوى أن المحكمة لم تعرف فى الدعوى الأولى كيف تحكم بالحق. لذلك كله يتعين إجابة الست أمان لما تطلبه بتقرير طعنها ونقض الحكم المطعون فيه بالنسبة لها والقضاء فى موضوع الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف فيما قضى به من عدم جواز نظر الدعوى بالنسبة لها بصفتها لسبق الفصل فيها. ولا يفوت المحكمة الإشارة فى هذا الموطن إلى أن سبب المأزق الذى وجد فيه إبراهيم أفندى فؤاد بالنسبة للست أمان هو أنه فى الدعوى الأولى لم يدخل الدائنين الأصليين فى الدعوى بل تولى هو الدفاع بنفسه عن نفسه وعنهم فصدر الحكم عليه قاضيا بأنه لم يدفع شيئا وسقط حقه قبل الست أمان فيما يختص بنصيبها، كما تعذر عليه فى الدعوى الجديدة أن يلزم الدائنين بردّ هذا النصيب لأنه ثبت فيها أنهم لم يأخذوا المبلغ مرة أولى.
عن طعن الست سان صف
وأما فيما يتعلق بالطعن المقدّم من الطاعنة الثانية الست سان صفا بصفتيها فان حاصله أنها تريد الانتفاع بالحكم النهائى السابق صدوره بين المطعون ضدّه وبين الطاعنة الأولى. ومعوّلها فى هذا على أن ذلك الحكم إذ قضى برفض دعوى إبراهيم أفندى فؤاد المطعون ضدّه على الست أمان بصفتها قد كان قضاؤه مؤسسا على كون إبراهيم أفندى فؤاد لم يدفع المبلغ فعلا للدائنين، وإنما هو تحصل منهم على مخالصة بطريق الغش والتواطؤ معهم وساعده وإياهم على هذا التواطؤ أن عقد الدين والرهن - بعد أن سدّد المبلغ مرة أولى من قبل المورّث - قد بقى تحت يد الدائنين المرتهنين فساعد بقاؤه هذا على أخذ مخالصة عليه لمصلحة إبراهيم أفندى فؤاد غشا وتدليسا وبدون أن يدفع شيئا. وتقول الطاعنة إن الحكم الأوّل يكون بهذا قد نفى صحة تسديد إبراهيم أفندى فؤاد للمبلغ المذكور نفيا قطعيا صالحا لأن يحتج به كل وارث حتى ولو لم يكن داخلا فى الدعوى، وإن إمكان هذا الاحتجاج أمر من النظام العام الذى لا يمكن العمل على خلافه والذى يجيز الطعن فى الأحكام ولو فى آخر لحظة.
وحيث إن هذا الطعن لا يمكن قبوله لأن القواعد الخاصة بقوّة الشىء المحكوم فيه هى من القواعد الضيقة التفسير التى يجب الاحتراس من توسيع مدى شمولها منعا للأضرار التى قد تترتب على هذا التوسيع. وإذن فكلما اختل أى شرط من شروط تلك القواعد كالسبب أو الموضوع أو الأخصام بأن اختلف أيها فى الدعوى الثانية عما كان عليه فى الدعوى الأولى وجب التقرير بأن لا قوّة للحكم الأوّل تمنع الدعوى الثانية.
وحيث إن الدعوى الأول المقضى فيها بحكم 30 يونيه سنة 1931 كانت متردّدة بين المطعون ضدّه وبين الست أمان بصفتها فقط. أما الدعوى الحالية فهى مترددة بين المطعون ضدّه وبين الست سان صفا بصفتيها، ولا شك أن بين الدعويين اختلافا فى الخصوم، وهذا وحده يكفى لعدم إمكان احتجاج الست سان صفا على المطعون ضدّه بالحكم الأوّل.
وحيث إن ما تدّعيه الست سان صفا من أنها كانت مشخصة فى الدعوى الأولى بالست أمان وأن القاعدة الشرعية تقضى بأن الوارث ينتصب خصما عن باقى الورثة فى الدعاوى التى ترفع من التركة أو عليها، وما ترتبه على ذلك من أنها تكون إذن قد حضرت فى الدعوى الأولى بوكالة الست أمان عنها، فان هذه القاعدة التى تدّعيها قد تكون صحيحة ممكنا الأخذ بها لو أن الوارث الواحد كان قد خاصم أو خوصم فى الدعوى طالبا الحكم للتركة نفسها بكل حقها أو مطلوبا فى مواجهته الحكم على التركة نفسها بكل ما عليها. أما إذا كانت دعوى الوارث - كما هى عليه فى الدفع الذى دفعت به الست أمان الدعوى الأولى - لم يكن مقصوده الأوّل منها سوى تبرئة ذمته من نصيبه فى الدين ذلك النصيب المحدّد المطلوب منه فى الدعوى، فان الواضح أنه يعمل لنفسه فقط فى حدود هذا النصيب المطلوب منه ولمصلحته الشخصية فقط فى تلك الحدود لا لمصلحة عموم التركة كنائب شرعى عنها وقائم فى الخصومة مقامها ومقام باقى الورثاء. وإذن فليس لأحد من هؤلاء الورثاء أن يعتبر أن هناك قوّة شىء محكوم به فى الدعوى الأولى تمنع المحكوم ضدّه من مطالبته هو شخصيا بنصيبه بدعوى أخرى.
وحيث إن مما يحسن التنبيه إليه أن الواجب اتباعه فى مثل هذا الصدد هو أن المسألة الواحدة بعينها إذا كانت كلية شاملة وكان ثبوتها أو عدم ثبوتها هو الذى ترتب عليه القضاء بثبوت الحق الجزئى المطلوب فى الدعوى أو بانتفائه فان هذا القضاء يجوز قوّة الشىء المحكوم به فى تلك المسألة الكلية الشاملة بين الخصوم أنفسهم ويمنع الخصوم أنفسهم من التنازع بطريق الدعوى أو بطريق الدفع فى شأن حق جزئى آخر متوقف ثبوته أو انتفاؤه على ثبوت تلك المسألة الكلية السابق الفصل فيها بين هؤلاء الخصوم أنفسهم أو على انتفائها. ولكن وحدة المسألة فى الدعويين لا يجوز أمام نص القانون أن تمنع من الدعوى الثانية متى كان الخصمان فى الدعوى الأولى قد تغير أحدهما أو كلاهما.
وحيث إن ما تدّعيه الست سان صفا من أن علة الحكم الأوّل الذى أسقط طلب المطعون ضدّه هى كون ما ادّعاه من تسديد الدين قد حصل بطريق التواطؤ والغش والتدليس مع الدائنين وأن هذا الإثبات منصب على أمر متعلق بالنظام العام، وأنه بذلك يكون إثباتا محتجا به على الكافة وتستفيد هى منه - ما تدّعيه من ذلك لا يؤبه له، فان أقل ما يسقطه أن الغش والتدليس تهمة مدنية تحيق فى نظر المحكمة التى أصدرت الحكم الأوّل من تواطؤوا عليها، وهم إبراهيم أفندى فؤاد والدائنون معا، والتهم لا تلصق بالناس حتى تسمع أقوالهم فيها، وهؤلاء الدائنون الذين لا تتحقق تلك التهمة إلا باشتراكهم فيها لم يكونوا خصوما فى الدعوى الأولى ولم يدفعوا عن أنفسهم فيما نسب لهم فيها فلا يمكن إذن أن يكون ذلك القضاء حجة على الكافة، كما تقول الطاعنة، ما دام هؤلاء الدائنون قد كان لا يزال لهم حق الدفاع عن أنفسهم فيها ضد كل إنسان. وهذا القدر وحده كاف فى إفادة أنه لا معنى للقول بأن تلك المسألة من النظام العام وأن الحكم فيها حجة على الكافة.
أما ما تدّعيه الست سان صفا من عدم جواز الحكم للمطعون ضدّه بفوائد المبلغ المحكوم به، لأن المطعون ضدّه كان وصيا وعلاقته مع القصر تحدّدها الشريعة الغرّاء وقانون المجالس الحسبية ولا شىء فيهما يبيح للوصى أن يطلب فوائد على المبالغ التى يدفعها من ماله لمنفعة القصر محجوريه، فانه ادّعاء غير مقبول. ذلك بأن الثابت فى الدعوى أن المطعون ضدّه قد خرج من الوصاية من قبل رفعه الدعوى وأصبح بذلك دائنا كغيره من الدائنين الذين لهم حق فى الفوائد من وقت المطالبة الرسمية. نعم ربما يكون الطعن محل نظر لو أن المطعون ضدّه كان طلب الفوائد على دينه من وقت صرفه إياه تشبها فى ذلك بالوكيل الذى له هذا الحق قانونا، ولكن ما دام هو لم يطلب الفوائد إلا بعد خروجه من الوصاية ومن تاريخ المطالبة الرسمية فقط فلا وجه لاستصحاب أصل صفته لغرض حرمانه من حق لا وجه قانونيا لحرمانه منه. على أن مما يجب التنويه به فى هذه الدعوى أن هذه المحكمة لاحظت فى الحكم الابتدائى أنه أثبت أن محيى الدين القاصر إذا كان واجبا عليه أن يدفع لإبراهيم أفندى فؤاد مبلغ 87 جنيها و500 مليم قيمة ما خصه فى مبلغ الـ 300 جنيه، فان له فى ذمة إبراهيم أفندى فؤاد مبلغا كليا لو استنزل منه مبلغ الـ 87 جنيها و500 مليم المذكور لكان الباقى له على إبراهيم أفندى فؤاد الـ 97 جنيها. كما لاحظت أنه فى ذات اليوم الذى صدر فيه الحكم الابتدائى فى هذه الدعوى وفيه تلك العبارة قد صدر عقبه حكم آخر (مقدّم ضمن المستندات) فى قضية كانت مرفوعة من الست سان صفا على إبراهيم أفندى فؤاد ومقيدة برقم 465 كلى مصر سنة 1932 بمطالبته بمبلغ 184 جنيها و513 مليما لابنها القاصر وثبت وجوب هذا المبلغ فى ذمة إبراهيم أفندى فؤاد للقاصر المذكور، فاستبعدت منه المحكمة مبلغ الـ 87 جنيها و500 مليم الذى قضت به قبل ذلك فى ذات اليوم على القاصر فى الدعوى المرفوع فيها الطعن الحالى وقضت للقاصر بالباقى فكأن الحكم المطعون فيه قد تنفذ فعلا بمقاصة أجرتها المحكمة الابتدائية فى تلك الدعوى رقم 465 سنة 1932 المذكورة. ولأن الحكم الصادر فى هذه الدعوى الأخيرة لا يدرى إن كان أصبح نهائيا أم لا، فقد استعلمت محكمة النقض من الخصوم فقال وكيل إبراهيم أفندى فؤاد إنه أصبح نهائيا وإن موكله على كل حال متنازل عن فوائد مبلغ 87 جنيها و500 مليم المحكوم بها على محيى الدين القاصر بمقتضى الحكم المطعون فيه وطلب إثبات هذا التنازل. وإذن فالفوائد لا تكون مستحقة لإبراهيم أفندى فؤاد إلا عن مبلغ 37 جنيها و500 مليم المحكوم به على الست سان صفا شخصيا.